الجمعة، نوفمبر 01، 2024

لقاء المعلّم والخان/2


في هذا الجزء "الثاني"، يواصل "لي تشي تشانغ" رواية المزيد من المشاهدات والتفاصيل التي دوّنها في كتابه "رحلات تشانغ تشون إلى الغرب" عن رحلة معلّمه الطاوي إلى بلاط جنكيز خان امبراطور المغول.

❉ ❉ ❉

تابعنا سيرنا إلى أن وصلنا إلى مدينة وجدنا فيها عشبا وماءً. وجاء رئيسها، وهو مسلم أيضا، لاستقبالنا واستضافنا وقدّم لنا العشاء والنبيذ. وبأمره، قام بعض الفتيان بأداء المسرحيات والرقص بالسيوف وتسلّق الأعمدة. وبعد ذلك مررنا بمدينتين أخريين، وسافرنا نصف يوم بين الجبال ثم خرجنا إلى وادٍ يمتدّ من الجنوب إلى الشمال. وهناك قضينا الليل تحت شجرة توت رائعة يمكن أن تغطّي بظلّها مائة رجل.
وبعد مغادرتنا المدينة، رأينا على الطريق بئرا يزيد عمقها على مائة قدم، حيث كان رجل عجوز من المسلمين يمتلك ثورا يدير السانية ويرفع الماء للناس العطشى. وكان جنكيز خان قد رأى هذا الرجل عندما مرّ من هنا ذات سنة، وأمر بإعفائه من الضرائب والرسوم مكافأة له على خدمته المسافرين.
ثم قال المرافق للمعلّم: لقد وصلنا الآن إلى أصعب جزء من الطريق، فما رأيك؟ فأجاب المعلّم: أعرف هذه الأماكن جيّداً منذ زمن طويل". فردّ المرافق: أمامنا حقل العظام البيضاء. وهي متناثرة بكثافة في كلّ مكان. وعلينا أن نسافر مسافة أكبر للوصول إلى الحدود الشمالية لصحراء شاتو الرملية، حيث سنجد الكثير من الماء والعشب هناك.
سأل المعلّم: ماذا تقصد بحقل العظام البيضاء؟" أجاب المرافق: هذه ساحة معركة قديمة، ساحة موت. ذات مرّة هلك جيش كامل هناك من التعب، لم ينجُ منهم أحد. ومنذ فترة قصيرة، في نفس المكان، دُمّر جيش آخر. وأضاف: إن من يعبر الصحراء في النهار يموت من التعب، وكذلك الخيول. فقط في بداية المساء، يمكننا السفر للوصول إلى الماء والعشب بحلول ظهر اليوم التالي".
وفي اليوم الثامن عشر من الشهر الحادي عشر وبعد عبور نهر كبير، وصلنا إلى الجانب الشمالي من مدينة عظيمة البناء. وقد استقبلَنا في الضاحية أرفع وزير صيني ومستشار الخان وكبار جنود الجيش المغولي وزعماء المسلمين. وبعد أن نصبنا عددا كبيرا من الخيام، استرحنا هناك.
وبعد أن غادرنا، عبرنا في طريقنا جبلا عاليا فيه بوّابة حجرية، وعلى مسافة بعيدة بدت الصخور وكأنها شموع. وفوق هذه الصخور كانت هناك صخرة ضخمة كأنها جسر، وتحتها سيل متدفّق. وقد سمعنا أن العديد من حمير الجنود غرقت أثناء عبور السيل ورأينا على جانبيه العديد من الجثث ملقاة. كان الجيش قد استولى على هذا الوادي قبل وقت قصير من مرورنا.
واصلنا ترحالنا في النهار وفي الليالي ذات الهواء المعتدل. وبعد ستّة أيّام وصلنا إلى مدينة سمرقند. وجاء جنود للقاء المعلّم وأرشدوه إلى مسكنه في القصر الذي يقع على الجانب الشمالي من نهر زرفشان. وهذا النهر ينبع من الجبال الثلجية شرقي المدينة، لذلك فإن مياهه باردة جدّا. كان القصر الذي سيعيش فيه المعلّم يقع على تلّة يبلغ ارتفاعها حوالي مائة قدم. وفي تلك الفترة اعتاد المعلّم الجلوس عند النافذة الشمالية والاستمتاع بالنسائم، بينما كان ينام في الليل على الشرفة. وهكذا قضى كلّ أيّامه.
في سمرقند يقوم الرجال والنساء بضفر شعورهم. ويلفّ رجال الطبقات الدنيا رؤوسهم بقطعة من القماش الأبيض يبلغ طولها نحو ستّة أقدام. وتغطّي نساء الزعماء والأثرياء رؤوسهن بقطعة من الشاش يبلغ طولها ستّة أقدام وتكون سوداء أو حمراء. وفي بعض الأحيان تُطرّز عليها الزهور والنباتات أو أشكال أخرى. وتترك النساء شعورهنّ منسدلة. وإذا افتقر الرجل يحقّ لزوجته أن تتخذ زوجا آخر. وفي حال ذهاب الزوج في رحلة وعدم عودته إلى المنزل خلال ثلاثة أشهر، يُسمح لزوجته بالزواج من رجل آخر. لكننا لاحظنا شيئا غريبا جدّا على هؤلاء الناس، فبعض نسائهم لديهنّ لحى وشوارب.
في اليوم الثامن من سبتمبر عبرنا نهرا مياهه حمراء، وواصلنا السير عبر ممرّ إلى الجنوب الشرقي تحفّه صخور مرتفعة. وعند سفح الجبل يوجد نبع تترسّب مياهه بالملح الأبيض بعد التبخّر. وقد أخذنا كمية كبيرة منه معنا. ثم صعدنا جبلا يشكّل مستودعا للمياه. وإلى الغرب رأينا واديا مرتفعا بدا وكأنه ممتلئ بالجليد، لكنه كان مالحا. وعلى قمّة الجبل كان هناك ملح أحمر اللون يبدو وكأنه حجر، وقد تذوّقه المعلّم بنفسه. في الصين ومنغوليا لا يوجد الملح عادةً إلا في الأراضي المنخفضة. ولكن هنا يوجد الملح أيضا في الجبال. والمسلمون يأكلون الكعك مملّحاً وعندما يشعرون بالعطش يشربون الماء حتى في الشتاء.
في أحد الأيّام وصل موفد من لدن الخان يُدعى علي شيان وسلّم المعلّم رسالة من الخان يقول فيها: أيّها الرجل المقدّس! لقد وصلتَ من البلد الذي تشرق منه الشمس وواجهتَ ولا شك صعوبة كبيرة في عبور الجبال والسهول وبذلتَ جهداً كبيراً. وأنا أنتظر لقاءك بفارغ الصبر لكي تفسّر لي العقيدة الطاوية. فلا تتأخّر في مقابلتي".
وبعد ستّة أيام، وصلنا إلى معسكر الخان، الذي أرسل أحد كبار حرّاسه لمقابلة المعلّم. وأبلغَنا الحارس بألا نجثو على رُكَبنا تحيةً للخان كما جرت العادة. وعندما قدّم المعلّم نفسه للخان، رحّب به وقال: لقد دعاك غيري لزيارته ولكنك رفضت. والآن أتيت لرؤيتي بعد أن عبرت كلّ هذه المسافة. وأنا مسرور للغاية". فأجاب المعلّم: جاء الرجل المتوحّش من الجبال لمقابلة الإمبراطور، تلك إرادة السماء". ثم دعاه جنكيز خان للجلوس وأمر بوضع الطعام أمامنا.


