الرسّام لا يضع صورتي القدم والحذاء منفصلتين وجنبا إلى جنب، بل يدمجهما بطريقة هجينة، أي بتحويل واقع لآخر. وأحد التفسيرات الأكثر شيوعا للوحة هو أن أكثر الأشياء وحشيةً يمكن أن تصبح مقبولة بقوّة العادة. تشعر وانت تتأمّل اللوحة بأن التحام قدم الانسان بالحذاء الجلدي ينشأ في الواقع من عادة وحشية.
وبحسب بعض النقّاد، تثير مشكلة الحذاء مسألة القدم وطبيعة الإنسان والقوّة المنفّرة للأعراف الاجتماعية. قد يبدو الحذاء للوهلة الأولى أكثر المنتجات تعرّضا للضرر، لكن وحشيته تتّضح من حقيقة أن قوّة العادة حوّلته إلى شيء طبيعي ولم يعد من الممكن إدراك خطورته. فالحذاء ليس مجرّد وسيلة حماية، بل هو أيضاً سجن لاإنساني، فهو يفرض توحيد حركة أصابع القدم الخمسة في حركة اجبارية واحدة ويضع فاصلاً أبدياً بيننا وبين الأرض التي نسير عليها.
ومثل كلّ مبدعي الفنّ الخيالي، يعرف الرسّام رينيه ماغريت أن تمثيل غير الواقعي يكون أقوى عندما يبدو رمزيّا أكثر. وقد رسم سلسلة لوحات "العارضة الحمراء" ابتداءً من عام 1935. وربّما يتوافق اللون الأحمر في عنوان اللوحات مع محاولة ماغريت الثورية خلق لغز حقيقي من شيئين تقليديين واعتياديين، هما في هذه الحالة القدمان والأحذية.
لكن ماغريت يقدّم لنا أيضا في هذه اللوحة تعريفاً جديداً للإزعاج، حيث تتضمّن الصورة أفكاراً متعدّدة حول معنى أن تكون غريباً ومزعجاً في نفس الوقت. فعود الثقاب والعملات المعدنية المتناثرة على الأرض تمنحنا إحساساً بأن شخصاً ما كان هنا، ولم يعد موجوداً لأسباب ربّما تكون مزعجة. كما أن قصاصة الصحيفة الممزّقة والمهترئة تأخذ شكل امرأة واقفة في وضع غريب، وليس من الواضح مدى ارتباطها بالمشهد.
الأحذية هي أحد الأشياء التي تميّزنا عن الحيوانات، وبالنسبة للعديد من الناس، فإنها تساعد في تحديد هويّتنا. والحذاء والقدم في الصورة لا يقدّمان تلميحا يساعد على فهم ما يجري. فهل اختفى الشخص ولم يبق منه سوى حذاؤه؟ وهل حلّ الحذاء محلّ الشخص، وكلّ ما تبقّى الآن هو القدم؟ وهل استُبدل الحذاء بالشخص؟
ربّما حدث أمر خطير، ولا يقتصر الأمر على الأحذية، بل ترَك الشخص وراءه أشياء. وهناك شعور قويّ بأنه لم يعد موجودا هنا، وقد غادر بسرعة كافية لإسقاط الأشياء التي كان يحملها. ولكن أكثر من ذلك فقد ترك وراءه جزءا من نفسه. والآن كلّ ما تبقّى هو أحذيته وبقايا إنسانيته. والأمر لا يتعلّق فقط بأننا تركنا أحذيتنا خلفنا، بل يبدو أن ماغريت يقول إن أحذيتنا هي نحن وأننا تُركنا خلفنا!
كان ماغريت يفضّل الارتباطات المدروسة بشكل صحيح باللقاءات غير المتوقّعة التي ينادي بها السرياليون. ولتحقيق هذه الغاية، كان يحبّ أن يبتكر "مشكلات" للأشياء اليومية، من خلال زوج من الأحذية. وبدا التحوّل التدريجي للقدم إلى حذاء واضحا جدّا لماغريت، لدرجة أنه صنع سبع نسخ متقاربة من هذه اللوحة. والتصوير الدقيق للأشياء واللحم البشري يضيفان إلى غرابة هذا العمل الذي يبدو طريفا ومخيفا في آن.
في تلك الفترة من حياته الفنّية، أصبح اكتشاف وتصوير هذا "التقارب الاختياري" الخفيّ بين اشياء غير ذات صلة ظاهريّا الغرضَ الدائم لفنّ ماغريت. وساعده هذا في رسم بعض أعظم لوحاته. فقد حلّ "مشكلة الطائر" من خلال تصوير بيضة في قفص، وحلّ "مشكلة الباب" من خلال رسم ثقب لا شكل له محفور فيه.. وهكذا.
ذات مرّة كتب ناقد يقول: كان ماغريت يحبّ مواجهة الناظر بشيء غير مفهوم ولكنه مصوّر بطريقة واقعية مخادعة. ويبدو السياج الخشبي في هذه اللوحة عاديّا تماما، لكن الأحذية ليست كذلك. وعادةً ما يساعد العنوان في تقريب المعنى إذا كانت الصورة محيّرة، ولكن ليس هنا. فـ "العارضة الحمراء" تثير المزيد من الأسئلة، عارضة ماذا أو من؟ وحمراء؟!
طوال حياته، كان ماغريت يرفض تفسير وتحليل صوره، مدّعيا أن فنّه يعكس ببساطة الغموض الكامن في العالم. وكتب إلى أحد أصدقائه يوماً يقول معلّقا على صورة القدم والحذاء هذه: إنه لأمر مرعب أن نرى ما يتعرّض له المرء عندما يصنع صورة بريئة".