:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، نوفمبر 12، 2017

لُوفر أبو ظبي


أن يُشيّد في عاصمة عربية، وخليجية بالتحديد، فرع لمتحف عالميّ مشهور كاللوفر هي ولا شكّ فكرة رائعة.
غير أن هذه الفكرة ليست بالجديدة تماما، فالعديد من المتاحف العالمية المشهورة سبق أن فتحت لها فروعا في دول أخرى. وبفضل مثل هذه المشاريع، تحوّلت مدن كانت مغمورة أو شبه منسيّة إلى مناطق جذب ثقافيّ يقصدها المهتمّون برؤية كنوز الفنّ العالميّ.
وفي مدينة مثل أبو ظبي، الممتلئة بناطحات السحاب المشيّدة من الخرسانة والحديد والزجاج، كان لا بدّ من وجود صرح آخر يوازن بين ما هو تجاريّ وثقافيّ.
ويُنتظَر أن يضيف المتحف الكثير إلى القوّة الناعمة لدولة الإمارات ويحوّل العاصمة إلى مدينة للتسامح الحضاريّ وجسر بين الحضارات المختلفة.
وأبو ظبي ليست الوحيدة في منطقة الخليج من حيث تركيزها على التاريخ والثقافة، فقد سبقتها كلّ من سلطنة عمان وإمارة دبي اللتين افتتحتا في السنوات الأخيرة دُوراً للأوبرا وقاعات للموسيقى الكلاسيكية.
ولوفر أبو ظبي هو أوّل فرع لمتحف اللوفر يُدشّن خارج فرنسا. ويقال أنه المتحف الأغلى في العالم حتى الآن، إذ اُنفق على إنشائه حوالي بليون دولار أمريكيّ. لكن هذا ليس بالمبلغ الكثير إذا ما أخذنا في الاعتبار مردوده الكبير، من حيث أنه سيغيّر صورة هذه المدينة وسيضيف إلى جاذبيّتها السياحية والتجارية بُعدا ثقافيا وحضاريا.
وسيعمل المتحف كمؤسّسة مستقلّة على الرغم من انه سيحمل اسم اللوفر للثلاثين عاما القادمة، كما تنصّ الاتفاقية. وقد بُديء العمل فيه عام 2007 وكُلّف بوضع تصميمه مهندس فرنسيّ مشهور هو جان نوفيل.
وحسب نوفيل، المعروف بشغفه بالمتاحف والذي سبق له أن صمّم متحف قطر الوطنيّ، فإن المبدأ الذي اعتمده في التصميم هو ضرورة أن ينتمي المتحف إلى الجغرافيا والثقافة المحليّة وإلى هويّة البلد الحاضن.
وقد روعي في التصميم طبيعة التراث والبيئة المحلية الإماراتية بحيث تتفاعل في المكان السماء الضخمة مع أفق البحر وأرض الصحراء. والمتحف أشبه ما يكون بأرخبيل في البحر تعلوه قبّة ضخمة على شكل مظلّة مشيّدة من الفضّة والحديد والألمنيوم.
والقبّة الفضّية مزيّنة بأنماط ارابيسك على هيئة نجوم تطفو فوق الغاليريهات منتجةً ما يشبه المطر الضوئيّ، بحسب وصف المصمّم. ولكي يصل الضوء إلى الطابق الأرضيّ، يجب أن يعبر ثمان طبقات من الثقوب التي تنتج أنماطا متحوّلة تحاكي ظلال أشجار النخيل المتشابكة في واحات الإمارات أو أسطح الأسواق التراثية العربية.
وقد واكب المشروع في بداياته نقاش فرنسيّ واسع تركّز حول مخاطر إقراض الكنوز الوطنية إلى بلد شرق أوسطيّ مقابل أموال البترول. وجزء من السجال كان يدور حول الظروف المناخية في الإمارات واحتمال تلف القطع الفنّية أثناء نقلها إلى أماكن بعيدة.
لكن في النهاية انتصرت فكرة المشروع بعد أن التزمت الجهات الإماراتية باتخاذ تدابير احترازية لحماية القطع الفنّية من العوامل المناخية في بلد تصل فيه درجة الحرارة إلى أكثر من أربعين درجة مئوية صيفاً.
ومنذ الإعلان عن افتتاح لوفر أبو ظبي في سبتمبر الماضي، ازدادت وتيرة الرحلات الجويّة من باريس إلى أبو ظبي لنقل المعروضات الفنّية كي تصبح جاهزة يوم الافتتاح. وقد حصل المتحف الناشئ على أكثر من ستمائة عمل فنّي من ثلاثة عشر متحف فرنسيا بالإضافة إلى اللوفر، بينما استعيرت أعمال أخرى من مجموعات فنّية خاصّة من أكثر من مكان.
وخُصّص جزء صغير من المتحف لأعمال الفنّ الحديث والمعاصر. أما الجزء الأكبر فيعرض أعمالا فنّية من عدّة أماكن تتناول تاريخ وأديان العالم.
ومن بين القطع المعروضة الآن بورتريه لفان غوخ ولوحة لإدوار مانيه وأخرى لجاك لوي دافيد ولوحة لدافنشي وأخرى لجون ويسلر، بالإضافة إلى أعمال للرسّام الهولنديّ بيت موندريان والتركيّ عثمان حمدي بيه. ومن بين المنحوتات المعروضة تمثال لأبي الهول يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد وأعمدة رومانية قديمة مزيّنة بنقوش وزخارف.
لوفر ابو ظبي مشروع حضاريّ واعد. وربّما سيمضي بعض الوقت قبل أن يكتسب المتحف صورته أو ماركته المميّزة. لكن المسئولين عنه مقتنعون بأنه سينجح في تقديم صورة بصرية شاملة عن تاريخ العالم وسيوفّر جسرا للحوار بين الثقافات.