وبعد أن تناولنا طعامنا سأل الخان المعلّم: أيها الرجل المقدّس! لقد أتيتَنا من مسافة بعيدة. فهل جلبت معك دواءً للخلود؟" فأجاب المعلّم: هناك وسائل للحفاظ على الحياة، ولكن لا يوجد دواء أكيد للخلود". فشكره الخان على صراحته. وأمر بأن تُنصب له ولمرافقيه خيمتان بجوار خيمته كما أنعم عليه بلقب "الخالد".
وفي اليوم التالي، أرسل الخان رجلاً يقترح على المعلّم تناول العشاء مع جلالته كلّ يوم. فأجابه المعلّم: أنا رجل برّي من الجبال ومنشغل بأمور العقيدة، وبالتالي أحبّ العزلة". فسمح له الخان بالعيش كما يحلو له. وفي الأيّام التالية كان الخان يرسل إلى المعلّم النبيذ المصنوع من العنب والبطّيخ وغير ذلك من الأطعمة. وحُدّد اللقاء التالي بين الرجلين بعد ثلاثة أيّام.
لكن فجأة جاءت أنباء بأن متمرّدين مسلمين في الجبال على وشك تجديد اعتداءاتهم. فقرّر الخان مهاجمة العدوّ بنفسه. ولذلك أُجّل اللقاء مع المعلّم إلى يوم آخر. وبعد أيّام ظهر المعلّم مرّة أخرى أمام الخان برفقة مترجم. وسأله جنكيز: هل يجب على الحاضرين الانسحاب؟" فأجاب بالنفي.
كان جنكيز خان مهتمّا في الأساس بإطالة عمره، لأنه سمع حديثا عن قدرات تشانغ تشون السحرية في هذا المجال. وقد وجّه سؤالا الى المعلّم عمّا إذا كان حجر الفلاسفة، أي المادّة الأسطورية التي يمكنها تحويل المعادن الأساسية إلى ذهب، موجودا. ومرّة ثانية، ردّ عليه المعلّم بالنفي.
ثم سأله إن كانت جرعة الخلود، أي الدواء الذي يساعد الانسان على أن يعيش إلى الأبد، موجودا. فردّ أيضا بألا وجود له. وعندما أدرك المعلّم خيبة أمل الخان ممّا قاله استدرك قائلا: إن كنت تريد أن تعيش إلى الأبد، فيجب أن تكون نقيّ القلب ولديك القليل من الرغبات. وإذا كنت تريد أن تحكم العالم، فيجب عليك احترام السماء وحبّ الناس".
ثم سأله: هل لديك حلّ لإطالة العمر؟ "فردّ المعلّم: نعم، احترام وحبّ شعبك". فقال الخان: أنا أعيش وأتناول الطعام مع شعبي في السهوب وأقود المعارك وأعامل جنودي كإخوتي. ألا يكفي هذا؟". فردّ المعلّم: لا ليس كافيا، يجب أن تكفّ عن ذبح الناس وألا تكون متعطّشا للدماء أبدا يا سيّدي، فالله يحبّ الحياة ويكره القتل! وأضاف: القتل والقوّة لا يجلبان إلا خوفاً وخضوعاً مؤقّتاً، يتبعهما كراهية ومقاومة لا نهاية لها".
كان المعلّم شجاعا وصريحا عندما قال هذا الكلام. لكن جنكيز خان لم يغضب، بل بدا في الواقع مسرورا بالحديث. ثم سأل المعلّم: الآن وقد قطعت كلّ هذه المسافة حتى وصلتنا، ما الإكسير السرّي للحياة الطويلة الذي يمكنك أن تقدّمه لي؟" فقال: لديّ وسائل لحماية الحياة، وليس إكسيرا لإطالة أمدها."
واستمرّ المعلّم يجيب على أسئلة الخان دون أن يجامله أو يكذب عليه. وفي نهاية الحديث عُرض على المعلّم حليب الخيل، فاعتذر عن شربه واستبدله بعصير العنب والبطّيخ. وأقنع المعلّم الخان بالامتناع عن الصيد وتقليل اللحوم في الطعام. وتوقّف الخان فعلا عن الصيد لشهرين كاملين. ودارت بين الاثنين حوارات أخرى بحضور مترجمين وبعض قادة المغول. وكان جنكيز خان مسرورا كثيرا بأفكار ونصائح تشانغ تشون لدرجة أنه أمر بتدوينها في كتاب باللغة الصينية.
وفي نهاية ذلك اللقاء قال المعلّم للخان: عندما غادر الرجل الجبليّ المتوحّش "يقصد نفسه" شاطئ البحر، أعطى وعده "لزملائه" بالعودة مرّة أخرى في غضون ثلاث سنوات. وإنّي ارغب بشدّة في رؤية جبال موطني ثانيةً في هذا العام الثالث. لقد أوضحت كلّ ما أراد جلالتك سماعه، وليس لديّ ما أقوله أكثر من ذلك. وسيكون من الأفضل لي أن أذهب الآن".
ولكن الخان قال له: انتظر قليلاً. يجب أن أفكّر في الهدايا التي سأقدّمها لك عند رحيلك". ثم قدّم له هديّة عبارة عن ثيران وخيول ونبيذ وفواكه نادرة، وأمر مستشاره علي شيان بمرافقة المعلّم في رحلة عودته إلى الشرق.
وأثناء سفرنا، بعث الأمراء وكبار الشخصيات والقادة وغيرهم في شمال الصين برسائل إلى المعلّم يدعونه فيها إلى زيارتهم. لكن المعلّم عبّر عن أسفه لعدم تمكّنه من إرضاء رغبات الجميع. ومرارا جاء مبعوث من جنكيز خان للاستفسار عن رحلة المعلّم وعن صحّته وما إلى ذلك.
وفي الشهر الأوّل من عام 1224، عاد المعلّم من رحلته الطويلة الى الغرب بعد غياب دام ثلاث سنوات، كما تنبّأ. وعند وصوله، أمر جنكيز بمنحه أرض حدائق القصر الشمالي لغرض إنشاء دير طاويّ هناك. وبُني هذا الدير على جزيرة ومُنع الناس من جمع الحطب من حديقة الجزيرة أو صيد الأسماك في البحيرة. كان المعلّم، الذي عاش هناك، يتجوّل أحيانا إلى قمّة التلّ ويستمتع بالمنظر الرائع للحدائق المحيطة.
وفي سنة 1227، أُبلغ المعلّم أن السدّ الجنوبي للبحيرة قد انهار بسبب الأمطار الغزيرة وأن السيل اندفع إلى البحيرة الشرقية وسُمع هديره من مسافة بعيدة. وبعد ذلك اختفت جميع الأسماك والسلاحف وجفّت البحيرة. واعتبر المعلّم ذلك إشارة لوفاته الوشيكة. وبالفعل توفّي في اليوم التاسع من الشهر السابع من ذلك العام.
وبعده بشهر واحد توفّي جنكيز خان. وفي وقت وفاة الخان، كانت الأراضي التي اجتاحها جيش المغول أكبر بأربع مرّات من الأراضي التي غزاها الإسكندر الأكبر وأكثر بمرّتين من مساحة الإمبراطورية الرومانية.

