الثلاثاء، نوفمبر 21، 2023

قصيدة عن تمثالٍ فرعوني


أوزيماندياس هو اسم قصيدة أو رباعية لبيرسي شيلي، أحد أعظم الشعراء الإنغليز في القرن التاسع عشر. نُشرت القصيدة لأوّل مرّة عام 1818. وفيها يقابل شخص يُفترض أنه شيلي رحّالة أو مسافرا من أرض قديمة.
ويصف المسافر الحطام الضخم لتمثال فرعون عظيم. وهو لا يلاحظ فقط كيف تقف أجزاء التمثال على الرمال، بل يصوّر أيضا المناطق المجاورة. وتشير الصحراء والتمثال البالي إلى الفكرة المركزية للرباعية، وهي عدم جدوى الأفعال البشرية. كما يتطرّق إلى موضوعات عدم ثبات السلطة، والمصير، وحتمية سقوط الحكّام والأباطرة.
في هذه القصيدة، يصف المتحدّث لقاءه بمسافر "من بلد قديم". العنوان "أوزيماندياس" ينبّه القارئ إلى أن هذه الأرض هي على الأرجح مصر، لأن أوزيماندياس هو الاسم الذي كان يطلقه اليونانيّون على رمسيس الثاني الذي كان فرعونا عظيما ومرهوب الجانب في مصر القديمة.
ويحكي المسافر قصّة للمتحدّث يصف فيها زيارته لمصر. هناك رأى تمثالا كبيرا ومخيفا لرمسيس في الصحراء. ويقول إن النحّات لا بدّ أنه كان يعرف موضوعه جيّدا، لأنه من الواضح من وجه التمثال أن هذا الرجل كان قائدا عظيما، ولكنه كان أيضا شرّيرا للغاية.
وعلى الرغم من أن القائد ربّما كان عظيما جدّا، إلا أنه يبدو أن الشيء الوحيد الذي بقي من مملكته هو هذا التمثال، وهو نصف مدفون ومتفكّك.
تحمل القصيدة استعارة ممتدّة تغطّي جميع أجزائها. وكلّ ما حول المسافر صحراء قاحلة ولا شيء أخضر أو ينمو. ومع ذلك، لا يزال التمثال يفتخر بالإنجازات التي حقّقتها هذه الحضارة في الماضي. الصحراء تمثّل سقوط جميع الإمبراطوريات، فلا يمكن لأيّ شخص قويّ وغنيّ أن يظلّ بهذه القوّة إلى الأبد. وقد أصبحت هذه الاستعارة أكثر تأثيرا في القصيدة من خلال استخدام شيلي لحاكم فعلي. إنه يستخدم إشارة إلى حاكم قوي في مصر القديمة، لإظهار أنه حتى الشخص الذي يتمتّع بهذه القوّة المطلقة سوف يسقط في النهاية.
يبدو نصّ "أوزيماندياس" وكأنه قصّة أكثر من كونه قصيدة، على الرغم من أن قوافي الأسطر تساعد في تذكير القارئ بأن هذا ليس نثرا. المتحدّث في القصيدة، وربّما يكون شيلي نفسه، يروي القصّة من وجهة نظره هو باستخدام الضمير "أنا".
في السطر الأوّل يتحدّث عن لقاء رَحّالة من بلد قديم. في البداية، يبدو هذا السطر غامضا بعض الشيء: هل الرَحّالة من "بلد قديم"، أم أنه عاد للتوّ من زيارة تلك الأرض؟ ولا يعرف القارئ أيضا أين التقى المتحدّث بهذا الرَحّالة لأوّل مرّة.
يشير العنوان إلى الأرض التي زارها الرَحّالة. كان اليونانيون يطلقون على رمسيس الثاني الفرعون المصري القوي اسم أوزيماندياس. لذا، يسهل على القارئ التعرّف على هذه الأرض القديمة، وهي مصر إحدى أقدم الحضارات في العالم. وبقيّة القصيدة مكتوبة بالفعل على شكل حوار. والمسافر يروي لشخص الشاعر تجاربه في مصر.
والأسطر التالية تحتوي أيضا على بعض الصور الأكثر حيويةً وجمالاً في كلّ القصيدة. لقد كان شيلي كاتبا بارعا لدرجة أنه لا يتطلّب الكثير من الجهد ليتخيّل القارئ المشهد بوضوح في هذه القصيدة.
من خلال عيون الرَحّالة يرى القارئ ساقين ضخمتين منحوتتين من الحجر ملقاتين في رمال الصحراء. وعلى مقربة منهما وجه التمثال نصف مدفون. الوجه مكسور، لكن لا يزال بإمكان الرَحّالة رؤية التمثال وهو ينطق عبوسا وسخرية. ومن هذا يستطيع أن يستنتج أن هذا الحاكم ربّما كان يتمتّع بسلطة مطلقة وأنه كان يحكم بقبضة من حديد. ومن السهل أيضا تفسير أن هذا الحاكم ربّما كان فخورا كثيرا باعتباره القائد الأعلى لحضارته.
ثم يوجّه المسافر انتباهه إلى النحّات الذي صنع التمثال. ويعلّق قائلاً: أيّاً كان النحّات فهو يعرف موضوعه جيّداً. ويمكن لأيّ شخص أن يقول إن الفنّان قد استولى على مشاعر الحاكم بشكل استثنائي. وعلى الرغم من أن الفرعون قد مات منذ زمن طويل، إلا أنه موجود من خلال عمل النحّات. إذن من هو الأقوى في هذه الحالة؟ لا شكّ أنه النحّات.
ثم يشير الشاعر الى أنه على الرغم من أن هناك نهاية للكائنات الحيّة، إلا أن الفنّ خالد لأنه يبقى. فالمنحوتات الرائعة ولمسة المعلّمين تعيش أطول من أصحابها. ثم يقدّم المسافر نظرة مثيرة للاهتمام حول القائد. فيداه تُظهران أنه كان يسخر من شعبه، لكن قلبه لم يكن كلّه سيّئا، فقد كان يطعم شعبه ويهتمّ بهم أيضا. واليد التي أمسكت بالعصا لم تطعم المواطن فحسب، بل سخرت أيضا من تفاهته. وهذا السطر يوفّر انقساما مثيرا للاهتمام غالبا ما نجده في أفظع القادة. وعلاوة على ذلك، فإن "اليد" ترمز إلى أوزيماندياس ككل.

