الثلاثاء، مايو 20، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • كان "وانغ وي" (699 - 761) شاعرا وموسيقيّا ورسّاما صينيّا. ويُعدّ من أبرز رجال الفنون والآداب في عصره. واشتهر بموهبته المزدوجة كشاعر طبيعة ورسّام مناظر طبيعية. وقد وصف أديب من عصره نتاجه بأنه "لوحات داخل قصائد". وعُرف بشكل خاص بأشعاره عن الجبال والجداول والأنهار وغابات الخيزران. والعديد من قصائده تصوّر مشاهد للماء والضباب مع حضور بشريّ ضئيل.
    في الأسطر التالية بعض مفردات وصور من عالم "وانغ وي" الشعري..
    ◦ كان الطقس هادئا وصافياً، لذا قرّرت التجوّل في سفح الجبل، استرحتُ في معبد قديم وتناولتُ العشاء مع بعض النُسّاك هناك. وبعد العشاء عدت إلى البيت مرّة أخرى. اتّجهت شمالا، وعبرت النهر الذي انعكس فوق مياهه ضوء القمر الصافي بحافّة مبهرة.
    ◦ عندما تقدّمَ الليل كثيرا، تسلّقتُ أحد التلال ورأيت نور القمر يعلو ويهبط بفعل أمواج النهر المتدافعة. وعلى الجبل البارد، كانت الأضواء تتلألأ من بعيد ثم تختفي. وفي ممرّ عميق خلف الغابة، نبح كلب في البرد ثم أطلق صرخة شرسة كذئب.
    ◦ كانت أصوات القرويين وهم يطحنون الذرة ليلاً تملأ الفجوات بين الرنّات البطيئة للجرس البعيد. أفكّر كثيرا في الأيّام الخوالي، كيف كنّا نسير يداً بيد، ونؤلّف القصائد أثناء مشينا في مسارات ملتوية على ضفاف الجداول الصافية.
    ◦ يجب أن ننتظر قدوم الربيع، حتى تنبت الأعشاب وتُزهِر الأشجار. وبعد ذلك، عندما نتجوّل معا في التلال، سنرى سمك السلمون المرقّط وهو يقفز بخفّة في الجدول، والنوارس البيضاء تفرد أجنحتها، والندى يتساقط على الطحلب الأخضر. وفي الصباح سنسمع صرخات الكروان في حقول الشعير.
    ◦ العديد من الرهبان مختبئون على هذا الجبل، يردّدون السوترا ويتأمّلون معا. والرجال على أسوار المدينة البعيدة ينظرون نحو القمم، ولا يرون إلا السحب البيضاء التي تحجب السماء. في منتصف حياتي، انغمستُ في فلسفة الطاو، ثم انتقلتُ للعيش عند سفح الجبل الجنوبي. وعندما أشعر بالسعادة، أسير وحدي بين التلال.
    ◦ متّكئاً لوحدي بين أشجار الخيزران، أعزف على القيثارة مردّدا أغنية بصوت خفيض جدّا، بحيث لا يستطيع أحد سماعه سوى رفيقي القمر الساطع. لا يوجد أثر لإنسان في هذا الجبل المنعزل، ومع ذلك تنتشر الأصوات الخافتة في الهواء.
    ◦ عندما أصل إلى منبع النهر، أجلس لأستريح وأراقب الضباب وهو يتصاعد. أعرف في أعماق قلبي ما هو خيّر وجميل. أحيانا أحتاج إلى حطّاب عتيق لنتحدّث ونضحك معا، فننسى أن وقت العودة إلى البيت قد حان! يوماً بعد يوم، لا يسعنا إلا أن نكبر. وعاما بعد عام، لا يملك الربيع إلا أن يبدو أصغر سنّاً. هيّا بنا نستمتع بكأس نبيذنا اليوم، ولا نكترث بالزهور المتساقطة!
  • ❉ ❉ ❉


