:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، مارس 25، 2008

رسوم وتصاوير دينية

في أحد منتديات الحوار الاليكتروني دار منذ أيّام نقاش مطوّل تناول صورة وضعت مؤخّرا في بعض مواقع الانترنت وقيل إنها للإمام علي بن أبي طالب.
ولكي يبرهن واضع الصورة على مصداقية كلامه عن أصالتها وصحّتها، فقد كتب يقول إن هذه "التحفة النادرة" مرسومة على جلد غزال وأنها موجودة في احد متاحف ايطاليا.
وقد خطر ببالي بعد أن تابعت بعض أجزاء ذلك الحوار أن موضوع الرسومات الدينية في الإسلام يصلح لان يكون مادة للدراسة المعمّقة من قبل البحّاثة والمتخصّصين، فهو مثير للاهتمام والناس مختلفون حوله كثيرا ومنقسمون ما بين مؤيّد ومعترض.
الصورة المزعومة للإمام علي يظهر فيها رجل مكفهرّ الوجه جامد النظرات يجلس متحفّزا وممسكا بسيف. وملامح وجه الرجل تعطي انطباعا عن أننا إزاء صورة فوتوغرافية، أما ما دون الوجه فيبدو كما لو انه َرسْم غير متقن أقحم على الصورة عنوةً عبر عملية مونتاج رديئة.
اللباس أيضا لا يخلو من غرابة، فالرجل الذي يفترض انه يمثل شخصية عليّ يلبس قميصا بأكمام قصيرة يبدو معه في هيئة اقرب ما تكون إلى هيئة المصارعين أو الحمّالين أو لاعبي الأثقال.
وأطرف ما قيل في ذلك النقاش هو تساؤل احدهم عن اسم "الاستديو" الذي ذهب إليه الإمام علي لأخذ تلك الصورة!
وكان من الواضح أن وجه الرجل تشبه ملامحه إلى حدّ كبير ملامح الأتراك العثمانيين أو المماليك. ورغم ذلك أصرّ صاحب الموضوع على أن الصورة حقيقية، بل وطلب من زملائه الباقين أن يتأمّلوا الصورة جيّدا وسيكتشفون "أن قلوبهم تهفو لها بشكل تلقائي"، كما قال!
إن من المعروف أن للشيعة تقاليد متسامحة كثيرا في رسم الرموز الإسلامية. ولا بدّ وانّ بعضنا استرعى انتباهه تلك الصورة التي يحملها الشيعة في "المواكب الحسينية" وفي أيام عاشوراء والتي تنسب لعلي وولديه الحسن والحسين..
وقد رأيت صورا عديدة لآل البيت عليهم السلام، بل وحتى للرسول الكريم نفسه في أكثر من موقع إيراني وباكستاني وتركي.
ومثلما هو الحال مع صور المسيح، غالبا ما تبدو الشخصيات الإسلامية المرسومة في منتهى الوسامة والأناقة مع مسحة أنثوية لا تخطئها العين.
ويلاحظ أن ملامح الشخصيات المرسومة تختلف وتتباين باختلاف بلد الرسّام. فالإيرانيون يرسمون عليّا وأبناءه وأحفاده، مثلا، بملامح إيرانية ، والباكستانيون يخلعون عليهم ملامح هندية أو باكستانية وهكذا.
ويبدو أن الأمر عائد في الأساس إلى تصوّرات الرسّام وتخيّلاته التي هي في النهاية جزء من ثقافة شعبية تقوم في الغالب على تقديس الرموز والتعويل كثيرا على ما تورده قصص الأحلام ورؤى الصالحين عن أوصاف الرموز الدينية وملامحهم.
وأذكر وأنا صغير أنني رأيت في بيت احد أقاربنا صورة منقوشة على سجّادة علقت على الجدار. وما زلت أتذكّر إلى اليوم تفاصيل تلك الصورة جيّدا، إذ يظهر فيها الرسول الكريم وهو يمتطي ظهر البراق محاطا بجبريل والملائكة.
وقد حرص الرسّام على إخفاء معالم وجه الرسول واكتفى برسم هالة من النور الذي يغطي كامل وجهه الشريف.
أما البراق فقد ُرسم على هيئة حيوان له وجه امرأة ذات ملامح هندية أو إيرانية.
ومنذ أيام عثرت بالصدفة على تلك الصورة القديمة بأحد المواقع، واكتشفت أنها مستمدّة من إحدى المنمنمات الفارسية التي ُرسمت حوالي العام 1543م.
وقد ظهرت الصورة لأوّل مرّة في ديوان الشاعر نظامي الذي يعتبر أشهر شعراء فارس الرومانسيين. ولا يعرف على وجه اليقين من رسم اللوحة غير أن هناك من ينسبها لرسّام يدعى "سلطان محمد" عاش في النصف الأوّل من القرن السادس عشر وكان بارعا في رسم المنمنمات.
