:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، مارس 07، 2012

خطوط وألوان

بوريس كستودييف، زوجة التاجر، 1918

صورة جميلة لامرأة روسية حسناء تضجّ ملامحها بعلامات الصحّة والعافية. الألوان الصفراء والزهرية والزرقاء للخلفية الطبيعية في اللوحة تبدو متناغمة مع بشرة المرأة وملابسها ذات الألوان البنفسجية والبيضاء.
تفاصيل اللوحة، بما فيها الشاي والسماور والكعك والفاكهة والقطّة، هي عبارة عن مهرجان باذخ من الألوان البهيجة والساطعة.
المرأة الشابّة تجلس قبالة الناظر بينما ترتدي فستانا من البنفسج يزيّن أطرافه العلوية شريط من الدانتيل الفاخر. وفي الخلفية يظهر منظر من مدينة روسية مع قباب وكنيسة وأشجار.
ملامح ومظهر المرأة يشيان بخلفيّتها الاجتماعية. بشرتها البضّة تشعّ على المائدة. إنها غضّة ونضرة مثل الفاكهة التي أمامها. وهي لا تنظر مباشرة إلى المتلقّي، بل تبدو في حالة تأمّل بينما ترتشف الشاي في هذا الركن الهادئ من شرفة المنزل.
أدوات وأواني الشاي المتعدّدة على المائدة هي من الملامح التي تميّز هذه اللوحة. المعروف أن الشاي دخل روسيا في بداية القرن السابع عشر عندما قام احد خانات المغول بإهداء القيصر ميخائيل رومانوف بعض أعشاب الشراب. ومع مرور الوقت ترسّخت عادة شرب الشاي في روسيا. واليوم يُعتبر الروس ثاني أكثر شعوب العالم استهلاكا للشاي.
أمّا السماور الذي يُغلى بداخله الماء لتجهيز الشاي فقد عرفه الروس قبل أكثر من مائتين وسبعين عاما. كان يُصنع من الحديد أو من الفضّة والبلاتين والبورسلين ويُزيّن بأساليب شتّى. ومع الأيّام أصبح يرمز للروح الروسية. كما انه يتمتّع بمكانة خاصّة بين الأدوات المنزلية.
ولد الرسّام بوريس كستودييف في استراكان بـ روسيا. ومات والده وهو بعدُ شابّ. ثم انتقلت المسئولية عن إعالة الأسرة إلى والدته. واستأجر بوريس جزءا صغيرا من منزل تاجر موسر. في ذلك المكان تشكّلت الانطباعات الأولى للصبيّ الصغير عن أسلوب حياة طبقة التجّار. وقد احتفظ بتلك الأفكار طوال سنوات الطفولة. وعندما كبر استحضرها في لوحاته المتعدّدة.
زوجة التاجر، التي تظهر في اللوحة، كانت امرأة طيّبة وعطوفة. وقد رسمها كستودييف مرارا بعد أن أضاف إليها روحا مرحة وأحيانا ساخرة.
في هذه اللوحة إحساس بالتفاؤل والبهجة وحبّ الحياة. وفيها أيضا نلمس الثراء الشرقيّ للألوان الذي كان الرسّام يرى فيه جزءا لا يتجزّأ من تراثه.


هانز غود وأدولف تايدماند، موكب عرس في هاردنغر، 1848

ولد الرسّام النرويجي هانز غود قبل حوالي 183 عاما. وتعاون عام 1848م مع زميله الرسّام الدنماركي ادولف تايدماند في رسم هذه اللوحة التي تحتفل بالحياة في الريف ويعتبرها البعض أشهر عمل رومانسي نرويجي.
وقد رسم غود الطبيعة بينما رسم تايدماند الأشخاص.
في اللوحة نرى عريسا وعروسه بصحبة مجموعة من أقاربهما وهم يبحرون في قارب وسط طبيعة باردة في غرب النرويج، بينما تظهر الجبال في الخلفية وقد كلّلتها الثلوج.
عمل هانز غود كأستاذ للرسم في ثلاث أكاديميات وعلّم ثلاثة أجيال من رسّامي الطبيعة النرويجيين. وقد تلقّى وسام الفروسية الأول في النرويج مكافأة له على اجتهاده وموهبته. كان رسّاما يحظى بالاحترام والتقدير. لكن بعض النقّاد يعيبون عليه جمود طبيعته التي تبعث على الملل ونادرا ما تشعر الإنسان بالدفء.
زميله تايدماند معروف بلوحاته التي يصوّر فيها حياة الريف والمزارع. وقد رفضته أكاديمية الفنّ الدنماركية في البداية ثم قبلته في ما بعد. ولم يلبث أن ذهب إلى النرويج ليصبح احد أشهر رسّاميها.
هانز غود عزّز شهرته في اسكندينافيا وأوربّا بصوره القويّة عن جبال النرويج. كان بارعا على وجه الخصوص في رسم الجبال العالية والمحتشدة بطريقة تثير إحساسا بالسموّ والفخامة.
وعدد من لوحاته توجد اليوم في غاليريهات دوسلدورف بألمانيا وكريستيانا بالنرويج . وقد عاش الاثنان، غود وتايدماند، معا واشتركا في رسم خمس لوحات كلّها تصوّر أشخاصا في بيئة بحرية.


