الخميس، يوليو 31، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • "كسّارو الحجارة" هو اسم هذه اللوحة الأيقونية التي رسمها الفرنسي غوستاف كوربيه عام ١٨٤٩. وتروي اللوحة قصّة مؤثّرة عن العمل والكفاح والحالة الإنسانية، بتصويرها الواقعَ القاسي لحياة الطبقة العاملة. وفيها يرسم الفنّان عاملين بملابس بسيطة ورثّة وهما منهمكان في تكسير وإزالة الحجارة من طريق قيد الإنشاء على تلّ منخفض. التلّ يمتدّ إلى أقصى الزاوية اليمنى العليا، حيث يظهر جزء صغير من السماء الزرقاء، للإيحاء بأن هؤلاء العمّال معزولون ومحاصَرون جسديّا واجتماعيّا واقتصاديّا بسبب عملهم المُضني والشاقّ.
    وقد أضاف الرسّام تفاصيل دقيقة إلى اللوحة لنعرف المزيد عن نوعية حياة العاملَين وتعبهما البدنيّ والظروف القاسية التي يتحمّلانها. فمثلا، تبدو ملابسهما ممزّقة وبالية، وهناك قِدر طبخ ورغيف خبز محترق وملعقة الى اليمين. وقد استخدم الرسّام ضربات الفرشاة الخشنة التي تنقل الملمس والحركة، لإظهار الطبيعة الجسدية الشاقّة للعمل. ويمكن أن نستنتج من تأثير الضوء والقبّعة التي تحجب جزءا من وجه أحد العاملين أنهما يعملان في جوّ حارّ ولا يحظيان بالكثير من الراحة أثناء تأدية عملهما.
    وبالإضافة الى أن اللوحة تشير ضمناً الى حياة العمّال ومعاناتهم، فهي أيضا تؤكّد على كرامة العمل الشريف وأهمية الطبقة العاملة للمجتمع، وتُذكّر بدور الفنّ في الحياة وتدعو إلى التعاطف مع أفراد الطبقات البسيطة.
    في القرن التاسع عشر، شهدت فرنسا تحوّلات كبيرة على أكثر من صعيد، إذ أعادت الثورة الصناعية تشكيل المجتمع، فنشأت المصانع وتوسّعت المدن وانتقل الكثير من الناس من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية. وأدّى هذا التحوّل الى تغيير المدن والهياكل الاجتماعية وأسلوب حياة الناس وعملهم وشيوع ظواهر الفقر والاستغلال.
    وبسبب تناول اللوحة للتجربة الإنسانية اليومية، رأى فيها بعض النقّاد تحدّيا للفنّ التقليدي الذي غالبا ما كان يصوّر مواضيعَ مثالية وأسطورية. كما مثّل هذا العمل تحوّلا جوهريا من الرومانسية إلى الواقعية.
    كان كوربيه يريد من وراء رسم العمّال والمزارعين والفقراء إظهار الحياة كما هي. وكثيرا ما كانت مواضيعه غير جذّابة، لكنها إنسانية بامتياز ومليئة بالرسائل السياسية والاجتماعية. وقد شكّلت صوره نقلة نوعية في عالم الرسم وأثّرت على العديد من الفنّانين الذين أتوا بعده، ومهّدت الطريق لحركات فنّية مستقبلية، حيث بدأ الفنّانون باستكشاف واقعهم الاجتماعي وتصويره.
    وعندما عُرضت اللوحة لأوّل مرّة، تباينت ردود الأفعال على مضمونها، فأشاد البعض بصدقها وواقعيّتها، بينما وجدها آخرون "قاسية وغير مصقولة". ولأن النقّاد اعتادوا على الاحتفاء بالجمال والعظمة والتصوير المثالي للمناظر التاريخية المهيبة، فقد واجهوا صعوبة في تقبّل تصوير كوربيه الخام للعمل وتحدّيه معايير الفنّ في عصره.
    كان اختياره التركيز على العمّال تصرّفا ذا دلالة. وبانفصاله عن الفنّ التقليدي والمعايير الأكاديمية السائدة في عصره، كان يحوّل التركيز من القصص الشخصية إلى الحياة الواقعية. وبتصويره النضال الجماعي للعمّال، أراد الفنّان الارتقاء بمكانتهم وتسليط الضوء على معاناتهم وعلى دورهم الأساسي في بناء المجتمع.
    أثناء الحرب العالمية الثانية، تعرّضت هذه اللوحة للتلف مع أكثر من 150 لوحة أخرى، عندما قصفت قوّات الحلفاء مركبة بالقرب من دريسدن بألمانيا في فبراير 1945. وبذا أُزيل رمز فنّي مهم للطبقة العاملة ومُحيت قطعة أساسية من تاريخ الفنّ وحُرمت الأجيال من رؤيتها. وقد بُذلت جهود لإعادة إحياء جوهر اللوحة باستنساخها وطباعتها. ومع ذلك، لا شيء يُغني عن النسخة الأصلية المفقودة. ومن المفارقات أن تدمير اللوحة حدث أثناء نقلها لحمايتها بشكل أفضل، لكنها لم تصل أبدا إلى وجهتها المقصودة.
    كان كوربيه ذا شخصية قويّة وقد شعر بالراحة لتحدّيه الأعراف القديمة في الرسم، على الرغم من استمرار اعتراض البعض على نهجه طوال حياته. في بعض الحالات كانت له روابط بالاشتراكية، وكان يعتبر نفسه يساريّا من الناحية السياسية.
    المعروف أنه نشأ في الريف الفرنسي. ورغم نجاحه في باريس، إلا أنه لم يهجر جذوره الأصلية. كان يشعر بسعادة حقيقية في الأرياف، ثم عاد إليها بعد سنوات قضاها في العاصمة. ورسم العديد من اللوحات لسكّان القرى الذين نشأ معهم وهم يمارسون حياتهم اليومية.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • إضافة إلى مزاياها الفكرية، تُعدّ الموسيقى الكلاسيكية بمثابة بوصلة عاطفية. فهي تجسّد طيفا من المشاعر الإنسانية الكاملة، من فرح وحزن وغضب وسلام ونحوها، بطرق غالبا ما تعجز عنها الكلمات وحدها.
    تبدأ سوناتا بيتهوفن للبيانو رقم 14، المعروفة أكثر باسم سوناتا ضوء القمر ، بلحن آسر وحزين يبدو وكأنه يهمس بالفقد أو الشوق. وفي الحركة الأخيرة، يتصارع الملحّن مع اضطراباته الداخلية وقراراته العاصفة.
    قال "فرانز ليست" عن هذه السوناتا إنها "زهرة صغيرة بين هاويتين". ووصف هيكتور بيرليوز الحركة الأولى منها "الأداجيو" بأنها "مشهد ليلي يتردّد فيه صوت شبحيّ. إنها إحدى تلك القصائد التي لا تعرف اللغة البشرية كيف تصنّفها". وقال عنها عازف البيانو الشهير إدوين فيشر: لا أرى ضوء قمر رومانسيّا في هذه الموسيقى، بل قصيدة رثاء".
    هذه القدرة على التعبير عمّا لا يمكن وصفه أو الإحاطة به تجعل من الموسيقى الكلاسيكية جسرا إلى مشاعر قد نعجز عن تسميتها ولغةً عالمية تخاطب المستمعين عبر الثقافات والعصور المختلفة.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ○ في مساءٍ هادئ، كانت الأمواج تتحدّث همسا على شاطئ البحر، لا يسمعها أحد سوى القمر، ولا يفهم لغتها إلا من سكنت أرواحَهم الحيرة. قالت موجة صغيرة بخجل: لماذا نركض دائما نحو الشاطئ ثم نعود أدراجنا؟ ألسنا متعبات من هذا العبث؟" ردّت موجة أخرى أكبر سنّا، بصوت عميق مليء بالحكمة: نحن لا نركض عبثا يا صغيرة، نحن نكتب رسائلنا على الرمل ثم نمحوها لنكتب من جديد".
    سألت الموجة الصغيرة: ولمن نكتب؟ لا أحد يقرأ". ابتسمت الكبرى وقالت: نكتب لمن فقد صوته بين الضجيج، لمن ينظر إلى البحر ويظنّ أنه صامت. البحر لا يصمت، نحن الأمواج نهمس له بأسرار كلّ قلب جلس أمامنا ونسرد له حكايات العابرين".
    صمتت الموجة الصغيرة للحظة، ثم همست بحزن: وهل هناك من يسمعنا حقّا؟" وجاء صوت الريح من بعيد، هامسا بدفء: نعم، هناك من يجلس عند البحر، لا ليراقب الأمواج، بل ليسمع ما تقوله وليبوح لها بما في صدره. ذاك هو المستمع الحقيقي. وإن رحل، نحفظ كلماته في صدورنا إلى الأبد".
    وفي لحظة ارتطام الموجة بالرمل، ساد الصمت. لكن البحر ظلّ يتكلّم. مجهول

