:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، يناير 05، 2006

سلوكيّات خاطئة

تحدّث أحد الاخوة عن ملاحظة لمسها بعد زيارته مؤخّرا لمكّة المكرّمة، فقال إن مكّة تعتبر من اوسخ المدن في العالم، لسبب بسيط هو أن من يحجّ إليها كلّ عام هم المسلمون؛ اكثر شعوب العالم تخلفا وجهلا ووساخة.
وقال انه رأى كمّية هائلة من القاذورات وأطنانا من المخلفات التي يتركها الحجاج والزائرون في المشاعر، ولم تفلح كافة أساليب الدعوة والإرشاد في توجيه الكثير من الأفارقة والآسيويين وتوعيتهم بأهمية التزام النظافة والنظام في المشاعر.
طبعا الزميل لم يكن يتكلم عن مكّة من حيث كونها رمزا روحيا وعاصمة مقدّسة للمسلمين، وانما عن مكّة - المدينة بمرافقها وشوارعها وساحاتها وعن مرتاديها من معتمرين وزوّار الخ..
وكنت قد ذهبت في نهاية رمضان الماضي إلى مكّة لاداء العمرة، ودهشت من حجم القذارة التي رأيت.
تلال عظيمة من القمامة وروائح كريهة تطاردك أينما حللت أو تنقلت.
والأمر لا يتعلق بتقصير الإدارات والأجهزة المعنية بالحفاظ على نظافة المكان فهي تبذل الكثير من الجهود المضنية والمشكورة، وإنما بإهمال المعتمرين والزوار الذين يؤمّون الحرم الشريف ولا يأبهون كثيرا بنظافة المكان إلى ما سوى ذلك من التصرّفات التي أصبحت للأسف مرتبطة بحال المسلمين وعالمهم المتخلف.
والأمر الادهى والأكثر إيلاما من هذا أن الكثير من المؤمنين لا يهتمون حتى بنظافتهم الشخصية، بدليل تلك الروائح القاتلة التي تخرج من أجساد بعضهم.
هذا مع أننا كنا نطوف قبيل صلاة الفجر، ولك أن تتخيّل قسوة تلك الروائح وقت الضحى أو الظهيرة.
تعجّبت مما رأيت، وبعض من كان معي سعى جاهدا للحصول على كمّامات يضعها على انفه ووجهه، وبعضنا صرف النظر عن فكرة العمرة من أساسها وفضّل أن ينسحب من المسجد ويكتفي بالصلاة في الساحة الخارجية، فيما لم يستطع البعض الثالث مقاومة رغبته في التقيؤ جرّاء تلك الروائح التي تتأفّف منها حتى الدوّاب.
وتساءل البعض ألا يستحمّ هؤلاء! ألا يغتسلوا! ألا يراعوا حرمة المكان ويحترموا مشاعر الطائفين والركّع السجود! ألم يعلموا أن من أهمّ شروط الصلاة طهارة الجسد!
ولم يخفّف من غلواء تلك الروائح رؤية بعض العمال والسدنة وهم يطوفون بالبخور بين جموع المصلين والمعتمرين في الساحات وعبر الأروقة محاولين الموازنة بين الروائح. لكن كيف يوازنون، وماذا يبخّرون وماذا يتركون!
وفي وسط تلك المعمعة، كانت تهبّ علينا بين الحين والآخر نسمات عطرة تخيلناها آتية من الجنّة. أخلاط شتى من روائح شذيّة مصدرها مؤمن مارّ أو مؤمنة عابرة. لكنها سرعان ما كانت تتبخّر وتتلاشى وسط ذلك الجوّ المشبع بالعفن والرطوبة.
والمشكلة أن بعض الزائرين كان يسعل ولا يتوانى عن البصاق في أيّ مكان ودون أن يأبه بمشاعر الناس من حوله.
وفي مكان غير بعيد من مقام إبراهيم شهدت مشادّة حامية بين معتمر نيجيري واخر باكستاني لان الثاني داس على طرف سجّادة الأول عن غير قصد. وذهلنا لسوء خلق النيجيري وتلفظه بكلمات نابية دون مراعاة لقدسيّة المكان. ولم ينه الخناقة سوى تدخّل الحرّاس والجنود.
وخارج الحرم مباشرةً فوجئنا بتلوّث من نوع آخر، وكما لو أن الروائح لم تكن كافية، إذ صكّ أسماعنا صوت واعظ كان ينطلق من جهاز تسجيل موصول بميكروفون ضخم تمّ نصبه عند مدخل إحدى العمائر، فوضعنا أصابعنا في آذاننا والتمسنا اقصر طريق يبعدنا عن تلك الشوشرة. وعلق أحدنا بقوله: كان الله في عون سكان هذا الحيّ، كيف لمرضاهم أو لأطفالهم أن يناموا أو يرتاحوا مع كل هذا الضجيج والصراخ المتواصل، وكيف يتصوّر بعض الناس أن الله يمكن أن يثيبهم ويكافئهم وهم يزعجون خلق الله ويقلقون راحتهم بمثل هذه الأساليب الهمجية والبعيدة كل البعد عن الدين وقواعد الذوق السليم!
غادرنا البلد الحرام وما أن وصلنا إلى البيت حتى تمدّدنا كأعجاز النخل من فرط التعب، ووقعنا لأيام فريسةً لاعراض شتّى من الحمّى إلى الغثيان إلى الإنهاك والإسهال، ويبدو أننا التقطنا من هناك كافة أنواع الفيروسات الموجودة على الأرض. ولم يخفّف من تعبنا قول البعض وهو يعزّينا: الأجر على قدر المشقة!
المهم حدّث ولا حرج عن الوساخة وأرتال القمامة والإزعاج، ومن حقّك بعد ذلك أن تقارن بين حال المسيحيين وحال المسلمين. بين ساحة كنيسة سينت بطرس والمسجد الحرام. من المؤكد أن مكّة لو كانت مزاراً للمسيحيين لأصبحت مدينة تنافس في نظافتها وجمالها مدينة روما.
هنا جهل وفوضى وقذارة وتخلف، وهناك نظافة وانضباط ووعي ومراعاة لقدسيّة المكان.