الخميس، فبراير 08، 2024

محطّات


  • يبدأ فيلم "نوستالجيا أو الحنين" لأندريه تاركوفسكي (1983) بلقطة ضبابية بالأبيض والأسود للريف الروسي، حيث يتحّرك صبيّ وثلاث نساء باتجاه الماء. ثم ينتقل الفيلم إلى مشهد ضبابيّ آخر في إيطاليا، حيث تسافر سيارة فولكس فاغن عبر الريف الجبلي. ثم يعتاد المشاهدون على هذه الانتقالات بين ذكريات أندريه غورتشاكوف عن منزله الروسي وإقامته الحالية في إيطاليا حيث يعاني من شعور بالضيق والحنين.
    وقد جاء أندريه إلى إيطاليا برفقة مترجمته للبحث في حياة المؤلّف الموسيقي الروسي بافيل سوسنوفسكي. وكان سوسنوفسكي يشعر باليأس والإحباط في منفاه الإيطالي، لذا أقدم على الانتحار عند عودته الى الوطن. كانت فكرة الاختيار بين المنفى والحنين الى الوطن رغم القمع الذي كان يعانيه مصدر قلق رئيسي أيضا لتاركوفسكي نفسه عندما كان يفكّر في مغادرة الاتحاد السوفيتي.
    يقول أحد النقّاد: لا يوجد شيء أكثر ترابيةً وجسدية من عمل تاركوفسكي، هذا المخرج الصوفيّ المشهور". ويعزو هذه الجسدانية الترابية إلى الاحترام الأرثوذكسي الروسي للطبيعة كمكان يتمّ فيه تقديس الخالق من خلال خلقه. كان تاركوفسكي ينظر للمعنى من جانبه العاطفي أكثر من العقلاني، لذا كان أسلوبه البصري يميل نحو الشوق والحزن.
    وكثيرا ما كان يمزج في أفلامه النموّ الترابيّ الرطب للطبيعة في مشاهد من الأماكن المقدّسة والذكريات. في فيلم "نوستالجيا"، يمثّل الصدع في نفسية أندريه الانحلال المعماري، حيث تكون المساحات الداخلية مساميّة ومفتوحة لعناصر الطبيعة.
    ويستخدم تاركوفسكي لقطات طويلة وبطيئة تحدث فيها حركة قليلة أو لا حركة على الإطلاق، ما يشير إلى أفكار بطل الرواية التي تتحرّك وتنتقل إلى الوراء. وإيقاع الفيلم وصوره غير العاديّة تتجنّب التقاليد السينمائية المألوفة ومفاهيم الجمال القديمة.

  • كان أحد الحكماء يحاول توضيح نقطة ما. وكان محدّثه غير مقتنع بكلامه. لذلك حاول اتباع طريقة أخرى معه. فقال للمجادل: حسنا، لنرَ الآن. كم رجلا لدى البقرة؟" وجاء الردّ: أربع بالطبع". قال الحكيم: هذا صحيح. والآن، لنفترض أنك تسمّي ذيل البقرة رجلا؛ كم رجلا لدى البقرة؟ فأجاب الرجل بثقة: خمس طبعا». فردّ الحكيم: الآن هذا هو المكان الذي أخطأت فيه. إن تسمية ذيل البقرة بالرجل لا يجعل منه رجلا!

  • كيف يستمرّ الأحياء في العيش
    وكيف يستمرّ الموتى في العيش معهم
    بحيث في الغابة
    حتى الشجرة الميّتة تعكس ظلّها
    وتتساقط أوراقها واحدة تلو الأخرى
    وتتكسّر أغصانها في الريح
    ويتقشّر لحاؤها ببطء
    ويتشقّق جذعها
    ويتسرّب المطر عبر شقوقها
    ويسقط الجذع على الأرض
    ويغطّيه الطحلب
    وفي الربيع تجده الأرانب
    وتبني مسكنها بداخله
    مع صغارها
    ويعيشون بأمان
    داخل الشجرة الميّتة
    في الطبيعة،
    كما في الحبّ،
    لا يضيع شيء.
    -لارا غيلبِن