    ○ أعتقد أن الناس عندما يقدّمون لك النصيحة، فإنهم في الواقع يتحدّثون إلى أنفسهم في الماضي. فالذي يُقدّم النصيحة غالبا ما يستقيها من تجاربه وتأمّلاته السابقة، كأنه يخاطب نسخة أصغر منه، يشاركه الحكمة التي اكتسبها على مرّ السنين. وهذا تذكير بأننا جميعا نتشكّل من خلال تجاربنا. وعندما نتناصح، فإننا نشارك جزءا من أنفسنا مع الآخرين. أوستن كليون

    ○ كان الرسّام الإيطالي جورجيو دي تشيريكو حالة مثيرة للاهتمام. أعماله المبكّرة على وجه الخصوص "مثل التي فوق" هي التي تعرّفه وهي التي أثّرت على الفنّانين الآخرين. وممّا يُؤثر عنه قوله في تفسير لوحاته: أحيانا يحدَّد الأفق بجدار، ومن وراء الجدار يرتفع ضجيج قطار سرعان ما يختفي. الدقّة الهندسية للميادين او الساحات تكشف لنا أحيانا عن حنين الى اللانهائيّ. كما نكتشف جوانب كنّا نجهل وجودها تماما عندما تواجهنا ملامح معيّنة من العالم. ونكتشف فجأة أسرارا كامنة لم نكن نراها من قبل ولم نكن نشعر بها، لأن حواسّنا لم تتطوّر بما فيه الكفاية. الأصوات الخافتة تخاطبنا من قريب، لكنها تبدو لنا كأصوات من كوكب آخر". ج. مايرز

