بإمكانك اليوم أن ترى أعدادا متزايدة من الفنّانين الذين يرسمون مناظر للطبيعة في الهواء الطلق، وكأنهم يعيدون الاعتبار إلى ما كان يُعتبر نوعا مملا وغير مقدّر من الفنّ خلال معظم سنوات القرن العشرين.
وقبل عقود، ومع تحوّل الناس إلى الفنّ الحديث الذي يخاطب المشاعر الداخلية للإنسان، أصبح الكثيرون ينظرون إلى رسم المناظر الطبيعية باعتباره فنّا غير مهمّ وغير ذي صلة بالواقع.
غير أن رسّامي القرون الماضية كانوا في كثير من الأحيان معبّرين تماما عن ما اصطلح على تسميته "مأزق الإنسان" من خلال فنّ رسم المناظر الطبيعية. والواقع أن النقيض التام لرسم المناظر الطبيعة في الهواء الطلق هو ما يسمّيه مؤرّخو الفنّ بـ "الطبيعة البطولية".
رسّام المناظر الطبيعية الفرنسي بيير اونري دي فالينسيان هو احد روّاد ومنظّري هذا النوع من رسم الطبيعة. وقد كان يحثّ رسّامي الطبيعة في زمانه على أن يقرءوا أوّلا كتب الأدب الكلاسيكي ويستوعبوا ويتأمّلوا كلمات الشعراء العظام قبل أن يغلقوا أعينهم ويتخيّلوا مشهدا مثاليا عن جمال الطبيعة.
وكان فالينسيان يؤكّد على أهميّة أن يلاحظ الفنانون الطبيعة وأن يعبّروا عن خيبة أملهم من عشوائيتها ومن ما يعتريها من أوجه نقص وقصور. وعندما يعودون إلى محترفاتهم يتعيّن عليهم أن يرسموا في لوحاتهم جمال رؤاهم الداخلية ويحرّروا أنفسهم من الحقائق الصغيرة التي قد يكونون لاحظوها، لصالح الحقائق الكونية الكبرى المتجسّدة في الطبيعة.
ولوحة فالينسيان بعنوان منظر لمدينة أغريجينتو القديمة والتي رسمها في 1787 تقدّم نموذجا على مثل هذه المثالية الفنّية.
فالينسيان لم يكن الفنّان الأول أو الأخير الذي نظر إلى رسم المناظر الطبيعية بهذه الصورة. وهو كان من أتباع نيكولا بُوسان الذي كان، هو نفسه، تلميذا لـ كلود لورين. ولكن بُوسان كان هو من أتقن رسم مناظر الطبيعة البطولية وأصبحت أعماله معيارا تقاس على أساسه كلّ لوحة أخرى من هذا النوع، على الأقل حتى نهاية القرن التاسع عشر.
ولوحة بُوسان الطبيعية بعنوان رماد فوشيان التي رسمها في العام 1648 تستند إلى قصّة ذكرها الشاعر الروماني بلوتارك في كتابه حيوات متوازية. وفيها يروي تفاصيل قصّة جنرال إغريقي يُدعى فوشيان أدين ظلما وحُكم عليه بالموت. وبسبب انتمائه إلى جماعة تؤمن بحرق جثّة الميّت لا دفنها، وهو ما يُعدّ انتهاكا لقانون كان ساريا في أثينا وقتها، اضطرّت زوجته لأخذ جثّته إلى مكان خارج المدينة لحرقها. ثمّ جمعت رماده سرّا واحتفظت به، بانتظار حدوث تغيير سياسي يسمح بإجراء مراسم دفن تليق بزوجها كإنسان شريف.
في مقدّمة اللوحة، نرى الأرملة وهي تجمع رماد زوجها بعد حرق جثمانه وإلى جوارها خادمتها. تفاعل الضوء والظلّ له معنى واضح. فجانبا الطريق، حيث الزوجة والخادمة، تغطّيهما الظلمة بفعل ظلال الأشجار. والتباين ما بين النور والعتمة يركّز اهتمام الناظر إلى ما يجري. الخادمة تبدو وكأنها تريد التأكّد من أن أحدا لا يراقب ما يحدث. وفي الخلفية نرى البلدة كمنظر طبيعي مثاليّ. فالناس يقضون وقتا مسليّا، وبعضهم يظهر وهو مسترخٍ أو نائم. وهم لا يدركون مقدار الألم والمعاناة التي تمرّ بها المرأة.
مثل هذا المنظر لا يمكن أن يتخيّله سوى رسّام مثل بُوسان. وقد اشبع الطبيعة بحضور يتجاوز مجرّد رسمها بشكلها الخامّ، ومنحها نوعية خالدة تناسب البطولة الخالدة للطبيعة الإنسانية.
وربّما يتفاجأ البعض اليوم إذا ما عرفوا بأن بول سيزان كان هو أيضا احد أتباع بُوسان. قد يبدو هذا غريبا، خاصّة في ضوء حقيقة أن سيزان كان بالكاد يعرف أو يهتمّ بالأدب القديم، مع انه في كثير من الأحيان كان يرسم مناظره في الهواء الطلق. وهو في عمله كان متأثّرا بلا شك بالانطباعيين. لكنه كان أيضا على خلاف معهم في بعض فترات حياته.
وأيّ شخص درس سلسلة لوحاته عن طبيعة جبل سان فيكتوار سيدرك أن تلك المناظر يمكن إدراجها ضمن مفهوم الطبيعة البطولية.
وتجاوبا مع ما اقترحه فالينسيان، يبدو أن سيزان كان يغمض عينيه فعلا بينما كان يرسم ويتخيّل الجوانب المثالية للطبيعة. فهناك إحساس بالصفاء واهتمام شديد بالتوليف والتصميم اللذين يهيمنان على طبيعته. "مترجم".
