في عام 1238، قاد باتو، حفيد جنكيز خان، تحالفا من المغول والقبائل التركية لتأسيس امبراطورية امتدّت من المحيط الهادي إلى نهر الفولغا. وبسبب ثرائها وقوّتها، أصبحت هذه الخانية تُعرف باسم القبيلة الذهبية. ومن هذه القبيلة انحدرت واحدة من أقدم السلالات المغولية. وقد أسّست لها عاصمة أطلق عليها القرم واعتنق شعبها الإسلام في القرن الثالث عشر الميلادي.
لكن بعد هزيمة القبيلة الذهبية في عام 1441 على يد تيمورلنك، رحل نبلاء القرم عن المنطقة وأسّسوا لهم خانية مستقلّة تحت قيادة حاجي غيراي. وفي عام 1475، سيق حاجي سجينا إلى اسطنبول حيث اجبره السلطان العثماني محمّد الثاني على الاعتراف بسيطرة العثمانيين على خانية القرم.
وفي ما بعد، سُمح لحاجي بالعودة إلى عرشه. وفي عام 1502، خاض معركة ضدّ خان القبيلة الذهبية وألحق به الهزيمة قرب نهر الدينيبر. ثم ألحق أبناؤه هزيمة بالروس بالقرب من موسكو، وأجبر الروس بعدها على احترام الخانية، واستمرّ الحال كذلك حتى نهاية القرن السابع عشر.
وفي بدايات القرن الثامن عشر، كان يحكم خانية القرم الإسلامية سلطان يُدعى كريم غيراي خان. وكان هذا الرجل يدير شئون الخانية من قصره المسمّى بختشي سراي، أي قصر الروضة. المؤرّخون من تلك الفترة يصفون الخان غيراي بأنه كان شخصا شرسا وعديم الرحمة ولم يكن يوفّر أحدا من بطشه. وقد شقّ طريقه نحو العرش فوق أكداس من الجثث. وعندما كان يغزو أرضا كان يحرقها ولا يبقى منها سوى الرماد.
وطوال حياته، لم تعرف الدموع طريقها إلى عينيه. كان يستمتع بالخوض في دماء الضحايا، وكان الناس يرتجفون من مجرّد ذكر اسمه الذي يثير الرعب والهلع في النفوس.
ويبدو أن الخان غيراي لم يكن يأبه للحبّ أو حتى للمال. كلّ همّه كان منصبّا على المجد والسلطة. ولكن فجأة وقع في حبّ أميرة جورجية جميلة تدعى "ماريّا" جلبها معه من إحدى حملاته العسكرية في بلاد الشرق. غير أن الأميرة الأسيرة والحزينة على فراق وطنها لم تكن تشعر بأيّة عاطفة تجاه الخان.
كانت ماريّا "أو ديلارا كما تُسمّى أحيانا" متعة أبيها العجوز. كانت فتاة خجولة ووحيدة وعفيفة. وقد قاومت جميع محاولات غيراي للتودّد إليها وكسب قلبها. ومع مرور الأيّام، أصبح هذا الحبّ الشيء الأكثر قيمة في حياة الخان.
كانت ماريّا تختلي بنفسها بعيدا عن نساء القصر. لكن هذا لم يوقف زاريما، زوجة الخان الغيورة ورئيسة حريمه، التي كانت تبيّت في نفسها أمرا وتتحيّن الفرصة للإجهاز على غريمتها ومنافستها. وتموت الأميرة الجميلة قبل الأوان وبشكل غير متوقّع عندما تقوم زاريما بدسّ السمّ في طعامها.
عندما علم الخان غيراي بأن زوجته هي من قتل ماريّا، بادر إلى قتلها انتقاما. ثم أمر ببناء نافورة في القصر أطلق عليها "نافورة الدموع" تخليدا لذكرى الأميرة وقصّة حبّه لها.
لكن بعد هزيمة القبيلة الذهبية في عام 1441 على يد تيمورلنك، رحل نبلاء القرم عن المنطقة وأسّسوا لهم خانية مستقلّة تحت قيادة حاجي غيراي. وفي عام 1475، سيق حاجي سجينا إلى اسطنبول حيث اجبره السلطان العثماني محمّد الثاني على الاعتراف بسيطرة العثمانيين على خانية القرم.
وفي ما بعد، سُمح لحاجي بالعودة إلى عرشه. وفي عام 1502، خاض معركة ضدّ خان القبيلة الذهبية وألحق به الهزيمة قرب نهر الدينيبر. ثم ألحق أبناؤه هزيمة بالروس بالقرب من موسكو، وأجبر الروس بعدها على احترام الخانية، واستمرّ الحال كذلك حتى نهاية القرن السابع عشر.
