الأحد، يونيو 01، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • بعض اللوحات تصبح رمزية لدرجة يصعب معها تذكّر أنها أعمال رسم. ومن الأعمال التي يصدق عليها هذا الوصف لوحة "القبلة" لغوستاڤ كليمت. فبسبب شعبيّتها الدائمة وتأثيرها الثقافي وإعادة إنتاجها وتقليدها على نطاق واسع على مرّ السنين، ارتقت "أو ربّما انحدرت!" اللوحة إلى عالم لا علاقة له إطلاقا بالسياق الذي رُسمت فيه.
    موضوع اللوحة شخصان متشابكان، رجل وامرأة، يقطران ذهباً منصهراً. الرجل الذي لا يُرى وجهه يحتضن المرأة ويقبّل وجنتها، بينما عيناها مغمضتان وتعابير وجهها جامدة. وهي تلفّ يديها حول عنقه وتتشبّث بيده عند رقبتها.
    بعض النقّاد لاحظوا أن جسد الرجل الذهبي مزيّن بأشكال مستطيلة، بينما جسد المرأة تمثّله أشكال منحنية، وفي هذا استعادة للأشكال الذكورية والأنثوية الكلاسيكية. كما لاحظوا أن هناك شيئا من الاستبداد والعنف في عناق الرجل وشيئا من العجز واليأس والاستسلام من جهة المرأة. هل هي فاقدة للوعي أم أن عينيها مغمضتان في سعادة غامرة؟ هل تردّ عناق الرجل أم تحاول انتزاع يديه؟
    كلّما تأمّلتَ هذه الصورة الأيقونية لفترة أطول، أصبحتْ أكثر قتامةً. وهي تدعونا لتحدّي تصوّراتنا المسبقة عنها. وهناك الكثير من السرديات والتكهّنات المحتملة بشأنها. بعض مؤرّخي الفنّ رأوا أن اللوحة تُصوّر الفنّان نفسه، أي كليمت، وملهمته إميلي فلوغ. كان كليمت قد قابلَ فلوغ لأوّل مرّة عام ١٨٩٢، عندما كان هو في الثلاثين من عمره وفلوغ في الثامنة عشرة. وقد أصبحت مصمّمة أزياء ناجحة وانتقلت مع كليمت الى أوساط المجتمع الراقي في ڤيينا. وقبل وفاته، أوصى لها بنصف ممتلكاته، على الرغم من أنهما لم يتزوّجا قط.
    ومثل العديد من الفنّانين الحداثيين، يُعدّ موقف كليمت تجاه النساء محورا أساسيا في فنّه. ويقال إنه تعامل في العديد من لوحاته مع النساء على أنهن مجرّد زينة، تماما مثل خلفيات صوره وفساتينه المذهّبة والمعقّدة.
    وكليمت ولوحته هذه يحثّان المتلقّي على طرح أسئلة جوهرية وجدّية. لماذا مثلا يُحتفى باللوحة كعمل رومانسي، في حين أن لغة جسد شخصيّتيه غامضة ومزعجة؟
    ربّما يكون ما يستخرجه الفنّانون من ظلال الجنسانية واللاوعي أكثر حيوية وجمالا من كلّ ما هو سطحي وساذج. هل هذه لوحة لرجل مفترس؟ وإن كان الأمر كذلك، فبأيّ معنى؟ أم أنها لوحة لامرأة أنثى حاضرة في لحظتها ومنغمسة فيها؟ أم أنها مصمّمة لنظرة الرجل؟
    إن النظر إلى أيّ قطعة فنّية بعين ناقدة لا يعني التقليل من شأنها أو رفض جودتها، بل إن من شأن ذلك أن يزيد من قدرتنا على تقدير الفنّ ونقده لفهم سياقه مهما كان محفوفا بالمخاطر.
    بعض الكتّاب فسّروا "القبلة" على أنها رمز لعملية الفنّان الإبداعية. ويمكن اعتبار الأنماط المزخرفة وورق الذهب فيها، والتي تذكّر بالفنّ الياباني، استعارةً للعملية الفنّية، حيث يحوّل الفنّان الموادّ الخام إلى شيء جميل وذي معنى. صحيح أن استخدام ورق الذهب يُضفي لمسة من الفخامة والرقي على العمل ويُبقي أثره البصريّ طويلا، لكن البعض يرى أن الزخرفة والتذهيب الزائدين يطغيان على الشخصيتين الرئيسيتين ويقلّلان من التأثير العاطفي للوحة.
    أعمال غوستاڤ كليمت تشكّل العمود الفقري للعديد من مجموعات متاحف ڤيينا. وقد أصبحت هذه اللوحة بالذات رمزا لأسلوبه الفنّي، مع أنه لم يرسم دائما بهذه الطريقة المنمّقة والمتأنّقة.
  • ❉ ❉ ❉

