الاثنين، سبتمبر 04، 2023

دروس من الحياة


الكثير من الحكايات والقصص الرمزية تُستخدم لإثارة التأمّل والتعمّق في طبيعة الواقع وفي ذات الانسان. وكلّ قصّة لها تفسيرات مختلفة، ويمكن أن تثير رؤى شخصية وتنقل حقائق أعمق وتتحدّى مفاهيمنا وتصوّراتنا المسبقة عن الواقع، وتشجّعنا على التركيز على اللحظة الراهنة والانتباه للعلاقة بين الأشياء.
في الأسطر التالية اخترتُ بعض تلك القصص..

  • بينما كان رجل يجدّف بقاربه بسلام في البحيرة اصطدم به قارب آخر. غضب الرجل وأخذ يصرخ ويسبّ. لكن عندما أدرك أن القارب الآخر فارغ، هدأ غضبه. وقال له معلّم: أنت مثل ذلك القارب الفارغ. الفراغ هو التحرّر من الأهواء."
    هذه القصّة تسلّط الضوء على مفهوم الفراغ وعدم التعلّق. وهي تذكّرنا بأن الحرّية والسلام الحقيقيين يأتيان من التخلّي عن ارتباطاتنا ورغباتنا. الفراغ لا يعني العدم، بل حالة من الانفتاح والتحرّر من المفاهيم الثابتة.
  • سأل معلّم تلميذه: كيف يمكنك وصف عقلك؟ فأجاب الطالب: كالحجر، لا يتحرّك ولا يتأثّر بشيء. فقال المعلّم: عقلك مثل الحجر، ولكن هل هو أيضا مثل الماء؟ عندما يكون الماء ساكنا، فإنه يعكس القمر. وعندما يكون عقلك ساكنا، فإن بإمكانه أن يعكس الحقيقة."
    هذه القصّة تذكّرنا بأن كلّ شيء يتغيّر باستمرار، وأن التشبّث بأفكار أو رغبات أو أفكار أو تصوّرات أو ممتلكات يمكن أن يؤدّي إلى المعاناة. كما تشجّعنا القصّة على تنمية عقل مرن وقابل للتكيّف مثل الماء.
  • نشأ أسد بين قطيع من الأغنام. ولم يكن يعلم أنه أسد. كان يثغي مثله مثل أيّ خروف. وكان يأكل العلف مثل بقيّة الخراف. وفي أحد الأيّام، كان الأسد يتجوّل مع رفاقه من الخراف على حافّة غابة كبيرة عندما أطلق أسد عظيم زئيرا قويّا وقفز من الغابة فجأة إلى وسط القطيع.
    تفرّقت جميع الخراف وهربت. وعندما رأى أسد الغابة ذلك الأسد الآخر بين الغنم، طارده حتى أمسك به. ثم سأله: ماذا تفعل هنا؟
    فقال الأسد الآخر متذلّلا ومتوسّلا: ارحمني. أرجوك لا تأكلني! لكن ملك الغابة سحبه بعيدا قائلاً: تعال معي. ثم أخذه إلى البحيرة وقال: انظر. فنظر الأسد الذي يظنّ نفسه خروفا، ورأى لأوّل مرّة انعكاس صورته في الماء. ثم نظر إلى أسد الغابة قليلا ونظر في الماء مرّة أخرى، ولم يلبث أن زأر بأقوى صوته. ومن تلك اللحظة لم يعد خروفاً مرّة أخرى. واستغرق الأمر كلّه أقل من دقيقة.
    كم هو محزن أن نعيش حياتنا دون أن نستكشف ونستثمر أقصى ما لدينا من مواهب وإمكانات! ما الذي لا يزال يحبس "الزئير العظيم" بداخلك، وما الذي تتطلّبه ولادة الأسد الذي بداخلك؟
  • هذه القصّة عن رجل كان يطارده نمر جائع، وأثناء هروبه سقط الرجل من اعلى جُرف. ثم اعترضت سقوطه شجرة، فتمسّك بها. وأثناء تعلّقه في الهواء رأى نمرا آخر ينتظر في الأسفل. وعندما تأكّد أن وضعه لا يمكن أن يزداد سوءا، لاحظ وجود ثمار على الشجرة. فأخذ يقطفها ويتذوّق ثمارها ويأكلها.
    تؤكّد هذه القصّة على أهميّة التواجد الكامل في اللحظة. الرجل الذي يواجه خطرا وشيكا، لا يزال يجد المتعة في مجرّد تناول ثمرة ناضجة. إنه يذكّرنا بتقدير جمال كلّ لحظة، بغضّ النظر عن ظروفنا.