وفي بدايات القرن الثامن عشر، كان يحكم خانية القرم الإسلامية سلطان يُدعى كريم غيراي خان. وكان هذا الرجل يدير شئون الخانية من قصره المسمّى بختشي سراي، أي قصر الروضة. المؤرّخون من تلك الفترة يصفون الخان غيراي بأنه كان شخصا شرسا وعديم الرحمة ولم يكن يوفّر أحدا من بطشه. وقد شقّ طريقه نحو العرش فوق أكداس من الجثث. وعندما كان يغزو أرضا كان يحرقها ولا يبقى منها سوى الرماد.
وطوال حياته، لم تعرف الدموع طريقها إلى عينيه. كان يستمتع بالخوض في دماء الضحايا، وكان الناس يرتجفون من مجرّد ذكر اسمه الذي يثير الرعب والهلع في النفوس.
ويبدو أن الخان غيراي لم يكن يأبه للحبّ أو حتى للمال. كلّ همّه كان منصبّا على المجد والسلطة. ولكن فجأة وقع في حبّ أميرة جورجية جميلة تدعى "ماريّا" جلبها معه من إحدى حملاته العسكرية في بلاد الشرق. غير أن الأميرة الأسيرة والحزينة على فراق وطنها لم تكن تشعر بأيّة عاطفة تجاه الخان.
كانت ماريّا "أو ديلارا كما تُسمّى أحيانا" متعة أبيها العجوز. كانت فتاة خجولة ووحيدة وعفيفة. وقد قاومت جميع محاولات غيراي للتودّد إليها وكسب قلبها. ومع مرور الأيّام، أصبح هذا الحبّ الشيء الأكثر قيمة في حياة الخان.
كانت ماريّا تختلي بنفسها بعيدا عن نساء القصر. لكن هذا لم يوقف زاريما، زوجة الخان الغيورة ورئيسة حريمه، التي كانت تبيّت في نفسها أمرا وتتحيّن الفرصة للإجهاز على غريمتها ومنافستها. وتموت الأميرة الجميلة قبل الأوان وبشكل غير متوقّع عندما تقوم زاريما بدسّ السمّ في طعامها.
عندما علم الخان غيراي بأن زوجته هي من قتل ماريّا، بادر إلى قتلها انتقاما. ثم أمر ببناء نافورة في القصر أطلق عليها "نافورة الدموع" تخليدا لذكرى الأميرة وقصّة حبّه لها.
النحّات الفارسي الذي شيّد النافورة خلق في تصميمه الإحساس بنبع سلسبيل، وهو اسم عين ماء مقدّسة في الجنّة. كما ضمّن النافورة نقشين: نقش علويّ ويتضمّن قصيدة في مدح الخان، وسفلي ويتضمّن آية من القرآن الكريم "عينا فيها تُسمّى سلسبيلا".
الغموض الذي يحيط بشخصية ماريّا أدّى إلى ظهور أساطير عديدة. وتحوّلت النافورة والأساطير التي نُسجت حولها إلى مصدر إلهام للعديد من الكتّاب والفنّانين الذين مجّدوا النافورة والقصر.
الشاعر الكسندر بوشكين رأى النافورة عام 1820 خلال زيارته القصيرة إلى قصر الخان وأعجب بالكتابات ﻭﺍﻟﻨﻘﻭﺵ الزخرفية ﺍﻟﺸﺭﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻜﺎﻨﺕ ﻤﺤﻔﻭﺭﺓ ﻋﻠيها. وقد عكس الشاعر انطباعاته بطريقة مبدعة في قصيدته المشهورة نافورة بختشي سراي التي نُشرت عام 1824.
والقصيدة ليست إحدى أشهر قصائد بوشكين فحسب، بل يمكن اعتبارها النسخة الروسية من ألف ليلة وليلة. وهي تحكي قصة من شيّدوا القصر وقصّة خانية القرم الغابرة.
النحّات الذي بنى النافورة لم يكن يتوقّع أن يشتهر عمله في جميع أنحاء العالم. وبوشكين أيضا لم يكن يتوقّع أن تحظى قصيدته بكلّ هذا الذيوع الذي تتمتّع به اليوم.
غير أن تأثير قصيدة بوشكين كان فوريّا. وقد ساعدت قصيدته تلك في ظهور صورة رومانسية عن العالم الإسلامي، كما بدأت التغييرات التي كانت تُجريها السلطات على نسيج القصر الأصلي تثير احتجاجات الفنّانين والمهندسين المعماريين الروس وحتى بعض القياصرة أنفسهم. قصيدة بوشكين ألهمت أيضا الموسيقي الروسي بوريس اسافييف تأليف باليه بنفس الاسم.
وبعد عام من زيارة بوشكين للمنطقة، جاء موكب من الكتّاب إلى القصر. وكان من بين هؤلاء الشاعر البولندي آدم ميتزكيفيتش المشهور اليوم برباعيّاته عن جزيرة القرم والتي تتحدّث إحداها عن قصر بختشي سراي.
