:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، سبتمبر 25، 2008

حالات


"سوف أعالجك: إذهب بعيدا بعيدا، إلى مكان لا يعرفك فيه احد. إبحث عن أرجوحة أو حصان خشبي. إذا فشلت أو خشيت من استعمال احدهما، فلا تعد إلى بيتك مرّة أخرى".
"أي تكبير لصور مناقير العصافير يقرّبها من الصقور. فاحترس"!
"السندباد البحري وروبنسون كروزو.. محصّلة قوى أحلام الجميع: الانقطاع عن هذا العالم في جزيرة نائية".
"كانت راقية هادئة مهذبة وتخلصت منه دون سكّين أو حبل أو سمّ. فقط كانت تنمّق الزهور بكثافة حول فراشه كلّ ليلة وتغلق النوافذ وتبتسم".
"بعد أن جرفت السيول بيوت الأحياء، نظرتْ بخجل إلى المقابر".
"هذه الجبال الشرسة تراجعت إلى الخلف، ثم بدأت تنحني لتتشمّم نباتات الوادي في وداعة".
- محمّد مستجاب، أديب وكاتب مصري



شُيِّد المعبد على جزيرة ونُصِب فيه ألف جرس. أجراس كبيرة وأخرى صغيرة صاغها أمهر ُصنّاع العالم. وعندما كانت تهبّ ريح أو تثور عاصفة، كانت كلّ الأجراس تجلجل في سيمفونية ينخطف لها قلب المستمع طرباً.
لكن الجزيرة ما لبثت مع تقادم القرون أن غرقت في البحر، والمعبد وأجراسه معها. غير أن أسطورة قديمة تروي أن الأجراس ظلت تجلجل بغير انقطاع بحيث يمكن لكلّ من يودّ الإصغاء أن يسمعها.
استلهم شابّ هذه الأسطورة وارتحل آلاف الكيلومترات، عاقداً العزم على سماع هذه الأجراس. جلس أيّاماً على الشاطئ، مواجهاً الجزيرة المتوارية، مصيخاً السمع بكل قوّته. لكنّ كلّ ما استطاع سماعه كان صوت البحر. وبذل قصارى جهده لكي يبعده، إنما بلا جدوى، إذ بدا صوت البحر غامراً العالم.
وظلّ على دأبه أسابيع. وفي كل مرّة يدبّ اليأس في قلبه، كان يصغي لشيوخ القرية يتكلمون متلذّذين عن الأسطورة الغامضة.
كانت تلك الأحاديث توقد العزيمة في نفسه. لكنه يعود مثبط الهمّة من جديد عندما لا تورثه أسابيع من الجهد غير الخيبة.
قرّر أخيراً التخلي عن المحاولة. فلعله غير مقدَّر له أن يسمع الأجراس. ولعلّ الأسطورة لم تكن صحيحة.
كان ذلك يومه الأخير، فذهب إلى الشاطئ ليودِّع البحر والسماء والريح وأشجار جوز الهند. استلقى على الرمل، وللمرة الأولى أصغى إلى صوت البحر. وسرعان ما بلغ من الاستغراق في الصوت حدّاً كاد معه يغيب عن نفسه، من فرط عمق الصمت الذي ولّده الصوت.
ومن عمق ذلك الصمت، سَمِعَه! رنين جرس ضئيل تبعه آخر، ثم آخر، وآخر..
وسرعان ما كان كلّ من الأجراس الألف يجلجل بتناغم. وذاب قلبه في غبطة الوَجْد.
هل تتمنّى أن تسمع صوت أجراس المعبد؟
إذن أصغ ِ إلى صوت البحر.
أو تتمنّى أن تلمح وجه الله؟
إذن أمعن النظر في الخليقة.
- أنتوني دي ميللو، حكيم ومعلم هندي



الكتب مليئة بأسماء الملوك والقادة والسلاطين.
هل الملوك هم من بنى تلك الكتل الضخمة القديمة من الحجر؟
بابل التي دمّرت مرّات ومرّات، من الذي أعاد بناءها في كلّ مرّة؟
وفي أيّ بيت من بيوت "ليما" عاش أولئك الذين بنوا تلك المدينة التي كانت تلتمع بالذهب؟
وفي تلك الليلة التي انتهى فيها بناء سور الصين العظيم، أين ذهب البنّاءون؟
وامبراطورية روما المملوءة بأقواس النصر، من كان يطلّ منها، وعلى من؟
هل انتصر القياصرة؟
إن بيزنطة ما تزال تعيش في أغنية. لكن أين ذهبت جميع قصورها ومساكنها؟
في اتلانتيس الأسطورية، في تلك الليلة التي هرع فيها البحّارة، كان الرجال الغرقى ما يزالون يصرخون طالبين النجدة من عبيدهم.
الاسكندر الشاب فتح الهند. هل كان لوحده؟
قيصر هزم الغال. ألم يكن هناك حتى طبّاخ في جيشه؟
فيليب الاسباني كان يبكي عندما غرق أسطوله وتحطّم. ألم تكن هناك دموع أخرى؟
فريدريك اليوناني انتصر في حرب السنوات السبع. من انتصر معه؟
في كلّ صفحة ثمّة انتصار. لكن على حساب من كان الانتصار؟
في كلّ عشر سنوات، يظهر "رجل عظيم".
لكنْ من الذي كان يدفع للزمّار ونافخ البوق؟!
- بيرتولد بريخت، كاتب ومسرحي ألماني