:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، يوليو 14، 2010

الإنترنت والعقل النمَطي

حتى الآن لم أجد في الآيبودز أو الآيبادز أو الآيفون أو البلاك بيري وغيرها من ابتكارات التكنولوجيا الرقمية الجديدة ما يحفّزني على اقتناء أيّ منها، لا لأسباب مادّية بل لاعتبارات ذاتية أو موضوعية غالبا.
وكثيرا ما أقول لنفسي إن الانترنت وحدها تكفي بل وتزيد عن الحاجة. فهذا السيل من الأخبار والمعلومات التي تنهمر علينا من شاشة الكمبيوتر كلّ ساعة بل كلّ دقيقة كفيل لوحده بتشويش الذهن وتشتيت الانتباه وصرف الأنظار عن أمور قد تكون أولى وأكثر نفعا. ناهيك عن أن كثيرا من الأشياء التي نستقبلها عبر الانترنت لا تعدو كونها ضربا من التسلية والبعض الآخر ينقصها التوثيق والمصداقية، كما أنها
لا توفّر للإنسان ما يمكن أن يثري فكره أو يرتقي بوجدانه وذوقه.
ويمكن أن يكون هذا أحد الأسباب في أنني لم أتحمّس لحدّ الآن لـ الفيس بوك أو التويتر أو النت لوغ وغيرها من الشبكات الاجتماعية. ورغم أنني سجّلت في بعض هذه المواقع من باب المواكبة وليس اقتناعا بمضمونها أو جدواها، إلا أنني لا ارتادها إلا مرّة أو مرّتين في الشهر على أحسن تقدير. وأحيانا أتعجّب من قدرة بعض الناس على التعامل مع كل هذه المنافذ بكثير من الحماسة والحرص وأتساءل من أين لهم الوقت الكافي لتسجيل حضورهم ومشاركتهم في هذا العدد الكبير من المواقع. بل إن بعض من أعرفه لا يعدم الوقت أيضا للكتابة في منتديات النقاش الاليكتروني والمشاركة في المجموعات البريدية والإخبارية وفحص رسائله الاليكترونية التي تأتيه على ايميلاته الالكترونية المتعدّدة.
من عادتي أن اقضي ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا أمام الانترنت. لكنّي اعرف أشخاصا يجلسون أمام الكمبيوتر ستّ ساعات أو أكثر يوميا.
ومع كلّ هذا الانشغال والشغف بالانترنت وإضاعة الوقت أمام الكمبيوتر بلا حساب، قد يتساءل المرء: ترى كم من الناس باستطاعتهم هذه الأيام قراءة كتاب متميّز ونافع بطريقة متأنّية وسليمة وناقدة؟
وأنا هنا لا اقصد الكتاب الاليكتروني وإنما الكتاب الورقي العادي الذي يتوقع الكثيرون اختفاءه مع ازدياد رواج أقراص الكتب الصوتية وغيرها من الوسائط الشبيهة مثل الماك بوك والأمازون كيندل وغيرها.
والمشكلة الأخطر من هدر الوقت هي أن الانترنت تسهم في خلق عقول نمطية قابلة للاستغلال والإيحاء من خلال إخضاع الفرد لما يتلقاه من معلومات وأفكار دون تفكير أو نقاش، مع ما يعنيه ذلك من شلّ قدرة الإنسان على التفكير بوعي واستقلالية.
وهناك أسباب أخرى موجبة للقلق لها علاقة بما يقال من أن الانترنت تنمّي النوازع الفردية والعزلة والهروب من الواقع. ومؤخّرا قال بعض العلماء إن خاصّية تعدّد المهام أو الوظائف التي تتيحها الانترنت تؤثّر على طريقة عمل الدماغ وتجعل الإنسان اقلّ إنتاجية واقلّ قابلية على الفهم والاستيعاب. وهناك من يخشى أن تُحوّل الانترنت الإنسان إلى حيوان تجارب. فالكثير مما تعرضه لا يعمل سوى على تزييف الوعي وتتفيه الفكر وإضعاف قدرة الإنسان على توظيف التفكير العلمي والنقدي.
في بعض الأحيان يحدث أن اقرأ في احد المواقع دراسة أو مقالا مطوّلا عن مسألة ما. وعندما أخلو إلى نفسي محاولا تذكّر شيء ممّا قرأته أو متسائلا إن كان ما قرأته أضاف إلى معلوماتي شيئا، تكون الإجابة غالبا بالنفي.
زد على ذلك أن خصوصية الإنسان نفسها معرّضة للانتهاك على الانترنت، خاصّة إذا دفعه سوء حظّه أو سذاجته إلى كشف معلوماته الشخصية لتنتهي في أيد غير أمينة، مع ما قد يترتّب على ذلك من ضرر وأذى.
لكن برغم ما يمكن أن يقال عن سلبيات الانترنت، إلا أن أحدا لا يجادل في أنها اكتشاف عظيم وقفزة كبرى في مسار تطوّر المعرفة والحضارة الإنسانية وأداة فعالة في التقريب بين البشر وتبادل الثقافات والمصالح المختلفة بين أمم وشعوب العالم.