على مرّ التاريخ، ازدهرت الحضارات على طول السواحل وعلى ضفاف الأنهار. مثال ذلك حضارات السومريين والمصريين واليونانيين والفايكنج والآشوريين وحضارة وادي السند وغيرها.
حيث يوجد ماء، توجد قوارب. وحيث توجد قوارب، هناك بحّارة وملاحون. وحيثما هنالك ملاح، هنالك أغنية. ثمّة شيء ما ساحر وغامض في أغاني البحّارة. إغراء الأصوات في المياه المفتوحة أو عبر الضباب البعيد مشوب بحزن مجهول يواكب حركة المدّ والجزر في النهر أو البحر.
أغاني البحّارة ظاهرة عالمية يمكن تتبّعها في مختلف الحضارات والمناطق الجغرافية في العالم. وعبر القرون والقارّات والثقافات، أسّس البحّارة، من خلال حبّهم المشترك للشعر والألحان والإيقاعات الحيّة، حركة عالمية في الموسيقى يمكن تسميتها بأغاني البحر.
وكانت أغاني البحر وما تزال تؤدّي غرضا مهمّا بإيقاعاتها وألوانها الحيوية، وهو الحفاظ على تزامن حركات البحّارة وإزالة السأم عنهم وتخفيف عبء الأعمال الثقيلة والمضنية التي ينجزونها.
وقد اكتسبت هذه الأغاني شعبية هائلة بسبب توليفاتها وألحانها وإيقاعاتها الجميلة التي، حتى وإن كانت بسيطة، إلا أنها ساحرة وعذبة وتمنح رجال البحر الطاقة والحيوية اللازمة للاستمرار في الرحلة.
وانتشرت هذه الأغاني في محيطات اسكوتلندا وبحار بريطانيا وعلى ضفاف الأنهار الكبيرة التي تنبع من جبال الهيمالايا وتفرغ مياهها في خليج البنغال. ومن أفريقيا، أرض الإيقاعات والطبول، حمل الأفارقة معهم في سفن الرقيق تقليد أغاني العمل ونقلوه إلى المستعمرات الجديدة.
من جهة أخرى، اشتهر في الموسيقى الكلاسيكية نوع من أغاني البحر يُسمّى الباركارول، وهي في الأصل أغان شعبية كان يترنّم بها بحّارة قوارب الغندول في فينيسيا.
ومن أشهر من كتبوا الباركارول كلّ من روسيني وفيردي ودونيزيتي وشوبيرت وماندلسون وتشايكوفسكي وشوبان.
غير أن الباركارول الأكثر شهرة وشعبية في العالم هو ذلك المنسوب لجاك اوفنباخ والذي ظهر في أهمّ عمل اوبرالي له بعنوان "حكايات هوفمان".
هذا اللحن عندما تستمع إليه فإنه يصعب عليك أن تنتزعه من رأسك بسهولة. الأوبرا نفسها، أي حكايات هوفمان، تستكشف عدم وضوح العقل الواعي وذلك من خلال ذكريات المؤلّف عن ثلاث نساء. ومقطوعة أو أغنية الباركارول تظهر في الفصل الثالث من الأوبرا عندما تنتقل الأحداث إلى فينيسيا. والأغنية عبارة عن "دويتو" أو ثنائي تؤدّيه مغنّيتا أوبرا.
استخدم اوفنباخ الباركارول لإعطاء إحساس شرّير بالفعل الذي يتكرّر في ثنايا هذا الفصل. وهذا الشعور يُعزى إلى التناقض ما بين الحضور المادّي للصوت البشري والإحساس الأثيري للآلات الموسيقية والذي يخلق تأثيرا يشبه السراب. "شاهد على هذا الرابط أداء الثنائي آن هالينبيرغ وسابين دوفياي لهذه الأغنية".
من جهة أخرى، وُظّفت القطعة في العديد من الأفلام وأشهرها فيلم الحياة جميلة وفيلم وودي آلان بعنوان منتصف الليل في باريس.
المعروف أن أكثر ألحان الباركارول شهرة تعود للفترة الرومانسية. لكن هذا النوع من الموسيقى كان معروفا جيّدا قبل ذلك، أي في القرن الثامن عشر. وكان يُحتفى به من أصحاب الذائقة الرفيعة.
جاك أوفنباخ كان ملحّنا فرنسيا من أصول ألمانية. وكان له تأثير قويّ على الملحّنين الذين أتوا من بعده، وخاصّة يوهان شتراوس الابن وآرثر سوليفان. وقد أعيد الاعتبار لأعماله المعروفة خلال القرن العشرين. والعديد من أوبراته ما تزال تُعزف إلى اليوم، وخاصّة حكايات هوفمان.
كان أوفنباخ على علاقة بالإمبراطورية الفرنسية الثانية لنابليون الثالث. وقد منحه الأخير الجنسية الفرنسية ووسام جوقة الشرف. وبعد اندلاع الحرب الفرنسية البروسية عام 1870، وجد أوفنباخ نفسه منبوذا تقريبا بسبب علاقاته مع القصر ولكونه ألمانيّ المولد. ومع ذلك ظلّ يحقّق نجاحا في كلّ من فيينّا ولندن.
السنوات الأخيرة من حياته قضاها المؤلّف في وضع اللمسات الأخيرة على حكايات هوفمان. لكنّه توفّي قبل أن تُعرض على الجمهور. وقد أجريت عليها تعديلات في ما بعد على يد موسيقيين آخرين.
الجدير بالذكر أن لاوفنباخ لحنا آخر لا يقلّ شعبية كان قد ألّفه كجزء من الأوبرا المسمّاة "اورفيوس في العالم السفلي".
