:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، أغسطس 05، 2017

الرومانسيّة في العالم المعاصر

إذا كنت تعتقد أن الرومانسيّة هي قصائد الحبّ وباقات الورد وشموع الليل المعطّرة، فعليك أن تعيد النظر في فهمك. فالرومانسيّة، في واقع الأمر، اكبر وأشمل من هذه الأشياء والارتباطات البسيطة.
بدأت الرومانسيّة كحركة فنّية وفكرية وأدبية في ألمانيا وفرنسا في منتصف القرن الثامن عشر. وكانت روحها المحرّكة هي الثورة ضدّ المؤسّسة وضدّ القواعد والقوانين والأفكار والصيغ الجاهزة التي طبعت الكلاسيكية.
كان الرومانسيّون يفضّلون الخيال على العقل، والمشاعر على المنطق. وكانوا يرون أن التعويل يجب أن يكون على المشاعر والفطرة كمرشد أساسيّ في الحياة بدلا من العقل والتحليل.
كما كانوا يُعلون من شأن التعبير عن الذات والفردانية ويؤمنون بأن الناس يجب أن يخضعوا لما تمليه عليهم مشاعرهم التلقائية، بدلا من الاحتكام للقواعد والطقوس الباردة التي رسمها المجتمع البورجوازيّ.
وكانوا أيضا ضدّ الآداب والتقاليد الاجتماعية، مفضّلين الصراحة والحديث المباشر. وكانوا يفترضون أن الأطفال أنقياء وطيّبون وأن المجتمع هو الذي يفسدهم.
ومن سمات الرومانسيّة الأخرى أنها تكره المؤسّسات وتمجّد الأفراد الشجعان من خارج المؤسّسة الذين يقاتلون ببسالة ضدّ الوضع الراهن.
كما أنها تحتقر التنظيم ودقّة المواعيد والوضوح والبيروقراطية والصناعة والتجارة والروتين. ورغم أنها تعترف بأن كل هذه الأشياء ضرورية، إلا أنها ترى أنها املاءات تعيسة فرضتها على الناس الظروف غير المواتية للحياة.
والرومانسيّة تفضّل الجديد والخاصّ والنادر والمميّز والاستثنائي على القديم والمتكرّر والرتيب والنمطيّ والاعتياديّ.
تأمّل هذه الحالة: أنت تعيش ضمن ثقافة تمارس عليك ضغطا كي تسايرها، كي تصبح مثل بقيّة الناس، ترغب في ما يرغبون وتفعل مثل ما يفعلون. ثم تبدأ في توجيه السؤال إلى نفسك: هل أصبح شخصا شاذّا أو غريب الأطوار إذا أردت أن أكون مختلفا، فلا ألبس ما يلبس الآخرون ولا أؤمن بما يؤمنون ولا أتصرّف مثل ما يتصرّفون؟
إذا كنت قد فكّرت بمثل هذه الأسئلة، فإن هناك الكثير ممّا يجمعك بالرومانسيّين وبأكثر مما تظنّ. فالرسالة الكبيرة للرومانسيّة هي: كن نفسك ولا تذهب إلى حيث يذهب القطيع.
كان الرومانسيّون أيضا يجنحون نحو الغموض والخرافة، واعتبروا الخيال أداة أو بوّابة إلى التجارب المتسامية والحقائق الروحية.
وقد عادوا إلى القرون الوسطى، إلى الأفكار والأماكن القديمة، وأصبح لديهم اهتمام بالثقافات الشعبية وبأصول الثقافات العرقية والقومية.
وكانوا يؤمنون أيضا بأن الطبيعة امتداد لشخصيّة الإنسان، وأن أنفاس الله تملأ الإنسان والأرض، وأننا لا يمكن أن نصبح سعداء دون أن نرتبط بالطبيعة بمعناها الكبير والشامل.
وأكثر الشعراء والرسّامين الذين نعرفهم اليوم ولدوا من رحم الرومانسيّة، مثل بايرون وشيللي وكيتس وديلاكروا وجيريكو وغويا وفريدريش وبليك وكونستابل وتيرنر وكول وغيرهم. كان حبّ هؤلاء للطبيعة جارفا، وكانت أعمالهم تمتلئ بإشارات كثيرة عن الأشجار والأزهار والجبال والسحب والطيور والأنهار والمحيطات والغابات.. إلى آخره.
كانوا يعتقدون أنهم بالجلوس تحت شجرة وبالنظر إلى ما حولهم واستنشاق الهواء في الطبيعة المفتوحة يتعلّمون الكثير. مرأى وردة يمكن أن يحرّك الدموع في عين شاعر، ومزهرية قديمة يمكن أن تغري رسّاما رومانسيّا بتأمّلها طويلا ورسمها.
وكانوا يُسرّون برؤية المناظر التي لم تمسسها يد الحضارة. وليس بالمستغرب أن أطلال الحضارات القديمة كالإغريق والرومان والمصريين القدماء كانت أفكارا مفضّلة في الشعر الرومانسيّ.
وقد تحدّث الرومانسيّون كثيرا عن الآثار، وعن الأواني والمزهريات والتماثيل والمباني المهدّمة من الثقافات القديمة، ووظّفوا كلّ هذه الأشياء كأداة للتأمّل في مرور الزمن وقِصَر الحياة.
وكانوا أيضا مفتونين بالحياة البريئة لسكّان الأرياف. وحبّ الريف كما يعبّر عنه الأدب الرومانسيّ كان يرافقه غالبا إحساس بالحزن مردّه أن التغيير وشيك وأن طريقة الحياة البسيطة أصبحت مهدّدة بفعل التصنيع وزحف العمران.
الرومانسيّة ما يزال لها وجود في عالم اليوم. ومن الصعب أن تسترسل في الحديث عن أيّ موضوع دون أن تستخدم إشارة أو وصفا رومانسيّا لشرح موقف أو حالة.
لكن هناك من يرى بأن القليل من الرومانسيّة مفيد، والكثير منها ضارّ ويمكن أن يشكّل عقبة في طريق حياتنا.
فبعض رسائل الرومانسيّة قد تدفعنا في اتجاهات خاطئة، فتثير آمالا غير حقيقية وتجعلنا غير صبورين مع أنفسنا. كما أنها تقمع رغبتنا في تفحّص دوافعنا وأفكارنا، ويمكن أن تبعدنا عن حقائق الواقع وتقودنا لأن نندم ونحزن على الظروف الطبيعية للوجود.

Credits
online-literature.com