Credits
historyextra.com
kingsandgenerals.libsyn.com

الخميس، أكتوبر 31، 2024

لقاء المعلّم والخان/1


بطلا هذه القصّة شخصيّتان مهمّتان من التاريخ، الأوّل جنكيز خان القائد العسكري الذي أسّس أكبر إمبراطورية في التاريخ. والثاني تشانغ تشون الذي اعتُبر أشهر معلّم طاوي في زمانه. كان الخان العظيم قائدا لا يُقهر في ساحات المعارك. وقد نذر نفسه للقتال والغزو طوال حياته. وأيّ مكان يمكن أن ينمو فيه العشب، ولو كان على بعد آلاف الأميال، يمكن أن يصبح هدفا لهجوم فرسانه المنغوليين. وكانت حملاته وغزواته تهزّ العالم بأسره في ذلك الوقت.
لكن، بعيدا عن ساحات المعارك، كان الخان دائما يتطلّع لإجابات عن الأسئلة الكبرى في الحياة كالسعادة والحبّ والموت وأحوال وطباع البشر وأسباب صعود وسقوط الأمم. وفي أخريات حياته، كان يشعر بالقلق من احتمال موته الوشيك. وكان بحاجة إلى رجل حكيم ومجرّب لكي يجيب عن تساؤلاته الحائرة. وقد نصحه بعض أفراد حاشيته بأن يسترشد بحكمة المعلّم الطاوي تشانغ تشون "الذي لديه وحده الإجابات".
وفي عام 1219 كتب جنكيز خان رسالة الى المعلّم تشون قال فيها: لقد هجرَت السماءُ الصين بسبب غطرستها ورفاهيتها الباذخة. ولكنّني، وأنا أعيش في البرّية الشمالية، لا أمتلك عواطف متطرّفة. فأنا أكره الرفاهية وأمارس الاعتدال. ولديّ معطف واحد وآكل نفس الطعام وأرتدي نفس الملابس الممزّقة التي يرتديها رعاة الماشية المتواضعون.
ويبدو لي أنه منذ العصور البعيدة لم يرَ العالم إمبراطورية شاسعة كهذه. لذا فإن الالتزامات الملقاة على عاتقي ثقيلة وأخشى أن يكون هناك شيء ناقص في حكمي. وتعرف أننا لكي نعبر النهر فإننا نصنع القوارب والدفّات، وبالمثل ندعو الرجال الحكماء ونختار مساعدين للحفاظ على الإمبراطورية في حالة جيّدة.
وأضاف: لقد استفسرت عنك وسمعت أنك يا سيّدي قد اخترقت الحقيقة، وأنك تسير في طريق الصواب. وقد استكشفتَ القوانين لأنك متعلّم بعمق وذو خبرة كبيرة وصارت قداستك واضحة. فقد حافظت على القواعد الصارمة للحكماء القدماء وأعطيت مواهب بارزة للرجال المشهورين وعشتَ لفترة طويلة في كهوف الجبال معتزلا العالم.
وأضاف: إننا منفصلان عن بعضنا البعض بسبب الجبال والسهول الشاسعة، ولا أستطيع أن أقابلك إلا بالنزول عن العرش والوقوف الى جوارك. لقد ألهمتني أفكارك، وسأدرس وأنفّذ تعاليمك. وقد أمرت وزرائي بتجميع دليل لدروسك وسأقرؤه شخصيّا. لقد صُمتُ واغتسلت وأمرت مساعدي بإعداد عربة وحراسة لك. وأطلب منك أن تأتي لتخبرني عن طرق الحفاظ على الحياة. سأخدمك بنفسي وآمل أن تترك لي على الأقل القليل من حكمتك. قل لي كلمة واحدة فقط وسأكون سعيدا. لقد عبّرت في هذه الرسالة بإيجاز عن أفكاري وآمل أن تفهمها.
وردّ المعلّم تشانغ تشون على الخان برسالة قال فيها:
تلقّيت مؤخّرا أمركم السامي. وأعترف أنني جاهل بالأمور الدنيوية، ولم أنجح في التحقّق من الطريق على الرغم من أنني حاولت جاهدا بكلّ الطرق الممكنة. لقد تقدّمتُ في السن ولستُ أفضل من الناس العاديّين. وعندما أنظر إلى داخلي، أشعر بالخجل الشديد من نفسي، إذ من يعرف أفكاري الخفيّة؟!
وأضاف: لقد سبق أن تلقّيت عدّة دعوات من العاصمة الجنوبية ومن سلالة سونغ، ولم أذهب. ولكن الآن، مع أوّل دعوة لي من بلاط التنّين (أي بلاط المغول)، أنا مستعدّ للذهاب. فقد سمعت أن الخان قد وهبته السماء شجاعة وحكمة لم يسبق لأحد أن نالها لا في العصور القديمة ولا في أيّامنا هذه. في البداية كنت متردّدا فيما إذا كنت سأختبئ في الجبال أو أهرب إلى جزيرة في البحر، لكنني لن أجرؤ الآن على معارضة أمرك.
وقرّرت أن أتحدّى الصقيع والثلج لأقدّم نفسي للإمبراطور رغم أنني عجوز ومريض وأخشى ألا أتمكّن من تحمّل آلام هذه الرحلة الطويلة، وقد لا أتمكّن من الوصول إلى جلالتك. وحتى لو وصلت، فربّما لن أكون صالحا لشيء. إن مظهري جافّ وجسدي واهن، ومع ذلك فأنا حريص على إرضاء رغبة جلالتك".

