الأربعاء، مارس 06، 2024

قصّة البايسون


حدث هذا في عام 1861. كان "الدبّ المنفرد" يقود "ريشة النسر" في أوّل عملية صيد للأخير على الإطلاق. وتوقّف الأوّل قليلا ليخبر الثاني بالقواعد: بمجرّد أن ترى قطيع البايسون "أو الجاموس"، يجب أن تنتظر حتى يشير لك شخص أكبر منك سنّا. وعندما يحين الوقت، لا تقتل إلا ما يستطيع حصانك حمله".
كان "الدبّ المنفرد" و"ريشة النسر" ينتميان الى عشيرة الكيوا التي كانت واحدة من عدّة قبائل من سكّان أمريكا الأصليين الذين عاشوا في السهول الكبرى.
بحلول منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، كانت العديد من قبائل السهول تستخدم الخيول لاصطياد البايسون المتوفّر بكثرة في تلك المنطقة. وكان الهنود يعيشون على لحم هذا الحيوان الذي يُعتبر أكبر الثدييات البرّية في أمريكا الشمالية. كانوا يحوّلون مخابئه الصيفية إلى مساكن وجلوده الى معاطف وأغطية تحميهم من برد الشتاء. كما استخدموا عظامه وقرونه كأدوات وأوتاره كخيوط.
لكن في العقود التالية، سيُذبح الملايين من البايسون وبالتالي سيُهدّد بقاء مجتمعات السهول وثقافتها بشكل متعمّد.
فبعد الحرب الأهلية الأمريكية، بدأ آلاف المستوطنين الأوربّيين باحتلال السهول، وحرصوا على استغلال مواردها الطبيعية. وخلال ستّينيات القرن التاسع عشر، تصدّت أمم السهول للجيش الأمريكي. وعبّر قائد يُدعى ويليام شيرمان عن استيائه من هزائم الجيش. وكانت تكتيكاته العسكرية القاسية قد ساعدت قبل ذلك في إنهاء الحرب الأهلية الأمريكية.
وفي عام 1869، عُيّن هذا العسكريّ قائداً عامّاً للجيش الأمريكي. والآن، أصبح تركيزه منصبّا على ما أسماه "المشكلة الهندية". كان مسؤولو الحكومة الأمريكية مصمّمين على إجبار السكّان الأصليين على الرحيل إلى مناطق محدّدة أطلقوا عليها اسم "المحميّات". وبهذه الطريقة يمكنهم السيطرة عليهم بينما يستفيد المستوطنون والشركات من أراضيهم.
وتعهّد شيرمان بالبقاء خارج مناطق الغرب "الى أن يُقتل الهنود جميعا أو يُنقلوا إلى بلد يمكن مراقبتهم فيه" كما قال.
وفي الوقت نفسه، طلب تزويده بجلود من النوع الذي يُستخدم في صناعة الأحزمة. ولتلبية الطلب، قام الصيّادون الأمريكيون المسلّحون بالبنادق بقتل قطعان البايسون في جميع أنحاء السهول.
وأدرك شيرمان ومسؤولون عسكريّون آخرون أنهم يستطيعون تحقيق هدفهم دون أن يخسروا شيئا، من خلال السماح لهذا النوع من النشاط بالعمل دون رادع. وكانت فكرتهم أنه إذا استنزف الصيّادون البايسون، فإن السكّان الأصليين في السهول الذين يعتمدون عليه في غذائهم سيواجهون المجاعة الى أن يخضعوا ويستسلموا.
وقال عقيد أمريكي لملازم بريطاني زائر: اقتل كلّ جاموس يمكنك قتله، فكلّ جاموس ميّت هو هنديّ مهاجر". ورفض الجيش الأمريكي تطبيق المعاهدات التي تحظر دخول الصيّادين الى أراضي القبائل الهندية، بل إنه في بعض الأحيان وفّر للصيّادين الحماية والذخيرة.
كان العديد من صائدي الجلود يقتلون 50 بايسون يوميّا. وخلال شهرين من عام 1876، قتل صيّاد واحد ستّة آلاف رأس، وأدّى إطلاقه النار باستمرار من بندقيّته إلى إصابته بالصمم في إحدى أذنيه. وكانت بعض الحيوانات التي تُطلق عليها النار تتحامل على نفسها وتهرب بتثاقل الى أن تموت بعيدا.
وفي العادة كان الصيّادون يأخذون جلود البايسون وألسنتها فقط ويتركون اللحم ليتعفّن.
وبعض الجزّارين من عديمي الخبرة كانوا يُتلفون الجلود أثناء سلخها. وكانت جثث البايسون المتبقيّة تُمزّق إربا من قبل حيوانات أخرى. ولهذا السبب بدأ الصيّادون في مزج لحم البايسون بالسمّ حتى يتمكّنوا أيضا من قتل الذئاب التي تأتي لتتغذّى على لحمها ومن ثم يأخذون جلودها هي أيضا.
واحتجّ السكّان الأصليون على تلك الممارسات، وحاولت الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان والحيوان التدخّل بعد أن لاحظت انخفاض أعداد البايسون. وفي عام 1874 صادق الكونغرس على تشريع يجعل صيد البايسون غير قانوني في الأراضي الفيدرالية. لكن الرئيس الأمريكي وقتها استخدم حقّ النقض لتعطيله.
وفي النهاية، نجحت الإستراتيجية الدنيئة، إذ واجهت العديد من قبائل السهول المجاعة وأُجبرت على اللجوء إلى المحميّات.
وبحلول عام 1900، كان يوجد أقلّ من ألف رأس فقط من البايسون، مقارنة بعشرات الملايين منه في السهول الكبرى قبل ذلك بمائة عام. واستشعارا للخطر أنشأ بعض المواطنين الأمريكيين الأثرياء محميّات خاصّة للبايسون، ما ساعد في إنقاذه. وكانت تلك المحميّات بمثابة مناطق جذب سياحي.
واعتبارا من عام 2021، ارتفع عدد البايسون إلى حوالي نصف مليون رأس. وتعيش الغالبية العظمى منها في مزارع خاصّة. وفي السنوات الأخيرة، أعادت قبائل السهول إدخال حوالي عشرين ألفا منها إلى أراضيها. وكان الهدف شفاء هذه الحيوانات المسكينة واستعادة العلاقة القديمة بينها وبين الانسان التي تدمّرت بعد الهجوم عليها بشكل صارخ أثناء تلك المذبحة المروّعة.


Credits
nature.org