:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، يوليو 03، 2012

كارهو البَشَر

كارهو البشر هم فئة من الناس الذين يشعرون بالكراهية وعدم الثقة ببقيّة البشر. ولدى هؤلاء سبب وجيه يدعوهم لهذا الشعور. يكفي أن ننظر إلى الوراء لنتذكّر الفظائع التي ارتكبتها البشرية في الماضي، أو حتى الأفعال الشنيعة التي ما زالت تُرتكب حتى اليوم، من حروب وقتل واغتصاب وإبادة واحتلال. إذن ليس من الصعب على كارهي البشر أن يؤسّسوا لهم قضيّة وأن يدافعوا عن وجهة نظرهم.
الفيلسوف الألماني ايمانويل كانت عُرف بأنه كان احد أشهر كارهي البشر. وإليه يُنسب القول المشهور: مِن عُود البشرية الأعوج لا يمكن صنع شيء مستقيم أبدا".
وأرسطو اعتبر أن كاره البشر "إمّا أن يكون وحشا أو إلها". وهذه النظرة نجدها متجسّدة في فنّ عصر النهضة الذي يصوّر كاره البشر بحالة متوحّشة.
الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر كان، هو الآخر، كارها للبشر. عبارته المشهورة "الآخرون هم الجحيم" تختصر نظرته إلى الطبيعة البشرية. لكن ربّما كان سارتر يلمّح أيضا إلى أن البشر تنقصهم المعرفة الكاملة بالذات. فنحن عادة نميل إلى إسقاط مخاوفنا وهواجسنا المظلمة على الآخرين الذين نرى فيهم أسوأ ما فينا، بدلا من أن ننظر إلى دواخلنا ونواجه عيوبنا ونواقصنا بجسارة.
الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور كان، هو الآخر، مشهورا بكراهيته للبشر. وقد كتب ذات مرّة يقول: إن الوجود الإنساني ما هو إلا نوع من الخطأ. والإنسان في أعماقه ليس أكثر من وحش كاسر. ونحن لا نعرف هذا الوحش سوى في حالته المروّضة الني نسمّيها الحضارة". غير أن شوبنهاور كان يدعو إلى معاملة الآخرين بطريقة كريمة، لأن البشر جميعا متساوون في معاناتهم في هذه الحياة.
إنّ من السهل علينا أن نفهم كارهي البشر وأن نتفهّم أسباب موقفهم لنرى كيف ظهروا ومن أين أتوا. والمسألة تتعلّق بنظرتنا إلى الطبيعة البشرية نفسها وطريقة فهمنا لها. يمكننا، مثلا، أن نكون مثل جان جاك روسّو الذي زعم أن الطبيعة البشرية نقيّة وطيّبة في الأساس، وأنها لا تنقلب ولا تتبدّل إلا من خلال اتصال الفرد بمجتمع قذر وفاسد. ومع ذلك، فنحن جميعا نعرف أننا لسنا ملائكة، وأن المجتمع في النهاية ليس أكثر من مجموعة من الأفراد يتمازجون ويتفاعلون معا.
الفنّان الهولندي بيتر بريغل له لوحة مشهورة اسمها كاره البشر. وفيها يظهر رجل يلفّه السواد وهو يخطو على ارض تتناثر فوقها المسامير. وفي أسفل اللوحة عبارة يُجريها الرسّام على لسان الرجل تقول: لأن العالم مليء بالشر، أنا ذاهب للحداد". الرجل الكاره للبشر يتعرّض للسرقة على يد شخص ضئيل الحجم وباسم الوجه يبرز من كرة زجاجية تمثّل العالم.
والمثير للاهتمام هو أن المحفظة التي تتعرّض للسرقة مليئة بالنقود، ما يدلّ على أن الرجل ليس منفصلا تماما عن العالم على الرغم من سخطه عليه. وفي خلفية المنظر يظهر راع مع قطيعه. الرسالة التي أراد بريغل إيصالها هي انه لا يمكن للإنسان أن ينفصل عن العالم وأنه يجب أن يواجه الصعاب وألا يتخلّى عن مسئولياته. الراعي في اللوحة هو، بنظر الرسّام، أكثر تقوى من الرجل الملتحف بالسواد، لأنه بسيط ولأنه يملك إحساسا بالمسئولية يدفعه لأن يؤدّي واجباته في الحياة كما ينبغي.
الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز كان يتبنّى وجهة نظر أكثر تشاؤما عن البشرية. كان يؤمن بأن البشر بحاجة إلى توجيه مستمرّ، وأن القوانين وحدها هي التي تحميهم وتمنعهم من إيذاء بعضهم البعض. كما كان يرى انه بدون قوانين وكوابح أخلاقية، فإنّ كلّ شيء يتفكّك وينهار ويتحوّل الأفراد إلى وحوش تسرق وتنهب وتقتل وتدمّر بلا رادع أو وازع. ومثل هذه الأشياء تحدث في أوقات الأزمات والثورات خاصّة. بل قد تحدث حتى عندما ينهزم فريقك المفضّل في مباراة مهمّة.
وجهة نظر سيغموند فرويد عن الطبيعة البشرية معقّدة للغاية. فهو يتحدّث عن مبدأ اللذّة الذي يدفع الإنسان لإشباع رغباته، بغضّ النظر عن النتائج. ولدينا، بحسب فرويد أيضا، الدافع الجنسي أو الشهوة، والرغبة في إنهاء الحياة. لكن من بين نوازع البشر الأخرى ميلهم للتدمير. ونيتشه يرى أن هذا الدافع الأخير مفيد جدّا للبشرية لأنه يقرّبها من ولادة عصر السوبرمان أو الإنسان المتفوّق!
الأمر الذي لا شكّ فيه هو أن هناك صراعا أبديّا بين الخير والشرّ، ونحن عالقون في الوسط. صحيح أن هناك أفعالا بشرية نبيلة وجيّدة، ولكنها تغرق في خضمّ أفعال الشرّ الكثيرة.
إن قدرة البشرية على التسبّب في الألم والدمار كبيرة بما لا يقاس. بل إننا نسيء حتى معاملة الحيوانات والبيئة. وفي كثير من الحالات نمارس تدميرا ذاتيّا بحقّ أنفسنا.
وإجمالا، من الخطأ أن نعتبر كارهي البشر منعزلين أشرارا أو مرضى نفسيّين. بل على العكس تماما، هم أفراد تحرّروا من الوهم وأصيبوا بخيبة أمل كبيرة وهم يرون كيف تسير الأمور على الأرض والى أين تمضي البشرية. خطأ هؤلاء، ربّما، أنهم كانوا مغرقين في التفاؤل الساذج. وتوقّعاتهم عن البشر الآخرين كانت أعلى ممّا ينبغي. ونسوا أن معظم البشر هم خليط من الخير والشرّ معا.
المغنّي بوب ديلن له أغنية مشهورة يقول فيها: اعتدت أن أهتمّ بالآخرين، لكنّ الأمور الآن تغيّرت. فالبشر مجانين والزمن غريب. يمكن أن تجرح إنسانا، حتّى دون أن تعرف. وكلّ الحقائق في العالم تضاف إلى كذبة واحدة وكبيرة".
في الختام، لا يملك الإنسان إلا أن يتمنّى أن يكون سقراط والأنبياء على حقّ عندما قالوا إن الشرّ ينبع من الجهل وأننا، ببساطة، لا نعرف ما نفعله.

Credits
experienceproject.com