الجمعة، أكتوبر 17، 2025

نصوص مترجمة


○ يقدّر الياباني الصمت كثيرا، ويميل الى قياس الكلمات بدقّة، فلا يتكلّم إلا بما هو ضروريّ ومفيد، وبالتالي يحترم قيمة الكلمات وخطورتها. أنت بمجرّد أن تقول شيئا، فإن الكلمات لا تعود ملكك. ويمكن تفسيرها بطرق لم تقصدها. وقد يؤدّي الاندفاع والتحدّث عن المشاعر إلى إيذاء الآخرين ونفسك. قد تتمكّن من الاعتذار أو تصحيح سوء الفهم، لكن الناس يتذكّرون كلماتك بغضّ النظر عن كلّ شيء.
مشكلة الكلام تكمن في كيفية تحوّله إلى مرجعية لقائله. إننا جميعا عالقون في عقولنا، لا ندرك إلا ما نفكّر فيه مباشرة. لا نملك القدرة على الوصول إلى أفكار الآخرين المباشرة. الكلام والكتابة تَواصُل غير مباشر مقارنةً بالتفكير. وبسبب هذه الطبيعة المقيّدة، نميل إلى الإشارة إلى أنفسنا كثيرا في الكلام. فهو في النهاية تعبير عن كيفية فهمنا للواقع.
إذا كنتَ ملِمّا بفلسفة الزِن، فستدرك أن الأنا وهم؛ بُنية عقلية تحاول إثبات ذاتها بانتحال شخصية الشخص، أي هويّته. لذا، فإن الإشارة إلى الذات في الحديث تخاطر بتغذية الأنا والتباهي. وبمجرّد أن تسيطر الأنا على لسانك، تتدفّق الكلمات. والكلمات التي غالبا ما تندم عليها هي تلك التي تؤذي الآخرين ثم تنقلب وتؤذيك.
الصمت يهدّئ العقل مع مرور الوقت. لذا عندما تتكلّم، يجب أن تكون كلماتك أكثر هدوءا ورزانة. العديد من الكتّاب ينصحون بالصمت أيضا لأن الكلمات قاتلة، وهي أيضا مضيعة للحياة المحدودة. في اليابان، كثيرا ما كان الجدل العقيم بين الساموراي يتطوّر إلى مبارزات تنتهي بموت أحدهم. وكما يشير قول حكيم: عندما تضع الموت دائما في ذهنك وتتحدّث وتردّ على ما يقوله الآخرون، فإنك تفهم وزن وأهمية كلّ كلمة كمحارب محترف، لذا لا تنخرط في جدالات عقيمة".
وكثيرا ما يجد بعض الناس أنهم يفكّرون فيما سيقولونه لاحقا أكثر من الإنصات الصادق الى من يحدّثونهم. والسبب أنهم منشغلون بحالتهم الداخلية. فإذا كانت هناك فكرة في ذهنك، فرغم أنك تستمع إلى كلام غيرك، إلا أنك لن تتمكّن من سماعه حقّا، لأن عقلك قد توقّف عند أفكارك. يجب أن تدرّب نفسك على الصمت وعدم الالتفات إلى الذات، والاستماع الى الآخر بدلا من التفكير في ردّك.
ينبغي أن يكون عقلك دائما هادئا وفي حالة سكينة وبعيدا عن أيّ قلق، وأن تكون كلماتك هادئة وقليلة العدد، فلا تتحدّث في أمور لا فائدة منها.
إن تعلّم عدم امتلاك رأي وإخضاع آرائك للتدقيق أثناء التعلّم يساعد على كبح الميل للثرثرة. وعندما تتوقّف عن متابعة نميمة المشاهير والأخبار والسياسة وكلّ ما يتطلّب منك اتخاذ موقف أو رأي، يصبح عقلك أكثر هدوءا. لا شيء من هذه الأشياء مهم على المستوى الشخصي في معظم الحالات. إنها تقع خارج نطاق سيطرتك، فلماذا تضيّع حياتك عليها؟ وينطبق الأمر نفسه على آراء من تتحدّث معهم. فعقولهم تقع خارج قدرتك على التحكّم، فلماذا تسمح لرأيهم أن يزعج هدوئك؟
لا يمكنك إلا أن تتعلّم الدروس وتمضي قدما، وتعمل على تهدئة عقلك، وتتخلّص من الآراء حول ما لا يعنيك، وتعمل على تقليل تأثير غرورك على أسلوبك في الحديث والعيش. م. ناغاواكا

