:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، فبراير 10، 2009

خواطر في الأدب والفنّ

استعادة


الليل منقذ. وكثيرا ما يفعل.
الليل يخفي بسحره الأخطار الكامنة والألم والهواجس العميقة.
النهار يأتي بمفاجئاته المخيفة، بالصراع والتهيّج وعدم الارتياح.
النهار يذكّرنا بالانضباط وبالسلوك الذي يتعارض عموما مع التفكير.
النهار يجعلنا خاضعين للرغبة والسلطة والطموح.
لكن الليل مسألة مختلفة. إنه يأتي من كوكب آخر، من عالم مختلف.
الليل يجلب الرياح والظلام وستارة بلا اسم.
الليل مختلف، لأنه ينقذنا من مزيد من الآلام والجراح.
الليل يعيدنا إلى حالتنا الأصلية.
يحمينا من المزيد من الأسئلة ويتركنا في سلام.
الليل سبب طبيعي لأن نحيا من بين أسباب كثيرة لأن نموت.
في الليل، نحن بعيدون عن الجموع، عن الأصدقاء، وعن التملّق بما فيه تملّقنا نحن.
وإذا كان الليل متملّقا أيضا، فهو متملّق أمين.
الليل لا يقدّر بثمن، لأنه يمنحنا المرآة التي نرى فيها أنفسنا وتكشف عن رغباتنا الدفينة التي هي أصدق أفكارنا.
الليل يمنحنا تلك الكآبة اللذيذة ويوفّر لنا ملاذا من الجنون المتسارع للنهار، من الوجوه الرطبة لضوء النهار.
الليل يسمح لنا بإغراق أنفسنا في مياه الأحلام العميقة وفي سيكولوجيا العقل الباطن.
الليل عادة لا يعطينا الطمأنينة الكاملة.
لكنه يحمل وعدا بالسلام، وإن كان زائفا أحيانا.

❉ ❉ ❉

❉ ❉ ❉

فتاتان مع أزهار دُفلى


هذه اللوحة مختلفة تماما عن سائر لوحات غوستاف كليمت. فهي تبدو واقعية في مقابل الطابع الرمزيّ الذي يغلب على أعمال هذا الرسّام.
اللوحة مرسومة في الهواء الطلق ولم تتحوّل بعد إلى ذلك الأرابيسك البديع الموشّى بالزينة الثمينة كما في أعمال الرسّام الناضجة.
رسم كليمت فتاتان مع أزهار دُفلى وهو دون الثلاثين. ومع ذلك يبرهن فيها على إتقانه وبراعته في الرسم.
خلال تلك السنوات، كان كليمت يركّز اهتمامه على الفنّ الانجليزيّ من العصر الفيكتوريّ، وخاصّة فنّ ما قبل الرافائيليين.
كانت هذه هي اللحظة التي تجاوز فيها كليمت الحدود الضيّقة للرسم من حيث كونه إعادة بناء للتاريخ أو واقعية فوتوغرافية. ومن هنا بدأ مسار الزخرفة الأسلوبية الذي سيقوده في غضون سنوات قليلة إلى الشعرية الكاملة للرمزية.
في هذه اللوحة تبرز إلى الواجهة ثلاثة عناصر رئيسية: الألوان الكهرمانية والزهرية الدافئة، وحساسية الصور والرموز، والتوازن.
النقوش الذهبية على غطاء رأس الفتاة إلى اليمين تُصدر بريقا وتعطي انطباعا ثلاثيّ الأبعاد. نسيج الحجر والقماش والزهور والبشرة يبدو واقعيّا جدّا.
"فتاتان مع أزهار دُفلى" لوحة مكثّفة عاطفياً. وأوّل ما يلفت الانتباه فيها هو غطاء الشعر اللامع الذي ترتديه الفتاة الأطول ذات الفستان الأسود. هناك شيء ما متطوّر وحسّاس في ملابسها وفي طريقة وقوفها وفي اهتمامها بالزهور. ويبدو أنها تحاول أن تشرح للفتاة الأصغر ذات الشعر الأحمر شيئا له علاقة بتفاصيل الأزهار، ربّما شكلها وجمالها.
مزيج الألوان الذي استخدمه الرسّام في هذه اللوحة مذهل. الألوان الدافئة للبشرة والجدران والشعر تصاحبها ألوان سوداء وخضراء داكنة وحمراء.
استخدام كليمت للون الذهبيّ يضفي تأثيرا شعوريا. البقع الذهبية تعطي للوحة طابعا واقعيا لدرجة أن الناظر يكاد يلمس نسيج الملابس بيده. النسيج الدافئ لعامود الحجر الكهرمانيّ والجدار في الخلفية تكمّله الألوان الحمراء والوردية على الشجرة والأزهار.
هذه اللوحة تتضمّن إحساسا "طبيعيّا وحقيقيّا". وهي تذكّر الناظر بصورة فوتوغرافية من حيث أنها تمسك بلحظة في الزمن وتترك للمتلقّي مهمّة السؤال عن القصّة التي ترويها اللوحة.
الجدار الظاهر وراء الفتاتين يبدو في حالة سيولة. اليدان والذراعان وفروع الشجرة، بل وحتى الأشياء الجامدة في اللوحة تبدو كلّها مفعمة بالحياة وبالحركة.
لوحة جميلة بالفعل. وكليمت يحاول التعبير من خلالها عن حساسية وجمال وتألّق الأنثى. وأغلب الظنّ أن اللوحة تحكي عن قصّة ما. لكنها متروكة لخيال الناظر الذي يتعيّن عليه أن يكتشفها ويتبيّنها.
هذه اللوحة تشبه إلى حدّ كبير الرسوم التوضيحية التي تزيّن القصص القصيرة للأطفال بالنظر إلى أنها تتحدّث إلى الناظر مباشرة.
وهي لا تشبه أعمال كليمت التي رسمها في وقت لاحق من حيث كونها أكثر واقعية وأقلّ سيولة. ومع ذلك، ومثلما هو الحال في جميع أعماله الأخرى، يبدو كليمت متمكّنا في أسلوب استخدامه للألوان بطريقة مبتكرة وبارعة.

Credits
klimt.com