الأربعاء، نوفمبر 15، 2023

محطّات


  • أحد القرارات التي لا يجب عليك اتخاذها أبدا كإنسان فاهم ومحترم هو السماح لنفسك بأن تُجنّد من قبل جهة أو شخص أو اشخاص يريدونك أن تكره شخصا آخر لم يظلمك أو يسيء إليك. حاول تجنّب الاستنتاجات المتسرّعة بغضّ النظر عمّا يقوله الناس. وكن واعيا لما تقوله، لأن ما يقوله البعض عن الآخرين انما يعكس شخصيّاتهم الحقيقية. وقد يكون لهم أهداف شرّيرة خفيّة غير ما قيل لك وأنت لا تعلمها.
    صحيح أن اغتيال الشخصية أصبح اليوم سمة سائدة. ويمكن أن تكون ظاهرة مدمّرة للغاية أينما وُجدت. الجهد المتعمّد والخبيث وغير المبرّر والمستمر للإضرار بسمعة ومصداقية فرد أو جماعة هو من أسوأ الشرور. ومن المثير للاهتمام أن الادعاءات الكاذبة هي أكثر أشكال الإساءة المزمنة التي يمكن أن تخطر على بالك. فعندما لا يتمكّن الناس من قتل أحلامك وأهدافك سيحاولون اغتيال شخصيّتك ونزاهتك.
    يجب ان تتّصف بالذكاء الاجتماعي الذي يبقيك عاقلاً حتى عندما يحاول الآخرون تلويث عقلك حول شخص ما إلى أن تتأكّد بشكل كامل من صحّة ما يقال عنه. لا تلغِ شخصا بسبب ما يقوله الآخرون عنه. ولا تتوصّل إلى استنتاجات بناءً على ما يخبرك به الآخرون عن ذلك الشخص. ولا تحكم على إنسان من بعيد. اقترب وتحقّق بنفسك قبل أن تصدّق. هذه هي الطريقة التي يتدّرب بها القضاة لتجنّب إصدار حكم متحيّز ضدّ شخص ما. وتذكّر ألا تحكم على الكتاب من غلافه.
    تجنّب وجود أعداء في حياتك ما استطعت. بإمكانك أن تبتعد عن الأشخاص الذين لا تحبّهم. إن نقص التعليم والتعرّض لخبرات الحياة هو الذي يجعل الناس في بعض الأحيان يصنعون أعداءً. وعندما تخلق أعداءً، فإنك تخلق التعاسة لنفسك. الحياة حلوة وأقصر من أن نكون تعساء، ولا يمكننا ان نحظى بحياة مُرضية إلا عندما تخلو من الأعداء. لذا اُرفض الانضمام إلى الآخرين لكراهية شخص ما أو احتقاره أو اتهامه أو الافتراء عليه. فقد تدرك مع مرور الوقت أن ذلك الشخص لم يرتكب أيّ جريمة وأن القصّة الحقيقية تقع في مكان آخر.
    اُرفض أن تُستخدم كسلاح في معارك الآخرين، فليست كلّ معركة يجب على المرء أن يشارك فيها. وعندما يقاتل الناس بطريقة قذرة اُرفض الانحياز إلى أحد الجانبين. وارفض أن تكره الناس لمجرّد أنهم ليسوا مثلك. أحيانا تأتي الكراهية بسبب اختلاف القبائل أو الأديان أو المذاهب او الانتماء لمكان معيّن. فإذا كان شخص ما ليس من قبيلتك أو طائفتك فلا تجعله عدوّا.
    اُرفض الحكم على الناس حتى تتأكّد من القصّة بأكملها، فبعض الناس يتخذون قراراتهم بناءً على قصّة أو رواية واحدة. وهذا أمر خطير ويمكن أن يكون ضارّا للغاية. ومن المهم أن نحذر دائماً من أنصاف الحقائق. ويجب رفض الحكم على الآخرين دون فهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ما يقال.
    أيضا اُرفض مخالطة الأشخاص السلبيين الذين يثرثرون عن الآخرين بالحقّ وبالباطل. مثل هؤلاء يحملون معهم نزعة سلبية ويمكن أن يكونوا مُعدين لك. والمشكلة مع هؤلاء الأشخاص ليست أنهم غير راضين عن الآخرين، بل في أنهم غير راضين أصلا عن أنفسهم. وتذكّر أن الحاقدين فقط هم الذين يحملون الشائعات أينما ذهبوا أو حلّوا. ودائما يجب أن نتوقّف عن خلق جدران الخلافات والأحقاد وألا نبني سوى جسور التفاهم والتعايش مع الآخرين.

