:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، يوليو 22، 2012

ووترهاوس و أوفيليا

أوفيليا هي إحدى الشخصيّات الرئيسية في مسرحية هاملت لـ شكسبير. في بداية المسرحية، تظهر اوفيليا كعذراء بريئة تمشي في الطبيعة وتغنّي للأزهار. لكنّ والدها يقرّر أن يوظّف جمالها للتلاعب بـ هاملت، فتقع في حبّه. ثمّ تعرف في نهاية المطاف أن هاملت قتل والدها بعنف، فتمرّ بمعاناة رهيبة نتيجة تشتّت عواطفها واضطراب أفكارها ما بين حبّها لـ هاملت وهجره إيّاها وحزنها على والدها. ونتيجة لعجزها عن التعامل مع الموقف، تقع أوفيليا ضحيّة حالة جنون حقيقيّ وتقرّر الانتحار غرقا.
شكسبير يكثّف الطبيعة المأساوية لشخصيّة اوفيليا، خاصّة بعد أن حوّلها الصراع بين الرجال إلى ضحيّة، وذلك بجعلها تموت خارج الكواليس. ثم تتلاشى أوفيليا ببساطة، كقطرة في ماء وترحل بعيدا مثل بتلات الزهور.
رسم أوفيليا العديد من الفنّانين واستخدموها بكثرة كرمز لهشاشة النساء وللفرص الضائعة. الرسّامون ما قبل الرافائيليين وجدوا في قصّتها موضوعا لا يقاوم للوحاتهم. المشهد التراجيدي العظيم في شخصيّتها ورمزية العذراء الشابّة الغارقة في الجنون أضافت إلى الصورة مزيدا من القوّة والجاذبية. وحتّى في وقتنا الحاضر، ما تزال صورة أوفيليا تلهم خيال الفنّانين والأدباء والشعراء.
الفنّان جون وليام ووترهاوس رسم ثلاث لوحات لـ أوفيليا، وكلّ واحدة منها تصوّر المرأة في مرحلة مختلفة أثناء الفترة التي سبقت وفاتها.
في لوحة من عام 1889 "الثانية إلى اسفل"، يرسم ووترهاوس اوفيليا وهي مستلقية في مرج وشاردة التفكير، بينما تمسك شعرها بيدٍ وبالأخرى باقة من شقائق النعمان. عيناها تنظران إلى الخارج في انشغال منوّم تقريبا. تمثيل الطبيعة الخلابة في هذه اللوحة تمّ بطريقة حسّاسة ومذهلة. العشب وبتلات الزهور مفصّلة بعناية، وتخلق خلفية خضراء وخصبة. ليس مستغربا هذا الهوس الذي يبديه ووترهاوس في الاهتمام بالتفاصيل. وقد احتفظ بهذه اللوحة في محترفه زمنا، ثمّ عاود العمل عليها مرّات ومرّات على مدى سنوات.

لوحة ووترهاوس الثانية لـ اوفيليا ظهرت في العام 1894م. وفيها تبدو المرأة جالسة وسط بركة من أزهار الزنبق في اللحظات الأخيرة قبل وفاتها. ملابسها الفخمة تتباين مع الطبيعة المحيطة. ومرّة أخرى، وضع الرسّام الأزهار على حجرها وفي شعرها في محاولة لربطها بمحيطها الطبيعيّ. اوفيليا تحدّق في المياه المظلمة للبحيرة، بينما يظهر جانب من وجهها الهادئ في نظرة جانبية. في هذه اللوحة، يبدو الموضوع بعيد المنال. وعلى الأرجح، لم ينجح الرسّام في أن يصوّر بدقّة امرأة قرّرت أن تأخذ حياتها وتنتحر.
تصوير ووترهاوس الثالث والأخير لـ أوفيليا "اللوحة الأولى فوق" كان في عام 1910، وهو الأكثر دراماتيكية. وكما في اللوحتين الأخريين، تظهر هنا أيضا مزيّنة بالورود وبشعر طويل ومائل إلى الحمرة. لكن اوفيليا هذه تختلف كلّيا عن سابقتيها. فالرسّام يصوّرها أكثر نضجا وأنوثة. كما أنها ترتدي ثوبا أزرق قرمزيا بدلا من الثوب الأبيض العذري. اوفيليا تقف في مقدّمة اللوحة وتحتلّ معظم الصورة بينما تحدّق في الناظر. نظراتها الحادّة وخدّاها المشوبان بحمرة يعبّران عن حالة اليأس التي تتملّكها. يدها تستريح على الشجرة لكي توازن نفسها قبل أن تخطو في الماء. وهناك شخصان يظهران في الخلفية. إنهما ينظران، لكن لا يبدو أنهما يدركان أن المرأة ماضية إلى مصيرها.
جون وليام ووترهاوس كان احد الفنّانين النادرين الذين أصبحوا يتمتّعون بالشعبية والثراء أثناء حياتهم. وكان لأسلوبه تأثير كبير على العديد من الرسّامين ما قبل الرافائيليين مثل فرانك ديكسي وجيمس دريبر. وبشكل عام، لا يُعرف سوى القليل جدّا عن حياته الخاصّة. لكن يقال انه كان شخصا خجولا ومتحفّظا نوعا ما. وقد نجح الرسّام في تطوير أسلوبه الخاصّ في الرسم والذي كان مزيجا من الكلاسيكية والرومانسية.
كان ووترهاوس مشهورا، ليس فقط بتوليفاته ومهاراته الفنّية العالية، وإنّما أيضا بموهبته في التقاط الكثافة الدرامية لموضوعاته. كان يحبّ أن يرسم شخصيات نسائية منكوبة، وكان غالبا يستخدم زوجته كموديل. "مترجم".