:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، يونيو 17، 2010

عودة زيوس

بعض القصص الإخبارية، وإن بدت غريبة بعض الشيء، تشدّ انتباه الناس وتحفّزهم على الحديث، وشيئا فشيئا يتحوّل الخبر إلى موضوع لنقاش كبير ومتّصل.
وأمس جاء في الأخبار أن تمثالا للمسيح بطول مبنى من ستّة طوابق ضربته عاصفة رعدية في ولاية اوهايو الأمريكية، ما أدّى إلى اشتعال النيران فيه قبل أن يتحوّل إلى قطع صغيرة من البلاستيك والفولاذ المتفحّم. الأضرار التي لحقت بالتمثال تقدّر بأكثر من نصف مليون دولار هو المبلغ الذي صُرف على تشييد التمثال قبل حوالي ستّ سنوات.
البرق ظاهرة طبيعية قديمة جدّا. وقد ارتبط في الأساطير باسم زيوس كبير الآلهة الذي يوصف بأنه صانع البرق. أحيانا يضرب البرق بيتا أو إنسانا أو درّاجة أو شجرة. وهذا ممّا لا يثير اهتمام احد في الغالب. لكن العنصر الجديد والمثير في الخبر هو أن البرق استهدف هذه المرة رمزا دينيا مهمّا. والتفسير البسيط لما حدث هو أن التمثال مبنيّ من المعادن، لذا من الطبيعي أن يستهدفه البرق، مثل أيّ شيء آخر على الأرض.
لكن الكثيرين وجدوا في موضوع الخبر مادّة دسمة للتعليقات التي اتسعت وتشعّبت لتتناول أمور الدين والتاريخ والسياسة وأنماط التفكير الاجتماعي.
قصّة التمثال المحترق وفّرت فرصة أخرى لإثارة أسئلة قديمة أهمّها السؤال الذي طُرح في سياق هذه الحادثة والذي يقول: كيف سيفسّر رجال الدين ما حدث وهم الذين يعزون كلّ الكوارث الطبيعية من الزلازل والبراكين وموت البشر والسونامي إلى غضب الله؟ إمّا أن يكون الله مسئولا عمّا حدث للتمثال ذي الرمزية الدينية، وإمّا أن لا يكون مسئولا عن أيّ شيء بما في ذلك موت الأطفال والكوارث الطبيعية الكثيرة.
من خلال بعض النقاشات التي قرأتها عن الموضوع، لاحظت قدرا كبيرا من التعصّب الديني مصحوبا بالميل إلى تنميط الآخرين وتصنيفهم. هناك أيضا طريقة النقاش حول هذه المسألة والتي تشبه إلى حدّ كبير النقاشات التي نثيرها نحن المسلمين حول أحداث مماثلة، بما في ذلك محاولات كلّ طرف تسفيه أفكار الفريق الآخر وتخطئته، بالإضافة إلى الخلط ما بين الظواهر الطبيعية وتلك المنسوبة لغضب السماء.
في مثل هذه النقاشات التي تتناول مسائل غيبية، يُدهش الإنسان من الطريقة التي يتمسّك فيها الناس بآرائهم ودفاعهم المستميت عمّا يؤمنون به، فقط كي يثبتوا أنهم على صواب وأن الآخرين على خطأ. حتى الأمريكيين الذين نتصوّر أنهم أكثر عقلانية منّا يقعون في مثل هذه الأخطاء الفادحة. احد الذين شاركوا في النقاش أبدى ملاحظة مثيرة للاهتمام عندما قال: ما حدث درس للناس كي يفكّروا بعقلانية. إن أهمّ ما يشغل عقل كلّ متديّن في هذا البلد هو أن يعمل على تحويل الآخرين إلى دين طائفته. وإذا ما استمرّ الحال على ما هو عليه فستتحوّل هذه البلاد في غضون سنوات من الآن إلى حكم ثيوقراطي مستبد".
من الأمور الأخرى المهمّة التي اكتشفتها وأنا أتابع وقائع هذا السجال المثير أن هناك في المسيحية من يكره التماثيل ويعتبرها من الأمور المحرّمة، تماما مثلما هو الحال عندنا. "الربّ يكره التماثيل". قالها احدهم مستشهدا بإشارات من الإنجيل. وأضاف: قد تكون هذه إشارة من أبينا الذي في السماء بألا نتّخذ صورا أو أصناما من الحجارة".
بعض المتديّنين ساقوا تفسيرات عديدة لما حدث للتمثال بعضها لا يخلو من طرافة. أحدهم قال: الله يريدنا أن نبني تمثالا اكبر للمسيح يليق به. وقال آخر: المسيح وهب نفسه مرّة أخرى عندما امتصّ انفجار البرق لينقذ حياة الناس وبيوتهم وممتلكاتهم في الجوار. لقد أحرق المسيح نفسه كي يكفّر عن خطايانا. وقال ثالث: الله يريد أن يقول لنا ما الذي سيفعله بأولئك الذين يساندون الإجهاض والزواج المثلي. وقال آخر: لقد رأيت وجه الشيطان في أعمدة الدخان. قد يكون هو من فعل هذا. الأساطير الإفريقية تؤكّد أن البرق لا يضرب إلا حيثما توجد روح شيطانية. ما من شكّ في أن الشيطان هو الذي هاجم التمثال وأحرقه، وبناءً عليه يجب أن نقاتل الشيطان ونهزمه.
لكن كانت هناك تفسيرات وحجج مضادّة كقول احد المتحاورين: هذا هو أسلوب الربّ في استنكار التماثيل وتبديد المال الذي من الممكن أن يُستخدم في الصرف على الفقراء والمحتاجين والمشرّدين. فكّروا في عدد الأطفال الذين سيجوعون بعد أن أعلنت الكنيسة أنها ستعيد قريبا بناء التمثال. وقال آخر: إذا كان هناك أحد يريد أن يعبد الله فليفعل ذلك بينه وبين نفسه وفي بيته. عيشوا حياتكم وتوقّفوا عن الاهتمام بأشياء ليست ذات قيمة. من الصعب في عصرنا أن نتصوّر أن هناك بيننا من لا يزال يعبد الحجارة. وكتب ثالث يقول: زيوس يدمّر كل الأصنام المزيّفة، فاعقلوا وتدبّروا أيها المسيحيون الوثنيون! وقال آخر: لقد حصدتم ما زرعتم أيها الانجيليون المتعصّبون! أنتم بحاجة لأن تخفضوا من نبرة الكراهية في خطابكم وأن تفعلوا مثل ما فعل المسيح.
التعليقات الطريفة على احتراق التمثال كثيرة. أحدهم كتب قائلا: من الواضح أن ما حدث تأكيد للقول القديم بأن الله يتصرّف أحيانا بطرق غامضة. في البدء كان الصلب، والآن الحرق، ترى كم مرّة سيقتل الأب ابنه! ومع ذلك يجب أن تهدءوا قليلا، فسيُبعث حيّا في ظرف يومين.
وقال آخر: البرق الذي ضرب التمثال أرسله إله أقوى بكثير من المسيح. وعلى كلّ، فالتمثال نفسه ليس أكثر من قطعة من الفنّ الرديء. وأستغرب كيف انتظر البرق كلّ هذه المدّة قبل أن يضربه ويدمّره.
وكتب ثالث يقول: اشعر بالارتياح لأن الحادثة وفّرت لنا هذه الفرصة الكوميدية كي نروّح عن أنفسنا وننسى ولو إلى حين هموم الاقتصاد والتأمين الصحّي وبقعة الزيت.