:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، أكتوبر 24، 2010

الانطباعية الزُخْرفية

في بدايات القرن الماضي، تحوّلت قرية جيفرني الفرنسية إلى قبلة للرسّامين الذين قصدوا القرية بحثا عن فرص الرسم في الهواء الطلق والحياة الاجتماعية.
وكان هناك عامل إضافي اجتذبهم إلى ذلك المكان وتمثّل في وجود كلود مونيه رائد الانطباعية الذي استقرّ في جيفرني منذ مطلع العام 1883م. ورغم أن مونيه لم يشجّع الآخرين على أن يقتفوا أثره إلى القرية التي أقام فيها ابتداءً من عام 1883، إلا أن جيفرني أصبحت بسرعة حاضنة للرسّامين من جميع أرجاء العالم.
وكان من بين من قصدوها مجموعة من الرسّامين الأمريكيين الذين عبّروا عن رؤيتهم الفريدة عن الطبيعة الفرنسية من خلال أسلوب جديد في الرسم سُمّي في ما بعد بالانطباعية الزخرفية.
ويرجع الفضل في صياغة مصطلح "الانطباعية الزخرفية" للكاتب كريستيان برينتون الذي استخدمه لأوّل مرّة عام 1911. وقد اختاره برينتون عنوانا لمقال كتبه عن مواطنه الرسّام الأمريكي فريدريك كارل فريسيكا احد أعضاء مستعمرة جيفرني المشهورة للانطباعيين الأمريكيين.
ومع ذلك، فقد تمّ إحياء استخدام هذا المصطلح في العقود الأخيرة من قبل مؤّرخ الفنّ وليام غيرتس ليصف به اللوحات التي تصوّر أشخاصا والتي رسمها فريسيكا وعدد من زملائه الآخرين مثل ريتشارد ميلر ولويس ريتمان وروبرت ريد.
ونفس هذا المصطلح جرى تطبيقه على رسّامين آخرين من مدرسة جيفرني الذين كانوا يرسمون الأشخاص، مثل كارل اندرسون وغاي روز وألبيرت بور.

والانطباعية الزخرفية تصف أسلوبا في رسم الشخصيات الإنسانية يحاول الفنّان من خلاله التوفيق بين الأساليب الأكاديمية والتأثيرات الانطباعية وما بعد الانطباعية.
وأعمال هؤلاء الرسّامين تصوّر النساء غالبا، إمّا في الهواء الطلق أو داخل المنازل، حيث يظهر الأشخاص مغمورين بالضوء الطبيعي الذي يتسرّب من خلال نوافذ البيوت.
والعديد من هذه اللوحات تطغى عليها الزخرفة بشكل واضح. وهي تحاكي أسلوب الرسم الياباني الذي يركّز على الاستخدام المكثّف للأنماط في الخلفيات.
وأعمال المؤسّسين الأوائل للانطباعية الزخرفية كانت مشهورة كثيرا في بدايات القرن الماضي. لكن هذا الأسلوب استمرّ حتى منتصف القرن نفسه من خلال بعض تلاميذ رسّامي مدرسة جيفرني. وفي السنوات الأخيرة انتعش الأسلوب من جديد على يد بعض رسّامي الأشخاص المعاصرين.
وبينما كان الفنّانون الانطباعيون الأمريكيون يرسمون لوحاتهم في قرية جيفرني الفرنسية الصغيرة منذ نهايات القرن التاسع عشر، فإن الرسّامين الذين ابتكروا أسلوب الانطباعية الزخرفية استقرّوا في النورماندي في مطلع القرن العشرين.
كان هؤلاء على علم بتطوّر الانطباعية وما بعد الانطباعية في فرنسا. وكانوا يطمحون إلى توظيف بعض العناصر من هذه الحركات في أعمالهم. وكانت لكلّ واحد منهم طريقته الخاصّة في العمل وأسلوبه في استخدام الفرشاة. لكنهم كانوا جميعا معروفين بجمال مواضيعهم وبهاء أسلوبهم الزخرفي.
كان فريدريك كارل فريسيكا احد مواطني ميشيغان وقد تلقى تدريبا في الرسم على يد فنّان درس الرسم في باريس. وقد استقرّ فريسيكا في جيفرني عام 1906 حيث رسم نساءً في بيئات خارج البيوت باستخدام ألوان الباستيل. ومن الواضح انه كان متأثرا بـ رينوار، كما كان يولي عناية فائقة لطريقة تصميم مناظره.

