:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، مايو 09، 2010

غداء مع سيزان

كثيرا ما يُوصف بول سيزان بأنه الأب الروحي للرسم الحديث. وقد كان لهذا الرسّام تأثير كبير على حركة الرسم في القرن العشرين، على الرغم من انه قوبل بالتجاهل والإهمال من قبل النقاد في عصره. لم يكن سيزان يثق بالنقاد كثيرا وكانت نصيحته دائما: لا تشتغل بالنقد الفنّي. وارسم، فإن في الرسم خلاصك". تأثّر به ماتيس وبيكاسو كما اعتُبر طليعة الاتجاه التكعيبي في الرسم.
بروك كيسترسون كتبت المقال المترجم التالي الذي تتحدّث فيه عن حياة سيزان وفنّه..

لو عاد بول سيزان إلى الحياة من جديد وواتتني فرصة دعوته لتناول الغداء معي فسآخذه إلى مكان منعزل وهادئ وذي إطلالة جميلة على البحر. وعلى الأرجح، سأصطحبه إلى مطعم صغير يشرف على الشاطئ ولا يكون مزدحما بالناس. فـ سيزان شخص انطوائي ومحبّ للعزلة. وبالتأكيد سيقدّر هذه البادرة كثيرا.
أثناء الغداء، ربّما نتحدّث عن المناظر الطبيعية أو حتّى عن القانون. فـ سيزان درس القانون في فرنسا لمدّة سنتين.
ويمكن أن نتحدّث عن الهزّات والمشاكل التي تخلّلت حياته، وعن موت والده أو حتّى عن زوجته وطفله.
وبعد الغداء، قد أصطحبه في مشوار على ساحل البحر. فـ سيزان مغرم كثيرا برسم مناظر الطبيعة والبحر. وأتصوّر انه سيستمتع كثيرا بمرأى الماء.
ولد سيزان في التاسع عشر من يناير عام 1839 في فرنسا. وتلقّى تعليمه الأوّليّ في ايكس، كما ربطته صداقة وثيقة مع الروائي المعروف اميل زولا.
درس سيزان القانون وأثناء ذلك كان يأخذ دروسا في الرسم. وقد قرّر، خلافا لرغبة والده، أن يحقّق حلمه في أن يصبح رسّاما. وفي مرحلة لاحقة انضمّ إلى صديقه زولا في باريس.
كان والده يدعمه ماليّا. لكنّه كان ما يزال بحاجة إلى المزيد من المال. في باريس، قابل زولا وسيزان كميل بيسارو وهو رسّام انطباعي آخر ترك تأثيره في ما بعد على العديد من أعمال سيزان.
في رحلته الأولى إلى باريس، قابل سيزان موديلا فرنسية تدعى "اورتونز"، ثم لم يلبث أن وقع في حبّها.
وقد أبقى علاقته مع المرأة سرّا وأخفى ذلك عن عائلته لسنوات حتى بعد أن أنجب منها طفلا.
غير أن سيزان وزوجته لم يكونا على وفاق أبدا. فـ اورتونز كانت تكره ايكس وتعشق باريس وأضواءها وصخبها.
سيزان نفسه لم يفهم النساء أبدا. ولم تكن زوجته استثناءً. وكانا يقضيان أكثر وقتهما متباعدين عن بعضهما.
كان يعتبر ايكس مكانا مناسبا للاعتكاف والرسم. واستمرّ يرسم مناظر الطبيعة والبورتريهات والحياة الساكنة مع التركيز على عناصر متكرّرة مثل التفّاح وقماش المائدة. لكن لوحاته لم تثر اهتمام احد من النقّاد.
في تلك الفترة، ألّف صديق سيزان الطيّب اميل زولا رواية جديدة. كانت الشخصية الرئيسية في الرواية فنّانا فاشلا قريب الشبه بـ سيزان. ولم تمرّ فترة قصيرة حتى انتهت الصداقة التي كانت تجمع بين الروائي والرسّام.
في إحدى مراحل حياته، كان سيزان مفتونا بـ مونت سان فيكتوار، وهو جبل كبير يبرز من وسط السهول. كان يرى في ذلك الجبل رمزا، كما كان له تأثير كبير على فنّه.
وفي أحد أيّام شهر أكتوبر من عام 1906 قرّر سيزان أن يذهب إلى محترفه مشيا على الأقدام بدلا من استئجار عربة كما كان يفعل عادة. كان المشوار طويلا والجوّ باردا. وفي منتصف الرحلة أمطرت السماء لساعات. عاد سيزان إلى البيت مريضا منهكا. وأرسل إلى اورتونز وابنه يبلغهما عن احتمال موته الوشيك.
وفي صباح اليوم التالي، أي 22 أكتوبر 1906، توفّي جرّاء مضاعفات إصابته بالتهاب رئوي حادّ. كان سيزان يتمنّى أن يرى ابنه للمرّة الأخيرة. لكنّ الابن والزوجة وصلا متأخرّين.
استخدم سيزان زوجته وولده في العديد من لوحاته. لكن اورتونز لم تكن تحبّ الرسم وكانت تبدو متضجّرة عندما كانت تقف أمامه لرسمها.
كان في حياة سيزان الكثير من الصعاب والأحزان. لكنه ظلّ إنسانا متفائلا واستمرّ يركّز على فنّه.
وبالقرب من نهايات حياته، كان اسم سيزان قد أصبح مألوفا وبدأت لوحاته في الانتشار في جميع أنحاء أوربّا.
المكان الأخير الذي يمكن أن آخذ سيزان إليه هو احد الغاليريهات الحديثة التي تعرض لوحات تنتمي إلى مدارس الرسم الحديث.
هناك سيكتشف بنفسه كم أن الرسم تغيّر كثيرا في المائة سنة الأخيرة منذ رحيله.