الثلاثاء، أكتوبر 24، 2023

محطّات


  • في عام 1915 كتب سيغموند فرويد مقالة يتذكّر فيها حديثا دار بينه وبين الشاعر الألماني ريلكه أثناء سيرهما في حديقة. وفي لحظة ما بدا ريلكه في غاية الضيق والحزن. فقال له فرويد: ما المشكلة؟ إنه يوم جميل، وهناك نباتات وأزهار رائعة كثيرة حولنا".
    فقال ريلكه: إنني لا أستطيع التغلّب على حقيقة أنه في يوم من الأيّام سوف يموت كلّ هذا، كلّ هذه الأشجار والنباتات وكلّ هذه الحياة سوف تتحلّل وتزول".
    كان ريلكه يقصد أن زوال الأشياء وعدم ديمومتها هو مشكلة وجودية وأمر حقيقيّ في هذا العالم. وربّما لهذا السبب عندما نكون في حالة حبّ او ابتهاج، فإننا نشعر بحزن غامض نوعا ما. كما أن الأشياء الجميلة يمكن أن تجعلنا حزينين قليلاً في بعض الأحيان، وذلك لأن تلك الأشياء المبهجة تخفي رؤية شيء أكبر، باب مخفيّ مثلا او حفرة نحاذر الوقوع فيها، على الرغم من أن هذا شعور مؤقّت غالباً.
    وهذا هو السبب أيضا في أننا نشعر أحيانا بالحنين إلى شيء لم نفقده بعد، لكنّنا نرى أنه في النهاية زائل لا محالة. ما العمل إذن وكيف نستجيب لهذا الشعور؟ هل بعدم الارتباط بالأشياء والمشاعر كما تقول بعض الديانات الشرقية؟ أم بالتظاهر بعدم الاهتمام بحقيقة أن كلّ شيء وكلّ شخص نعرفه سوف يُؤخذ منّا بعيدا في يوم من الايّام؟
    إن الحقيقة المتمثّلة في سرعة زوال الأشياء وعدم ديمومتها يمكن مواجهتها بالمزيد من الأدب والأشعار والفنون، وبالتمسّك ببعضنا البعض بقوّة أكبر، وبأن نطيل لحظات الفرح والحبّ والسعادة ونمدّدها إلى أطول وقت ممكن، أو على الأقلّ أن نحاول فعل ذلك.
    فرويد وريلكه قدّما لنا نموذجين متعارضين للفقد وكيفية التعامل معه. والاثنان يساعداننا، كلٌ على طريقته، على أن نعيش مراحل الحزن والحداد ونتجاوزها.
    فرويد، الإنسانيّ المتفائل، يعتقد أن الزوال السريع للأشياء مساوٍ للنموّ والنضج. وكلّ ما هو غائب الآن هو غائب لسبب ما. والكائن المفقود هو كائن تحوّلي. والغياب أو الفقد هو مجرّد خطوة في عملية التحوّل من طور الى آخر.
    أما ريلكه، الشاعر المتشائم، فهو على الضدّ من تفاؤل فرويد. وبرأيه أن بعض الأشياء تُفقد ببساطة، مرّة واحدة وإلى الأبد. كما لا يوجد نموّ ولا تحوّل، بل غياب وفقد فقط. وكلّ ما نحبّه ونعجب به هو مجرّد من قيمته بسبب الانقراض الذي سيكون مصيره والذي لا يترك وراءه شيئاً.