ريتشارد ادوارد ميللر نشأ ودرس في سينت لويس بـ ميزوري، ثم درس في فرنسا. وفي ما بعد عرض بعض لوحاته في صالون باريس. أعمال ميللر المبكّرة تُظهر أشخاصا مرسومين بعناية مع خلفيات ممثّلة بطريقة فضفاضة. لكن بعد أن استقرّ به المقام في جيفرني أصبحت لوحاته أكثر سطوعا واستنبط لنفسه أسلوبا خاصّا في تمثيل شخوصه.
غاي روز درس الرسم في سان فرانسيسكو ثم في باريس، حيث تأثر بالمدرسة الطبيعية ثم بالانطباعية الفرنسية. روز يوصف غالبا بأنه الأكثر "فرنسية" من بين جميع الانطباعيين الأمريكيين. وقد زار جيفرني قبل أن يستقرّ فيها نهائيا بمعيّة زوجته ايتيل في العام 1904. كان روز يركز على رسم الطبيعة والأشخاص. وفي جيفرني أصبح يرسم النساء خارج بيئة المنازل وباستخدام أسلوب تغلب عليه السمات الانطباعية.
لوتون باركر كان فنّانا ومعلّما سافر كثيرا بين الولايات المتحدة وأوربّا إلى أن قرّر الإقامة في جيفرني عام 1903. وعلى الرغم من أن باركر كان متأثّرا بـ فريسيكا، إلا انه لم يكن ميّالا إلى رسم أشخاص في بيئة الحدائق قبل عام 1909. لكنه في ما بعد رسم نفس المواضيع التي كان يرسمها رفاقه الأمريكيون في جيفرني.
ادوارد غريسين المولود في نيويورك وصل إلى جيفرني عام 1907 حيث رسم سلسلة من اللوحات التي تصوّر حدائق وبيئات منزلية بتأثيرات فرنسية واضحة.
كارل اندرسون حلّ هو الآخر في جيفرني ولوقت قصير. ثم ما لبث أن غيّر مسيرته بعد ذلك. لكن أعماله ظلّت مرتبطة بأجواء القرى الفرنسية حيث تبنّى نفس المواضيع والأسلوب الفنّي الذي دشّنه زملاؤه.
في ديسمبر من عام 1910، نظّم ستّة من رسّامي جيفرني، هم فريسيكا وميلر وباركر وروز وغريسين وأندرسون، معرضا لأعمالهم في غاليري ماديسون في نيويورك، حيث أطلق عليهم "مجموعة جيفرني" ووصفهم احد الكتّاب بأنهم "انطباعيون من نوع خاصّ".

الرسّام الأمريكي لويس ريتمان المولود في روسيا جاء هو أيضا إلى جيفرني في العام 1911 وأمضى فيها الأعوام الثمانية عشر التالية. وقد بقي هناك حتى بعد أن اندلعت شرارات الحرب العالمية الأولى التي دفعت معظم زملائه الأمريكيين للعودة إلى وطنهم . كان ريتمان متأثّرا كثيرا بـ فريسيكا وقد رسم هو الآخر نساءً في بيئات داخل وخارج البيوت. وكان يقارب شخوصه بطريقة حسّاسة ويتعامل مع الخلفيات بأسلوب يذكّر بالانطباعية الفرنسية.
وهناك رسّام أمريكي آخر تقع رسوماته ضمن تصنيف الانطباعية الزخرفية هو روبرت ريد. ورغم أن ريد لم يكن جزءا من مستعمرة جيفرني، إلا انه تلقّى تدريبا في باريس وكان يحاول التوفيق بين تدريبه الأكاديمي والجانب الزخرفي. وكان يستخدم تراكيب ديكورية جريئة مملوءة بالألوان الباردة التي تذكّر ببعض مدارس الرسم الحديث.
ولأن العديد من أعضاء مستعمرة جيفرني كانوا معلّمين وموجّهين لعدد من الرسّامين الأمريكيين، فإن أسلوبهم في الرسم عاش وبقي من خلال أعمال تلاميذهم.
اثنان من هؤلاء هما ثيودور لوكيتس وكريستيان فون شنيداو اللذان انتهى بهما المطاف في كاليفورنيا التي احتضنت وشجّعت الانطباعية الأمريكية أكثر من أيّ مكان آخر. "مترجم بتصرّف".