    ○ إن تحويل الصمت إلى لغة هو فعل من أفعال الكشف عن الذات، وهو ما يبدو دائما محفوفا بالمخاطر. لقد آمنت دائما بأن ما هو أهم بالنسبة لي يجب أن يقال وأن يشارك، حتى مع احتمال أن يشوَّه أو يساء فهمه، وأن الكلام يفيدني أكثر من الصمت. وأكثر ما ندمت عليه هو صمتي. لكننا جميعا نتألّم بطرق مختلفة طوال الوقت، والألم إما أن يتغيّر أو ينتهي. أما الموت فهو الصمت الأخير. ايدي لورد

    ○ عندما يسألني الناس: من ترشّح لجائزة نوبل للأدب هذا العام؟"، عادة ما أذكر نفس الاسم الذي طالما ردّدته مرارا واعتبرته كاتبي المفضّل: هاروكي موراكامي.
    العوالم التي تشكّل قصص هذا الكاتب سوريالية وتقوم على الرمزية والأحلام، وشخصياته تنفّذ أفعالها وفق مسار قائم على التنجيم. بمعنى آخر، تفترض رحلة الشخصيات أن تنمو في عالم مشوّه وشفّاف وقاسٍ أحيانا. وهو يستخدم حيوانات سحرية، غالبا ما تكون ناطقة، كمرشدين أشبه ما يكون بدانتي عبر المقاطع الحاسمة من العالم الآخر للوصول إلى حالة أسمى من الوعي والنضج. ومن هنا الغابات والأكواخ النائية والآبار والحانات شبه المهجورة والأحلام الداخلية في رواياته.
    أعتقد أن أعمال موراكامي الأدبية تستحقّ جائزة نوبل لقدرتها الاستثنائية على تجسيد محدودية المجتمع الحديث وإحساسه بالنقص، باستخدامه هياكل سردية تجمع بين التراث الأدبي والرمزية الحالمة. إن وصف الواقع والمجتمع من خلال الأدب ليس بالأمر الهيّن، وفعل ذلك من خلال حلم متنكّر في صورة أدب أمر أصعب. ماتي برستي

    ○ يُقال إن النازية لم تكن شذوذا تاريخيا، بل إن بذورها موجودة في كلّ مكان، وتتجلّى في العلاقات بين مختلف أصحاب السلطة وضحاياهم. كما أن احتمالية الفاشية كامنة في حياتنا العائلية وفي علاقاتنا العاطفية. لارس آير