❉ ❉ ❉


❉ ❉ ❉

○ "أمريكا هي الدولة الوحيدة التي انتقلت من الهمجية إلى الانحطاط دون أن تمرّ بمرحلة الحضارة". هذه العبارة المشهورة تُنسب إلى أوسكار وايلد. وعلى الأرجح قصدَ من كلامه أن أمريكا انتقلت بسرعة من حالة بدائية إلى حالة من التدهور، دون أن تشهد حضارة حقيقية ودائمة. وغالبا ما يُنظر إلى هذا الاقتباس على أنه نقد لاذع للتقدّم السريع، التكنولوجي والاقتصادي، الذي جاء على حساب الإثراء الثقافي والأخلاقي.
قال وايلد هذه العبارة خلال جولته في أمريكا عام ١٨٨٢. كان في السابعة والعشرين من عمره عند وصوله إليها. ولم يكن قد حقّق شهرة أدبية بعد صدور روايته "صورة دوريان غراي" التي تضمّنت جملتيه المشهورتين: عندما يموت الأمريكيون الطيّبون يذهبون إلى باريس". و"الأمريكيون السيّئون يبقون في أمريكا".
وقد غادر وايلد، المولود في آيرلندا، أمريكا بانطباع مختلف، لكنه حافظ على سخريّته المعهودة، مثل قوله "إن أمريكا لم تسامح أوروبّا أبدا على أنها اكتُشفت قبلها". ومثل قوله "إن الهنود هم من أنقذوا الأوروبيين ناكري الجميل من الجوع في أوّل شتاء وصلوا فيه. لقد ساعدوهم على الزراعة والبقاء على قيد الحياة في أرضهم. فكيف كُوفئوا؟ لقد قُتلوا واغتُصبوا وأُسيئت معاملتهم وأجبروا على مغادرة أرضهم، وفي النهاية سُرقت منهم أمريكا بأكملها".
ومع ذلك ظلّ أوسكار وايلد منبهرا بالإمكانيات التي وجدها في كلّ مكان زاره في أمريكا. هـ. كولمان

❉ ❉ ❉

○ لا ينبغي للإنسان أن يرى وجهه، إذ لا شيء أكثر شرّا منه. لقد منحته الطبيعة نعمة عدم رؤيته، وعدم القدرة على التحديق في عينيه. ولم يكن بإمكانه النظر إلى وجهه إلا في مياه الأنهار والبِرك. ووضعية النظر التي كان عليه اتخاذها كانت رمزية. كان عليه أن ينحني وينحنى ليرتكب عار رؤية نفسه. لقد سمّم مخترع المرآة قلب الإنسان. فرناندو بيسوا

❉ ❉ ❉

○ في الصحراء الغربية، يطير جوادي نحو الغرب، يكاد يلامس أطراف السماء. ودّعتُ أهلي ورأيت القمر بدرا مرّتين، الرمال تنبسط على مدى النظر، بلا شبح لإنسان ولا خيط من دخان. قمّة الجبل تنفث ضبابا بنفسجيّا، وتحت أشعة الشمس من بعيد، يلوح شلّال معلّق، سيل ينقضُّ من ارتفاع ثلاثة آلاف ذراع. يخيّل إليّ أن نهر المجرّة ينصبّ من السماء التاسعة. دو فو

❉ ❉ ❉

○ الفنّ ليس بديلا عن الدين، إنه دين بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي الربط بالمجهول، بالعقل وبالوجود المتعالي. الفنّ هو التجسيد الخالص للشعور الديني والقدرة على الإيمان والشوق إلى الله. القدرة على الإيمان هي صفتنا الأسمى، والفنّ وحده هو الذي يترجمها إلى واقع. ولكن عندما نُشبع حاجتنا إلى الإيمان بأيديولوجيا، فإننا نجلب الكارثة.
والحديث عن الرسم ليس صعبا فحسب، بل ربّما يكون غير مُجدٍ أيضا. لا يمكنك التعبير بالكلمات إلا عمّا تستطيع الكلمات التعبير عنه وما تستطيع اللغة توصيله. والرسم لا علاقة له بذلك. الرسم شكل آخر من أشكال التفكير. عندما أنظر من النافذة، تكون الحقيقة بالنسبة لي هي الطريقة التي تظهر بها الطبيعة بتنوّع درجات ألوانها ونسبها. هذه حقيقة، ولها صوابها الخاص. هذه القطعة الصغيرة من الطبيعة تمثّل لي تحدّيا مستمرّا، وهي نموذج للوحاتي. أنا بطبعي متشكّك. لا أجرؤ على اعتبار لوحاتي رائعة. لا أفهم غطرسة من يقول: لقد أبدعت عملا فنّيا عظيما ومهمّا". أرفض هذا السلوك البائس وفكرة الفنّان البطل.
الأبواب والستائر والصور السطحية وألواح الزجاج وما إلى ذلك ربّما تكون استعارات لليأس، ناجمة عن المعضلة التي تواجهنا، وهي أن حواسّنا البصرية تجعلنا ندرك الأشياء، ولكنها في الوقت نفسه تقيّد وتمنع جزئيا إدراكنا للواقع. أنا لا أشكّ في الواقع الذي لا أعرف عنه شيئا تقريبا. أشكّ في صورة الواقع التي تنقلها لنا حواسّنا، فهي ناقصة ومحدودة. غيرهارد ريشتر