  • *"كلّما تمكنّا من تركيز انتباهنا بشكل أوضح على عجائب وحقائق الكون من حولنا، قلّ ميلنا للتدمير."
    *"عندما نتأمّل الكرة الأرضية بأكملها كقطرة ندى كبيرة واحدة، مخطّطة ومنقّطة بالقارّات والجزر، ومحلّقة عبر الفضاء مع النجوم الأخرى وهي تغنّي وتتألّق معا، عندها يبدو الكون كلّه كعاصفة من الجمال لا نهاية لها."
    *"إن الجوهر الأساسيّ لروح الإنسان الحيّة هو شغفه بالمغامرة. ومتعة الحياة تأتي من لقائنا بتجارب جديدة، وبالتالي ليس هناك فرح أعظم من أن يكون لديك أفق متغيّر إلى ما لا نهاية، وأن يكون لكلّ يوم شمس جديدة ومختلفة. وإذا كنت ترغب في الحصول على المزيد من الحياة، فيجب عليك أن تفقد ميلك إلى الأمان الرتيب وأن تتبنّى أسلوب حياة متقلّبا قد يبدو لك في البداية مجنونا. ولكن بمجرّد أن تعتاد على مثل هذه الحياة سترى معناها الكامل وجمالها المذهل."
    *"نحن بحاجة لأن نجد الله، ولا يمكن العثور عليه في الضجيج والقلق. الله صديق الصمت. أنظر كيف تنمو الطبيعة؛ الأشجار والزهور والأعشاب، في صمت. وانظر الى النجوم والقمر والشمس، وكيف تتحرّك في صمت. نحن بحاجة إلى الصمت حتى تصفو نفوسنا وتتلامس أرواحنا."


