:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، نوفمبر 15، 2005

الروض العاطر

هذا كتاب فريد من نوعه وفي مضمونه وقد ذاع اسم مؤلفه في الأمصار وحقّق شهرة عالمية بفضل هذا الكتاب بالذات.
اسم الكتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر" ومؤلفه هو الشيخ عمر بن محمد النفزاوي المولود في نفزاوة الواقعة جنوبي تونس.
لم يؤلف الشيخ النفزاوي كتابا آخر غير هذا الكتاب مع أن مؤلفه كان ضليعا بأمور الأدب والطب والمعرفة. ومع ذلك اختار أن يكرّس كتابه للحديث عن أمور العشق والجنس بطريقة فيها الكثير من الجرأة والاقتحام.
كتاب النفزاوي يندر أن تجده اليوم في المكتبات نظرا لجرأة الكتاب وحساسية موضوعه وكذلك للغة المباشرة والمكشوفة التي استخدمها المؤلف في كتابه.ومن حسن الحظ أن الإنترنت التي كسرت الحظر على الكثير من الكتب والمؤلفات الممنوعة أتاحت أخيرا قراءة النص الكامل لهذا الكتاب النادر في نسخته الإنجليزية التي نقلها عن العربية السير ريتشارد بيرتون الرحالة والأديب والمستشرق البريطاني المشهور.
وقد ادرج موقع نصوص مقدّسة كتاب الشيخ النفزاوي ضمن النصوص المختارة التي يوفرها.
ويبدو أن هذا الكتاب ألف في بدية القرن السادس عشر أي في حوالي 925 هجرية. وعن ظروف تأليف الكتاب يقال بان الباي حاكم تونس في ذلك الوقت كان ينوي أن يعهد إلى الشيخ النفزاوي بمنصب رئيس القضاء لكن الشيخ لم يكن راغبا في تولي الوظيفة، فلما قرأ الباي كتاب الشيخ عدل عن رأيه واذعن لمشيئة الشيخ بعد أن توصّل إلى استنتاج أن الشيخ لا يصلح لتقلد وظيفة القضاء ولا أية وظيفة عامة أخرى.
يقول بيرتون في تقديمه للكتاب: خلافا لعادة العرب لا يوجد تعليق على هذا الكتاب والسبب يعود ربما إلى طبيعة الموضوع الذي يعالجه والذي قد يزعج الجادين والوقورين.
ومن بين المؤلفات التي تطرّقت إلى علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة الجنس بالشخصية والصحة والمزاج لا يوجد كتاب ينافس "الروض العاطر" ، بل إن ما يجعله متفرّدا عما سواه هو الجدية التي يتعرّض بها كاتبه لأمور وأحوال قد تبدو في نظر الكثيرين مبتذلة وفاضحة.
وربما يستحق الشيخ النفزاوي الكثير من الإشادة والتقدير لانه سلط الضوء على جانب "ظل غائبا في حياة قوم ما يزال فن الحب عندهم في سني طفولته الأولى"، على حدّ تعبير بيرتون.
لكن بيرتون يأسف لان الشيخ لا يذكر في كتابه ما يفيد بأن العرب عرفوا شيئا من فنون الحب والمداعبات الجنسية التي خبرها الغربيون!
يقول الشيخ في مقدمة كتابه:
"اقسم بالله العظيم انه لا غنى لأي إنسان عن قراءة هذا الكتاب، أما الذين لا يقرءونه أو ينظرون إلى ما فيه بسخرية أو استهزاء فانهم ليسوا اكثر من جهلة واعداء للمعرفة! والحمد لله الذي وضع في أعضاء المرأة متعة للرجل وزوّد الرجل بأعضائه الطبيعية كي يوفّر للمرأة اعظم متعة. إن الله سبحانه لم يضع في عضو الأنثى أية متعة أو إشباع ما لم يخترقه عضو الرجل كما أن عضو الرجل لا يعرف الهدوء ولا الراحة حتى يلج عضو الأنثى"!
ويمضي الشيخ النفزاوي في هذه التجليات الطريفة فيقول في باب الرجال الذين يستحقون الثناء:
"فلتعلم يا مولاي (أي الباي) بارك الله فيك أن هناك أنواعا مختلفة من الرجال والنساء وبين هؤلاء من هم جديرون بالثناء والإعجاب ومنهم من لا يستحق سوى الذمّ والازدراء".