Credits
metoperafamily.org
fgo.org
حيث يوجد ماء، توجد قوارب. وحيث توجد قوارب، هناك بحّارة وملاحون. وحيثما هنالك ملاح، هنالك أغنية. ثمّة شيء ما ساحر وغامض في أغاني البحّارة. إغراء الأصوات في المياه المفتوحة أو عبر الضباب البعيد مشوب بحزن مجهول يواكب حركة المدّ والجزر في النهر أو البحر.
أغاني البحّارة ظاهرة عالمية يمكن تتبّعها في مختلف الحضارات والمناطق الجغرافية في العالم. وعبر القرون والقارّات والثقافات، أسّس البحّارة، من خلال حبّهم المشترك للشعر والألحان والإيقاعات الحيّة، حركة عالمية في الموسيقى يمكن تسميتها بأغاني البحر.
وكانت أغاني البحر وما تزال تؤدّي غرضا مهمّا بإيقاعاتها وألوانها الحيوية، وهو الحفاظ على تزامن حركات البحّارة وإزالة السأم عنهم وتخفيف عبء الأعمال الثقيلة والمضنية التي ينجزونها.
وقد اكتسبت هذه الأغاني شعبية هائلة بسبب توليفاتها وألحانها وإيقاعاتها الجميلة التي، حتى وإن كانت بسيطة، إلا أنها ساحرة وعذبة وتمنح رجال البحر الطاقة والحيوية اللازمة للاستمرار في الرحلة.
وانتشرت هذه الأغاني في محيطات اسكوتلندا وبحار بريطانيا وعلى ضفاف الأنهار الكبيرة التي تنبع من جبال الهيمالايا وتفرغ مياهها في خليج البنغال. ومن أفريقيا، أرض الإيقاعات والطبول، حمل الأفارقة معهم في سفن الرقيق تقليد أغاني العمل ونقلوه إلى المستعمرات الجديدة.
من جهة أخرى، اشتهر في الموسيقى الكلاسيكية نوع من أغاني البحر يُسمّى الباركارول، وهي في الأصل أغان شعبية كان يترنّم بها بحّارة قوارب الغندول في فينيسيا.
ومن أشهر من كتبوا الباركارول كلّ من روسيني وفيردي ودونيزيتي وشوبيرت وماندلسون وتشايكوفسكي وشوبان.
غير أن الباركارول الأكثر شهرة وشعبية في العالم هو ذلك المنسوب لجاك اوفنباخ والذي ظهر في أهمّ عمل اوبرالي له بعنوان "حكايات هوفمان".
هذا اللحن عندما تستمع إليه فإنه يصعب عليك أن تنتزعه من رأسك بسهولة. الأوبرا نفسها، أي حكايات هوفمان، تستكشف عدم وضوح العقل الواعي وذلك من خلال ذكريات المؤلّف عن ثلاث نساء. ومقطوعة أو أغنية الباركارول تظهر في الفصل الثالث من الأوبرا عندما تنتقل الأحداث إلى فينيسيا. والأغنية عبارة عن "دويتو" أو ثنائي تؤدّيه مغنّيتا أوبرا.
استخدم اوفنباخ الباركارول لإعطاء إحساس شرّير بالفعل الذي يتكرّر في ثنايا هذا الفصل. وهذا الشعور يُعزى إلى التناقض ما بين الحضور المادّي للصوت البشري والإحساس الأثيري للآلات الموسيقية والذي يخلق تأثيرا يشبه السراب. "شاهد على هذا الرابط أداء الثنائي آن هالينبيرغ وسابين دوفياي لهذه الأغنية".
من جهة أخرى، وُظّفت القطعة في العديد من الأفلام وأشهرها فيلم الحياة جميلة وفيلم وودي آلان بعنوان منتصف الليل في باريس.
المعروف أن أكثر ألحان الباركارول شهرة تعود للفترة الرومانسية. لكن هذا النوع من الموسيقى كان معروفا جيّدا قبل ذلك، أي في القرن الثامن عشر. وكان يُحتفى به من أصحاب الذائقة الرفيعة.
جاك أوفنباخ كان ملحّنا فرنسيا من أصول ألمانية. وكان له تأثير قويّ على الملحّنين الذين أتوا من بعده، وخاصّة يوهان شتراوس الابن وآرثر سوليفان. وقد أعيد الاعتبار لأعماله المعروفة خلال القرن العشرين. والعديد من أوبراته ما تزال تُعزف إلى اليوم، وخاصّة حكايات هوفمان.
كان أوفنباخ على علاقة بالإمبراطورية الفرنسية الثانية لنابليون الثالث. وقد منحه الأخير الجنسية الفرنسية ووسام جوقة الشرف. وبعد اندلاع الحرب الفرنسية البروسية عام 1870، وجد أوفنباخ نفسه منبوذا تقريبا بسبب علاقاته مع القصر ولكونه ألمانيّ المولد. ومع ذلك ظلّ يحقّق نجاحا في كلّ من فيينّا ولندن.
السنوات الأخيرة من حياته قضاها المؤلّف في وضع اللمسات الأخيرة على حكايات هوفمان. لكنّه توفّي قبل أن تُعرض على الجمهور. وقد أجريت عليها تعديلات في ما بعد على يد موسيقيين آخرين.
الجدير بالذكر أن لاوفنباخ لحنا آخر لا يقلّ شعبية كان قد ألّفه كجزء من الأوبرا المسمّاة "اورفيوس في العالم السفلي".
Credits
metoperafamily.org
fgo.org