  • كان منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد عصرا مضطربا مثل عصرنا اليوم. وقد شهد ظهور نقاشات حول كيفية العيش، وكيف نكون أخلاقيين، وكيف نبني مجتمعا جيّدا. وعلى عكس الفلاسفة الغربيين، لم يطرح المفكّرون الصينيون أسئلة كبيرة. كانت فلسفتهم عملية للغاية، وتعتمد على أسئلة بسيطة مثل: كيف تعيش حياتك اليومية؟" وقد أكّد هؤلاء المفكّرون أن التغيير العظيم لا يحدث إلا عندما نبدأ بالأمور الدنيوية والقابلة للتنفيذ.
    وتعاليمهم تكشف أن العديد من افتراضاتنا الأساسية حول الطريقة التي يجب أن نعيش بها قادتنا في الواقع إلى الضياع. وغالبا ما يتفاجأ الناس عندما يعلمون أن كونفوشيوس ولاو تسو وغيرهما من فلاسفة الصين الكلاسيكيين، لم يكونوا تقليديين صارمين، ولم يكونوا حكماء هادئين يبشّرون بالتعايش المتناغم مع العالم الطبيعي. بل كانوا مفكّرين مثيرين ومتطرّفين فجّروا تقاليد مجتمعهم وسعوا إلى جعل العالم مكانا أفضل من خلال توسيع نطاق الإمكانات البشرية.
    أحد الافتراضات الشائعة في الفلسفة الغربية يقول إن من المهم أن تنظر إلى داخلك وتكتشف من أنت حقّا، أي نفسك الحقيقية. لكن الصينيين شكّكوا في وجود الذات الحقيقية، خاصّة تلك التي يمكنك اكتشافها بشكل مجرّد. لقد فهموا أننا نحن البشر ذوو أوجه متعدّدة وفوضوية، ونتطوّر من خلال النظر إلى الخارج وليس إلى الداخل.
    كما أن شخصيّاتنا تتشكّل من كلّ ما نقوم به: كيفية تفاعلنا مع الآخرين، وردود أفعالنا تجاه الأشياء، والأنشطة التي نمارسها. مثلا، أنت لا تتصرّف عندما تتحدّث إلى والدك بنفس الطريقة عندما تتعامل مع زميل أو طبيب أو صديق مقرّب. فكلّ واحد منّا كائن معقّد يصطدم بكائنات معقّدة أخرى طوال اليوم. وكلّ لقاء يُبرز جوانب مختلفة.
    وتتكّون هويّتنا من أنماط سلوكية وعاطفية نمت معنا مع مرور الوقت. وهذا يعني أننا نتكوّن أيضا من احتمالات عديدة لما يمكن أن نصبح عليه. لذا فالنصيحة التي يسديها لك الفلاسفة الصينيون هي: توقّف عن البحث عن ذاتك لأنها في الواقع غير موجودة!
    وكان هناك افتراض آخر يقول انه بمجرّد أن نجد أنفسنا أو ذواتنا، فيجب علينا أن نحتضن تلك الذات ونكون صادقين معها لأنها تعبّر عن أصالتنا. لكن كونفوشيوس فكّر بشكل مختلف. قال إن مشكلة الأصالة هي أنها ليست تحرّرية كما نعتقد، أي لا تمنح صاحبها الحرّية. ما هي تلك الذات الاصيلة التي تعتقد أنك اكتشفتها حقّا؟ إنها لقطة لك في هذه اللحظة من الزمن. وإذا بقيت متمسّكا بتلك الذات اللحظية وسمحت لها بأن تصبح مرشدك، فإنها ستقيّدك ولن تسمح لك بالنموّ الذي يجعلك تدرك أنك تتغيّر باستمرار. لذا فنصيحة حكماء الصين هي: كن شخصا غير أصيل! فنحن لسنا ما نعتقده عن أنفسنا، بل يمكننا أن نصبح أشخاصا أفضل مع مرور الزمن.
    الافتراض الخاطئ الآخر هو أن الإنسان يجب أن يخطّط لحياته مسبقا وأن يتّخذ قرارات كبيرة. الصينيون يقولون إن التخطيط للحياة خطأ! فعندما تخطّط لحياتك، فإنك تتّخذ قراراتك بشأن مستقبلك بناءً على الشخص الذي أنت عليه اليوم وليس الشخص الذي ستصبح عليه غدا أو بعد سنة أو سنوات. وبدلاً من تقييد أنفسنا بالالتزام بالقرارات الكبيرة، يحسن أن نتعامل مع مراحل الحياة من خلال القرارات الصغيرة والقابلة للتنفيذ.
    وهناك افتراض خاطئ آخر مؤدّاه أن العالم ثابت ومستقرّ. فكما نعتبر أن ذواتنا مستقرّة، فإننا نرى العالم مستقرّا أيضا. بالطبع ندرك أن الحياة يمكن أن تتغيّر، ولكن في الوقت نفسه نميل إلى المضيّ قدما على افتراض أن العالم يمكن التنبّؤ به بشكل عام وأننا يجب أن نكتشف كيف سنتواءم معه.
    فإذا رأينا أنفسنا جيّدين في الرياضيات أو الفنون مثلا، فإننا نستمرّ في هذا المسار أو ذاك إلى ما لا نهاية. لكن الصينيين فطنوا الى أن العالم مجزّأ ومتقلّب. وهم ينصحوننا بضرورة العمل مع التحوّلات والتجارب والتفاعلات التي تغذّي حياة واسعة، بدلاً من وضع خطط لحياتنا قد تعيق حركتنا وتقيّد مستقبلنا.
    وهناك افتراض آخر يقول: حاول أن تركّز على نقاط قوّتك. مثلا اكتشف مواهبك ونقاط قوّتك ثم اعمل على صقلها. فإذا كنت رياضيّاً مثلا، فالأفضل أن تنضمّ إلى فريق كرة القدم. وإذا كنت تحبّ القراءة، فادرس الأدب. وأثناء مراحل عمرك ستقوم بتنمية هذه الميول الطبيعية حتى تصبح جزءا من هويّتك.
    لكن الصينيين يقولون لك ألا تفعل، وينصحونك بعدم التركيز على من تظنّ نفسك، لكي تتمكّن من كسر مفاهيمك المسبقة. فإذا كنت تعتقد أنك شخص رصين فمارس الرقص. وإذا لم تكن جيّدا في اللغات فانهمك في تعلّم لغة أجنبية. وليس الهدف أن تجعل نفسك أفضل في هذه الأشياء، بل أن تعيش حياتك كسلسلة من التمزّقات، لأن هذا هو ما يغيّرك بمرور الوقت.
    وختاما هناك افتراض شائع آخر وهو أن الأقوياء هم الذين ينتصرون. وكثيرا ما يقال لنا أن نقف أقوياء وأن نكون حازمين بشأن ما نريد. لكن لاو تسو مؤلّف كتاب "الطاو" يقول لك: كن ضعيفا!" ويدعوك لأن تتبنّى قوّة الضعف على حساب القوّة الظاهرة. ويضيف: علينا أن ندرك أننا مخلوقات معقّدة يتم جرّها باستمرار في اتجاهات مختلفة، وأنّنا ننمو من خلال العمل على تفاعلاتنا وتجاربنا واستجاباتنا، وأن الأفعال الصغيرة هي الأهم في تغيير أنفسنا والعالم نحو الأفضل.

  • Credits
    suite101.com