  • يقول الرحّالة والروائي كولين ثوبرون: كنت وأنا في السابعة من عمري منجذبا إلى بلدان بعيدة عندما قرأت حكايات الأطفال. كانت هذه خرافات بسيطة من بلدان ملأتني بالدهشة: الجزيرة العربية، مصر، روسيا والصين وخلافها. ولا أزال أحتفظ الى الآن بنسختي المهترئة من تلك القصص المصوّرة.
    أما الكتاب الذي عدت إليه ثانيةً فكان رواية دوستويفسكي "الإخوة كارامازوف". عندما كنت صغيرا خفت من ثقل الرواية وسرعان ما تخلّيت عنها. ثم عدت اليها في منتصف العمر وأذهلتني حمولتها النفسية، وبقيت الأسئلة الرهيبة التي طرحها إيفان الملحد دون إجابة.
    أما الكتاب الذي غيّرني عندما كنت مراهقا فهو كتاب "الجنس الثاني" لسيمون دي بوفوار. وهو عمل نسوي مبكّر ومؤثّر للغاية. وقد صوّرت فيه المؤلّفة التضييق الثقافي على المرأة عبر العصور. لكن بالنسبة لنفسي المتلهّفة، بدا الأمر وكأنه يكشف عن عالم أنثوي داخلي غنيّ أضفى على النساء غموضا أكثر.
    أما الكتاب الذي اكتشفته لاحقا في حياتي فهو "البحث عن الزمن الضائع". ولا أعرف لماذا تأخّرت في قراءة بروست حتى بلغت الخمسين من عمري. هذا الكتاب يحتوي على أكثر الاكتشافات حساسيةً وعمقاً ودقّةً عن الحبّ والذاكرة.


  • ماذا تفعل عندما لا تكون في أفضل حالاتك؟ حافظ على هدوئك واذهب إلى المكتبة. إقرأ، لا تتوقّف أبدا عن تثقيف نفسك وتطوير ذاتك وتحسين مزاجك. ستجد دائما في الكتب إجابات عن أسئلتك. كلّ الحلول موجودة في المكتبة. وهناك دائما كتاب واحد على الأقل يتناول استفساراتك.
    في بعض الأحيان، تلقي علينا الحياة بالكثير من الأعباء التي لا يعود بإمكاننا تحمّلها. لكن في كلّ الأحوال يجب أن نفكّر في الجانب المضيء للأشياء، أن نتذكّر دائما عنصر الخيرة والإيجابية. فكّر دائما في أحبّائك، في الأشياء التي تجعلك تبتسم وفي الأشياء الصغيرة التي تجعل حياتك اليومية تستحقّ العناء.
    في النهاية، ستجد أن ما تشعر به مجرّد شيء عابر وأنه إلى زوال وأن الأيّام المشمسة ستأتي دائما بعد الغيوم الداكنة. علينا فقط أن نبقى إيجابيين ومتفائلين مهما بدت الظروف صعبة أو مستحيلة.

  • يُحكى ان ناسكاً كان يقيم في غابة. وذات يوم وبينما كان يتناول وجبته البسيطة، سقط بجانبه فأر صغير من منقار غراب كان يحلّق في السماء. فتناوله وأطعمه بحنان بضع حبّات من الأرز. وبعد فترة رأى الناسك قطّة تطارد الفأر لالتهامه، فحوّل الناسك الفأر بفضل قواه الغيبية إلى قطّة قويّة.
    لكن القطّة تعرّضت لمضايقات شديدة من الكلاب، فحوّلها مرّة أخرى إلى كلب. وبعد فترة أصبح الكلب في خطر داهم من النمور، فبادر الناسك الى إعطاء الكلب شكل نمر. وطوال هذا الوقت ظلّ الناسك يعامل النمر على انه فأر صغير. وعندما كان اهل القرية المجاورة يمرّون من أمام كوخ الناسك ويرون النمر، كانوا يقولون: هذا ليس نمرا، انه مجرّد فأر غيّره الناسك الى نمر، وهو لن يفترسنا ولا حتى يخيفنا".
    وعندما سمع النمر هذا الكلام شعر بالاستياء وقال: طالما عاش الناسك، فإن هذه القصّة المخزية عن طبيعتي الأصلية لن تموت أبدا، لذا ينبغي عليّ أن اتخلّص منه نهائيّا". وقرّر فعلا ان يقتل الناسك. وعندما عرف الناسك مقصد النمر الجاحد، أعاده بكلمة واحدة منه إلى شكله الأصلي وعاد فأراً صغيرا مرّة أخرى.
    والعبرة من هذه الحكاية هي أنه لا ينبغي أبدا وضع الشخص الوضيع في مقام رفيع لا يستحقّه. فإن الوضيع متى وصل إلى مكانة عالية تنكّر الى من أحسن اليه وجحد معروفه عليه.

  • Credits
    freud.org.uk