  • عندما نشر بيير كورنيه مسرحيّته "السِيد" لأوّل مرّة عام 1636، لاقت استحسانا كبيرا من الجمهور والنقّاد على حدّ سواء. وقد فُتن الفرنسيون بالمسرحية واُعجبوا بالقصّة المثيرة للدون رودريغ وحبيبته تشيمين.
    واليوم تُعتبر "السِيد" أفضل اعمال كورنيه وواحدة من أفضل مسرحيّات القرن السابع عشر.
    وقد تحوّلت هذه المسرحية قبل سنوات الى فيلم تاريخي مشهور. واشتهرت أيضا الموسيقى الفخمة التي وضعها للفيلم الموسيقي البلغاري ميكلوش روشا.
    تعتمد قصّة السِيد على حياة رودريغ دياز دي فيفار الذي عاش في القرن العاشر وحارب في وقت ما ضدّ المسيحيين أحيانا، وأحيانا ضدّ المسلمين. لكنّه في المسرحية يصوّر كمسيحي. واسمه، أي السِيد، هو الاسم الإسباني المشتقّ من كلمة عربية هي "السيّد" التي تعني الشيخ او الزعيم.
    تبدأ قصّة السيد عندما تعلَم تشيمين ابنة دون غوميز من خادمتها إلفيرا أن والدها وافق على زواجها من دون رودريغ، فتشعر بسعادة غامرة لأنها تحبّ رودريغ كثيرا. لكنّها تحاول كتمان فرحها بسبب عدم قدرتها على التنبّؤ بمزاج والدها.
    وفي ما بعد يغضب والد تشيمين، أي دون غوميز، عندما يكتشف أن الملك قد منح شرف تعليم ابنه أمير قشتالة لوالد رودريغ، أي دون دييغو. كان غوميز يعتقد بأنه أحقّ بهذه الوظيفة من دييغو، لذا يقرّر أن يواجهه. دييغو، العجوز العاقل المعتدل المزاج، يحاول تهدئة غوميز ويعرض عليه صداقته. لكن غوميز الغاضب يقوم بصفع العجوز. وردّا على ذلك يسحب دييغو سيفه للدفاع عن شرفه. لكنّه أكبر سنّا من أن يكون ندّاً لدون غوميز الأصغر منه بكثير. وهنا يجرّد غوميز العجوز من سلاحه ويهينه أكثر قبل ان يغادر المكان.
    يشعر دون دييغو بالحرج من تلك المواجهة، ويطلب من ابنه رودريغ الدفاع عن اسمه وقتال غوميز. لكن رودريغ الذي يحبّ ابنة غوميز بجنون يرفض طلب والده في البداية. ولكن عندما يصرّ والده على أن يضع شرف عائلته فوق كلّ شيء، يقبل مبارزة دون غوميز.
    وعندما يصل خبر هذا الخلاف إلى بلاط الملك يقرّر منع المبارزة. لكن غوميز يتحدّى الأمر ويصرّ بغطرسة على قتال الشاب رودريغ. وعندما يحين وقت المبارزة، رغم أمر الملك بمنعها، وبسبب الاستفزازات المستمرّة من دون غوميز، يتواجه الرجلان لوضع حدّ للشجار بينهما نهائيّاً.
    وفي البلاط، يسمع الملك عن المبارزة وينتقد دون غوميز بسبب سلوكه الطفولي وقسوته تجاه الشابّ رودريغ. ثم يعبّر عن قلقه بشأن هجوم محتمل للبحرية المغاربية التي تقترب من شواطئ بلاده. وفي هذه اللحظة يصل أحد النبلاء ويبلغ الملك أن الشابّ رودريغ قتل دون غوميز.
    في المشهد التالي، يأتي رودريغ إلى منزل تشيمين، وعندما تواجهه خادمتها يبلغها انه ما يزال يضمر الحبّ لتشيمين. فتطلب منه الخادمة الهرب لأن الفتاة لا تريد سوى الانتقام منه على قتله والدها. فيجيب أنه إذا كان الانتقام هو ما تريده تشيمين فإنه مستعدّ بكلّ سرور لأن يُقتل على يدها.
    ثم تقترب تشيمين منهما فيختبئ رودريغ في الزاوية. وتخبر تشيمين إلفيرا عن مشاعرها المتضاربة. فهي من ناحية تلوم غطرسة والدها على كلّ شيء. ومن ناحية أخرى فإن الشرف يملي عليها قتل رودريغ. ثم يظهر رودريغ من مخبئه ويطلب من تشيمين أن تقتله بنفس السيف الذي قتل به والدها. لكنها لا تفعل ذلك.
    وهنا يهاجم المغاربة المملكة الاسبانية ويخوض رودريغ الحرب للدفاع عن وطنه ويُظهر شجاعة في المعركة ويحظى بشعبية كبيرة بين مواطنيه. حتى المأسورين من المغاربة يحبّونه ويطلقون عليه لقب "السِيد" أي الزعيم.
    لكن تشيمين لا تستطيع التخلّي عن سعيها لقتل رودريغ. ويوافق شابّ يُدعى دون سانشي على مبارزة وقتل رودريغ من أجل تشيمين، بينما تعده هي في المقابل بأن تتزوّج ممّن سينتصر في المبارزة. وقبل المواجهة يخبر رودريغ تشيمين بأنه لن يدافع عن نفسه ضدّ دون سانشي وأنه إذا كان الانتقام هو ما تريده حبيبته فينبغي أن تحصل عليه. وبعد ذلك، يأتي دون سانشي إلى تشيمين وسيفه يقطر دماً. فتعتقد أن رودريغ قد قُتل، فتبكي وتعترف بأنها كانت تحبّه وتقرّر دخول دير وتعلن الحزن عليه الى أن تموت.
    وفي نهاية المسرحية، يخبر الملك تشيمين أنه أثناء المبارزة قام رودريغ بتجريد دون سانشي من سلاحه، ثم قرّر أن يعفو عنه، وأخبرها أيضا أن رودريغ ما يزال على قيد الحياة. ثم يبلغها الملك بأنها خدمت والدها بما فيه الكفاية من خلال مطالبة دون سانشي بالانتقام له وأنها لم تعد بحاجة لأن تثأر من رودريغ. ثم يأمر الملك أن يتزوّج الاثنان خلال عام يتفرغ خلاله رودريغ للدفاع عن بلاده ضدّ المغاربة كي يصبح أكثر جدارة بحبّ تشيمين.


  • Credits
    andrei-tarkovsky.com