أما في الفنّ الغربي فتقاليد رسم الشخصيات الدينية تعتبر أكثر عراقة ورسوخا. ومن الطبيعي أن يتمتّع السيّد المسيح بمكانة خاصة تميّزه عمّن سواه من الشخصيات الدينية. وهو يظهر بأوضاع وحالات شتّى، لكن أشهر صوره هي تلك التي يبدو فيها بلحية وشعر طويل وهو يرعى الغنم ويحمل بيده عصا.
غير أن هناك صورا أخرى للمسيح يظهر فيها ببشرة سوداء وملامح افريقية لأن من رسمه في الأصل كان فنّانا اسود. أي أن منشأ الرسّام وثقافته يلعبان دورا مهمّا في صياغة الصورة التي تتشكّل في ذهنه عن الشخصية التي يرسمها.
ولا تختلف فكرة رسم الشخصيات الدينية في الفنّ الإسلامي عنها في الفنّ الأوربي، وغالبا ما يرسم الأشخاص بناءً على ما ورد في الكتب الدينية والتاريخية من أوصاف وملامح وخصال الشخصيات المرسومة.
وفي بعض الصور القديمة التي تعود إلى القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي يظهر الرسول الكريم وقد ُغطّي وجهه ويداه بينما يمسك المصحف الشريف بإحدى يديه ويرفع الأخرى بالدعاء. وفي منتصف الصورة من الأسفل كثيرا ما يظهر لفظ الشهادة محاطا بكلمتي الله و محمّد من اليمين واليسار.
وبخلاف الاعتقاد السائد، فإن الفنّ الإسلامي في بعض البلدان لم يكتفِ بتصور الرموز الدينية المهمّة وإنما عُني أيضا بتصوير الملائكة، كما تدلّ على ذلك المخطوطات والمنمنمات الإيرانية والتركية والمغولية القديمة.
ومن أشهر من اهتمّوا برسم الشخصيّات الدينية الفنّان الإيراني الكبير محمود فرشجيان الملقّب بالأستاذ. ويلاحظ أن فرشجيان يتعمّد رسم وجوه شخصياته الدينية بحيث لا تبين ملامحها، بل يكتفي برسم هالة من النور تغطّي كامل الوجه لتخفي تقاطيعه.
وهناك أيضا رسّام إيراني آخر اشتهر برسم المنمنمات والشخصيات الدينية هو أبو الحسن صادقي. وإلى صادقي أيضا تعزى تلك الصورة الشهيرة المنسوبة للعالم والطبيب والفيلسوف الكبير أبي علي الحسين بن سينا.
وعلى النقيض من الإيرانيين، يبدو العرب صارمين جدّا في تحريم الصور الدينية. ومن الواضح أن السنّة أكثر تشدّدا من الشيعة من هذه الناحية.
وأغلب الظنّ أن السبب في تحريم رسم الرموز الدينية مردّه في الأساس الخوف من أن ينصرف الناس عن عبادة الله إلى عبادة الأشخاص مع ما قد يترتّب على ذلك من ممارسات واعتقادات صنمية. بالإضافة إلى أن تمثيل الشخصيات الدينية، فنّيا، يمكن أن يؤدّي مع مرور الوقت إلى نزع طابع الغموض والقداسة عن الشخص ومن ثم يتحوّل في أذهان الناس إلى مجرّد شخصية أرضية، نسقية واعتيادية.
وعلى عكس ما عليه الحال في الفنّ المسيحي، يمنع في الإسلام تصوير الله عزّ وجل منعا مطلقا وأيّا ما كانت الأسباب أو الظروف. حتى المسيحية نفسها كانت ولوقت طويل تمنع تصوير أيّ شيء يمتّ بصلة إلى السماء.
ولم ينتهِ هذا التقليد إلا مع مجيء عصر النهضة الذي كسر كثيرا من المحرّمات والقيود في الأدب والفن. وأصبحت الكنيسة في ما بعد تستخدم الرموز الدينية وتضع صور وأيقونات وتماثيل المسيح والعذراء والقدّيسين في الكنائس.
ويتفقّ الكثيرون على أن البوذية والهندوسية هما أكثر الأديان تسامحا مع تصوير الرموز الدينية. فصور وتماثيل بوذا وآلهة الهندوس المتعدّدة تملأ المعابد والميادين وتستخدم دائما لأغراض العبادة والتقديس.
أما السيخ فيحرّمون تصوير آلهتهم لكنهم يتساهلون مع صور رموزهم الروحية الأصغر شأنا، وذلك لأغراض الإلهام والتأمّل.
وقبل ظهور الأديان التوحيدية، كانت القبائل البدائية تنحت على الصخر رموزا تعبّدية تتخّذ أحيانا شكل حجارة أو أشجار أو آثار أقدام أو صورا لحيوانات أو طيور.