وقال ألبيرتو جياكوميتي، أحد أهمّ نحّاتي القرن العشرين :إننا نبالغ في تقدير أهمية الفنّ، مع ان أغلبية الأحياء مستغنون عنه تماما". ومن جهته دعا أندريه بريتون زعيم السورياليين إلى إنهاء الفنّ والأدب. كان بريتون يعمل طبيبا نفسيّا يعالج الجنود المصابين بصدمات نفسية. وقد جعلته تلك التجربة يائسا من قدرة أيّ نوع من الفنّ على تعويض كلّ الأهوال والفظائع التي رآها خلال الحرب. ومع ذلك، فإن هذا هو بالضبط دور الفنّ في حياتنا. فإذا مررتَ بظروف سيّئة مثلا، فإنك تريح نفسك بالفنّ وبه تخفّف من غضبك وشعورك بالإحباط.
يقول الكاتب مورغان فالكونر إن الدعوات المبكّرة لإنهاء الفنّ لم تحقّق أهدافها. ولم تكن البدائل المقترحة دائما قابلة للتطبيق. وكان بريتون قد اقترح المشي في المدينة كشكل جديد من النشاط الشعري الذي يمكن ان يتولّد عن اللقاءات العابرة والأفكار الجانبية التي قد يثيرها المشي.
قد تبدو الدعوة إلى القضاء على الفنّ هدفا للفلاسفة المتطرّفين أو الظلاميين المتعصّبين، رغم أن إمكانيات الفنّ العديدة يمكن أن تساعدنا على رؤية العالم بشكل أفضل وتوفّر لنا صحبة مميّزة. الكاتبة الأمريكية توني موريسون عبّرت عن هذه الجزئية ببلاغة عندما قالت: إن العالم مصاب بكدمات وجروح كثيرة. صحيح أنه لا ينبغي تجاهل آلامه، لكن من الضروري أيضا رفض الاستسلام لشروره ونواقصه. ففي أحيان كثيرة يمكن أن تقود الفوضى الى المعرفة، بل وحتى إلى الحكمة. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن التأثير النفسي والجمالي للفنّ".
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
وعلى الرغم من شهرة رواية اورويل "1984"، إلا أنها ليست بالرواية الممتعة أو الجذّابة، وفيها أطلق الكاتب تحذيرات حادّة وحصيفة بشأن مستقبل مروّع محتمل للبشرية. كان أورويل أشبه ما يكون بالفأر الذي يحاول إخبار الفئران الأخرى بالهاوية التي تنتظرهم، فيتجاهلونه أثناء اندفاعهم المتهوّر وقصير النظر إلى الأمام.
كما تتحدّث الرواية عن زمن آتٍ تستطيع فيه الحكومة أو "الأخ الأكبر" مراقبة كلّ تصرّفاتك والتلاعب بها وغسل أدمغة الأفراد وتلقينهم أفكارا معيّنة لدرجة أنهم يقومون ببقية أعمال المراقبة لصالح الحكومة.
وتُعدّ "1984" رواية مهمّة لعدّة أسباب، فهي تقدّم صورة مرعبة لنظام شمولي يستخدم المراقبة المتطرّفة والدعاية والتلاعب النفسي، كما أنها تحذّر من مخاطر السلطة الحكومية غير المقيّدة وتآكل الحريّات الفردية.
كما تتحدّث عن فكرة "اللغة الجديدة" المصمّمة للحدّ من نطاق الفكر، وعن العلاقة بين اللغة والسلطة، في إشارة إلى أن التحكّم في اللغة يمكن أن يتحكّم في كيفية تفكير الناس. وتشير الرواية الى أنه إذا تمكّنتَ من التحكّم فيما يستطيع الناس قوله، فإنك بذلك تتحكّم فيما يستطيعون التفكير فيه. ولا يتعلّق الأمر بإجبار الناس على الخضوع، ولكنه بحسب اورويل يتعلّق أكثر باستخدام اللغة لحمل الناس على التحكّم بأنفسهم.
كان لهذه الرواية تأثير عميق على الأدب والسياسة والثقافة الشعبية. وقد صارت عبارات، مثل "الأخ الأكبر" و"الجهل قوّة" و"الكذبة التي تُروى ألف مرّة لا تظلّ كذبة" التي ابتكرها اورويل، رمزا للرقابة الحكومية المتطفّلة والممارسات القمعية وفقدان الخصوصية في المجتمع الحديث.
وموضوعات "1984" ما يزال لها صدى قويّ في سياق اليوم، وهي بمثابة قصّة تحذيرية حول هشاشة الديمقراطية والحرّيات الشخصية، حيث أصبحت القضايا المتعلّقة بتكنولوجيا المراقبة والتضليل والاستبداد منتشرة بشكل متزايد. وتظلّ الرواية نصّا بالغ الأهمية لفهم ديناميكيات القوّة والسيطرة والمقاومة، ما يجعلها عملا أدبيّا خالدا وذا صلة مستمرّة بالواقع الانساني.