  • قصّة معبّرة رواها أحد مستشاري بابا الفاتيكان الراحل فرانسيس. قال إنه بعد انتخابه بفترة وجيزة، زار البابا مجمّع الخطّاطين البابويين، الذين تتمثّل مهمّتهم في كتابة المراسيم والقرارات البابوية بخطّ اليد على ورق فاخر من الرقّ الأصلي. وبعض هؤلاء الفنّانين ينحدرون من عائلات عريقة عملت في هذه المهنة منذ ثلاثة أو أربعة أجيال. وهم فخورون بعملهم.
    وبعد أن شرح كبير الخطّاطين للبابا العملية الشاقّة لإنتاج أحد هذه الكنوز من الخطوط والتي سيوقّعها البابا بنفسه في النهاية، سأل فرانسيس ببراءة وبأسلوب غير دبلوماسي عن السبب الذي يمنع إنتاج هذه الوثائق باستخدام الحاسب الآلي والطابعة. ففي النهاية، سيوفّر ذلك الكثير من الوقت والجهد، بل وحتى المال.
    وأوضح الخطّاطون لفرانسيس أن كتابة هذه الوثائق بخطّ اليد وبكلّ الاحترام الواجب تضمن فرادتها وأصالتها. وتساءلوا لماذا قد يرغب الفاتيكان في التخلّي عن هذا الفنّ الخالد والتوقّف عن إبداع تلك التحف الرائعة من الخطّ؟
    وأجاب البابا بخجل: نقطة جيّدة".
    واحتفظ الخطّاطون بوظائفهم.
    تُظهر هذه الحكاية أن ما اعتُبر تصرّفا غير موفّق كان في الواقع صراحةً بريئة من جانب فرانسيس. فقد عبّر البابا السابق عن رأيه بوضوح، حتى عندما كانت عيناه هما اللتان تُعبّران عن كلّ شيء، وهو ما كان يحدث كثيرا.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • جورجيو دي تشيريكو رسّام إيطالي يُعتبر من روّاد الحركة الطليعية. اشتهر بلوحاته الميتافيزيقية التي أبدعها في مطلع القرن العشرين وبتوظيفه عناصر معمارية فيها. وعلى الرغم من انه يصعب أحيانا فهم لوحاته، إلا أنها تثير الحواسّ. وهو يعرّف الميتافيزيقيا بأنها لغز، أي أنها مجهولة وبعيدة عن العقل والمنطق. ومع ذلك، فهي تكشف عن شعور، وأصل هذا الشعور هو العمارة.
    واللوحات هي مزيج من العناصر المعمارية، كالشارع والساحة والمبنى والجدار. وهو يضع العمارة في صميم الميتافيزيقيا، لأن المعماريّ يُنشئ نظاما هندسيّا في الطبيعة وينعكس هذا في الفن. كان يعتقد أن الأشكال والأرقام المعمارية تُضفي معنى شعريّا على لوحاته. وهكذا، تصبح هذه العناصر في صوره أكثر وضوحا وأهمية.
    استلهم دي تشيريكو في أعماله العديد من الموارد، وأهمّها تجاربه وذكرياته الشخصية. ويمكن في بعضها رؤية آثار العمارة الإيطالية. وهو يستخدم أشكالا متكرّرة ويمارس ألعاب الظلّ ويضع منحوتات في ساحات تشبه تلك المنتشرة في مدن مثل تورينو وفلورنسا.
  • ❉ ❉ ❉

  • يتساءل الأديب الأمريكي "ري برادبيري" مؤلّف الرواية الخيالية "فهرنهايت 451" عمّن هو الكاتب. ويجيب: كثيرا ما أوجّه هذا السؤال للناس، وعادةً ما يجيبون: هو من نشرَ كتبا أو مقالات أو من يكسب عيشه من الكتابة". لكنّي لا أتّفق معهم. أعتقد أن من يكتب يوميّا وينظر إلى واقع الحياة من منظور الأدب والكلمات هو كاتب. وإذا سعى شخص ما بصدق إلى فهم جوهر المسألة واستخلاص الحقيقة من تعقيدات هذا العالم وتعقيداتنا نحن البشر من خلال الكتابة، فهو كاتب برأيي. المسألة تتعلّق بموقف وأسلوب حياة، وليس بكيفية دفع الفواتير أو توفّر موهبة استثنائية.
    ويضيف: إذا كنت تريد أن تكتب وأن تخلق، ينبغي أن تكون أنبل أحمق بعثه الله على الإطلاق. يجب عليك أن تكتب في كلّ يوم من أيّام حياتك، وأن تقرأ كتبا كثيرة، غبيّة ورائعة معا، ثم تتركها تتصارع داخل رأسك. ويجب أن تختفي في المكتبات وتتسلّق الرفوف كتسلّقك للسلالم، لتتنفّس رائحة الكتب كما تستنشق العطور وترتدي الكتب مثل القبّعات على رأسك. وهذا يعني في النهاية، أن تحبّ كلّ يوم طوال العشرين ألف يوم القادمة. ومن هذا الحبّ، تعيد بناء عالم جديد".

  • Credits
    fondazionedechirico.org/en
    raybradbury.com
    allpoetry.com