❉ ❉ ❉

في عام 1220، اختار المعلّم تشانغ تشون البالغ من العمر 73 عاما 18 من تلاميذه وانطلقوا من تشان دونغ. وقتها كانت الحروب مستعرة في العديد من الأماكن، وطريق الحرير القديم غير آمن. لذلك كان عليهم السفر شمالا ثم غربا متّبعين طريق الجبال الكبرى إلى منغوليا الداخلية الحديثة. ثم عبروا هضبة منغوليا إلى شرق إيران، وفي النهاية التقوا بالخان الأعظم على الضفّة الجنوبية لنهر آمو داريا في عام 1222 قريبا من المنطقة المعروفة اليوم باسم هندوكوش.
كان المعلّم يعرف أن الخان لم يكن مجرّد رجل قاسٍ لا يعرف سوى كيفية ثني القوس وإطلاق النار على النسور. وكان الخان يعرف أن الكاهن الطاويّ كانت لديه رؤية ومعرفة غير عادية.
ويقول بعض المؤرّخين إنه كان لنصائح تشانغ تشون للخان أثر مهمّ في تسريع عملية تكامل القوميات في الصين وتبادل الأفكار بين أعراقها المختلفة وفي مجيء العصر الأكثر سلاما وازدهارا بعد ذلك بـ 33 عاما أثناء حكم قوبلاي خان. وعندما غزا أحفاد جنكيز السهول الوسطى وأسقطوا أسرة سونغ فيما بعد، نادرا ما ذبحوا الناس أو دمّروا المدن.


أحداث رحلة المعلّم تشانغ تشون الى بلاط جنكيز خان سجّلها أحد تلاميذه ويُدعى "لي تشي تشانغ" في كتاب بعنوان "رحلات تشانغ تشون إلى الغرب". ويتضمّن الكتاب وصفا للطبيعة والإنسان في المنطقة الممتدّة بين سور الصين العظيم وكابول، وبين بحر الآرال والبحر الأصفر. كما يتحدّث عن العادات والتقاليد المحلية وأعراف القبائل المنغولية والأويغورية وغيرها.
السطور التالية عبارة عن فقرات مترجمة بتصرّف من الكتاب..

