:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، يونيو 06، 2013

عشاء مع بيرسيفوني

اليونان، بالنسبة للكثيرين، هي أرض ضائعة في الزمن. كلمة اليونان تستحضر صور البارثينون الذي تلوح أعمدته الرخامية ومبانيه البيضاء الخالدة في الأفق، والجزر التي يربو عددها على الألفي جزيرة والتي تومض على خلفية من زرقة وصفاء البحر المتوسط.
عندما كنت طفلة، كانت اليونان أكثر واقعية بالنسبة لي من أمريكا حيث نشأت. وكان أوّل كتاب أحببته عبارة عن كنز مخبّأ في عُلبة. كان كتاب أطفال من القرن التاسع عشر بغلاف أزرق وذهبي. وكان يحتوي على قصص لـ هوميروس كُتبت في شكل نثر تنبّؤي يخالطه بعض الهزل.
قرأت ذلك الكتاب مرارا وتكرارا، وأجفلت عندما اختار باريس أن يعطي التفّاحة الذهبية لـ أفرودايت مفضّلا الجمال على عرض هيرا له بالسلطة وعرض أثينا بالحكمة. وقلت في نفسي: لو انه اختار الحكمة لضمن السلطة والجمال أيضا.
كنت بالتأكيد منجذبة للجوانب الجوهرية من اليونان، على غرار أولئك المفتونين بها والذين يسافرون إليها عبر الزمن. لكي ترى البلد وتجرّبه وتطّلع على ثقافته، يتعيّن عليك أن تنتقل عبر القرون بمرونة وسرعة.
كانت مفاهيم علم الآثار والحفريات أمرا مهمّا للغاية بالنسبة لي. وكانت اليونان بعالمها القديم وعوالم الرومان وآسيا الصغرى على حدّ سواء مفقودة وحاضرة في نفس الوقت.
كنت أدرك أن الناس خارج اليونان يعرفون الكثير عن العصور القديمة لهذا البلد، بينما لا يكادون يعرفون شيئا عن أحوال وظروف اليونان الحديثة.
إسأل أيّ شخص عن اليونان المعاصرة لتجد أن معظم الناس يرسمون صفحة فارغة. في كتابي "عشاء مع بيرسيفوني: رحلات في اليونان"، حاولت أن أملأ هذه البقعة الفارغة من اللوحة. ومضمون الكتاب هو عبارة عن ملاحظاتي ومشاهداتي التي سجّلتها خلال إقامتي في هذا البلد لمدّة عام كامل.
وقد وقفت خلال هذه الفترة عن كثب على تاريخ وأساطير اليونان وواقعها الحديث. ووظّفت إلمامي باللغة اليونانية للتعرّف على أصدقاء هناك ساعدوني في رسم صورة لبلد يتعايش فيه التاريخ مع الحداثة بطريقة مدهشة.
وخلال هذا العام اليونانيّ، عايشت مهرجانات هذه البلاد وطقوسها الدينية والسياسية واستمعت إلى موسيقاها وحكاياتها وأساطيرها الخرافية كي اعرف شيئا ما عن الحيوات وعن الظروف التي شكّلتها. وأثناء هذه الفترة أيضا تعرّفت إلى العديد من شخصيّات اليونان المعاصرة مثل بينيلوب ديلتا صانعة أدب الأطفال الحديث، وإيون دراغوميس الكاتب والمفكّر السياسي، والروائي كوستاس تاكتسيس والمغنّي فاسيليس تسيتسانيس والنشطة النسوية كاليروي بارين. كما تعرّفت إلى الممثّلين والممثّلات اليونانيين الذين ابتكروا نمطا متفرّدا من التمثيل الذي عرفه العالم من خلال ماريا كالاس.
في اليوم الثاني لوصولي إلى أثينا، اكتشفت طريقي للعشاء مع بيرسيفوني عندما رأيت امرأة في السوق تبيع كتب تفسير الأحلام، هذه الكتب التي ما تزال سمة لا غنى عنها في المكتبات اليونانية. وكنت قد أحضرت معي كتاب موسوعة تفسير الأحلام من تأليف محلّل الأحلام الشهير من القرن الثاني الميلادي ارتيميدوروس . وفي هذا الكتاب جمع المؤلّف صورا من أحلام معاصريه من اليونانيين والرومان. والأحلام التي يسردها ويفسّرها في الكتاب هي عن الآلهة والصلب وحفلات الزفاف وغيرها من صور الحياة اليومية في العصور القديمة المتأخّرة.
في مدن اليونان المختلفة وفي أكبر جزرها وأكثرها سكّانا، استمعت بصبر للأحلام القديمة وعواقبها. وأصبح ارتيميدوروس الراعي المقدّس لقصّتي. صحيح أن عصر النهضة لم يصل إلى اليونان. لكنّ الآلهة والطقوس الوثنية القديمة حلّ مكانها القدّيسون والاحتفالات المسيحية.
بدت لي اليونان بجزرها الكثيرة مثل جسم الإنسان الذي يتكوّن في معظمه من الماء، ومثل جسم شخص تحبّه، محدود ولكنه لا ينضب. ولاحظت كيف أن اعتزاز هذا البلد بماضيه تمازجه شكوك عميقة حول مكانه في العالم الحديث. اليونانيون يقولون لك باستهجان إن اليونان بلد صغير. ولكن مثل لغتها، فإنها عالم في حدّ ذاته. واللغة اليونانيّة ليست لغة حسّية، ولا هي ذات إيقاعات مرحة. إنها لغة صخريّة وترابيّة، لغة تمتلئ بالطين والصخور البركانيّة وتتألّق مثل الحجارة الثمينة.
لقد خصّصت كلّ فصل من فصول الكتاب للحديث عن صورة من كتب الأحلام التي لعبت دورا مهمّا في حياة الناس الذين كتبت عنهم. وبطريقة ما، كان العشاء مع بيرسيفوني أيضا حلمي الخاصّ عن اليونان. "مترجم"
  • باتريشيا ستوراتشي – مؤلّفة وشاعرة أمريكية