❉ ❉ ❉

○ تجوّلت عبر أراضي أمريكا منذ بضع سنوات، متتبّعا شيوخ المايا، ومستمعا إلى الإخوة لاكوتا الأقوياء وهم يردّدون أغاني الحداد والفرح ويبنون المجتمع. كنت تابعا لشيروكي أبيض، أنشأنا عشيرة وكنت مدفوعا بتعاليم أنيشينابي وأصبحت ممثّلا لعشيرة "طائر الرعد".
توقّفنا في أماكن مقدّسة مثل تلّ الثعبان وتلال كاهوكيا. ونظرنا لفترة وجيزة من خلال الحجُب، اتّبعت المسار الأحمر واكتشفت في النهاية أنني كنت دائما أتبع ذلك المسار. التقيت بكبار السنّ من الهوبي والنافاهو. صديقتي، حاملة الغليون، صنعت شاياً خاصّا وأهدتني تبغا زُرع من بذور وُجدت في كيس دواء لرجل من العصر الجليدي. وعندما التقيت أخيرا بالإخوة لاكوتا في سيدونا كانت أصواتهم خامّا. وقد شاركتهم الشاي والكثير من السحر في تلك الرحلة. أ. موين

Credits
archive.org
gerhard-richter.com

الأربعاء، أكتوبر 15، 2025

نصوص مترجمة


○ عندما توفّي "لي باي"، كان قد أصبح شاعرا عظيما، وأطلق عليه معجبوه لقب "الخالد المنفيّ". ويشير هذا اللقب إلى أنه قد أرسل إلى الأرض كعقاب له على سوء سلوكه في السماء. وعلى مدار الإثني عشر قرنا منذ وفاته، بُجّل في الصين باعتباره شاعرا خالدا. ولإدمانه على الكحول، أُطلق عليه أيضا اسم "الخالد كالنبيذ". ولا يزال من الشائع اليوم أن يقطع أتباع شعره مئات الأميال، متّبعين بعض مسارات تجواله كنوع من الحجّ. وتحمل العديد من المشروبات الكحولية والنبيذ اسم لي باي. بل إن اسمه علامة تجارية شائعة تُعرض في الفنادق والمطاعم والمعابد وحتى المصانع في الصين.