❉ ❉ ❉

كان المعلّم تشانغ تشون رجلاً ذا حكمة وكمال. ففي الوقت الذي بلغتُ فيه سنّ الرجولة، تصوّرت أن هذا الرجل الجليل لا بدّ وأنه قد صعد إلى السماء منذ زمن بعيد وأنه صار في صحبة السحب في المجالات العليا للكون، وحزنت لعدم رؤيته. ولكن في شتاء عام 1219، انتشرت فجأة شائعة مفادها أن المعلّم كان ما يزال حيّا ويعيش قريبا من البحر، وأنه يتأهّب للانطلاق في رحلة الى بلاط المغول تلبيةً لدعوة من الخان نفسه.
وبعد حوالي شهر أبلغت من بعض تلاميذ المعلّم أنه راغب في مقابلتي ليعرض عليّ مرافقته مع آخرين في رحلته. وقد شعرت بالرضا لرؤيته. وعندما وقف لتحيّتي كان يشبه شجرة، وعندما جلس كان وضعه ساكنا مثل جثّة. ومن خلال حديثي معه عرفت أنه رجل رأى وسمع الكثير عن هذا العالم. ولم يكن هناك كتاب لم يقرأه. ويوما بعد يوم، كنت أشعر بتبجيل متزايد له. وكان عدد الرجال الذين اجتذبهم مجده وطلبوا نعمة أن يكونوا من تلاميذه يزداد كلّ يوم.
وعندما وصل مبعوث جنكيز خان، انطلقنا مع المعلّم باتجاه الغرب. وكان تلاميذه قد سألوه قبيل رحيله متى سيعود. فقال: بعد ثلاث سنوات". حدث هذا في الشهر الأوّل من عام 1221. وفي الرحلة إلى الغرب، سافرنا بصحبة المعلّم ومرافقه مئات الاميال، ورأينا أماكن لا تظهر على خرائطنا ولا تبلّلها الأمطار أو الندى. ورغم أنه كان يُستقبل في كلّ مكان بتكريم كبير، إلا أن الرحلة كانت متعبة بالنسبة له. ومع ذلك كان دائما مرحاً ويحبّ الحديث ويكتب الشعر. وكان محبّا للطبيعة في حالاتها المختلفة، وفي كلّ مكان توقّفنا عنده زار كلّ ما هو لافت ومميّز.
بعد أن عبرنا نهراً، اتجهنا جنوبا ومررنا فوق جبل منخفض حجارته مختلفة الألوان. ولم نجد على جانبي هذا الجبل أيّ شجرة أو عشبة. ثم رأينا زوجا من التلال الحمراء وتوقّفنا عند بئر ماء عذب وسط صحراء مالحة، حيث أعددنا طعامنا. كان العشب المحيط بالبئر قد داسته الأغنام والخيول كثيرا.
وبعد استراحة قصيرة، بدأنا رحلتنا في فترة ما بعد الظهر. وفي طريقنا رأينا أكثر من مائة تلّة رملية كبيرة، بدت وكأنها تتهادى كالسفن الضخمة وسط أمواج المحيط. وفي اليوم التالي، بين الثامنة والعاشرة صباحا، وصلنا إلى إحدى البلدات. ولم نتعب من السفر في الليل، ولكننا كنّا خائفين من أن يسحرنا عفاريت الظلام. ولمنع السحر، قمنا بفرك رؤوس خيولنا بالدم. وعندما رأى المعلّم ما فعلنا ابتسم وقال: العفاريت تهرب عندما تقابل رجلاً صالحا، كما تذكر الكتب. ولا يليق بالطاويّ أن يؤمن بمثل هذه الأفكار".
بعد أن سافرنا غربا، وصلنا إلى مدينة كبيرة. وقد قطع حاكمها والجند والشعب والكهنة البوذيون والطاويون مسافات طويلة خارج المدينة للقاء المعلّم. وأقمنا في بستان عنب. وكان أقارب المرافق هم الذين يجلبون لنا النبيذ المصنوع من العنب والفواكه المتنوّعة.
وبعد أن مررنا بمدينتين أخريين، وصلنا في اليوم التاسع من الشهر التاسع إلى مدينة تابعة لقبيلة هوي. كان الحاكم صديقا قديما لمرافق المعلّم وقد جاء مع أقاربه وكهنة القبيلة لمقابلتنا خارجها. وبعد وصولنا إلى هناك، قُدّم لنا عشاء على الشرفة وجاءتنا زوجة الحاكم بالنبيذ. كما أحضروا بطّيخا ثقيلا وحلوا.
وبعد أن غادرنا الصحراء الرملية، سافرنا خمسة أيّام، وتوقّفنا على الجانب الشمالي من نهر "يين". وفي اليوم التالي، في الصباح الباكر، اتجهنا جنوبا ومشينا على منحدر طويل الى أن حلّ المساء فتوقّفنا للراحة. كان الهواء باردا، لكن لم نجد ماءً. وفي صباح الغد، واصلنا سفرنا باتجاه الجنوب الغربي، ثم رأينا فجأة بحيرة رائعة محاطة من جميع الجوانب بقمم مغطّاة بالثلوج المنعكسة في الماء. وقد أطلق عليها المعلّم "بحيرة السماء".
بعد أن سلكنا الطريق الساحلي، نزلنا باتجاه الجنوب ولم نرَ على جانبي الطريق سوى المنحدرات العمودية والقمم الوعرة. وكانت الجبال مغطّاة حتى قممها بغابات كثيفة تتألّف من أشجار البتولا والصنوبر التي يزيد ارتفاعها عن مائة قدم. وكان النهر يتعرّج عبر الوادي لمسافة والتيّار سريعاً ومنحدرا أحياناً على هيئة شلالات.
وكان حاكم تلك الناحية أوّل من شقّ طريقا عبر هذه الجبال وقطع الصخور وبنى 48 جسراً باستخدام الأخشاب المقطوعة من الجبال. وكانت الجسور عريضة للغاية بحيث يمكن لعربتين أن تمرّا جنباً إلى جنب. أمضينا الليل هناك وغادرنا في الصباح التالي، ثم دخلنا واديا واسعا يمتدّ من الشرق إلى الغرب، سقيُه جيّد وفيه عشب وفير بينما تتناثر هنا وهناك بعض أشجار التوت والعنّاب.
وفي اليوم التالي تساقطت ثلوج كثيفة، ووصلنا إلى بلدة صغيرة يقطنها مسلمون. كان ارتفاع الثلوج حوالي قدم، لكنها ذابت بسرعة بفعل حرارة الشمس.
وبعد رحلة دامت ثمانية أيّام، تحوّلت الجبال فجأة نحو الجنوب. ورأينا مدينة مبنية من الحجارة الحمراء، وكانت هناك آثار معسكر قديم. وإلى الغرب رأينا تلال قبور كبيرة تشبه كوكبة الدبّ الأكبر. وبعد أن عبرنا جسرا حجريّا وسافرنا خمسة أيّام على طول الجبال الجنوبية الغربية، وصلنا إلى مدينة "ساي لان". وقد جاء حاكمها المسلم لاستقبالنا ووجّهنا إلى مسكننا. وخلال الأيّام الأولى من الشهر الحادي عشر هطلت على البلدة أمطار غزيرة.