وقبل عقود، ومع تحوّل الناس إلى الفنّ الحديث الذي يخاطب المشاعر الداخلية للإنسان، أصبح الكثيرون ينظرون إلى رسم المناظر الطبيعية باعتباره فنّا غير مهمّ وغير ذي صلة بالواقع.
غير أن رسّامي القرون الماضية كانوا في كثير من الأحيان معبّرين تماما عن ما اصطلح على تسميته "مأزق الإنسان" من خلال فنّ رسم المناظر الطبيعية. والواقع أن النقيض التام لرسم المناظر الطبيعة في الهواء الطلق هو ما يسمّيه مؤرّخو الفنّ بـ "الطبيعة البطولية".
رسّام المناظر الطبيعية الفرنسي بيير اونري دي فالينسيان هو احد روّاد ومنظّري هذا النوع من رسم الطبيعة. وقد كان يحثّ رسّامي الطبيعة في زمانه على أن يقرءوا أوّلا كتب الأدب الكلاسيكي ويستوعبوا ويتأمّلوا كلمات الشعراء العظام قبل أن يغلقوا أعينهم ويتخيّلوا مشهدا مثاليا عن جمال الطبيعة.
وكان فالينسيان يؤكّد على أهميّة أن يلاحظ الفنانون الطبيعة وأن يعبّروا عن خيبة أملهم من عشوائيتها ومن ما يعتريها من أوجه نقص وقصور. وعندما يعودون إلى محترفاتهم يتعيّن عليهم أن يرسموا في لوحاتهم جمال رؤاهم الداخلية ويحرّروا أنفسهم من الحقائق الصغيرة التي قد يكونون لاحظوها، لصالح الحقائق الكونية الكبرى المتجسّدة في الطبيعة.
ولوحة فالينسيان بعنوان منظر لمدينة أغريجينتو القديمة والتي رسمها في 1787 تقدّم نموذجا على مثل هذه المثالية الفنّية.
فالينسيان لم يكن الفنّان الأول أو الأخير الذي نظر إلى رسم المناظر الطبيعية بهذه الصورة. وهو كان من أتباع نيكولا بُوسان الذي كان، هو نفسه، تلميذا لـ كلود لورين. ولكن بُوسان كان هو من أتقن رسم مناظر الطبيعة البطولية وأصبحت أعماله معيارا تقاس على أساسه كلّ لوحة أخرى من هذا النوع، على الأقل حتى نهاية القرن التاسع عشر.
ولوحة بُوسان الطبيعية بعنوان رماد فوشيان التي رسمها في العام 1648 تستند إلى قصّة ذكرها الشاعر الروماني بلوتارك في كتابه حيوات متوازية. وفيها يروي تفاصيل قصّة جنرال إغريقي يُدعى فوشيان أدين ظلما وحُكم عليه بالموت. وبسبب انتمائه إلى جماعة تؤمن بحرق جثّة الميّت لا دفنها، وهو ما يُعدّ انتهاكا لقانون كان ساريا في أثينا وقتها، اضطرّت زوجته لأخذ جثّته إلى مكان خارج المدينة لحرقها. ثمّ جمعت رماده سرّا واحتفظت به، بانتظار حدوث تغيير سياسي يسمح بإجراء مراسم دفن تليق بزوجها كإنسان شريف.
في مقدّمة اللوحة، نرى الأرملة وهي تجمع رماد زوجها بعد حرق جثمانه وإلى جوارها خادمتها. تفاعل الضوء والظلّ له معنى واضح. فجانبا الطريق، حيث الزوجة والخادمة، تغطّيهما الظلمة بفعل ظلال الأشجار. والتباين ما بين النور والعتمة يركّز اهتمام الناظر إلى ما يجري. الخادمة تبدو وكأنها تريد التأكّد من أن أحدا لا يراقب ما يحدث. وفي الخلفية نرى البلدة كمنظر طبيعي مثاليّ. فالناس يقضون وقتا مسليّا، وبعضهم يظهر وهو مسترخٍ أو نائم. وهم لا يدركون مقدار الألم والمعاناة التي تمرّ بها المرأة.
مثل هذا المنظر لا يمكن أن يتخيّله سوى رسّام مثل بُوسان. وقد اشبع الطبيعة بحضور يتجاوز مجرّد رسمها بشكلها الخامّ، ومنحها نوعية خالدة تناسب البطولة الخالدة للطبيعة الإنسانية.
وربّما يتفاجأ البعض اليوم إذا ما عرفوا بأن بول سيزان كان هو أيضا احد أتباع بُوسان. قد يبدو هذا غريبا، خاصّة في ضوء حقيقة أن سيزان كان بالكاد يعرف أو يهتمّ بالأدب القديم، مع انه في كثير من الأحيان كان يرسم مناظره في الهواء الطلق. وهو في عمله كان متأثّرا بلا شك بالانطباعيين. لكنه كان أيضا على خلاف معهم في بعض فترات حياته.
وأيّ شخص درس سلسلة لوحاته عن طبيعة جبل سان فيكتوار سيدرك أن تلك المناظر يمكن إدراجها ضمن مفهوم الطبيعة البطولية.
وتجاوبا مع ما اقترحه فالينسيان، يبدو أن سيزان كان يغمض عينيه فعلا بينما كان يرسم ويتخيّل الجوانب المثالية للطبيعة. فهناك إحساس بالصفاء واهتمام شديد بالتوليف والتصميم اللذين يهيمنان على طبيعته. "مترجم".