الخميس، يوليو 03، 2025

قراءات


  • على الرغم من تفكيري العلمي والتحليلي، إلا أنني أميل أحيانا إلى الروحانيات والمعجزات. مثلا، تعجبني مناظر المسطّحات المائية الشاسعة، وأشعر بجسدي يشتعل رهبةً عندما أواجه سلاسل الجبال، وأجثو على ركبتي لأصلّي في مواجهة بركان نشط. العلم لا يستطيع وصف أعاجيب الدنيا، لأنه يفتقر إلى اللغة اللازمة ويتحدّث بالمنطق والعقل، لا بلغة الروح. والعلم لا يستطيع إثبات سبب شعورنا بالامتنان عند رؤية مسطّح مائي لا ضفاف له. والعلم يعمل على تفسير الأرض وعملياتها ودوراتها وتغيّراتها ويروي قصّة واحدة عن كلّ شيء. لكن تفسير كيفية حدوث شيء ما يختلف عن شرح علّة وجوده. العلم يشرح الأرض، لكنه لم يخلقها، وهذا هو الغموض الذي تنبثق منه الروحانية والدين.
    في المأتم، أفكّر في الجثمان المتواري في النعش. كم يبدو هادئا وهو مغلّف بخشب البلّوط. نبذل جهدا كبيرا لنجعل الموتى يبدون مسالمين. أعتقد أنهم كذلك من نواحٍ عديدة. نحن - المضطربين – من نُترك لمواجهة فنائنا. ورغم ذلك أخشى الموت، لكنّي أستمتع ببعض متع الحياة الدينية. لديّ مثلا نوع من الإيمان؛ إيمان بأن الأرض لن تنهار تحت قدمي، وبأن الكون سيستمرّ من دوني، وأجد العزاء في معرفة أين ستكون حياتي الأخرى.
    عندما نرحل، سيبقى على الأرض الكثير، كالكائنات الحيّة، والكائنات التي نعتبرها عصيّة على الموت كالصخور والماء والتربة والموادّ العضوية المتحلّلة. كانت الخنافس موجودة منذ أكثر من 300 مليون عام، ونجت من أكثر من انقراض جماعي. وستكون هنا في عامها المليوني الـ 300 حتى لو لم نكن نحن موجودين.
    عندما انقرضت الديناصورات، اختفى ما يقرب من 75 في المائة من الحياة على الأرض. ونحن نهتم بهذا الانقراض لأننا نهتمّ بالديناصورات. وأيّ طريقة للموت أفضل من الفناء بفعل جسم فضائي مندفع! إننا نحزن على الديناصورات، بحجمها المذهل ومشيتها المحبّبة، لكنّنا نفضّل موتها أيضا. فانقراضها هو ما مهّد الطريق لنا ولدببتنا وثعالبنا وخيولنا وقططنا الحبيبة للظهور. نعلم عن ذلك الانقراض ونفترض أنه كان الأعظم، ولكنه كان انقراضا جماعيا معتدلا نسبيّا من حيث الأنواع المفقودة.
    النباتات الأرضية قابلة للتكيّف ومتنوّعة بشكل ملحوظ وستظلّ هنا. ولن تذوب الصخور التي نجت من مليارات السنين تحت حرارة الاحتباس الحراري العالمي. قد تموت العديد من الأشياء التي نحبّها، لكن الأرض نفسها لن تموت. صحيح أننا نجعل الأرض غير صالحة للسكن لأنفسنا وللمخلوقات التي تعيش مثلنا، لكننا لا نجعل الأرض غير صالحة للسكن لنفسها.
    أجلس الآن على صخور عمرها مليار عام. نطاق الزمن الجيولوجي يمحو أيّ شعور بأهميّة الذات. أشعر بالتواضع أمام الصخور بقدر ما أشعر بأنني ارتفع بها. هنا أجد السلام والراحة وسط الخطر وأتعلّم أن أرى ما سيبقى، لا فقط ما سيضيع. هنا تريني الأرض كيف تنتصر، لأني أعلم أن هذا المكان لم يكن دائما هكذا. كانت هذه المياه جليدا، وهذا الحصى تآكلَ بمرور الوقت، وبعض الحيوانات التي كانت تتجوّل هنا لم يعد لها وجود.
