:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، مايو 24، 2012

محطّات

زنزلخت وغشتالت وقندلفت

من اغرب المفردات التي صادفتها قبل أيّام مفردة "الزنزلخت". وقد عثرت عليها بالصدفة في نصّ شعري للشاعر اللبناني شوقي بزيع يقول في مطلعه: برهافة امرأة يداهمها النعاس على الأريكة، يستقلّ الزنزلخت جذوعه التعبى ليلتمس الإقامة تحت شمس خائرة. مغرورقاً أبداً بما ينساب من عرق الجباه على الحنينِ، وما يفيض عن المنازل من نفايات ومن تعب السنين الجائرة". ثمّ يقول: لنسيجه طعم الفراق المرّ، تسرف في تناوله النساء إذا وقعن على حبيب لا يجيء، كأنه وهو الذي لا يحسن الإفصاح، لا يلوي على ثمر من الأثمار، بل يرنو مريضاً نحو نافذة الحياة الخاسرة".. إلى آخر القصيدة.
من الواضح أن الشاعر يتحدّث عن نبات أو نوع من الأعشاب البرّية. وزيادة في التأكّد، لجأت إلى الويكيبيديا فوجدت التالي: الزنزلخت أو التمر الأخرس هو شجرة برّية تُزرع في الحدائق والميادين لتوفير الظلّ. وأصلها من جنوب آسيا والصين، ثمّ انتقلت إلى بلاد فارس وسوريا. تُستخدم كمصدر للحطب والتدفئة وفي بعض الصناعات الطبّية".
ويبدو أن العشبة معروفة في بلاد الشام ولها استخدامات شعبية أخرى غير ما ذكرته الويكيبيديا، بدليل حديث الشاعر عن النساء اللاتي يتناولنها لأغراض لها علاقة بأمور العاطفة والفراق وما شابه.
وقد ذكّرتني هذه المفردة بمفردة أخرى لها نفس الوزن، مع أنها ترد في سياق مختلف تماما، وهي "الغشتالت". والغشتالت كلمة معرّبة من أصل ألماني تشير إلى مدرسة في علم النفس كانت سائدة في أوائل القرن الماضي، وارتبطت ببعض الأفكار الفلسفية التي تؤكّد على أهمّية التعلّم والإدراك في تعزيز الخبرات الذاتية للإنسان.
وهناك أيضا مفردة شبيهة لفظاً وهي "القندلفت" التي كنت اسمع بها دون أن اعرف معناها. والقندلفت رتبة كنسيّة تشير إلى الشخص المناط به مهمّة حراسة الكنيسة وتنظيفها وتجهيز القناديل بالزيت وقرع الجرس إيذانا بمواعيد الصلاة.
لكن لماذا اختار الشاعر أن يتحدّث عن نبتة نادرة وذات اسم هجين ولا يعرفها سوى القليلين؟ ربّما لو تحدّث عن الخُزامى أو الشيح أو السمر "الأكاسيا" أو الغضا أو العوسج أو الحنظل أو العرار أو الأقحوان أو السدر، كنت سأفهم القصيدة أكثر لأنني اعرف عن ماذا تتحدّث.
الكثير من الأعشاب والنباتات التي تنمو في الصحارى العربية لها أيضا ارتباطات وجدانية وشعرية وعاطفية وفولكورية وحتى أسطورية. وهي أيضا تبعث على الاهتمام وتثير المخيّلة.

