:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، يناير 20، 2010

لغة الطيور


هل سمعت عن لغة الطيور؟
وابتداءً، هل للطيور لغة؟
الفلاسفة القدماء تحدّثوا كثيرا عن لغة الطيور وأسرارها وعلاقتها بالبشر وبالطبيعة.
قبل أيّام كنت أشاهد على التلفزيون لقاءً شيّقا مع عالم قال انه درس لغة الطيور وأصبح يفهم الكثير من أسرار تلك اللغة ورموزها. كان واضحا أن الرجل ملمّ بتخصّصه وبارع فيه. وقد قال إن أصحاب الطيور كثيرا ما يستعينون به في معالجة الحالات التي تعتري سلوكيات بعض الطيور اعتمادا على تحليل أصواتها ونبراتها ومن ثمّ ربطها بالأنماط السلوكية والحالة السيكولوجية للطائر. كلام ذلك العالم وجدته مثيرا للاهتمام ودفعني لأن اقرأ أكثر لأعرف المزيد عن هذه اللغة الغريبة، فكان هذا الموضوع الذي يعتمد في جانب منه على بعض ما كتبه هارولد بيلي في كتابه بعنوان اللغة الضائعة للرموز.
القرآن الكريم فيه أكثر من آية تتحدّث عن لغة الطير. إحدى الآيات تشير إلى سليمان الحكيم الذي تعلّم لغة الطيور وأوتي خيرا كثيرا. كان يفهم لغة الطيور وله قصص كثيرة مع الجنّ والحيوانات والطيور. هذه اللغة تسمّى أحيانا اللغة الخضراء. وفهمها من شأنه أن يعزّز علاقة الإنسان بالطبيعة ويعمّق فهمه لها.
الملك سليمان لم يكن قادرا على التفاهم مع الطيور والمخلوقات الأخرى فحسب، بل يقال انه أوتي أيضا القدرة على أن يطير في السماء مثل أيّ طائر.
ويقال أيضا أن هذه اللغة كانت أوّل لغة خلقها الله في الكون. كانت لغة جميع المخلوقات بمن فيهم الإنسان الأوّل.
لكنّ هذه اللغة انقرضت بعد حادثة طرد آدم وحوّاء من الجنّة.
ومنذ ذلك الوقت سعى الكثيرون إلى محاولة إعادة اكتشاف هذه اللغة ومعرفة أسرارها. حكماء وفلاسفة وعلماء كثيرون أوقفوا جهدهم ووقتهم على هذه الغاية على مرّ قرون.
في الأدب العربي، نتذكّر كتاب الحيوان الذي تجري أحداثه على ألسنة الحيوانات والطير.
الشاعر الصوفي الفارسي فريد الدين العطّار كتب ديوان شعر مشهورا اسمه "منطق الطير". بعض الطرق الصوفية تشير إلى أن لغة الطير هي لغة الملائكة.
لغة الطير كانت دائما الطريق إلى المعرفة الكاملة. في اليونان القديمة راجت قصّة أثينا إلهة الحكمة التي علّمت تيريسياس لغة الطيور. ابولينيوس وديموكريتوس يقال أنهما، أيضا، كانا يفهمان لغة الطير.
الأبحاث العلمية اليوم تؤكّد أن الطيور تستخدم النجوم دليلا في رحلاتها من مكان لآخر في الليل. الطيور ترى النجوم وتعرف مواقعها وتستهدي بها في طيرانها.
وفي كلّ حقب التاريخ، كانت النجوم تلعب دورا مهمّا في حياة البشر. بل يمكن القول أن تطوّر معرفة وحياة الإنسان في الأزمنة القديمة يُعزى أساسا إلى النجوم.
الميثولوجيا السلتية كانت تعتبر الطيور رمزا للمعرفة التي تعتمد على التنبّؤ ومعرفة الغيب. والكتابة الهيروغليفية كانت تُسمّى "أبجدية الطيور".
في ثقافات بعض الشعوب القديمة ارتبط فهم لغة الطير ببعض التحوّلات المتعلّقة بالسحر. كانت الطيور تحذّر البطل من خطر وشيك أو تنبّهه إلى كنز خفيّ.
لغة الطير موجودة أيضا في الثقافة والموسيقى المعاصرة. الموسيقي الفنلندي جان سيبيليوس ألّف مطلع القرن الماضي قطعة موسيقية بعنوان "لغة الطيور". ريتشارد فاغنر، هو الآخر، ألّف موسيقى بنفس العنوان.
لغة الطيور يمكن القول أنها تجربة حدسية. فالمخلوقات كانت تستخدمها منذ ملايين السنين، والبشر اهتمّوا دائما بتسجيل الرسائل التي تتضمّنها في لغات مشفرّة وغامضة منذ القدم.
في العصر الجليدي، اعتاد البشر الأوّلون على مراقبة الطيور بحثا عن الحيوانات الميّتة ليسدّوا بها جوعهم. ومنذ عصر النهضة كانت الطيور عنصر الهام للبحث عن لغة بدائية؛ موسيقية في الغالب.
قد يقول البعض إن هذه مجرّد خرافة لا يسندها العلم. لكنّ في الطبيعة ظواهر كثيرة غامضة. وكلّ ظاهرة تحيل إلى عدد من الرموز، وكلّ رمز يقود إلى معان وتفسيرات كثيرة. أحيانا لا تكفي العينان لفهم ما نراه، بل يتعيّن أن يملك الإنسان مجهرا ليرى ما هو أبعد.
كان القدماء يعتقدون أن السماء تملك أجوبة على كلّ تساؤلات البشر. الفصول، مواسم المطر، أيّام الأسبوع، أيّام الشهر والسنة.. إلى آخره.
النظام المقدّس القديم ما يزال في قلب كلّ نظم التقويم. والأساطير العظيمة ما تزال إلى اليوم مكتوبة في النجوم.
بعض علماء الرموز يقولون اليوم إن الدماغ يعرف تأثير تكرار الكلمات على العقل. وأهمّ ما نتعلّمه في لغة الطيور أن الكلمات ذات الأصوات المتجانسة لها نفس المعنى. وهذا يساعد كثيرا على فهم الأسرار الباطنية للميثولوجيا.
من جهة أخرى، أثبتت الدراسات الحديثة أن بعض النظم الصوتية التي تستخدمها الطيور شبيهة بتلك الموجودة في اللغات البشرية.
العلماء أيضا يقولون أن هناك عالما من الأسرار تبدو فيها الأشياء خلاف ما هي عليه في حقيقتها وجوهرها. واللغة تعلّمك فكّ الأسرار، لأنها عبارة عن موزاييك يتضمّن شرائح ومستحاثات أسلافنا القدامى. والكلمات نفسها عبارة عن اهتزازات وذبذبات. وفهم معاني الكلمات وعلاقاتها الشعورية وارتباطاتها بالطبيعة يتطلّب حالة من الوعي بالقوانين القديمة.
وما نعرفه اليوم هو أن موجات دماغ الإنسان لها تردّدات. ولو قدّر لك أن تسمع بعض هذه التردّدات على الطيف الصوتي فسيتبيّن لك أنها تشبه أصوات بعض اسماك البحر. الطيف الصوتي يمكن أن يكون أغنية كونية جامعة.
هل يمكن القول، إذن، أن أغاني الطيور تضبط التناغم بين موجات أدمغتنا والموجات الصوتية التي تمتلئ بها الأرض والكواكب من حولنا؟!