في يناير عام 764، أصدر إمبراطور الصين الذي تولّى العرش حديثا مرسوما باستدعاء لي باي للعمل مستشارا في البلاط. ولم يكن لهذا المنصب سلطة فعلية، على الرغم من مسمّاه الرنّان. ومع ذلك، كان هذا التعيين تشريفا كبيرا ودليلا على التكريم الإمبراطوري.
وفي حالة لي باي، كان بمثابة استعادة لبعض المكانة الرفيعة التي كان يتمتّع بها في البلاط. لكن عندما وصل المرسوم الملكي إلى مقاطعة دانغتو حيث كان من المفترض أن يكون لي باي موجودا، ارتبك المسؤولون المحليون ولم يتمكّنوا من العثور عليه. وسرعان ما اكتشفوا أنه توفّي قبل ذلك بأكثر من عام.
ولمئات السنين، زعم البعض أن لي باي لم يمت قط وأنهم يقابلونه بين الحين والآخر. وفي الحقيقة، لا أحد يعرف تاريخ وفاته ولا سببها. ولم يكن موته الغامض مقبولا لأولئك الذين كانوا يعتزّون بشعره. فبدأوا في تقديم روايات مختلفة عن وفاته وقصص نُسجت، إما لتناسب الصورة الرومانسية لشخصيته الشعرية أو لتقديم خاتمة مناسبة لحياته المضطربة.
في إحدى تلك الروايات، قيل إنه مات بسبب التسمّم بالكحول، وهذا يتماشى مع انغماسه في الشراب طوال حياته. ويزعم آخرون أنه مات بسبب مرض رئوي. كان شُرب لي باي وفقره في سنواته الأخيرة قد أدّيا إلى تفاقم حالة رئتيه. لكن النسخة الثالثة من قصّة وفاته كانت ممعنة في الخيال، إذ تذكر أنه غرق وهو يطارد انعكاس القمر على النهر وهو في حالة سُكر، ثم قفز من قاربه لالتقاط القرص المتحرّك على سطح الماء.
ومع أن هذا السيناريو يوحي بشعور انتحاري، وربّما يكون رومانسيّا لدرجة يصعب تصديقها، إلا أنه النسخة التي لاقت استحسانا واسعا من الناس. ويعود ذلك جزئيا إلى أن لي باي، كما يظهر من قصائده، كان مولعا بالقمر. حتى في طفولته المبكّرة، كان مهووسا به. في قصيدة له بعنوان "رحلة ليلية في غولانغ" كتب يقول: عندما كنت طفلا صغيرا، لم أكن أعرف ما القمر. كنت أسمّيه صفيحة اليشم البيضاء. ثم تساءلت إن كان مرآة في شرفة طارت وحطّت فوق غيوم خضراء".
في الشعر الصيني، كان لي باي أوّل من استخدم صورة القمر بكثرة، احتفالا بسموّه ونقائه وثباته. وقد تخيّل القمر كمنظر طبيعي هادئ به مساكن علوية للخالدين الذين غالبا ما يكونون محاطين بالحيوانات والنباتات الإلهية وحيواناتهم الأليفة. ولم تكن معتقدات الصينيين القدماء تفصل الألوهية عن الإنسانية. كان فضاؤهم السماوي المتخيّل يشبه عالم البشر، بمناظر طبيعية ومعمار ومخلوقات مماثلة. وكانت السماء مأهولة بالكائنات التي كانت إلى حدّ ما مثل البشر الخارقين، قويّة وخالدة.
القمر في شعر لي باي يرتبط أيضا بالبيت والموطن الأصلي، وهو يصوّره كمنارة مشتركة بين البشر في كلّ مكان. "أرفع رأسي لأرى القمر الساطع، وأخفضه فأفكّر في البيت". وتشير أسطورة محاولته احتضان القمر إلى تحقيق نهائي لأمنيته ورؤيته. وقد اعتقد بعض معاصريه أنه كان نجما في حياته السابقة، وبالتالي بإمساكه القمر في الماء، عاد إلى الفضاء السماوي حيث كان يسكن ذات يوم.
الشعراء الذين جاؤوا بعده استمرّوا في الاحتفال بوفاته المقمرة. ورغم علمهم بأنها قد لا تكون حقيقية، إلا أنهم أشادوا في أشعارهم عبر القرون بتلك اللحظة المشرقة. وحتى اليوم، لا يزال عشّاق شعر لي باي منغمسين في تلك الأسطورة. يقول باحث معاصر أن لي باي "ركب حوتا يطفو مع الأمواج نحو القمر". وتُصوّر هذه الرحلة السماوية لي باي الثمل وكأنه يعود إلى مكانته الإلهية الأصلية.
وتُظهر هذه الروايات الرومانسية طبيعة الدراسات التي تتناول الشاعر، والتي تستند غالبا إلى الأساطير والخرافات. ولأن الناس يتمنّون له نهاية مجيدة، فقد حرصوا على تخليد أسطورة مطاردته للقمر. لكن رغم كلّ المحاولات الخيالية لتمجيد لي باي، كان هناك صوت واحد واضح تحدّث عن حالته ببصيرة، عندما كان الشاعر لا يزال حيّا وفي المنفى. فقد رثاه صديقه المخلص الشاعر دو فو في قصيدته "أحلم بـ لي باي" بقوله:
"العاصمة مليئة بالعربات والملابس الفاخرة
لكنك وحيد، نحيل وشاحب رغم موهبتك.
من ذا الذي يدّعي أن طريق الجنّة آمن دائما؟
في شيخوختك لم تقدَّر لك النجاة من الأذى.
سيصبح لك شأن بعد رحيلك.
وسيدوم اسمك عشرة آلاف عام". هـ. جين

