:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، أبريل 21، 2007

كاد المعلم أن يكون قتيلا‏

كثرت في الآونة الأخيرة حوادث اعتداء الطلبة على المعلمين.
وقد قرأت في اليومين الأخيرين نداءات استغاثة وجّهها معلمون إلى السلطات المعنية لتوفّر لهم حماية اكبر بعد تعرّض بعضهم إلى هجمات وعنف جسدي من قبل بعض الطلاب.
جريدة عرب نيوز نشرت تقريرا مزعجا منذ يومين أشارت فيه إلى أن معلما تعرّض للضرب المبرح لدرجة أن أغمي عليه وكاد يفقد حياته بعد أن رفض زيادة درجات احد الطلبة.
وقد قام الطالب المعتدي ورفاقه بتصوير واقعة الضرب بالبلوتوث وقاموا بتوزيعها على نطاق واسع إمعانا في إذلال المدرّس الضحية.
كما ذكر التقرير أن طالبا آخر وجّه مسدّسا إلى صدغ معلمه وقام بإضرام النار في سيارته بعد أن ابلغ المعلم الجهات المختصة بقيام الطالب "بالتفحيط" بسيارته وإزعاج راحة الأهالي.
والحقيقة أن تزايد حوادث الاعتداء على المدرّسين ينبئ عن أزمة أخلاقية وتربوية خطيرة.
فمهنة المعلم لم يعد لها تلك الهيبة والمكانة التي كانت تقترب من القداسة ذات زمن.
ومن الواضح أن ضعف تربية الآباء لأبنائهم، أو انعدامها أحيانا، أدّت إلى ما نراه في مدارسنا اليوم من فوضى وتسيّب وانفلات.
كما أن قرار منع الضرب في المدارس بحجج وذرائع خيرية وحضارية أدّى هو الآخر إلى تضعضع منزلة المدرّس وبالتالي هوانه وذهاب هيبته.
اليوم كنت اقرأ بالصدفة فصلا من سيرة حياة الروائي اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكيس. وفي ذلك الجزء من مذكّراته يروي الكاتب جانبا من تجربته أيام الدراسة وكيف أن العصا التي بيد المدرّس كانت هي الأداة التي تصنع الرجال.
يقول: كنا جميعا ننتظر اليوم الذي ستحوّلنا فيه هذه الضربات إلى رجال. وبعد أن كبرت وراحت النظريات الخيّرة تضلل عقلي، بدأت اصنّف هذا الأسلوب على انه همجي. لكن بعد أن عرفت الطبيعة البشرية بشكل أفضل رحت أبارك وما زلت عصا المدرّس المقدّسة التي كانت تعيننا على الصعود من مرتبة الحيوان إلى الإنسان".
في الأيام الخوالي يوم كانت هناك تربية حقيقية ومربّون عظام، كان الطالب المخطئ يعلّق في نافذة الفصل بعد أن يكتّف ويشدّ وثاقه في القضبان. وهناك يبقى ساعات طوالا على تلك الحال متعرّضا لسخرية زملائه واستهجانهم إلى أن يحضر والده الذي كان كثيرا ما يبارك تصرّف المدرّس ويثني على حزمه مكرّرا على مسامع المعلم وأمام التلاميذ تلك العبارة المأثورة التي سبق وأن ردّدها يوم أن صحب ابنه إلى المدرسة في اليوم الأول: لكم اللحم ولنا العظم!
وختاما أقول لو أن هذه الشرذمة الفاسدة من الطلاب تربّوا على وقع ضربات العصي وهي تلسع جنوبهم وتلهب مؤخّراتهم عندما يخطئون أو ينحرفون لما استهانوا بأساتذتهم ولما استهتروا بنظام أو قانون، بل ولما تحوّلوا إلى زعران وميليشيات مسلحة تمارس استهتارها وبلطجتها داخل المدارس وخارجها دون أن تجد من يوقفها ويلجم سعارها.