    كلّ شيء من حولي موجود في لحظته الخاصّة، لوقته الخاص. وكلّ شيء سيتغيّر لا محالة. وبعض الأشياء ستتغيّر بأسرع ممّا نرغب. لكن الآن، أستمتع بهذا المشهد وأجد فيه العزاء. أترك نفسي متمسّكة بوعد أن بعض الأشياء ستنجو وأن هذه الأرض، مهما أبعدناها عن مدارها، ستعود دائما إلى توازنها واستقرارها. جوليا رودلف
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • في المشي لن تقابل نفسك، تهرب من فكرة الهويّة ذاتها، من إغراء أن تكون شخصا وأن يكون لك اسم وتاريخ. حرّية المشي تكمن في عدم كونك أحدا، فالجسد السائر لا تاريخ له، إنه مجرّد دوّامة في مجرى حياة سحيقة. وأنت تمشي، لا تسمع إلا صوت طقطقة الحجارة تحت قدميك. صمت غامض، معدني ومحطّم. صمت لا يلين، حاسم كموت شفّاف.
    تتقدّم وعيناك منخفضتان، تُطمئن نفسك أحيانا بهمهمة صامتة. سماء زرقاء صافية ومنفصلة تماما، ألواح من الحجر الجيري مفعمة بالحضور: صمت مكتمل لا يمكن لأحد تجاوزه، جمود نابض بالحياة ومتوتّر كقوس. للرحلات الطويلة في الخريف، عليك أن تبدأ مبكّرا جدّا في صمت الصباح الباكر. في الخارج، كلّ شيء بنفسجي، الضوء الخافت يتسلّل عبر أوراق حمراء وذهبية. إنه صمت منتظَر. تمشي بهدوء بين أشجار داكنة ضخمة لا تزال مغطّاة بآثار ليل أزرق. تكاد تخشى الاستيقاظ. كلّ شيء يهمس بهدوء.
    المرء لا يكون وحيدا تماما عندما يمشي، كما كتب هنري ثورو. "أجد في المنزل الرفيق الحميم، خاصّة في الصباح حين لا يناديني أحد". إن الانغماس في الطبيعة مشتّت للانتباه دائما. كلّ شيء يخاطبك، يحييك ويلفت انتباهك: الأشجار، الأزهار وألوان الطرق. تنهدّ الريح، أزيز الحشرات، خرير الجداول، وقع أقدامك على الأرض، همسة خافتة تستجيب لوجودك.
    المطر أيضا. مطر خفيف وناعم يرافقك باستمرار، همسة تُنصت إليها بنغماتها وثوراتها وتوقّفاتها: صوت قطرات المطر المميّز وهو يتناثر على الحجر، ونسيج طويل منغّم للأوراق المطرية وهي تتساقط بثبات. من المستحيل أن تكون وحيدا وأنت تمشي مع كلّ هذه الأشياء التي تحيط بك وتُمنح لك من خلال إدراكك العميق للتأمّل.
    في تاريخ المشي، يُعتبر "ووردزوورث" المبتكر الحقيقي للرحلة الاستكشافية الطويلة. كان أوّل من اعتبر المشي فعلاً شِعريا وتواصُلاً مع الطبيعة واكتمالا للجسد وتأمّلا في المناظر الطبيعية. حدث هذا في نهاية القرن الثامن عشر، عندما كان المشي حكرا على الفقراء والمشرّدين وقطّاع الطرق والباعة المتجوّلين. كريستوفر مورلي وصف "ووردزوورث" بأنه كان "من أوائل من استخدموا سيقانهم في خدمة الفلسفة". فريدريك غروس
  • ❉ ❉ ❉

