:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، نوفمبر 14، 2005

السعادة والتديّن

كثيرا ما نقرأ ونسمع كلاما من قبيل أن الشخص المتديّن اكثر سعادة من غير المتديّن. فهو يعيش حياة أطول ولا يعرف الحزن أو الإحباط إلا في ما ندر، كما انه في العموم يعيش حياة هانئة وسعيدة لا تعرف المشاكل ولا المنغّصات.
ومن بين الأقوال التي تتردّد بكثرة في المساجد وعلى منابر الوعظ أن الإنسان غير الملتزم أو غير المتديّن هو دائما فريسة للقلق والتململ والسخط على الدنيا، وان المتديّن قريب من الله وان الله قريب منه من خلال الصلاة والدعاء والمناجاة وعامل التوكّل والإيمان بالقضاء والقدر.
ولهذا فان المتديّن اكثر سعادة من غيره من الناس.
لكن هناك العديد من الأمثلة والحالات التي لا أقول إنها تناقض هذه الصورة بالضرورة وانما – على الأقل – تحفزنا لعرضها على ميزان الفحص والتدقيق لاثباتها أو نفيها..
سمعتُ ذات مرة قصّة رواها أحد الأشخاص وفيها يتحدّث عن الانقلاب الذي حدث في سلوك أفراد عائلة أحد معارفه.
فالزوجة والبنات بعد أن واظبوا لبعض الوقت على حضور بعض جلسات الذكر والتوعية الدينية اعترتهن فجأة حالة من التديّن المفرط فاصبحوا لا يكفون عن قراءة القرآن الكريم في البيت آناء الليل والنهار.
وامتدّ تأثير تلك الحالة ليشمل الامتناع عن مشاهدة التلفزيون ثم الاعتكاف في المنزل ساعات طوالا، وشيئا فشيئا اصبحوا مقطوعين عن العالم الخارجي!
وفي مرحلة لاحقة أصبحت تنتاب الأم وبناتها حالات من الخوف والقلق غير المبرّر.
في الليل مثلا كانت تتراءى لهم أشباح واخيلة مخيفة واثناء النوم تزورهم الكوابيس المزعجة على الرغم من تسلّحهم بقراءة الآيات الكريمة والمعوّذات وغيرها.
وفي النهاية وعندما بلغت الأمور حدّا لا يطاق اصبح الرجل وعائلته ضيوفا دائمين على المشايخ الذين يزاولون الشعوذة باسم الدين ويزعمون امتلاكهم قوى خارقة تمكّنهم من إخراج الجان من الجسد!
والقصة لم تنته فصولها حتى هذه اللحظة للأسف!
ربّما يقول البعض إن هذه حالة شاذة واستثنائية ولا ينبني عليها حكم وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكنها تثير سؤالا يحمل مفارقة، إذ أن الفكرة الشائعة هي أن التديّن يدفع بالإنسان إلى منطقة اليقين ومن ثم إلى حالة الاطمئنان الذهني والاستقرار العقلي وليس العكس.
برنارد شو ُطرح عليه مثل هذا السؤال فأجاب بطريقته الساخرة: إن حقيقة أن الإنسان المتديّن اكثر سعادة من غير المتديّن لا تختلف عن حقيقة أن الإنسان السّكير اكثر سعادة من الإنسان الوقور!
نظريا وبشكل عام ، يمكن القول إن الإنسان المتديّن (باعتدال وسماحة) اكثر سعادة من سواه.
ربّما يعود السبب إلى أن الملتزم يؤمن بالله وبالحياة الآخرة إيمانا يقينيا وصادقا، وهذا العامل من شانه أن يخفّف من شعوره بالوحدة في الدنيا، بالإضافة إلى أن هذا الشعور يمنح صاحبه قوّة كبرى خاصة في أوقات المحن والشدائد.
لهذا هو – بقدر ما - اكثر سعادة من غير المتديّن.
لكن هذا لا ينفي أن بعض المتديّنين كثيرا ما يتعرّضون لحالات اكتئاب وعدم رضا عن الذات والآخرين، ولعل هذا العامل بالذات هو ما يدفع البعض نحو التطرّف والهوس الديني واعتزال المجتمع تحت ذريعة انه "كافر وفاسد".
لكن في بيئة مثل بيئتنا الشديدة المحافظة دينيا واجتماعيا، يمكن أن ُيطرح سؤال آخر غير بعيد الصلة عن الموضوع: ألا يمكن أن يتسبّب التديّن المبالغ فيه وغير السويّ في أمراض واختلالات نفسية لممارسيه يروح ضحيتها المجتمع بأسره وذلك عندما ُتحرم غالبية الناس من التمتّع بالسعادة والرضا عن الذات، خاصة في مثل هذه الظروف التي تحوّل فيها الدين إلى رخصة للقتل بفضل الفتاوى السوداء والحمراء؟!
ثم أليس من حق الآخرين أن يختاروا أن يعيشوا حياة اقلّ تديّنا واكثر سعادة وتسامحا وانفتاحا وإنسانية؟!