❉ ❉ ❉


○ تحوّلت رواية "العرّاب" للكاتب الأمريكي من أصل إيطالي ماريو بوزو الى الكتاب الأكثر مبيعا في عام صدورها، أي 1969. وقد تمكّنتُ من الفوز بحقوق تحويل الرواية الى عمل سينمائي. لكن كانت هناك مشكلة واحدة، وهي أن جميع المخرجين رفضوا إخراج العمل واحدا تلو الآخر.
قلت في نفسي: ها أنا ذا أتحكّم بأحد أهمّ الكتب في العالم، والجميع يهنّئونني على نجاحي، لكني لا أجد مُخرجا واحدا يوافق على تحويل الكتاب الى فيلم. رفض ريتشارد بروكس وكوستا غافراس وإيليا كازان وآرثر بن العمل. وكان رأيهم أنه ليس من الأخلاق في شيء إضفاء طابع رومانسي على جرائم المافيا". قلت: غير أخلاقي؟! ماذا عن عملائكم؟ أنتم تتعاملون معهم كلّ يوم".
شعرت كأنني طفل التقط حجرا من الشارع ثم اكتشف أنه ثمين، لكن لا يمكنه بيعه لأن لونه غير جذّاب. ثم ذكر لي صديق اسم فرانسيس كوبولا. لكن كوبولا لم يكن راغبا أو متحمّسا للقيام بالمهمّة. كانت لديه هو الآخر قناعات راسخة بضرورة عدم تخليد ذكرى العائلات التي شوّهت تراثه الإيطالي.
ولم يكن الوقت في صالحنا. فبدون مخرج إيطالي، قد نخسر الصفقة. ورحت أتوسّل لكوبولا الذي أنتج حتى ذلك الحين ثلاثة أفلام، جميعها فاشلة، أن يغيّر موقفه. وبعد ثلاثة أيّام من المناقشات، جاء إليّ صديق في مكتبي. وقال: وافق كوبولا على إخراج الفيلم بشرط واحد، وهو ألا يكون فيلما عن عصابات منظّمة، بل قصّة عائلية، أي استعارة للرأسمالية في أمريكا. قلت: تبّاً له وللحصان الذي ركبه. هل هو مجنون؟ لا يهم، إنه إيطالي". وفي أقلّ من 48 ساعة أُعلن عن كوبولا باعتباره المخرج الذي اختير لفيلم "العرّاب". كما اختير كلّ من مارلون براندو وآل باتشينو للقيام بالدورين الرئيسيين في الفيلم، وأُسندت مهمّة إعداد موسيقى الفيلم الى نينو روتا. .
لم يكن رودان، الذي كان يُشكِّل الطين بيديه، يتمتّع بخفّة عقل كوبولا في الإغواء، سواءً على الصعيد الشخصي أو المهني. روبرت إيفانز

❉ ❉ ❉

○ فكّر في جميع المتطلّبات التي يتخيّلها الكتّاب لأنفسهم: كوخ في غابة، طاولة خشبية بسيطة، صمت مطبق، قلم مفضّل، حبر مناسب، آلة كاتبة، كمبيوتر محمول، برنامج كتابة مفضّل، دفتر أصفر، سلّة مهملات، بندقية، ضوء الصباح الباكر، القمر في الليل، ظهيرة ممطرة، عاصفة رعدية مع رياح عاتية، أوّل ثلوج الشتاء، فنجان قهوة، كوب من الشاي الأخضر.
عاجلا أم آجلا ستمنعك عن الكتابة حاجتك إلى أيّ من هذه الأشياء التي تعتقد أنك بحاجة إليها لإلهامك أو لتعديل مزاجك كي تكتب. لذا تعلّم الكتابة في أيّ مكان وفي أيّ وقت وتحت أيّ ظرف وبأيّ شيء، بدءا من العدم. كلّ ما تحتاجه حقّا هو رأسك، الشيء الذي لا غنى لك عنه في كل الأحوال. ف. كلينكنبورغ

❉ ❉ ❉

○ المرض دعوة عنيفة للتفلسف. يأتي فجأة ويعيث خرابا في حياة كانت مرتّبة ويبدّد الكثير من افتراضاتنا وأفكارنا حول ما يمكن وما ينبغي أن تكون عليه حياتنا. لذا، قد يكون المرض أداة فلسفية فعّالة تُثمر رؤى قيّمة. وقد يستدعي أساليب أكثر جرأة وشخصيةً في الفلسفة. وقد يؤثّر على الاهتمامات الفلسفية للمريض ويحفّزه على التأمّل في محدودية قدرته وفي الإعاقة والمعاناة والظلم. كما يمكنه أن يغيّر من إلحاح وأهمية مواضيع فلسفية معيّنة.
بالطبع، لا يُحدِث المرض هذا في كلّ الحالات. فإذا كان مرضا مؤلما أو منهِكا للغاية، فلا مجال للتأمّل. وإذا كان الحزن والصدمة شديدين جدّاً، فلا يمكن أن يكون هناك "نموّ ما بعد الصدمة". ولكن في حالات أخرى، يمكن أن يكون المرض تجربة تحويلية، أي يمكنه أن يغيّر ما نعرفه وما نقدّره بطرق تؤثّر على حياتنا بطريقة جذرية. هافي كاريل