❉ ❉ ❉
◦ في يوم من الأيّام، كانت لديّ موهبة. كنتُ أستطيع أن أصنع من الكلمات حُبّا، كما يصنع الخزّاف أكواباً من الطين، حُبّا يشيّد إمبراطورية، يربط بين قلبين مهما كانت الصعاب. بستّة بنسات للسطر، كنت أستطيع أن أثير شغبا في دير. لكن الآن، فقدتُ موهبتي، أشعر وكأن ريشتي قد انكسرت وخيالي قد جفّ وذكائي قد تلاشى. جيفري يوجينيدس
◦ عندما يُطبّق الاتصال اللاسلكي بشكل مثالي، ستتحوّل الأرض بأكملها إلى دماغ ضخم، وهي كذلك بالفعل، فكلّ شيء فيها عبارة عن جسيمات حقيقية ومتناغمة، وسنتمكّن من التواصل مع بعضنا البعض قريبا، بغضّ النظر عن المسافة. ليس هذا فحسب، بل من خلال التلفزيون والهاتف، سنرى ونسمع بعضنا البعض بوضوح كما لو كنّا وجها لوجه، رغم مسافات آلاف الأميال. وستكون الأجهزة التي تحقّق كلّ هذا بسيطة للغاية مقارنة بهواتفنا الحالية. وسيتمكّن أيّ شخص من حمل هاتف واحد في جيب سترته. نيكولا تسلا، 1926
◦ تمتلك الكلاب حاسّة شمّ أفضل من الانسان وخلايا عصبية أكثر. وعندما يجلس كلب بجانب النهر وأنفه يرتجف فرحا، فمعنى هذا أنه يستنشق عوالم من الروائح التي لا نستطيع نحن البشر حتى تخيّلها. لذا عليك أن تُرضي كلبك بتركه يشمّ كلّ نبتة او شجرة، وحاول أن تأخذه معك في رحلة شمّ مرّة واحدة على الأقلّ أسبوعيا. نظنّ نحن البشر أننا نعرف الكثير، لكن الحقيقة أننا لا نكاد نعرف شيئا. فهذه المخلوقات البرّية البسيطة تُذكّرنا بوجود أحاسيس وعوالم أخرى لا يمكن حتى أن نحلم بها برغم كلّ فلسفاتنا وادّعاءاتنا. إدوارد يونغ
◦ يعتقد معظم الناس أن الظِلال تتبع الكائنات أو الأشياء أو تسبقها أو تحيط بها. والحقيقة هي أن الظِلال تحيط أيضا بالكلمات والأفكار والرغبات والأفعال والدوافع والذكريات. إيلي ويزل
◦ إملأ وعاءك حتى الحافّة وسوف ينسكب. استمرّ في شحذ سكّينك وسوف يكلّ. إبحث عن المال والأمان ولن يرتاح قلبك أبدا. اهتم برضا الناس وستصبح أسيرهم. قم بعملك ثم انسحب: هذا هو الطريق الوحيد إلى السكينة وراحة البال. لاو تزو
◦ في السنوات الأخيرة، انتشرت العناصر المنقوشة في العمارة. ومن خلال العديد من الدراسات، اتضح أن الجمهور يفضّل العمارة ذات الطابع الزخرفي. وكثيرا ما يربط الناس الزخرفة بالجمال والدفء والثراء الثقافي. فالمباني التي تتميّز بعناصر زخرفية تثير مشاعر أقوى وتخلق شعورا بالهويّة والانتماء للمكان. وفي البيئات الحضرية، تسهم هذه المباني ذات الطابع الجمالي في تحسين صحّة السكّان بشكل عام وتعزّز ارتباطهم بمحيطهم. والعمارة بدون زخارف وتفاصيل معبّرة تشبه الموسيقى بدون نغمات عالية. وقريبا ستتيح التقنيات الجديدة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التعبير بشكل أكثر ثراءً وتفصيلاً عن الهندسة المعمارية الزخرفية، بحيث تذكّرنا بالمباني المصنوعة يدويّا في عصري الفنّ الجديد والآرت ديكو. اندي شو
◦ ذات مرّة، فكّرت في الكلمات الأخيرة التي سأقولها قبيل موتي. وبعد لحظات، خطرت لي هذه الكلمات:
تغيّرت الفصول وتساقطت أزهار الكرز مرارا واختفت الرياح الآن. ويمكن للمرء أن يجد سلامه مع نموّ الطحالب على الحجارة. أتمنّى أن أكون مشرقا مثل النجوم أو ضوء القمر، وأن تكون السماء صافية عندما أغنّي تهويدتي الأخيرة. سايجيو
Credits
philosophytalk.org
orwellfoundation.com
philosophytalk.org
orwellfoundation.com