  • Credits
    gustave-courbet.com
    beethoven.de

    الثلاثاء، يوليو 29، 2025

    جوهرة القصر


    في اللوحة التي فوق، يصوّر الفنّان الروسي ڤاسيلي ڤيريشاغين جمال وعظمة "تاج محل" وانعكاساته في المياه الهادئة، مركّزا بشكل خاصّ على هندسته المعمارية الرائعة التي تثير شعورا بالسكينة والهدوء والتأمّل.
    كان ڤيريشاغين قد انطلق في أواخر عام ١٨٧٤ مع زوجته في جولة واسعة في جبال الهيمالايا والهند والتبت استغرقت أكثر من عامين. وتضمّنت تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر جولات شاقّة على ظهور الخيول والجمال، وأحيانا المشي على الأقدام. وبالإضافة إلى درجات البرودة الشديدة، واجه الرسّام حيوانات مفترسة وقطّاع طرق ونجا من غرق شبه مؤكّد.
    في ذلك الوقت كان التنافس بين روسيا وإنغلترا على مناطق النفوذ على أشدّه. ورغم أن فيريشاغين كان رسّاما عسكريّا، إلا أن الحكومة البريطانية سمحت له بالدخول الى الهند والسفر فيها بحرّية. لكن الإنغليز استاءوا فيما بعد من لوحة أخرى للرسّام عن حرب الاستقلال الهندية، تُظِهر جنودا هنودا يُعدَمون بربطهم بفوّهات البنادق. وكانت تلك أوّل صورة تصوّر وحشية الحكم البريطاني للهند.
    أثناء رحلته الهندية، وجد فيريشاغين إلهاما كبيرا في الألوان الزاهية والتضاريس المتنوّعة لتلك الأرض الغريبة. وتضمّنت سلسلة لوحاته عن الهند دراسات للممرّات الجبلية والسكّان والمعابد والحياة الثقافية والعمارة. وقد نفذّها جميعا بواقعية شديدة مع عناية فائقة بالتفاصيل.
    يقال ان شاه جيهان لما رأى "تاج محل" بعد اكتماله مباشرة قال: لو لجأ مذنب إلى هنا لتحرّرَ من ذنوبه وغُفر له. ولو شقّ خاطئ طريقه نحو هذا الضريح لمُحيت جميع زلّاته ومعاصيه. إن منظر هذا القصر يثير تنهّدات حزينة في هذا العالم، وقد بُني ليُظهر مجد الخالق."
    البعض يصف وثائق الهند المغولية بأنها أشبه ما تكون بحديقة خصبة وزاهية الألوان. فهناك العديد من المنمنمات التي تجسّد حياة الأباطرة وحاشيتهم. في الواقع، هناك الكثير منها، وهي في غاية الجمال، لدرجة أنه يمكن من خلالها إعادة إنتاج مشهد الهند خلال القرن السابع عشر بأصالة عالية.
    كما أن المعلومات عن "تاج محل" بالذات متوفّرة ومتاحة. إذ يُعرف الكثير عن حياة الإمبراطور المغولي شاه جهان والأسباب التي دفعته إلى بناء هذا الضريح المدهش. كما تتوفّر الكثير من البيانات والمعلومات عن المباني والموادّ المستخدمة وأسماء العديد من الأشخاص الذين عملوا فيها.
    ومع ذلك، لا يّعرف اسم مصمّم "تاج محل"، أو اسم المهندس المعماري الذي تولّى مسؤولية المشروع بأكمله، وإن كان يشار أحيانا الى مهندس يُدعى أحمد لاهوري. لكن عملية البناء بشكل عام أوكِلت إلى فرق من المهندسين المعماريين اختارهم شاه جهان نفسه. وكان بعضهم خبيرا في بناء القباب والبعض الآخر في الأساسات. أي أن أعمالا مختلفةٌ أُسندت إلى متخصّصين مختلفين جُمعوا في فِرَق.
    كان شاه جهان يتبع تقليدا مغوليّا بعدم ترك الزوجات وحدهنّ أثناء الحروب. لذا اصطحب معه زوجته ممتاز محل، التي يعني اسمها "جوهرة القصر"، في إحدى غزواته. وقد توفّيت أثناء تلك الحملة وهي تضع مولودها الرابع عشر بعد مخاض طويل دام 30 ساعة. حدث هذا عام 1631 وكان عمرها آنذاك يناهز الأربعين عاما فقط. وقيل إن الإمبراطور "صُدم بشدّة بموت زوجته، لدرجة أن شعر رأسه ولحيته تحوّلا الى لون أبيض في غضون أشهر قليلة".
    ومن يوم وفاتها، تخلّى شاه جهان عن الاستماع إلى الموسيقى وارتداء الملابس الفاخرة والعطور لفترة. وبلغ القلق بأحد أعمامه حدّا دفعه للكتابة اليه قائلا: إذا استسلمت للحزن والحداد، فقد تفكّر ممتاز في التخلّي عن متع الجنّة والعودة إلى هذه الأرض البائسة".
    ولتكريم ذكراها، قرّر شاه جهان بناء ضريح يكون قريب الشبه ببيتها الذي تخيّله في الجنّة. ورُوعي في تصميمه أن يضمّ مسجدا وبيت ضيافة وحدائق. وبدأ البناء عام 1632 على الضفّة الجنوبية لنهر يامونا في أغرا، واكتمل حوالي عام 1653. وقد شارك في بناء المجمّع أكثر من عشرين ألف عامل، من بنّائين ورسّامين وحدّادين وفنّانين، عملوا ليل نهار لمدّة اثنين وعشرين عاما.
    و"تاج محل" يُعدّ مثالا بارزا للهندسة المعمارية المغولية التي تجمع عناصر من الأساليب المعمارية الإسلامية والفارسية والعثمانية والتركية والهندية. وقد صُنع هيكل المبنى بشكل أساسي من الرخام الأبيض المستورد من راجستان والصين وأفغانستان والتبت، ورُصّع الرخام بأحجار شبه ثمينة، ونُقلت الموادّ المستخدمة في البناء بواسطة ما يقرب من ألف فيل.