❉ ❉ ❉

○ الفاشية والنازية هما نتاجان مباشران للحركة الرومانسية. فقد صَوّر الحزب النازي الشعب الألماني على أنه شعب مثالي يتطلّع لإعادة ألمانيا إلى ماضيها المثالي، حيث كان الشعب يتمتّع بالقوّة المطلقة والارتباط بالأرض، لذا يعارض الحداثة والرأسمالية وشرور التصنيع.
وأصول الرومانسية تعود إلى جان جاك روسو الذي آمَنَ بأن الإنسان في حالته الطبيعية خيّر وأن الحكومة، أي الحضارة، تفسد الناس. اعتقد الرومانسيون أن الوثنيين عاشوا في وئام مع الطبيعة، بينما عاش المسيحيون الحداثيون منفصلين عنها. كما جادلوا بأن المسيحية أدّت إلى الثورة الصناعية والرأسمالية التي كان يعارضها الرومانسيون. وفضّل الرومانسيون العاطفة والشعور على المنطق والتحليل، اللذين دعت إليهما الفلسفة الغربية على مدى ألفي عام.
كان ماركس أهمّ أتباع روسو، إذ يَجمع بيانه الشيوعي بين عناصر من "الوحش النبيل" لروسو ونسخة علمانية من هيغل، ليطالب بالعودة إلى حالة الطبيعة حيث تعود البروليتاريا إلى السيادة. ومع أن هتلر لم يكن شيوعيا، إلا أنه تأثّر بالماركسية، لكنه استعار أيضا من نيتشه وداروين وغيرهما. وإذا أزلنا سياسات النازيين العنصرية، فإننا ننقاد إلى النتيجة المنطقية للرومانسية. تانيوس كليم

