المنازل والقصور والقلاع المهجورة تتمتّع بجمال حزين وشاعري. وحالتها المنعزلة والصامتة والمتحلّلة بشكل خفيف تجعلها أكثر جاذبية للعين، لأن كلّ نافذة مكسورة، وكلّ صدع أو شرخ في حائط، وكلّ واجهة متشقّقة ومغطّاة بالأعشاب وربّما حتى بالورود، وكلّ ورقة حائط ممزّقة، وكلّ كوب خزفيّ، وكلّ ساعة أو سرير متروك في المكان يحكي قصّة حياة كانت مزدهرة ذات يوم بين جدران أربعة.
الغموض والرومانسية يكتنفان كلّ ما قد يبدو عاديّا في الأماكن المهجورة، دفتر ملاحظات، تذكرة قطار، حذاء قديم الخ. كلّ شيء يبدو ثمينا وغامضا.
وربّما لهذا السبب قال أحد الكتّاب إن الناس يحبّون الأماكن والاشياء القديمة لأنها عادةً تتضمّن بداخلها قصصاً وحكايات.
ومن بين الفنّانين الذين ابتكروا فنّ الاستطالة رسّام أوائل القرن العشرين أميديو موديلياني، الذي اشتهر باستخدامه للاستطالة في صوره للأشخاص. وهناك أيضا فنّان عصر النهضة الإيطالي بارميجيانينو الذي اشتهر بلوحته "المادونا ذات العنق الطويل".
لا شيء يدوم. لا شيء يستمرّ. كلّ شيء يمضي، ويتدفّق بعيدا دون أن يترك أيّ أثر، سواءً في الخارج أو في دواخلنا. في بيوتنا نحن كالضيوف، وبالنسبة لعائلاتنا نحن مثل الغرباء، وفي مدننا نبدو مثل البدو المترحّلين.
ذكرياتنا لا تعود إلى أبعد من أمس. ونحن، كما كنّا دائما، غرباء عن أنفسنا. نتحرّك عبر الزمن بطريقة فريدة. ومع تقدّمنا نفقد الماضي إلى الأبد. وهذه ليست سوى نتيجة طبيعية لثقافة تتكوّن بالكامل تقريبا ممّا نستورده أو نتوارثه. لا يوجد بيننا تطوّر داخلي، ولا تقدّم طبيعي؛ الأفكار الجديدة تكتسح الأفكار القديمة، لأنها ليست مستمدّة من القديم ولكنها تتساقط علينا من حيث لا نعرف.
نمتصّ كلّ أفكارنا الجاهزة، وبالتالي فإن الأثر - الذي تتركه الحركة التقدّمية للأفكار في العقل فيمنحه القوّة - لا يشكّل فكرنا. نحن ننمو، لكننا لا ننضج؛ نتحرّك ولكن في طريق متعرّج، أي لا يؤدّي إلى الهدف المنشود. نحن مثل الأطفال الذين لم يتعلّموا أن يفكّروا بأنفسهم، وعندما يصبحون بالغين، لا يكون لديهم شيء خاص بهم. كلّ معارفهم موجودة على سطح وجودهم. وأرواحهم ليست بداخلهم.
المعالج النفسي النمساوي كارل يونغ أخبرته إحدى مريضاته أثناء جلستها معه ذات يوم أنها حلمت بحشرة يعسوب ذهبي في الليلة السابقة لزيارتها له. وفي منتصف تلك الجلسة مع يونغ، اصطدم يعسوب ذهبي حقيقيّ بنافذة المكتب الذي كانا يجلسان فيه. ولم يكن الأمر عاديّا ولا مألوفا بالنسبة للمكان أو الطقس.
وفي ما بعد، تحدّث يونغ عن الحادثة بشكل معمّق في سياق ما أسماه "بالصدفة ذات المغزى" والتي كما قال لا يمكن تفسيرها بالعلم أو علم النفس. وتساءل: من أين تأتي الصدفة وما سبب حدوثها وهل هي ذات مغزى أم أنها عشوائية تماما؟
وتوصّل الى أن التزامن في المكان والزمان قد يعني شيئا أكثر من مجرّد كونه صدفة، أي أن الترابط الغريب للأحداث الموضوعية له علاقة بالحالات الذاتية النفسية للشخص. وأضاف أن الصُدَف تحدث عندما نجد حالتنا الداخلية منعكسة في العالم الخارجي".
وجادل يونغ بأن الحدث النفسي "أي حلم اليعسوب في القصّة" والحدث الماديّ المتزامن "أي اليعسوب الحقيقي على النافذة" هما شيئان "من نفس النوع"، ما يجعلهما يتزامنان أو يتطابقان. وهذه نظرية مثيرة للاهتمام، مع أن العديد من علماء النفس غير راضين عنها لافتقارها إلى الدليل العلمي.
ويرى عالم آخر أن ميلنا إلى رؤية الأنماط في كلّ مكان يعني أننا في بعض الأحيان نكتشف حقائق رائعة عن العالم. أما أريانا هافينغتون فترى أن الصُدَف، مهما كانت غير قابلة للتصديق، تثير فضولنا حول طبيعة الكون وكل ما لا نعرفه أو لم نفهمه بعد.
ولا يتعيّن علينا أن نعرف ما تعنيه الصُدف، ولا أن نقفز إلى بعض الاستنتاجات الكبيرة عندما نواجهها. لكنها بمثابة تذكيرات متفرّقة للحفاظ على إحساسنا بالدهشة والتوقّف بين الحين والآخر لنسمح لأنفسنا بأن نكون حاضرين في اللحظة ومنفتحين على لغز الحياة.