الثلاثاء، أكتوبر 29، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • يصف ڤلاديمير نابوكوڤ في محاضرة ألقاها في الخمسينات كتابات أنطون تشيكوڤ بقوله: ليس دقيقاً القول إن تشيكوڤ كان يتعامل بطريقة ساحرة وغير فعّالة. ومن الأصح أن نقول إن أبطاله ساحرون لأنهم غير فعّالين. غير أن ما يجذب القارئ الروسي حقّاً اليه هو أنه تعرّف في أبطاله على نوع معيّن من المثقّفين الروس.
    إنه المثاليّ الروسي، ذلك المخلوق الغريب المثير للشفقة الذي لا يعرفه إلا القليلون في الخارج ولا يمكن أن يوجد في روسيا السوفياتية. إن المثقّف الذي تحدّث عنه تشيكوڤ كان رجلاً يجمع بين أعمق درجات اللياقة الإنسانية التي يستطيع الإنسان أن يتحلّى بها وبين عجزه السخيف عن تطبيق مبادئه ومُثُله العليا.
    إنه رجل مخلص للجمال الأخلاقي ورفاهية شعبه وخير الكون، ولكنه عاجز في حياته الخاصّة عن القيام بأيّ شيء مفيد، ويهدر وجوده في ضباب الأحلام الطوباوية. وهو يعرف بالضبط ما الخير وما الذي يستحقّ أن يعيش الإنسان من أجله، ولكنه في الوقت نفسه يغرق أكثر فأكثر في وحل الحياة المملّة. وهو تعيس في الحبّ وعاجز بيأس في كلّ شيء، وطيب لكنه لا يستطيع أن يفعل الخير.
    الجزء الساحر في الأمر هو أن تشيكوڤ تعامل مع لغة بسيطة، أي لغة رجل الشارع العادي، ومع ذلك تمكّن من نقل انطباع بالجمال الفنّي يفوق بكثير انطباع العديد من الكتّاب الذين اعتقدوا أنهم يعرفون ما هو النثر الجميل والثريّ.
    وقد فعل ذلك من خلال إبقاء جميع كلماته في نفس الضوء الخافت واللون الرمادي، وهو لون يتوسّط لون سياج قديم ولون سحابة منخفضة. إن تنوّع مزاج تشيكوڤ ووميض ذكائه الساحر والاقتصاد الفنّي العميق في وصف شخصيّاته والتفاصيل الحيّة وتلاشي الحياة البشرية وكلّ السمات المميّزة لكتاباته، تتعزّز من خلال غمرها وإحاطتها بضبابية لفظية باهتة".
    انتهى كلام نابوكوڤ. والسؤال هل كان يمدح تشيكوڤ أو يهجوه؟!
  • ❉ ❉ ❉