لكنّ الذي يزور القصر اليوم لا يرى سوى أطلال النافورة وبقايا البلاط الداخلي الذي كان يؤوي الحريم. هنا جناح الأمير غيراي خان. وهنا كانت تعيش زاريما ملكة الحريم إلى أن وصلت ماريّا بعد أن انتُزعت عنوة من قصر والدها في جورجيا.
الرسّام الروسي كارل بريولوف تأثّر بقصيدة بوشكين وعمل لمدّة 12 عاما على لوحة هي عبارة عن منظر استشراقي عن الحريم في قصر بختشي سراي.
لوحة بريولوف "فوق" تصوّر جانبا من فناء القصر. النساء ينتظرن عودة الخان وهنّ يجلسن على سجّادة حريرية بجانب نافورة. وفي اللوحة أيضا يظهر طفل يلهو بمرح، بينما تبدو الأسماك في أعماق النافورة الصافية وهي تتهادى فوق أرضية رخامية.
زاريما الغيورة، اقرب حريم الخان إلى قلبه، ترمق الأسيرة الحزينة ماريّا بعينين يتطاير منهما الشرر. وإحدى النساء يسقط قرطها الذهبيّ في الماء، وخادمة سمراء تجلب الشراب بينما تصدح في الجوّ أنغام أغنية حزينة.
وللحديث بقيّة غدا..
الغموض الذي يحيط بشخصية ماريّا أدّى إلى ظهور أساطير عديدة. وتحوّلت النافورة والأساطير التي نُسجت حولها إلى مصدر إلهام للعديد من الكتّاب والفنّانين الذين مجّدوا النافورة والقصر.
الشاعر الكسندر بوشكين رأى النافورة عام 1820 خلال زيارته القصيرة إلى قصر الخان وأعجب بالكتابات ﻭﺍﻟﻨﻘﻭﺵ الزخرفية ﺍﻟﺸﺭﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻜﺎﻨﺕ ﻤﺤﻔﻭﺭﺓ ﻋﻠيها. وقد عكس الشاعر انطباعاته بطريقة مبدعة في قصيدته المشهورة نافورة بختشي سراي التي نُشرت عام 1824.
والقصيدة ليست إحدى أشهر قصائد بوشكين فحسب، بل يمكن اعتبارها النسخة الروسية من ألف ليلة وليلة. وهي تحكي قصة من شيّدوا القصر وقصّة خانية القرم الغابرة.
النحّات الذي بنى النافورة لم يكن يتوقّع أن يشتهر عمله في جميع أنحاء العالم. وبوشكين أيضا لم يكن يتوقّع أن تحظى قصيدته بكلّ هذا الذيوع الذي تتمتّع به اليوم.
غير أن تأثير قصيدة بوشكين كان فوريّا. وقد ساعدت قصيدته تلك في ظهور صورة رومانسية عن العالم الإسلامي، كما بدأت التغييرات التي كانت تُجريها السلطات على نسيج القصر الأصلي تثير احتجاجات الفنّانين والمهندسين المعماريين الروس وحتى بعض القياصرة أنفسهم. قصيدة بوشكين ألهمت أيضا الموسيقي الروسي بوريس اسافييف تأليف باليه بنفس الاسم.
وبعد عام من زيارة بوشكين للمنطقة، جاء موكب من الكتّاب إلى القصر. وكان من بين هؤلاء الشاعر البولندي آدم ميتزكيفيتش المشهور اليوم برباعيّاته عن جزيرة القرم والتي تتحدّث إحداها عن قصر بختشي سراي.
لكنّ الذي يزور القصر اليوم لا يرى سوى أطلال النافورة وبقايا البلاط الداخلي الذي كان يؤوي الحريم. هنا جناح الأمير غيراي خان. وهنا كانت تعيش زاريما ملكة الحريم إلى أن وصلت ماريّا بعد أن انتُزعت عنوة من قصر والدها في جورجيا.
الرسّام الروسي كارل بريولوف تأثّر بقصيدة بوشكين وعمل لمدّة 12 عاما على لوحة هي عبارة عن منظر استشراقي عن الحريم في قصر بختشي سراي.
لوحة بريولوف "فوق" تصوّر جانبا من فناء القصر. النساء ينتظرن عودة الخان وهنّ يجلسن على سجّادة حريرية بجانب نافورة. وفي اللوحة أيضا يظهر طفل يلهو بمرح، بينما تبدو الأسماك في أعماق النافورة الصافية وهي تتهادى فوق أرضية رخامية.
زاريما الغيورة، اقرب حريم الخان إلى قلبه، ترمق الأسيرة الحزينة ماريّا بعينين يتطاير منهما الشرر. وإحدى النساء يسقط قرطها الذهبيّ في الماء، وخادمة سمراء تجلب الشراب بينما تصدح في الجوّ أنغام أغنية حزينة.
وللحديث بقيّة غدا..