  • جاء تلميذ راكبا جمله إلى خيمة معلّمه الصوفي. ترجّل وسار مباشرة إلى داخل الخيمة، ثم انحنى وقال: إن ثقتي بالله عظيمة جدّا لدرجة أنني تركت جملي في الخارج ولم أشدد وثاقه، مقتنعاً بأن الله يحمي مصالح أولئك الذين يحبّونه".
    فردّ عليه المعلّم: اذهب واربط جملك أيّها الأحمق! ولا تزعج الله بما أنت قادر على فعله بنفسك."
  • كان لحامل ماء وعاءان، أحدهما سليم والآخر مشقوق. كان الوعاء السليم يُوصل حصّة كاملة من الماء، بينما الوعاء المشقوق يوصل نصف الكمّية فقط. وفي أحد الأيّام، اعتذر الوعاء المشقوق لحامل الماء عن النقص الذي فيه. فأجاب حامل الماء: ألم تلاحظ الأزهار الجميلة التي تنمو على جانبك من الطريق؟ كنت أعرف عيبك وقرّرت أن أزرع بذور الزهور على جانبك. وكنت تسقيها كلّ يوم بالماء المتساقط منك، والآن أنا استمتع بمرأى هذه الأزهار الجميلة."
    هذه الحكاية تعلّمنا أن عيوبنا المتصوّرة يمكن أن تؤدّي في كثير من الأحيان إلى جمال ونعمة غير متوقّعة. كما تتحدّث عن قيمة اللطف والتأمّل الذاتي والمثابرة والإيجابية في المواقف الصعبة، وتلهمنا إحداث فرق إيجابي واحتضان عيوبنا ورؤية العالم من منظور مختلف.
  • كان حكيم وتلميذه يسيران في غابة عندما تبيّن للتلميذ أنه أضاع مفتاح منزلهما. لم يذعر الحكيم أو يغضب، وبدلاً من ذلك أشار على التلميذ بأن يعودا الى أرضٍ خلاء كانا قد مرّا بها، وقال الحكيم: دعنا نتأمّل هنا قليلا حتى نجد المفتاح". وبعد فترة، وجد التلميذ المفتاح في جيبه. فابتسم الحكيم وقال: أحياناً، عندما نتوقّف عن البحث، نجد ما نبحث عنه".
    هذه القصّة تشجّعنا على التخلّص من القلق وتدعونا الى الثقة في أن الحلول يمكن أن تنشأ عندما نتعامل مع التحدّيات بعقل هادئ ومنفتح.
  • عُثر في بلد بعيد على تمثال كبير مغطّى بالجصّ ومدفون تحت الأرض. وعندما حرّكه الحفّارون ظهرت فيه شقوق كشفت عن أن جسم التمثال نفسه منحوت من الذهب الخالص، وأن من شيّدوه منذ قرون تعمّدوا تغطيته بالجصّ وذلك لحمايته من الغزاة واللصوص.
    هذه القصّة ترمز إلى فكرة، وهي أننا جميعا نمتلك صفات وإمكانات فطرية ورائعة بداخلنا. وهذه الصفات تكون مخفيّة أو مقنّعة إلى أن يأتي ظرف فيكشف عنها ويُظهرها للعلن.
  • هذه القصّة عن معلّم كان محاطا دائما بالأتباع المخلصين. وكان هو وأتباعه يتأمّلون في الملكوت لساعات في اليوم. المشكلة الوحيدة هي أن ذلك المعلّم كان لديه قطّ صغير مزعج، كان يسير في المعبد وهو يموء ويزعج المتعبّدين أثناء تأمّلهم. وبكلّ حكمته، أمر المعلّم بربط القطّ على عامود بالخارج أثناء ساعات التأمّل فقط، حتى لا يزعج أحداً.
    وأصبحت هذه عادة، أي ربط القطّ على العامود ثم التأمّل والصلاة. لكن مع مرور السنين، تحوّلت هذه العادة إلى شعيرة دينية. فلا أحد كأن بإمكانه التأمّل إلا إذا رُبط القطّ بالعامود أوّلاً. ثم ذات يوم مات القطّ. وأصيب أتباع المعلّم بالذعر. وكانت تلك أزمة دينية كبرى، إذ كيف يمكنهم التأمّل الآن، بدون قطّ يُربط بعامود؟ وكيف سيصلّون؟
    في أذهانهم، أصبح القطّ هو الوسيلة. وبعد قرون، كتب تلاميذ ذلك المعلّم رسائل علمية حول الأهمية الطقوسية لربط قطّ أثناء أداء العبادة!
    الرمزية في قصّة قطّ المعلّم عميقة. فهي تدعو لمراجعة ما نفعله بحكم العادة وتحثّ على التساؤل: لماذا نفعل ما نفعله؟ ولماذا نقول ما نقول؟ وهل ما نقوم به ما يزال مناسبا ومفيدا اليوم؟ هل ما نقوم به يوميّاً لا يزال يحقّق ما كان من المفترض أن يفعله في الماضي؟

  • Credits
    awesomestories.com