    لأن الإسمنت لم يُبتكر إلا عام ١٨٢٤، فقد شُيّد "تاج محل" باستخدام الجير والحجر الأحمر والحجر الرملي والرخام. ومن الملاحَظ أن المآذن الأربع أُقيمت خارج القاعدة قليلا لكي تسقط بعيدا وليس على الهيكل الرئيسي في حال تعرّضه للدمار.
    والميزة المعمارية الأبرز هي القبّة البيضاء في قمّة الضريح، وتسمّى أحيانا "القبّة البصلية"، ويبلغ ارتفاعها حوالي ٣٥ مترا وتحيط بها أربع قباب أخرى. واتُّبع في "تاج محل" أسلوب إضاءة مبتكر، بحيث تتغيّر ألوانه طوال اليوم، فيظهر باللون الوردي في الصباح والأبيض عند الظهيرة والذهبي تحت ضوء القمر.
    لسوء الحظ ولأسباب تتعلّق بتنافس أبنائه على الحكم، وُضع شاه جهان تحت الإقامة الجبرية عام ١٦٥٨ من قبل ابنه أورانغزيب. ولم يتمكّن من رؤية "تاج محل" إلا عبر نافذة قصره خلال السنوات الثمان الأخيرة من حياته. وبعد وفاته، دُفن بداخل الضريح بجوار زوجته.
    وقبل ذلك انتشرت شائعات بأن شاه جهان أمر بقطع أيدي جميع المهندسين الذين عملوا في الضريح حتى لا يتمكّن أحد من بناء شيء يشبهه. لكن يبدو أن تلك كانت مجرّد تكهّنات غير مُثبتة.
    الجدير بالذكر أن "تاج محل" عاصرَ أحداثا عالمية مهمّة. فبحلول أواخر القرن التاسع عشر، تعرّض للتشويه على أيدي الجنود البريطانيين الذين انتزعوا الكثير من الأحجار الثمينة من جدرانه أثناء تمرّد محلّي. ثم أمر المندوب السامي البريطاني في الهند بترميم الضريح وأهدى مصباحا كبيرا ليُعلّق في إحدى غرفه الداخلية.
    وأثناء الحرب العالمية الثانية، وفي محاولة لتضليل القاذفات اليابانية، غُطّي الضريح بسقالة ضخمة لجعله يبدو وكأنه مستودع مبنيّ من الخيزران. كما نُصبت السقالات مرّة أخرى أثناء الحرب بين الهند وباكستان في عامي 1965 و1971 وذلك لتضليل الطيّارين.
    واعترافا بأهميّته الثقافية وجماله المعماري، صُنّف "تاج محل" من قبل اليونيسكو كموقع للتراث العالمي عام 1983. وهو واحد من أكثر مناطق الجذب السياحي زيارةً في العالم، حيث يجتذب ملايين السيّاح كلّ عام، ويزوره يوميّا حوالي ١٢ ألف شخص من جميع أنحاء العالم. وبسبب تزايد التلوّث والتدهور البيئي، بدأت ألوان الضريح تبهت، ما دفع المسئولين الى إغلاق محطّات الوقود القريبة منه، في محاولة للحفاظ عليه وحماية سلامته.
    كثيرا ما أُضفيت على "تاج محل" مسحة رومانسية حزينة واعتبر رمزا للوفاء والحبّ النادر الذي ربط بين زوجين. وسبق للشاعر رابندراناث طاغور الحائز على جائزة نوبل في الأدب أن وصف الضريح بأنه "دمعة على خدّ الزمن".
    لكن بعض الكتّاب الهنود اليوم يشكّكون في هذه الفكرة، ويجادلون بأنه لو كان شاه جهان يحبّ زوجته حقّا لما أثقل عليها بكثرة الحمل والولادة، ما أدّى الى تدهور صحّتها ومرضها. ثم إنه بعد وفاتها بفترة قصيرة تزوّج من أختها الصغرى ثم من امرأتين أخريين وأنجب منهن بضعة أطفال آخرين قبل أن يأمر ببناء الضريح تكريما لممتاز زوجته السابقة.
    ويقول الروائي البريطاني من أصل هندي ڤيديادار نيپول: "تاج محل" صرح بديع استغرق بناؤه 22 عاما. لكنه في الهند ليس أكثر من مبنى أُهدرت عليه أموال طائلة بلا فائدة. إنه مجرّد نصب تذكاري لامرأة ليست هندية كانت تنجب طفلا كلّ عام لمدّة خمسة عشر عاما. وسيخبرك الدليل السياحي كم كلّف من ملايين".
    في عام ٢٠٠٠، ادّعى كاتب هندي أن "تاج محل" كان في الواقع معبدا للإلهة شيفا، وقدّم التماسا إلى المحكمة العليا في الهند للتنقيب في الموقع بحثا عن أدلّة. لكن المحكمة رفضت التماسه.
    وفي عام ٢٠٠٨، بنى مليونير بنغالي نسخة طبق الأصل من "تاج محل" بتكلفة أكثر من خمسين مليون دولار أمريكي، ليتمكّن فقراء بنغلاديش من الاستمتاع بهذا المعلم التاريخي دون أن يضطرّوا للسفر إلى الهند. واستغرقت عملية الاستنساخ تلك خمس سنوات باستخدام أحدث المعدّات.
    ويجري حاليا في دبي بناء فندق ومجمّع تسوّق فاخر مستوحى من تصميم تاج محل. وقيل إن حجم النسخة المقلّدة، التي تحمل اسم "تاج أريبيا"، سيبلغ أربعة أضعاف حجم النسخة الأصلية وبتكلفة قدرها حوالي مليار دولار أمريكي .