  • يقول بعض النقّاد إن لوحات جاكسون بولوك ليست أعمال فنّ حقيقي، بل النتيجة النهائية لأدائه على القماش. وبعبارة أخرى، فإن العمل الفنّي الحقيقي هو الطريقة التي يرسم بها اللوحة وليس اللوحة نفسها. وبهذا الأسلوب الفريد حطّم بولوك المفاهيم التقليدية للرسم وفتح آفاقا جديدة للتعبير الفنّي.
    الشيء الجديد الحقيقي في كلّ إنتاجه هو تعامله مع القماش، حيث يمشي عليه حرفيّا بدلاً من الوقوف أمامه. وفي بعض لوحاته يمكنك حتى رؤية آثار أقدامه التي تشهد على وجوده.
    وقد قال عنه بعض من شاهدوه وهو يعمل أنه كان يرقص حول القماش وكأنه يشارك في رقصة طقوسية غريبة، ناسيا تماما وجود الآخرين في الغرفة. وإذا عرفت هذا، فمن السهل أن تشعر بالحركة والقوّة والحركة في أعماله. وممّا يؤثَر عن الفنّان قوله ذات مرّة: عندما أكون مستغرقا في العمل على لوحة فإني لا أدرك ما أفعله".
    وكثيرا ما لا تحمل لوحاته عناوين، بل يكتفي بترقيمها. والسبب هو أن بولوك اختار في مرحلة ما أن يترك للمتلقّي مهمّة تفسير أعماله، دون أن يقدّم له تلميحا أو علامة. وبذا يمنح الناظر الحرّية في رؤية وتفسير ما يحسّ به إذ ينظر الى صوره.
    اللوحة فوق اسمها (رقم 17a)، وقد رسمها بولوك عام 1948 وبيعت بمبلغ قدره 200 مليون دولار. واعتُبر ذلك الرقم القياسي في حينه شهادة على تأثير بولوك الدائم وقيمة الفنّ التجريدي في سوق الفنّ العالمية.
    واللوحة عبارة عن شبكة معقّدة من الخطوط والألوان التي تبدو نابضةً بالحياة. وللوهلة الأولى، قد تخالها صورة فوضوية وغير محكومة بنظام، لكن التمعّن فيها يكشف عن شعور بالإيقاع والتقصّد وراء ما يبدو وكأنه أنماط عشوائية. ومن خلال الدخول إلى الشبكة المعقّدة للوحة، فإننا لا نكتفي بتأمّل العمل، بل نشارك في رقصة فريدة من الألوان والأشكال.
    كانت تقنية الرسم بالتنقيط التي ابتكرها بولوك تتضمّن تنقيط الطلاء أو رميه على قماش مُلقى على الأرض. وكان أسلوبه المبتكر بمثابة انحراف كلّي عن تقنيات الرسم التقليدية، إذ يسمح للرسّام بالتفاعل مع القماش من جميع الزوايا. ولم تعد لوحاته تمثّل العالم الخارجي، بل أصبحت تعبيرا عن مشاعر الفنّان وشواغله الداخلية.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • مع أن بورخيس لا يُستشهد به كثيراً باعتباره كاتباً نحتاج إليه بشكل خاص هذه الأيّام، إلا أنني عندما بدأت إعادة قراءته مؤخراً، أدركت أنه كان ينير شيئاً عميقاً في داخلي. فالكاتب العظيم يُلقي انعكاسه في مرآة لم تكن تعلم أبداً أنك تمتلكها بداخلك. ثم فجأة تجد نفسك أيضاً في هذه المرآة غير المتوقعة، وربما المزعجة. ورغم العمى الذي أصابه في وقت لاحق من حياته، كان بورخيس يرى الانعكاسات دائماً.