مارتا داهليك، سماء ومظلّة، 2007

مارتا داهليك فنّانة بولندية تعيش في وارسو وتبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما. هوايتها تصميم اللوحات الرقمية. وهي تعشق لوحات غوستاف كليمت والفونس موشا وتحاول باستمرار، كما تقول، أن تتعلّم من طريقة استخدامهما للألوان والرموز في أعمالهما.
وقد اشتهرت لوحتها هذه وانتشرت في الكثير من المواقع عبر الانترنت. وازداد رواج الصورة بعد أن اختارتها مجلة اكزوتيك كي تضعها على غلافها.
الذي يرى اللوحة لأوّل وهلة يصعب عليه أن يتخيّل أنها أنجزت بلا فرشاة ولا ألوان بالمعنى التقليدي، وإنما باستخدام بعض برامج الرسوميات مثل كوريل بينتر وأدوبي فوتوشوب.
عنوان اللوحة مأخوذ من أغنية لـ فرانك سيناترا. والألوان والتفاصيل فيها مدهشة. التمثيل الدقيق للبشرة والوجه والأطراف والشعر والمظلّة يجعلها أشبه ما تكون بالصورة الفوتوغرافية.
التطوّر المطّرد لتكنولوجيا الكمبيوتر في السنوات الأخيرة احدث تغييرا جذريا في عالم الفنّ، خاصّة الرقمي. أصبحنا الآن نسمع عن الرسم الرقمي والفرشاة والألوان الاليكترونية بفضل برامج الرسوميات التي تتطوّر باستمرار.
أكثر لوحات مارتا داهليك تصوّر نساءً في عوالم فانتازية وأوضاع مختلفة. وتصوير الأفكار السوريالية يُفسّر أحيانا على انه محاولة للهروب من الواقع.
منذ سنوات والنقاش لا ينقطع عن مدى صلاحية الفنّ الرقمي كشكل من أشكال الفنّ. البعض يصف الأعمال الرقمية بأنها مجرّد عمل ميكانيكي يخلو من المشاعر والانفعالات. لكن لنتذكّر أن هذا الوصف قيل من قبل عن التصوير الضوئي. واليوم أصبح التصوير فنّا معترفا به ويحظى بالاحترام والتقدير في كلّ مكان.


كارلوس شواب، موت حفّار القبور، 1895


كانت الرمزية أسلوبا في الشعر والفنّ نشأ في فرنسا وروسيا في نهاية القرن التاسع عشر، كردّ فعل على الواقعية والطبيعية اللتين تصوّران الحياة العادية والأفكار البسيطة.
كارلوس شواب رسّام سويسري درس فترة في فرنسا وطوّر إحساسه الخاصّ بالرمزية. وقد رسم هذه اللوحة بعد وفاة احد أصدقائه. ثمّ نما عنده الاهتمام برسم مناظر الموت والحداد.
ولوحته هذه هي جزء من الحركة الرمزية السويسرية. هناك عدد من الأفكار الرمزية الحاضرة في اللوحة. الموت هو الرمز الكبير. الملائكة أيضا طالما كانت عنصرا آخر مألوفا عند الرمزيين.
الملاك في اللوحة يمثّل الموت. وربط الموت بالملائكة وبالجمال كان من الأفكار الفريدة في ذلك الوقت. والفكرة مستوحاة من بعض قصائد بودلير التي يربط فيها الجمال بالفناء.
المشهد في لوحة شواب يجري داخل مقبرة مغطّاة بطبقة رقيقة من الثلج. وفيها يقف حفّار قبور عجوز داخل قبر وينظر إلى امرأة على هيئة ملاك ترتدي ملابس سوداء وتحمل بيدها ضوءا أخضر ينعكس على وجهها وعنقها. العجوز يضع يده على قلبه وهو يراها. الضوء الأخضر ربّما يرمز لروحه التي ستأخذها الملاك.
هذا المشهد مليء بالدراما. المجرفة تسقط من يد الحفّار العجوز. والملاك ترفع يديها وتخفض عينيها باتجاه الرجل المحتضر. وكلّ منهما يحدّق في عيني الآخر. لكن احدهما يبدو هادئا والآخر في حالة هلع وكرب.
المشهد يُظهر كيف أن الموت يأتي فجأة وبشكل غير متوقّع ولا يستثني حتى حفّاري القبور الذين اعتادوا رائحة الموت والحياة في المقابر.
صحيح أن هذه اللوحة هي عن الموت. لكن هناك حياة تحيط بالشخصين على شكل براعم صغيرة تنمو من الأرض الثلجية في المقدمة. وفي الخلفية تبدو المقبرة هادئة والثلج لم يُمسّ. وضعية الشخصين، أي الرجل والملاك، تُظهِر الانفعالات التي يكشف عنها كلّ منهما. وتصوير وفهم المشاعر الداخلية هو احد الملامح الأساسية في الرمزية.
اختار الرسّام للوحة موضوعا كئيبا. لكنه منفّذ بطريقة محكمة. والمنظر يثير الفضول أكثر مما يبعث على الحزن أو الخوف. لاحظ مثلا كيف أن جناحي الملاك الكبيرين يحيطان بالرجل وكأنها يحتضنانه بحنوّ وألفة.
شواب كان يولي أهميّة كبيرة للمرأة في لوحاته. فهي عنده رمز للموت والمعاناة، وأحيانا للإبداع والهداية. وليس مستغربا انه أعطى الملاك في اللوحة ملامح زوجته.