:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، أغسطس 10، 2005

فلاديمير كوش

في سنّ الرابعة عشرة، رسم فلاديمير كوش صورة لعاصفة فوق إحدى الجزر في هاواي. وبدت أشجار النخيل في تلك اللوحة وهي تتمايل بعنف تحت وطأة الريح العاتية وغزارة المطر الموسمي.
الفنان الموسكوفي الشابّ الذي كان متفوّقا في الجغرافيا كان يعرف انه يتوق للعيش في الجزر الأمريكية الاستوائية التي كانت بالنسبة له "الأرض الموعودة".
وبعد عشر سنوات واتته الفرصة لمزاولة فنّه في الولايات المتحدة. وبعد ذلك انتقل للعيش في ماوي بـ هاواي.
لكن كوش قرّر في ما بعد أن الوقت قد حان لينشر كتابا يتضمّن رسوماته شبه السوريالية. غير انه قرّر فجأة مغادرة هاواي والعودة إلى موطنه موسكو حيث السماء الرمادية والأرض المكسوّة بالجليد.
السبب في اتخاذه تلك الخطوة المفاجئة هو انه أدرك أن قدرته على أن يصبح فنانا مختلفا تتطلب منه أن يكتسب مخيّلة أقوى بما يمكّنه من إدراك طبيعة وقيمة الجمال، وهو أمر لم يحققه في الجزر الاستوائية.
يقول كوش: الخيال لا يعمل عندما تكون الشمس في أوج سطوعها. والمسألة لها علاقة بمنطقة ما فوق الشعور".
لم تكن تلك هي المرّة الأولى التي يغادر فيها فلاديمير كوش هاواي التي تشبه الجنّة باحثا عن الإلهام في شتاء موسكو القارس. فالعودة إلى الوطن ومرابع الصبا هو بمعنى ما أداة في العملية الإبداعية في الفنّ تماما كالرسم والفرشاة.
وكان لإقامته القصيرة في موسكو اثر كبير عليه. فبالنسبة لـ كوش كان وقتا للإبداع الذي مكّنه خلال فترة قصيرة من اكتساب الاعتراف الكافي وفرض فنّه على اكبر معارض الفنّ في الولايات المتحدة.
وما أنتجه كوش في غرفته الصغيرة والمنعزلة في موسكو كان عبارة عن سلسلة من اللوحات الأكثر تلوينا ودقة.
في الربيع عاد كوش إلى هاواي مرّة أخرى، ووجدت لوحاته استقبالا حارّا من ملاك وزبائن الغاليريهات الكبرى في فرونت ستريت الذي تتوزّع على جانبيه اشهر معارض الفن التشكيلي في الولايات المتحدة.
ويمكن وصف فنّ فلاديمير كوش بالسوريالية رغم أنه يبدي معارضته لهذا الوصف. فلوحاته تتسم بوضوحها وسطوع ألوانها ودقة التفاصيل فيها، فالأشياء محدّدة بوضوح وبطريقة تمزج ما بين الكلاسيكية والواقعية.
ومثل السورياليين الآخرين، تبدو الأوضاع في لوحاته غير واقعية ومكوّنات الأشياء غير اعتيادية. فهناك لوحة تصوّر طواحين الهواء فيما تبدو الفراشات عليها بأجنحة تشبه السكاكين. وفي لوحة أخرى رسم لرقعة شطرنج تتحوّل إلى قلاع وحصون عند الحوافّ، فيما يقف الملك والملكات في وسط الرقعة بملامح نصف بشرية.
ويملأ كوش رسوماته بأجسام مجازية مألوفة مستمدّة من الأساطير المعروفة كالنسور والفراشات والماسات والجواهر. أما البشر فيبدون دون وجوه أو ملامح. ومن الواضح انهم يلعبون دورا ثانويا في أعماله.
ويروق لـ كوش تسمية أسلوبه بعالم المجاز. والأدوات المجازية في اللوحة تستخدم لاستيعاب الأفكار التي لا يمكن تفسيرها مثل الخلق والحبّ. والفنان لا يشوّه الأشياء في لوحاته كما يفعل معظم السورياليين ولا يلجأ إلى استخدام الألوان الداكنة، وهذه مسألة ضرورية للجمهور الأمريكي.
عالم الاستعارة والمجاز الذي يستخدمه الرسّام يوفّر رؤية للعالم من منظور التعبير الحدسي عندما يلجأ الفنان إلى تصوير معان متعدّدة للوجود.
انه عالم ما تحت الوعي والرغبة في اكتشاف المجهول والخفيّ وتقريب الأشياء البعيدة. وهو عالم يستند بدرجة كبيرة إلى عناصر الميثولوجيا لكنّ جذوره ممتدّة في أعماق الشعر والموسيقى والأدب.
تقول الناقدة برينيتا ميريسولا: إن لوحات فلاديمير كوش جديدة وفريدة من نوعها والزبائن يتهافتون لشرائها. وتضيف: من بين الفنانين الأحياء، تحظى لوحات كوش وحده بإقبال كثيف من الزوّار والمشترين، جنبا إلى جنب مع لوحات دالي ورينوار وبيكاسو.
كوش يعتقد أن الفن التشكيلي الروسي غير قابل للقراءة والفهم من قبل الأمريكيين، فهو محمّل بالمعاني الفلسفية والسياسية التي لا تجد من يفهمها هناك.
بدأ فلاديمير كوش علاقته بالسوريالية في سنّ الرابعة عشرة. ويبدو انه كان متأثرا بحقيقة أن والده كان متخصّصا في الرياضيات. وقد غرس الأب في ابنه تقديرا عميقا للعلاقة بين الرياضيات والفنّ. وفي اليونان القديمة كان الفنّ والرياضيات يعتبران شيئا واحدا.
ويؤكد كوش أن عدم اهتمامه بالشكل هو الذي أبعده عن الاتجاهات الفنية الرائجة كالانطباعية. ويضيف: في كلّ عمل من أعمالي أثير مشكلة أو سؤالا ما دون أن أوفر إجابة أو حلا. إنني أريد أن استثير أفكار الآخرين دون أن أملي عليهم قيما أخلاقية أو دروسا وعظية من نوع ما..