    في قصّة "بورخيس وأنا"، يفصل الكاتب الهويّات مرّة أخرى، فهناك بورخيس الذي يكتب أنواعاً معيّنة من القصص ويحظى بالشهرة. ثم هناك بورخيس آخر غير معروف. وينهي بورخيس الآخر القصّة بقوله: لست متأكّداً أيّ واحد منّا كتب هذه الصفحة"، بلهجة غامضة ومرحة ومؤثرة في الوقت نفسه. وتحت هذه الألعاب الخيالية الميتافيزيقية يكمن شيء أبسط وأعمق: أسئلة حول حقيقة، ليس فقط الحياة التي نعيشها، بل وأيضاً تلك التي فشلنا في عيشها، والنسخ من أنفسنا التي كان من الممكن أن نكونها .
    يقول بورخيس في "مكتبة بابل" إن الكون هو المكتبة، والمكتبة هي الكون أيضاً". وعندما أشعر أن العالم من حولي مضطرب، بل وحتى تافه، فإنني أشعر بقوّة منعشة في التذكير، كما يفعل فنّ بورخيس، بالغموض الجميل والملتبس الذي يكتنف الكون والعوالم التي لا نهاية لها .
    عندما كنت صغيرا، كنت أحب أن أفكر في السؤال الكبير: ماذا لو كنّا هنا على هذا الكوكب، لمجرّد أننا موجودون، أليس هذا شيئاً في حدّ ذاته؟ وعندما كبرت، أعاد لي فضول بورخيس المُعدي ذلك الشعور بالدهشة حتى في ساعات حزني.
    وأشعر مرّة أخرى أنني أستطيع أن أغمض عينيّ وأصعد درجات النجوم إلى متاهة قاعة ضخمة من الأبواب التي لا يدري أحد الى أين تُفضي، وأمشي عبر أوّلها، وفي نهاية القاعة، عندما تتخطّى الساعات كلّ ساعاتها، أسمع مقبض باب مغطّى بالغبار يبدأ في إصدار طنين يشبه صوت ثقب أسود.
    غابرييل بيلوت
  • ❉ ❉ ❉

  • يقال إن المقبرة هي أغنى مكان على وجه الأرض، لأنك ستجد فيها كلّ الآمال والأحلام التي لم تتحقّق أبدا والكتب التي لم تُكتب أبدا والأغاني التي لم تُغنَّ أبدا والاختراعات التي لم ترَ النور أبدا، كلّ هذا لأن الكثيرين ممّن توفّوا كانت تنقصهم العزيمة وكانوا خائفين من اتخاذ الخطوة الأولى لتحقيق أحلامهم.
    الكثيرون منّا ربّما يعيشون في راحة، لكنهم لا يسعون لتحقيق أحلامهم أبدا. وكثيرا ما نقول: يوما ما سأكتب كتابا، سأتعلّم مهارة، أو سأبدأ مشروعا.. الخ". لكننا لا نفعل.
    والسبب هو خوفنا من اتخاذ الخطوة الأولى. هذا الخوف هو الذي يجعلنا عاجزين عن استغلال امكانياتنا الكامنة وهي كثيرة. إن العالم لا يريد فقط موهبتك بل يحتاج إليها. وهناك الكثير من الأشخاص الذين يمكن أن يتأثّروا ايجابا بعملك وقد يصبح مصدر إلهام لهم في حياتهم.
    إن بإمكانك أن تجعل العالم مكانا أكثر ثراءً من خلال مشاركته مواهبك. وإذا أردنا حرمان المدافن من ثروات المستقبل، فيجب علينا أن نكون مستعدّين لسماع ومتابعة نداء الإبداع في دواخلنا. قد نتعثّر في البداية، وهذا طبيعي. لكن عندما نؤمن بمواهبنا وإمكانياتنا يمكن أن نبدع ونتميّز ونكون عامل تحفيز لغيرنا.

  • Credits
    my-chekhov.com
    jackson-pollock.org
    borges.pitt.edu