Credits
ink-and-brush.com
arcstudiopro.com

الاثنين، أكتوبر 13، 2025

نصوص مترجمة


○ في مطار كابول، وبعد الحصول على بطاقة الصعود إلى الطائرة، ذهبت لاستصدار تصريح أمني. وقال لي أفراد الأمن: تأكّد من أنك لا تحمل أيّ شيء خطير".
حدث هذا منذ ثمان سنوات. كنت مسافرا إلى دلهي. وكنت خائفا وأنا أغادر منزلي ووطني لأوّل مرّة. فلم يسبق لي أن ذهبت إلى أيّ مطار أو صعدت أيّ طائرة أبدا. وللمرّة الأولى أيضا تعلّمت معاني المصطلحات، مثل تسجيل الوصول والمغادرة وبطاقة الصعود والهجرة وحزام الأمتعة والصالة.
بعد وصولي إلى دلهي، اضطررت إلى الإقامة في بيت ضيافة، قبل الانتقال إلى النزل الدولي بالجامعة، حيث حصلت على بعثة لمدّة عامين لدراسة الماجستير. داخل بيت الضيافة، كانت معظم الغرف بحجم كابينة، وكانت غرفتي مماثلة.
لم تكن الليلة الأولى ممتعة. مغادرة الوطن أمر مؤلم دائما. من أنت ومن أين أتيت يحدّدان وجودك. وكونك من الهزارا وأفغانيّا في نفس الوقت يمثّل لعنة. فليس أمامك سوى خيارات قليلة للغاية. إما أن تصبح مسلما سنيّا أو تغادر أفغانستان أو تخاطر بأن تُقتل. ونفس الشيء ينطبق على الهزارا الذين يعيشون في وادي كويتا في باكستان.
يولد الهزارا حاملين معهم الكثير من المصائب. ويتعيّن علينا أن نتحمّل الفقر والفظائع العرقية. كما أن التعليم والوصول إلى مرافق الرعاية الصحّية اللائقة أمران بعيدان عن متناول أيدينا. وفي بعض الأحيان، نشعر وكأننا لا ننتمي إلى أرضنا ونعيش كلاجئين في منطقة غير مضيافة، ويُطلب منا مرارا وتكرارا أن ننقل مصائبنا إلى مكان آخر. هذه هي الحياة العادية للهزارا الذين يعيشون تحت ظلال غيوم قاتمة مليئة بالمآسي.
بما أن الجامعة تقع على التلال، فمن الواضح أن سطحها صخري. وبدا أن الخضرة تشكّل جزءا لا يتجزّأ من الحرم الجامعي، من الشجيرات والنباتات الصغيرة إلى شجرة البانيان العملاقة وأشجار البوغنفيليا "أو الجهنّمية الحمراء".
ذهبت الى مكتب القبول والتسجيل وقدّمت مستنداتي، وكان هناك العديد من الطلاب الآخرين الذين كانوا مشغولين بتقديم أوراقهم. وفجأة وقعت عيناي على سيّدة ترتدي "ساري" أحمر. كانت تضع الكحل وكانت عيناها جاحظتين وشعرها مفرودا وعظام وجنتيها مرتفعة. كانت تشبه إلى حدّ كبير امرأة من أصولي العرقية. حسنا، كانت مجرّد نظرة. عادة لا أحدّق في امرأة إلا أن تلاحظني. ثم شرعت في استكشاف الحرم الجامعي.
وبينما بدأت في السير، سمعت صوتا من الخلف يقول: المعذرة". التفت. كانت السيّدة نفسها التي ترتدي الساري الأحمر. سألتني: هل أنت من الشمال الشرقي؟". فقلت: لا، أنا من أفغانستان".
ارتسمت على وجهها ابتسامة ازدراء. واعتذرت وقالت إنني أبدو وكأنني آتٍ من الشمال الشرقي. وبعد قليل، أخبرتها أنني سأستكشف الحرم الجامعي، وسألتها ما إذا كانت تريد مرافقتي. فوافقت.
كانت تجربة جميلة. مشينا الى أن وصلنا الى أعلى مكان في المشهد الطبيعي. جلسنا على صخرة ضخمة ذات قمّة مسطّحة في المنتصف. وبدون أن نتحدّث كثيرا، استمتعنا بالنسيم العليل. وأحيانا كنا ننظر إلى بعضنا البعض ونتواصل من خلال أعيننا.
ثم بدأنا في البحث عن شيء آخر. سألتني عن معنى اسمي "منتظر". فقلت: شخص ينتظر". قالت وهي تبتسم: وماذا تنتظر؟". أجبت: هناك العديد من الأشياء غير المستقرّة في الحياة. نأمل في تغييرات أفضل". ردّت: جميل!". سألتها عن معنى اسمها "كاميلا". فضحكت وقالت: أنا في حال تناقض مع معنى اسمي. إنه يعني "إلهة الثروة"، وأنا لست أكثر من فقيرة!"
ثم ذهبنا إلى الكافيتريا لإشباع جوعنا في منتصف النهار. وبعد الغداء، تبادلنا أرقام هواتفنا ثم انطلقنا إلى أماكن إقامتنا الخاصّة. كانت كاميلا تعيش في أحد المباني. وقد سمّيت أغلب المباني على اسماء الأنهار التي تجري في الهند. ومع مرور الوقت، بدأت أتعرّف عليها عن قرب. فالصداقة هي الحاجة الدائمة للحياة البشرية. وهي تساعدنا على إعادة اكتشاف أنفسنا من خلال عيون الآخرين.
مرّت ثمانية أشهر بسرعة وانتهت فترة دراسية مذهلة. كانت هذه الأشهر مليئة أيضا بالكثير من الحب. تجوّلنا كثيرا في دلهي. الهند هي تجسيد للثقافة المركّبة، ودلهي هي أفضل مثال على ذلك.
في وطني أفغانستان، كان الوباء والسياسة كلاهما ينفتحان مثل صندوق باندورا. كانت طالبان قد بدأت تشدّد قبضتها مع مرور كلّ يوم. كان الإسلام مجرّد أداة لإضفاء الشرعية على سياساتها. وموقفها تجاه مجتمعي، أي الهزارا، مروّع للغاية. كنت قلقا على عائلتي. في بعض الأحيان، تعيدني بعض الجروح غير الملتئمة إلى الوراء، وأشعر أنني لن أتمكّن أبدا من الشفاء. لكنّي أتعلّم كيف أتعايش مع هذا أيضا.
وطوال هذه الفترة، كنت على اتصال دائم بأمّي. أحيانا أحثّها على السماح لي بالعودة إلى الوطن، لكنها تصرّ على ألا أفعل. أسألها ما إذا كان من المقبول أن أموت في بلد آخر كلاجئ. ولأنها امرأة متديّنة، كانت إجابتها بسيطة للغاية: بالنسبة للمؤمن، كلّ البشر لاجئون. نحن هنا في الدنيا لفترة وجيزة جدّا من الزمن ومنزلنا الأبدي هو قبورنا. وعاجلا أم آجلا، سندخل جميعا منزلنا الأبدي ولن نعود منه أبدا". تبدو آراؤها جذّابة، لكن كيف أجعلها تفهم أن هناك ألف بركان يحترق بداخلي؟!
مرّت الأيّام وأكملت دراستي وحصلت على وظيفة للوفاء باحتياجاتي المالية والمعيشية. ومهما كانت الظروف والمواقف، يجب أن نستمر. قد يكون الوطن هو المكان الذي نتمكّن فيه من العثور على المعنى الحقيقي للحياة. ومع ذلك، سأعود إلى وطني يوما ما، مع أو بدون معنى. وتلك فقط مسألة وقت. م. عادل