    Credits
    tajmahal.gov.in
    whc.unesco.org

    الأحد، يوليو 27، 2025

    نصوص مترجمة


  • أتذكّر من كتاب "ألف ليلة وليلة" قصّة حالمة تحكي عن رجل أطلق سهمه في سهل ليختبر مدى قدرته على الرمي. وعندما ذهب للبحث عن السهم فيما بعد، لم يجده في المكان الذي ظنّ أنه سقط فيه. لكنه تابع سيره بعناد في الاتجاه الذي أطلقه فيه، راغبا في العثور عليه مرّة أخرى. وبعد ثلاثة أيّام بلياليها، وجده عند سفح صخرة ارتدّ السهم منها. وبينما انحنى ليلتقطه، رأى كيف انفتح وجه الصخرة، وعندما دخل وجد نفسه في عالم آخر من غابات وبِرَك تجلّت لعينيه في جمال لم يسبق أن رآه من قبل.
    ونهض أمامه قصر يتلألأ بالذهب والجواهر الثمينة. وفي ذلك القصر، وجد امرأة من أجمل النساء. وبعد أيّام عرضت عليه المرأة أن تهبه كلّ ما رآه، شرط ألا يبدي رغبته، ولو تلميحاً، في الرحيل. وبقي الرجل هناك سبع سنوات. وذات يوم، تنهّد للحظة واحدة عن غير وعي، متذكّرا العالم خارج القصر، وإذا به يقف مرّة أخرى وسط الرمال خارج جدار الصخرة الشديد الانحدار، وكلّ ما مرّ به بدا له وكأنه لم يدُم أكثر من ساعة. بيرتس ايفيز
  • ❉ ❉ ❉

  • "شانتارام" ليست سيرة ذاتية، بل رواية. وإذا كانت تبدو كـ "سيرة ذاتية"، فإنني أعتبر ذلك إطراء كبيرا، لأنني رتّبت السرد بحيث يُقرأ كخيال، لكنه يُشعرك وكأنه حقيقة. أردت أن تتمتّع الرواية بجاذبية العمل الروائي، وأن أثريها بسيل قويّ من التجارب الحقيقية، ما يُضفي عليها طابعا واقعيا أصيلا.
    اتخذت قرارا بأن أُشرك نفسي في الرواية أثناء هروبي إلى أفريقيا. جلست على طاولة في مطعمي المفضّل في كينشاسا، فيما كان يعرف آنذاك بزائير، وشاركت جلسة مع خمسة أشخاص آخرين كانوا يعملون في المدينة كمهرّبين ومرتزقة ومخالفين للقانون. وتناوبنا على سرد قصصنا لبعضنا البعض. وعندما اختار الرجال الآخرون قصّتي الأكثر إثارةً للاهتمام، قرّرت التوقّف عن الكتابة من منظور الكاتب الخفيّ العليم، وأن أشرك نفسي في عملي.
    لا شيء أكثر إثارة أو مكافأة أو تحدّيا من القيام بما خُلقتَ من أجله. أعتقد أن هناك نوعين من الكتّاب في العالم: الذين يعتقدون أن الكتابة فكرة جيّدة لأيّ سبب كان، والذين يكتبون لأنهم لا يملكون خيارا سوى الكتابة. أنا من النوع الثاني.
    لطالما كانت الكتابة شغفي الأوّل. عندما كنت مقيّدا إلى جدار في سجن آرثر رود، وأعذَّب على يد مشرفي السجن، كان جزء منّي يكتب هذه التجربة تحت لدغة العصا الدموية. أن أكون قادرا على الكتابة الآن كرجل حرّ، وأن أنشر عالميّا، لهو إنجاز كبير لأنه حقّق أعمق وأعزّ رغباتي.
    أما التغيير الأكبر والأكثر دراماتيكيةً في حياتي فقد حدث عندما أُلقي عليّ القبض مجدّدا عام ١٩٩٠، بعد أن عشت عشر سنوات هارباً كرجل مطلوب للعدالة، ووُضعت في سجن برونغيشهايم الإرهابي بألمانيا. خطّطت للهرب من ذلك السجن وكنت على أهبة الاستعداد للانطلاق عندما رأيت وجه أمّي ومعاناتها، وعرفت حينها أن عليّ تغيير حياتي والتوقّف عن الأنانية وتدمير الذات.
    فأقلعت عن تعاطي المخدّرات في تلك اللحظة ولم أشرب الكحول ولم أدخّن ولم أتعاطَ أيّ نوع من المخدّرات منذ ذلك اليوم، أي قبل عشرين عاما. وتركت عالم الجريمة وحياة الخارجين عن القانون وركّزت على عملي الإبداعي ككاتب وعلى خدمة أحبّائي. غريغوري روبرتس
  • ❉ ❉ ❉