ويضيف: "إن الرجل الكفء عندما يجد نفسه قرب امرأة فإن ذكره سرعان ما يقوم ويشتد. هذا هو الرجل الذي تبحث عنه وتقدّره وتحبه النساء. لان المرأة لا تحبّ الرجل سوى للجنس لذا يجب أن يكون في عضوه بسطة وقوّة"!
والكتاب حافل بالكثير من التعليقات الجريئة والأوصاف الطريفة التي ربما ينظر إليها المرء باستغراب وحيرة. ولا ينسى الشيخ أن يضمّن كتابه جانبا من مغامراته العاطفية مع جاراته أيام الشباب وبشكل مفصّل، وبعض تلك القصص لا يخلو من جرأة وطرافة!
يقول الشيخ شارحا ردّ فعل الباي على الكتاب:
"بعد مرور ثلاثة أيام أتاني مولانا الباي وبيده الكتاب، وعندما رآني متوتّرا وخجلا بعض الشيء قال: لا يجب أن تشعر بأيّ خجل أو حرج فكلّ ما ذكرته في هذا الكتاب ذو قيمة، وليس في ما كتبته ما يصدم أحدا. لكن فاتك شئ ما". وعندما استفسرتُ عن مراده قال: لقد كنت افضّل أن تضيف إلى الكتاب ملحقا تخصّصه للحديث عن كل مرض من الأمراض والاختلالات التي ذكرتها".
كتاب "الروض العاطر" يذكّرنا إلى حدّ كبير بكتاب شهير آخر هو كاما سوترا Kama Sutra ، وكاما هو اله الحب عند الهندوس وسوترا كلمة معناها دليل وبذا يكون معنى الكتاب "دليل الحب".
وقد ُكتب كاما سوترا في الهند في القرن الرابع الميلادي وهو كتاب فلسفة واجتماع كما انه يشتمل على التعاليم الهندوسية المتعلقة بطقوس الحب والتي تعكس العادات الاجتماعية والجنسية التي كانت شائعة لدى الهندوس زمن تأليف الكتاب.
وتتضمّن تلك التعاليم أساليب استخدام الزيوت والعطور والنباتات لزيادة الإثارة والاستمتاع بالجنس بين الرجال والنساء.
وكثير من فصول كتاب الكاما سوترا ما تزال تلقى الانتشار والقبول في كل مكان. (بالمناسبة هناك في محرّك الياهو حوالي 178000 موقعا وصفحة تتحدّث عن تعاليم الكاما سوترا بدءا بفنون الحب ومرورا بأوضاع الجنس وانتهاء بالألعاب الجنسية والخليعة)!
الغريب في الأمر أن اتباع كاما سوترا قاموا بترجمة كتاب الشيخ النفزاوي إلى اللغات الهندية كما اخرجوا نسخة خاصة منه بالإنجليزية بعد أن أدركوا قيمة الكتاب وأهمية مضمونه.
وعند الحديث عن الكاما سوترا فإن الذهن ينصرف تلقائيا إلى كتاب آخر شبيه ويحظى بنفس الشهرة وهو كتاب التانترا Tantra ، والتانترا فلسفة بوذية تنحو باتجاه إحاطة الجنس بهالة روحانية وتحاول أن توفر للإنسان أقصى درجات الحب والنشوة من خلال تعاليم ذلك النص المقدس.
ومع ذلك يظل كتاب الروض العاطر بإجماع النقاد اشهر الكتب الكلاسيكية في بابه وأكثرها تشويقا وابهارا، وهو يتميّز عن كاما سوترا والتانترا وغيرهما من الكتب المماثلة باحتوائه على قصص وحكايات مدهشة واحيانا طريفة عن العادات الجنسية التي كانت شائعة في المجتمعات العربية والإسلامية خلال القرون الوسطى.
ومن المؤسف أنه في الوقت الذي تحتفي فيه الثقافات العالمية الأخرى بكتبنا وتهتم بآثارنا الأدبية، يلاقي هذا الكتاب نفس مصير كتاب ألف ليلة وليلة فيتعرّض للحظر والمنع في الأقطار العربية بدلا من إجازته بعد شئ من التعديل والتشذيب.