❉ ❉ ❉


❉ ❉ ❉

○ قرأ الفنّان الألماني آنسيلم كيفر مرارا رواية جيمس جويس الصعبة "يقظة فينيغانز". واستلهم أفكار بعض مَعارضه ولوحاته من أجواء تلك الرواية ومن طفولته وهو يصنع الألعاب من أنقاض منزل عائلته. وكيفر يرى الأنقاض كبداية لا نهاية. ويعود ذلك إلى ولادته في الأشهر الأخيرة المروّعة من الحرب العالمية الثانية، في بلدة جميلة في الغابة السوداء.
يقول: عندما ولدت، كنت في المستشفى مع والدتي في القبو. وفي تلك الليلة، قُصف منزلنا. ولو لم نكن في المستشفى وقتها لكنّا في عِداد الأموات. وفي طفولتي، لم يكن لديّ ألعاب. لذلك بَنيتُ منازل من طوب الأنقاض. وكان لديّ كلّ ما أريد، لأن عائلتي انتقلت إلى المنزل المجاور لمنزلنا المقصوف. كنت بجوار الأنقاض وكان الأمر رائعا. وكطفل، لم يكن ما حصل كارثة. كانت ألعابي هي كلّ ما أملك".
طفولة كيفر في بلد مهدّم بجوار منزل عائلته المدمّر، جعلته ما هو عليه الآن؛ الفنّان الذي ينقّب عن موقع قنبلة التاريخ الحديث. ولوحاته وتراكيبه تجسّد كوابيس الماضي بشغف. إنها آثار ناضجة وذات نكهة لاذعة تجعل معظم الفنّ المعاصر يبدو سطحيّا وبسيطا.
لوحته العملاقة "عبّاد الشمس في منتصف الليل"، وهو اسم آخر مقتبس من جويس، تمثّل رؤية آسرة لعبّاد الشمس الطويل ببتلاته السوداء. وكيفر يراه رمزا لدورة الوجود لأنه "يرتبط بالنجوم بتحريكه رأسه باتجاه الشمس. وفي الليل يكون مغلقا. ولحظة انفجاره، يصبح أصفر وخياليّا. وتلك هي نقطة الانحدار. لذا، فإن هذه الزهرة رمز لحالتنا الوجودية".
ويتحدّث كيفر عن الأدب وعن الجهود التي بذلها طوال حياته لفهم رواية جويس، التي تختبئ قصّتها تحت طبقات من التلاعب بالألفاظ تجعل حتى الجملة الأولى منها كتلة من التحدّي: يجري النهر متجاوزا حوّاء وآدم، ومن منعطف شاطئ إلى منعطف خليج، يعيدنا عبر مسار سريع إلى قلعة هاوث والمناطق المحيطة بها".
فنّ كيفر يتدفّق كالنهر، لكن ظلمته تكمن في رؤيته للزمن كـ دورة، وهو ما يتشاركه مع جويس. ويشير تعبير "ملجأ إعادة التدوير" في رواية جويس إلى اعتقاد الفيلسوف جيوڤاني ڤيكو بأن البشرية تصعد عبر مراحل ثم تتراجع، وتدور من جديد. وكيفر يجد التاريخ الحديث مخفيّا في نصّ جويس الذي يبدو غير سياسي. وأحد الاقتباسات التي دوّنها يُظهر أن الكاتب الكبير كان ملِمّا بما كان يحدث في ألمانيا في ذلك الوقت.
الكتب، بوصفها صورة لضميرنا الجمعي الإنساني الهشّ، تتجلّى في كلّ مكان في أعمال كيفر الفنّية. هناك كتب محروقة وكتب بأجنحة تحلّق. وهناك كومة من الكتب مصبوبة من البرونز وتزحف عليها ثعابين. يقول ستيفن ديدالوس، الأنا الأدبية لجيمس جويس في روايته "صورة الفنّان في شبابه": التاريخ كابوس أحاول الاستيقاظ منه". ج. جونز

Credits
archive.org
theguardian.com