  • تُصوّر قصيدة "جزيرة بحيرة إنيسفري" لوليام بتلر ييتس رحلة خيالية تعكس رغبة الشاعر العميقة في الهروب من الحضارة الحديثة والسعي إلى حياة روحية منسجمة مع الطبيعة. ويتحقّق ذلك من خلال بعض الصور الغنيّة. القصيدة تتكوّن من ثلاثة مقاطع، كلّ منها يتألّف من أربعة أسطر.
    يقول الشاعر في قصيدته: سأنهض وأذهب الآن إلى إينيسفري، وأبتني لي هناك كوخا صغيرا من طين وخشب، وأزرع تسعة صفوف من الفاصوليا وخليّة نحل، وأعيش لوحدي في المرج. سأنعم هناك ببعض الهدوء الذي يأتي ببطء من حُجب الصباح الباكر إلى حيث هسيس الصراصير. هناك، يشعّ نصف الليل بالوميض ويكتسي النهار وهجا أرجوانيا ويمتلئ المساء بأجنحة الحسّون. سأنهض وأذهب الآن. ليلا أو نهارا، أسمع همس ماء البحيرة يلامس الشاطئ. وعندما أمشي في طريقي، أو أتوقّف في بعض الدروب الرمادية، أسمع صداها في أعماق قلبي".
    يعبّر ييتس في القصيدة عن شوقه لحياة البساطة ونفوره من الحضارة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر في إنغلترا. وتمثّل الطبيعة هنا النداء الروحي للشاعر، حيث يرفض الثقافة الحضرية عديمة الروح التي يمثلها مجازيّا "الطريق" و "الدروب الرمادية".
    ويتخيّل الشاعر السكن في كوخ مبنيّ من الطين والأغصان بين تسعة صفوف من الفاصوليا وخليّة من نحل العسل. كما يصف البيئة الطبيعية في أوقات مختلفة من اليوم، من خلال عدد من الصور المليئة بالأصوات والألوان والحركات المختلطة، كالنحل الطنّان والصراصير المغرّدة والطيور المرفرفة بأجنحتها والضوء المكتسي باللون الأرجواني.
    والشاعر يعبّر ضمنا عن إدانته لإنغلترا الحضرية وإعجابه بآيرلندا وثقافتها الريفية. ومن الواضح أن رحلة الشاعر إلى تلك الجزيرة هي رحلة روحية نحو التسامي والصفاء. ويتجلّى هذا الحماس شبه الديني في إنشائه صلة بمثال الابن الضالّ في القصّة التوراتية. وهكذا يصبح الذهاب إلى إنيسفري توبة من ذنوب العالم المادّي.
    وفي حديث ييتس عن النحل يذكّرنا بحقيقة أن العسل كان الغذاء المميّز ليوحنّا المعمدان الذي كان نموذجا لأوّل الرهبان المسيحيين الذين عاشوا في البرّية وبشّروا بالتوبة استعدادا لمجيء الربّ. ومع أن القصيدة لا تتضمّن إشارات دينية صريحة، إلا أن تصوير الطبيعة يكشف عن شوق عميق لتجربة التسامي. ليديا جونز
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • يجب أن نتعلّم كيف تتناغم إيقاعات يومنا مع الكائنات الحيّة الأخرى وكيف نشعر بامتزاج إحساسنا بالوقت مع دورات الزمن الأوسع. لقد اعتدنا على اعتبار الوقت دقّات الساعة، أي دورة متواصلة من الأرقام والقياسات. لكن الوقت أيضا عبارة عن علاقات تُعاش كدورات وإيقاعات منسوجة من شبكة من العمليات البيئية المتفاعلة في تعاون مستمر.
    التكنولوجيا الحديثة كبحت غريزتنا في جعل الوقت متناغماً مع الأرض، ومع ذلك فإن أجسادنا مصمّمة لتكون في حوار مع نظامنا البيئي ولتستجيب للعالم من حولنا عبر ساعاتنا الداخلية.
    إبحث عن مكان للجلوس في مساحة خارجية، مكانٍ يمكنك فيه مواجهة عناصر الطبيعة والمجتمع الذي يتجاوز حدود البشر. وابدأ بإيقاظ حواسّك للأصوات والروائح والحركات من حولك. ولاحظ جودة الضوء ودرجة الحرارة ووجود الرطوبة أو عدمها وتفتّح الزهور أو غلقها ووصول المخلوقات ومغادرتها، أي كلّ الإشارات في المشهد التي تشكّل إحساسا بالوقت.
    وأثناء استمرارك في الجلوس، لاحظ كيف تتغيّر هذه الإشارات أو تتطوّر أو تختفي. فكّر في كيفية تَغيّرها على مدار فصل أو عام. متى ستظهر نباتات معيّنة؟ وهل سيتغيّر عطر هذا المكان؟ ضوء الشمس؟ الألوان؟
    ركّز على كائن يشاركك موطنك، ربّما نبتة في حديقتك أو نهر يمرّ عبر مدينتك أو طائر مغرّد يتردّد على شارعك. فكّر في كيفية استشعار هذا الكائن للوقت عند تفاعله مع الإشارات التي لاحظتها. هل يتفاعل مع وجود كائنات أخرى أو يستجيب لتغيّرات الضوء أو يتناغم مع الحالة المتغيّرة لنبتة أثناء إزهارها وثمرها؟ كرّر ذلك مع كائنات أخرى في مجتمعك البيئي.
    إقضِ يوما دون النظر إلى ساعة واحدة، دون دقائق وساعات، ما الذي تستمع إليه وتبحث عنه لتستشعر الوقت؟ ربّما تقلّبات الضوء أو أصوات عائلتك أثناء استيقاظك أو رائحة الندى على نبات ما أو وجود غناء حيوان آخر. إيمانويل لي
  • ❉ ❉ ❉

