:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، مارس 11، 2018

ديرسو اوزالا


ترك المخرج اليابانيّ الكبير اكيرا كيروساوا العديد من الأفلام المهمّة، مثل "راشومون" و"الساموراي السبعة". لكن له أفلاما أخرى اقلّ شهرة، لكنّها لا تقلّ تميّزا عن بقية أفلامه شكلا ومضمونا.
من هذه الأفلام واحد بعنوان "ديرسو اوزالا" من إنتاج يابانيّ روسيّ مشترك. كنت قد شاهدت الفيلم قبل عشرين عاما وما أزال أتذكّر حتى الآن قصّته الجميلة ولقطاته الرائعة وأجواءه المعبّرة. والفيلم يعود إنتاجه إلى عام 1975، وهو أوّل فيلم لكيروساوا ناطق بغير اللغة اليابانية.
موضوع الفيلم يستند إلى كتاب بنفس الاسم لمستكشف روسيّ يُدعى فلاديمير ارسينييف يحكي فيه عن رحلاته العديدة في مطلع القرن الماضي إلى مناطق شرق روسيا النائية، حيث صحراء سيبيريا المثلجة طوال العام. كان يرافق ارسينييف في رحلاته تلك عدد من الجنود، وكانت مهمّته رسم خرائط للجبال والطرق التي يسلكها هو ورفاقه.
وديرسو اوزالا هو اسم دليل عجوز ينتمي إلى جماعة عرقية من البدو الرحّل الذين يعيشون على الحدود الصينية الروسية. وكان ارسينييف ورفاقه قد التقوا بهذا الرجل بالصدفة في إحدى الغابات التي توقّف فيها المستكشف للبحث عن قبر زميل له كان قد دفنه هناك قبل عدّة سنوات.
كان ديرسو اوزالا يعيش لوحده في تلك البرّية. في البداية ظنّوه شخصا ساذجا وغريب الأطوار. لكن في ما بعد تبيّن لهم انه ذكيّ جدّا برغم بساطته وتحفظّه.
وقد اتخذوه دليلا لهم في تلك المجاهل الخطيرة، وبعضها لم تكن قد وطأته قدم إنسان من قبل. وأثناء تلك الرحلات الطويلة والمضنية، نشأت بين ارسينييف وديرسو اوزالا علاقة احترام ومحبّة. وقد أنقذ الرجل حياة ارسينييف أكثر من مرّة، كما حاصرتهما العواصف الثلجية معا عددا من المرّات وكُتبت لهما النجاة بفضل ذكاء ديرسو اوزالا وشجاعته.
واوزالا يفهم الطبيعة جيّدا بعد أن عاش فيها طويلا وأصبح واعيا بطريقة عملها. فهو يتحدّث إلى الماء والنار والمطر كما لو أنها بشر من لحم ودم. كما انه مرتبط روحانيّا بالظواهر الكونية كالشمس والقمر والمطر والرياح.
يضاف إلى ذلك أن ديرسو اوزالا إنسان عطوف وشهم، فهو يصلح الأكواخ وينظّفها جيّدا ثم يترك فيها طعاما ومؤنا قبل أن يغادرها الفريق، كي يستفيد منها المسافرون الذين سيمرّون بالغابات لاحقا.
صُوّر الفيلم على مدى أربع سنوات في نفس الأماكن الجميلة والموحشة التي تحدّث عنها ارسينييف في كتابه. وكيروساوا يصوّر جلال ورهبة سيبيريا في لقطات فخمة وطويلة ومعبّرة. كما انه يصوّر البرد والعواصف كما لم يفعل مخرج من قبل.
عندما ساءت صحّة ديرسو اوزالا وضعُف بصره ووهنت قواه وحواسّه الأخرى نتيجة تقدّمه في السنّ، عرض عليه ارسينييف أن يأخذه ليعيش معه في مدينته. وقد وافق على الفكرة بعد تمنّع، وعاش مع المستكشف لعدّة أشهر في مدينة خاباروفسك.
لكنه لم يتكيّف مع أسلوب الحياة الحديثة في المدينة، إذ لم يكن مسموحا له بإشعال النار أو قطع الأخشاب أو بناء كوخ، ففضّل في النهاية أن يعود إلى الطبيعة وحياة العيش في الغابات.
وقبل أن يرحل، يقدّم له ارسينييف هديّة هي عبارة عن مسدّس جديد. وبعد أيّام، يتلقّى المستكشف برقية تحمل خبر العثور على جثّة رجل عجوز ملقاة على الطريق وأن عليه الحضور كي يتعرّف على صاحب الجثّة، لأنهم وجدوا في جيب سترته بطاقة مكتوبا عليها اسم ارسينييف.
وهناك يكتشف أن الشخص الميّت هو صديقه ديرسو اوزالا وأن شخصا ما، قد يكون لصّا أو قاطع طريق، كَمُن له في الطريق وقتله طمعا في المسدّس الذي كان يحمله.
فيلم "ديرسو اوزالا" هو عن قيمة الصداقة وعن الروح الإنسانية العصيّة على الكسر. وهو في نفس الوقت عن الحبّ والبراءة والتقاء ثقافات مختلفة.
وهو لا يشبه الأفلام التي اعتدنا مشاهدتها، حيث التابلوهات والديكورات الضخمة. فأنت لا ترى فيه سوى الغابات والجبال والثلوج والمطر والعواصف. وكلّ هذه العناصر يوظّفها المخرج بشاعرية وحرفية كإطار لقصّة إنسانية رائعة.

لمشاهدة الفيلم:
الجزء الأوّل
الجزء الثاني

Credits
sovietmoviesonline.com