❉ ❉ ❉

صوت بمساحة خمسة اوكتافات

إيما سوماك مغنّية سوبرانو بيروفية يقال أنها تنحدر من سلالة آخر ملوك الإنكا. وقد أصبحت ظاهرة في موسيقى خمسينات القرن الماضي. وسبب شهرتها يعود إلى أمر غريب ونادر الحدوث. فقد كانت تمتلك صوتا مذهلا وبمساحة واسعة تصل إلى خمسة اوكتافات. والاوكتاف هو المجال الصوتي الذي يحدّد مساحة ارتفاع وانخفاض صوت الإنسان بثمان درجات. ومعظم الناس لديهم أصوات تتراوح مساحتها ما بين درجتين إلى ثلاث درجات على الأكثر.
تخيّل مثلا أن أمامك شخصا يغنّي. عندما يبدأ الغناء يكون في أدنى درجات المجال الصوتي. وعندما يعلو صوته فإن الصوت يتمدّد ويتّسع شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الدرجة الثالثة على أقصى تقدير. فإذا تجاوزها تحوّل الغناء والكلام إلى صفير أو أصوات نشاز، وفي أسوأ الحالات إلى صوت قريب من أصوات الحيوانات.
وإيما سوماك كان صوتها واسعا إلى حدّ أنها كانت تستطيع الغناء حتى الدرجة الرابعة، ويقال الخامسة، دون أن يتغيّر أو يتشوّه صوتها أو تفقد الكلمات التي تغنّيها معناها. "شاهدها وهي تغنّي هنا .
اتساع مساحة الصوت له علاقة بالنواحي الجسدية مثل بنية الجسد وطول الحبال الصوتية، بالإضافة إلى بعض العوامل السيكولوجية.
كانت سوماك مغنّية أسطورية. واشتهرت بشخصيّتها اللعوبة وأزيائها الغريبة. وقد توفّيت عام 2008 في الولايات المتحدة عن 86 عاما بعد معاناة مع مرض السرطان.
ويقال إن أكثر مغنّيات هذه الأيام شبهاً بها هي الأمريكية مارايا كيري التي تتمتّع هي الأخرى بإمكانات صوتية خاصّة ونادرة.

❉ ❉ ❉

واحات في الفضاء

"مثَلُ نوره كمشكاةٍ فيها مصباح. المصباحُ في زجاجة. الزجاجةُ كأنّها كوكبُُ دُرّي". طافت بذهني هذه الآية الكريمة، الجميلة والمعبّرة، وأنا أتأمّل هذا المشهد الذي يخطف الأنفاس وينطق بعظمة الخالق وبديع صنعه.
والصورة هي للمجرّة المسمّاة سومبريرو ، التي يعني اسمها القبّعة. وتقع هذه المجرّة في كوكبة العذراء وتبعد عن الأرض بحوالي 28 مليون سنة ضوئية. وهي عبارة عن قرص بيضاويّ مجوّف تتوسّطه هالة من الوهج الشاحب الذي يقول العلماء انه عبارة عن نجوم وغاز وغبار يحيط بهذه المجرّة الهائلة التي تضمّ 400 بليون نجم.
ولا يقلّ جمالا عن هذه الصورة صورة المجرّة الأخرى المسمّاة اندروميدا ، والتي تتوسّطها حلقة ضخمة من الغبار تعطيها شكلها المثير. الفلكيّون يعتقدون أن هذا الغبار يمكن أن يكون قد تشكّل عندما ابتلعت هذه المجرّة مجرّة أخرى مجاورة.
وأوّل من أشار إلى اندروميدا كان عالم فلك فارسيّا يُدعى عبدالرحمن الصوفي في العام 964م. وقد وصفها في احد كتبه على أنها "غيمة صغيرة".
المعروف أن اندروميدا ومجرّتنا المسمّاة درب التبّانة تندفعان نحو بعضهما بسرعة 70 ميلا في الثانية. ويتوقّع العلماء أن تصطدم المجرّتان ببعضهما بعد خمسة بلايين عام.
في ذلك الوقت، ستكون الشمس قد تضخّمت وتحوّلت إلى عملاق احمر وابتلعت جميع الكواكب. العلماء يقولون إن الاصطدام هو جزء من التطوّر الطبيعيّ للكون. وقد تمّ بالفعل رصد علامات وآثار على كلا المجرّتين تدلّ على أنهما اصطدمتا بمجرّات أخرى من قبل.
من الحقائق العلمية التي أصبحت معروفة الآن أن الضوء القادم من أجرام بعيدة في الفضاء يستغرق وقتا قبل أن يصل إلينا. فنحن، مثلا، نرى الشمس كما كانت قبل ثمان دقائق. ونرى النجوم كما كانت تبدو قبل سنوات. ونرى المجرّات البعيدة المتمدّدة على أطراف الكون كما كانت قبل ملايين، وربّما بلايين السنين.