  • كتبتُ للتوّ قصّة، وهذه القصّة قد تغيّر رأيك في أمور معيّنة، بل وقد تدفعك إلى اتخاذ قرارات معيّنة. من الذي ابتكر هذه القصّة التي قرأتها للتوّ؟ أقول لك أنني كتبت النصّ بنفسي، بمساعدة بشر آخرين. وأقول لك أن هذا نتاج ثقافي للعقل البشري. لكن هل يمكنك التأكّد تماما من ذلك؟! قبل بضع سنوات، كان بإمكانك ذلك.
    قبل عشرينات القرن الحادي والعشرين، لم يكن هناك شيء على الأرض، سوى العقل البشري، قادر على إنتاج نصوص متطوّرة. اليوم، اختلفت الأمور. نظريّا، ربّما يكون النصّ الذي قرأته للتوّ قد أنتجهُ ذكاء جهاز كمبيوتر. ونظرا لسرعة تطوّر الذكاء الاصطناعي، فإنه يستحيل التنبّؤ بما يمكن أن يفعله غدا، ومن هنا أهميّة وضع حواجز وقائية ضدّ جميع المخاطر التي قد يحملها في المستقبل. يوفال هاراري
  • ❉ ❉ ❉

  • الحديقة قديمة قِدم البشرية. وهي تمثّل صلة واضحة بين الطبيعة والثقافة، ولذلك فهي موضوع شيّق للتأمّل والبحث. كان لدى المصريين واليونانيين حدائق. واشتهرت بابل بحدائقها المعلّقة، أما شكلها فهو موضع تخمينات، ولا يُعرف عنها إلا القليل. وينطبق الأمر نفسه على الحدائق اليونانية، التي كانت رمزية وصوفيّة في المقام الأوّل. وكما كانت الطبيعة تجليّا إلهيا، كانت الحديقة غابة مقدّسة عند اليونانيين.
    أما حدائق الرومان فكان لها وظائف متعدّدة. فقد كانت بمثابة أماكن للاسترخاء أو الدراسة أو تبادل أطراف الحديث. أما بالنسبة للأثرياء، فكانت الحدائق عنصر زينة للمنزل الخاصّ. وكانوا يزرعون فيها الخضراوات والنباتات المفيدة أو يضعون فيها نباتات الزينة. كما خُصّصت فيها أماكن للتماثيل والنوافير.
    ومع ظهور الحدائق في مدن ايطاليا، ظهرت اللوحات الجدارية في المنازل "كالصورة التي فوق"، والتي تصوّر حدائق غنّاء بأشجارها ونباتاتها المزهرة، أحيانا في مواجهة سماء زرقاء. وكثيرا ما كانت النافورة محطّ الأنظار على الجدران. ومن بين أوراق الشجر، ستجد ألواحا رخامية على أعمدة، ويُفترض أنها تحمي من الكوارث.
    الحديقة الرومانية مستوحاة مباشرةً من الحدائق اليونانية. كانت في البداية مشهداً مقدّسا. وكثيرا ما كان يظهر فيها بريابوس إله الخصوبة ثم ديونيسوس. واستُخدمت نباتات الحديقة في الطقوس. كما لعبت الآلهة والأموات دورا هامّا في الحدائق وعلى اللوحات الجدارية في المنازل. واتّسمت صور هذه اللوحات بطابع رمزيّ. لوتشيا إمبلوسو
  • ❉ ❉ ❉

  • من وقت لآخر، شاعت بين هنود أمريكا الجنوبية أساطير عن أضواء غريبة تُرى على الجبال، ولها أساس من الصحّة. وهناك قصّة عن قرية كانت تُقرع فيها الأجراس، فتوافد الناس إلى كنيسة القرية في خوف مريع. إذ بعد غروب الشمس، توهّجت قمّة جبل إيلامبو بلون أحمر كالنار، وبدا أن نهاية العالم وشيكة. وفي فنزويلا، رأى "ثورن" جبلا يضيء ليلا بشكل غريب. ورأى "همبولت" مشهدا مشابها وخمّن أنه قد يكون احتراق غاز الهيدروجين. وفي كولومبيا، رأى "زام" أضواء ساطعة على طول قمّة جبال كورديليرا، وظنّ أنها ظاهرة كهربائية، حيث تعمل القمم كمكثّف ضخم تتسرّب منه الكهرباء عبر وهج صامت أو بتفريغ من الشجيرات.
    جبال القمر التي ترتفع قممها الثلجية فوق خطّ الاستواء في شرق أفريقيا، على مقربة من ينابيع النيل، تحمل اسما يُلهم الأساطير. أطلق عليها "بطليموس" هذا الاسم، وربّما ترجمه من كلمات أصلية تحمل المعنى نفسه. ولأنها كانت جزءا من الجغرافيا العربية في العصور الوسطى، فقد غلّفتها الأساطير الشرقية. ومن القصص التي تُروى أن من ينظر إلى تلك الجبال ينجذب إليها بقوّة مغناطيسية ولا يحرّره منها إلا الموت.
    ووفقا لمؤرّخ عربي، أرسل أحد الملوك بعثة لاستكشاف منابع النيل، فوصلوا إلى جبال النحاس، وعندما أشرقت الشمس، كانت أشعّتها المنعكسة قويّة جدّا لدرجة أن الجبال احترقت. ك. سبولدينغ