  • أخبرتُ معلّمي أن القدماء انتظروا طويلا ليختاروا للون الأزرق هذا الاسم. في العالم كلّه، كان الأسود والأبيض والأحمر دائما في المقدّمة. ولم يكن الأزرق "لون اللازورد" مصطلحا مجرّدا، بل إشارة إلى صخرة معروقة بالذهب جُلبت عبر طرق التجارة من أفغانستان. والأحجار التي استخدمناها في المعمل كانت هديّة من ابنة رجل أغلق منجم اللازورد الخاصّ به في ذلك البلد لئلا يسمح للمتشدّدين بالاستيلاء على كنزه.
    وبينما أستقلُّ القطار عائدة إلى المنزل، يهبط اللون الأزرق عبر السماء، وهو ما يزال ذهبيّا في الأفق الغربي، بينما يزحف رماد اللازورد شرقا. يُبهجني دائما تماسك الشجيرات المتشبّثة بمنحدرات الصبغة النقيّة. يلمع نبات من جانب الطريق بلون أصفر فاقع، بينما تتدلّى ثماره في عناقيد داكنة كالنبيذ.
    وأينما نظرت، أرى اللون الأزرق: مقاعد القطار، ملابس وفساتين نسائية، جدران شقق جديدة، حاوية قمامة، أعمدة سقالات، حافلات زرقاء. في قلبي، ينام اللون الأزرق كوعد بسماء ليلية رائعة فوق العالم؛ سماء لم تمزّقها غارات القصف ولم تخدشها الطائرات بلا طيّار. أطحن الصبغة الرطبة الغائمة في الهاون، فأغسلها من التراب. نادرا ما أجدُ نقاءً إلا في الأصباغ. وأضع هذا اللون الأزرق الغامض على أرض حمراء وذهب صدَفي، إذ ليس مُقدّرا له أن يبقى وحيدا.
    الأصباغ كالبشر، خُلقت من الأرض لتتآلف وتعبّر عن المعنى وتتضافر، فتتألّق. ونحن كبشر مكمّلون لبعضنا البعض، متماثلون ومتناغمون. نحن جزء من الصورة الأكبر. كارول موريس
  • ❉ ❉ ❉

  • هناك في العالم ما يمكن تسميته بـ "الأقليّات الوسيطة Middleman minorities". وتشمل هذه الأقليات مكوّنات مثل اليهود في الغرب، والصينيين في ماليزيا وإندونيسيا ودول جنوب شرق آسيا الأخرى، واللبنانيين والهنود في أفريقيا. وتشترك جميع هذه الأقليّات في سمات معيّنة، فهم عادةً أكثر ثراءً من السكّان الأصليين، كما أنهم عشائريون ومنعزلون، ويحافظون على ثقافة منفصلة عن السكّان الأصليين. كما أنهم يحافظون على العلاقة مع بلدانهم الأصلية ويبنون شبكات تجارية ومالية دولية مع أبناء عرقهم. ومن السمات الأخرى أيضا أنهم غالبا ما يشاركون في إقراض الأموال ويحتكرون قطاعات كاملة من الاقتصاد.
    وقد كانت الأقليات الوسيطة دائما محلّ استياء من جانب السكّان الأصليين، الذين يحسدونهم على ثروتهم ونجاحهم وقوّتهم، ويكرهون وجودهم العشائري المنفصل. وغالبا فإن التحيّز والحسد هما من العوامل التي تجعل السكّان الأصليين يكرهون الأقليات الوسيطة. فمثلا، يتحمّل الصينيون في ماليزيا مسئولية تطوير قطاعات مختلفة من الاقتصاد الماليزي، ولولا وجودهم لكانت هذه القطاعات أقلّ تطورا بكثير، وربّما معدومة. وفي اغلب الحالات، هذه الأقليّات هي التي تصنع الثروة التي تتمتّع بها ولا تستغلّ السكّان الأصليين ولا تسرق ثرواتهم. توماس سويل

  • Credits
    tsowell2.com