    ❉ ❉ ❉

  • الحكاية المشهورة "الحمار والبستاني" ظهرت في المصادر اليونانية في العصور الكلاسيكية، وبالتحديد كجزء من أساطير ايسوپ الإغريقي. وهي عن حمار كان يعمل عند بستاني، ولأن البستاني كان يرهقه بشدّة ولا يعطيه سوى القليل من الطعام، فقد توسّل الحمار إلى الإله زيوس أن يخلّصه من البستاني ويعطيه لسيّد آخر. فباعه زيوس إلى خزّاف.
    ثم وجد الحمار أن الوضع الجديد لا يطاق، إذ اضطرّ إلى حمل أثقال أكثر. فاشتكى الى زيوس مرّة أخرى، وفي هذه المرّة رتّب زيوس عملية لشراء الحمار من قِبل دبّاغ. وعندما رأى الحمار نوع العمل الذي يقوم به الدبّاغ قال: يا إلهي! كان من الأفضل لي أن أواصل العمل لدى أسيادي السابقين وأنا جائع! لقد انتهى بي الأمر الآن في مكان لن أحصل فيه حتى على دفن لائق بعد موتي".
    وهناك تنويع آخر على هذه القصّة، إذ يقال إن كبير الرهبان في دير قدّم لرهبانه وجبات من ثلاثة أطباق، لكن الرهبان قالوا: هذا الدير لا يعطينا إلا القليل جدّا من الطعام. فلنصلّ إلى الله كي يموت رئيس الرهبان قريبا". ولسبب ما، مات الراهب بعد فترة وجيزة. وحلّ مكانه راهب آخر، وقدّم لهم الراهب الجديد وجبتين من طبقين، ما أثار غضب وانزعاج الرهبان، لذلك قالوا: الآن يجب أن نصلّي أكثر كي يحرم الله هذا الرجل من حياته لأنه حرمنا من أحد أطباقنا".
    ثم مات رئيس الدير لسبب ما. وحلّ محله راهب ثالث قرّر ان يكتفي الرهبان بطبق واحد فقط. فقال الرهبان الغاضبون: هذا أسوأهم جميعا، إننا الآن نموت جوعا! فلنصلّ إلى الله كي يموت قريبا". ثم قال أحد الرهبان: الآن سأدعو الله أن يمنح هذا الراهب عمرا مديدا وأن يحفظه سالما من أجلنا". تفاجأ الرهبان الآخرون بكلام زميلهم وسألوه عن السبب فقال: أرى أن رئيس الدير الأوّل كان سيّئا، والثاني أسوأ، وهذا الثالث أسوأهم جميعا. وأخشى إن مات أن يكون من سيحلّ مكانه أسوأ منه وعندها سنموت كلّنا جوعا".
    وفي عصر النهضة، أصبحت القصّة أكثر شهرةً، مع عِبرة أو درس يقول بأن تغيير السيّد لا يجلب إلا ما هو أسوأ وأن عدم الرضا المعتاد يجلب دائما الرغبة في التغيير. كما أضاف دي لا فونتين القصّة إلى خرافاته مع تعليق يقول إن العناية الإلهية تفضّل أن تفعل أشياء أكثر أهمية من الاستماع إلى أولئك الذين لا يرضون أبدا".
  • ❉ ❉ ❉

  • أحيانا قد يغني اقتباس واحد عن قراءة صفحات. هنا مجموعة مختارة من العبارات والأقوال التي قرأتها في أوقات وأماكن مختلفة وأعجبتني..

    ◦ فجأة انطلقَ صوت من وسط الأعشاب. ووقفتُ ساكنا. وفي نور الصباح الباكر، عرفت أنني لم أسحق بقدمي الكبيرتين أيّ شيء صغير كان يعبر للتوّ في المكان الذي مررتُ به وأنا في طريقي إلى حقول التوت الأزرق. ربّما كان ضفدعا أو خنفساء، وربّما كانت الدودة الوردية الرقيقة التي تؤدّي عملها بإتقان وبدون أطراف أو عيون.
    أحيانا أميل إلى الأمام وأنظر إلى الماء. مياه البِركة مرآة للخشونة والصدق، فهي لا تعكس نظرتي فحسب، بل تعكس أيضا هالة العالم التي تمتدّ إلى الصور من جميع الجهات. طيور السنونو، وهي تغرّد قليلا بينما تطير ذهابا وإيابا عبر البِركة، تحلّق فوق كتفي وعبر شعري. سلحفاة تمرّ ببطء عبر القاع الموحل، تلامس عظم وجنتي. لو سمعت في هذه اللحظة دقّات الساعة، هل سأتذكّر ما هي وما دلالتها؟ ميري أوليڤر

    ◦ ما الذي نعرفه على وجه اليقين عن سقراط؟ ربّما عبارته الشهيرة "الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني لا أعرف شيئا"؟ للأسف لا يوجد دليل حقيقي على أنه قال هذا على الإطلاق. فقد ذُكرت العبارة لأوّل مرّة في عمل لشيشرون كُتب بعد أكثر من 300 عام من إعدام سقراط في أثينا عام 399 قبل الميلاد. ومن المفيد دائما تذكير أنفسنا بمدى ضآلة معرفتنا بأكثر الفلاسفة الأثينيين جاذبيةً. فمثل المسيح الذي كان يقارن به كثيرا في العصور القديمة، لم يكتب سقراط شيئا بنفسه، وكان موضوعا لصناعة الأساطير في حياته. وكما وصفته المؤرّخة بيتاني هيوز، مؤلّفة سيرة ذاتية لسقراط، فإن سقراط يشبه كعكة الدونات الدائرية، فهي لذيذة من الخارج، لكن لا يوجد شيء في الوسط. أرماند دانجور

    ◦ حزنت في الماضي، لكنني الآن فقط لمست جوهر الحزن. الآن فقط أدركت وأنا أتحسّس جوانبه المسامية أن لا سبيل للخروج منه. أنا في قلب هذه الدوّامة، وقد أصبحتُ صانعَ صناديق، وداخل جدرانها الصلبة أسجن أفكاري.
    أخيرا، فهمت لماذا يرسم الناس وشوماً لمن فقدوهم. إنها الحاجة إلى إعلان، ليس فقط الفقد بل أيضا الحبّ والاستمرارية. إنه فعل مقاومة ورفض: الحزن يخبرك أن الأمر قد انتهى، وقلبك يخبرك أنه لم ينتهِ. الحزن يحاول حصر حبّك في الماضي، وقلبك يخبرك أنه حاضر. شيماندا أديتشي

    ◦ قم بإجراء تغيير جذري على نمط حياتك وابدأ بعمل أشياء ربّما لم تفكّر فيها من قبل أو كنت متردّدا في فعلها. الكثير من الناس يعيشون في ظروف غير سعيدة، ومع ذلك لا يأخذون زمام المبادرة لتغيير حالهم، لأنهم معتادون على حياة الأمن والامتثال والمحافظة التي قد تبدو وكأنها تمنح المرء راحة البال، ولكن الواقع غير ذلك. ليس هناك ما هو أكثر ضررا لروح المغامرة داخل الانسان من المستقبل الآمن.
    إن الجوهر الأساس لروح الإنسان الحيّة هو شغفه بالمغامرة. ومتعة الحياة تأتي من لقاءاتنا بتجارب جديدة، وبالتالي ليس هناك بهجة أعظم من أن يكون لك أفق متغيّر إلى ما لا نهاية وشمس جديدة ومختلفة لكلّ يوم. فإن كنت ترغب في الحصول على المزيد من الحياة، فيجب عليك أّولا أن تفقد ميلك إلى الأمان الرتيب وأن تتبنّى أسلوب حياة متقلّبا قد يبدو لك في البداية مجنونا أو جامحا. ولكن بمجرّد أن تعتاده سيتبيّن لك بسرعة المعنى الكامل للحياة وجمالها المذهل. جون كراكوير

    ◦ عندما يقول أو يفعل أحدهم شيئا يغضبنا فإننا نعاني. نميل إلى قول أو فعل شيء في المقابل لجعل الآخر يعاني، على أمل أن نخفّف من معاناتنا. نقول لأنفسنا: أريد معاقبتك؛ أريد أن أجعلك تعاني لأنك جعلتني أعاني. وعندما أراك تعاني كثيرا، سأشعر بتحسّن. والكثيرون منّا يميلون إلى تصديق هذه الممارسة الطفولية.
    لكن الحقيقة هي أنه عندما تُسبّب معاناة للآخر، سيحاول هو إيجاد الراحة بجعلك تعاني أكثر. والنتيجة هي تصاعد المعاناة لدى كلا الطرفين. كلاكما بحاجة إلى التعاطف والمساعدة. لا أحد منكما بحاجة إلى العقاب. عندما تغضب، عد إلى نفسك وانتبه جيّدا لغضبك. وعندما يسبّب لك أحدهم معاناة، عد إلى معاناتك وغضبك. لا تقل أو تفعل شيئا. ثيتش نات هان

    ◦ كثيرا ما كنتُ أتمشّى في غابة التنّوب والصنوبر المجاورة والتي بدا أن جمالها وعزلتها الشتوية الرائعة تحميني من هاجس اليأس. كانت أصوات رقيقة بما لا يُوصف تخاطبني من الأشجار: لا يجب أن تتوصّل إلى استنتاجٍ متشائم بأن كلّ شيء في هذا العالم قاسٍ وزائف وشرّير. تعالَ إلينا كثيرا فالغابة تحبّك وفي صحبتها ستجد الصحّة والروح المعنوية العالية من جديد وستُثير فيك أفكارا أسمى وأجمل. روبرت والسر

  • Credits
    gustav-klimt.com
    theguardian.com
    maryoliver.com