ثم تقدّم القصيدة مزيدا من التفاصيل حول التمثال، وتتضمّن الأسطر الأخيرة كلمات محفورة على قاعدته. الكلمات المنقوشة على القاعدة التي يجلس عليها أوزيماندياس تحكي أيضا عن شخصيّته. وهو يأمر من كلّ من يراه أن ينظر إلى كلّ ما أنجز وألا يقدّر ما صنعه، بل يجب عليه أن يخاف منه. وهذه الكلمات تصوّر غطرسة الفرعون.
لكن الأسطر التالية تكتسي بنبرة مختلفة. الآن ذهب القائد، وكذلك امبراطوريّته. ويورد شيلي هذه المفارقة ليبيّن أنه على الرغم من بقاء هذا التمثال المكسور، إلا أن حضارة القائد لم تُخلّد. لقد سقطت، مثل التمثال، وتحوّلت إلى غبار.
هذه الاسطر قويّة حقّا. إذ يبدو أن المسافر يسخر من الحاكم. وعلاوة على ذلك، فإن أسلوب شيلي هنا مهم. إنه يستخدم كلمات مثل "الخراب" و"الرمال الممتدّة" لإظهار مدى العجز الذي أصبح عليه هذا الفرعون الذي كان عظيما ذات يوم. لم يتبقّ شيء على الاطلاق. لقد سقط القائد، مثل أرضه، ومثل التمثال المكسور الذي يصوّره. وفي هذه السطور تتّضح رسالة القصيدة، فكلّ القادة سيرحلون في النهاية، وكلّ الحضارات العظيمة ستتحوّل في النهاية إلى تراب.
وشيلي يستخدم عددا من الموضوعات في هذه الرباعية. والموضوع الأكثر أهميّةً هو عدم ثبات مجد الحاكم وإرثه. وهذه إشارة ضمنية إلى فكرة العبثية. وبغضّ النظر عن مدى صعوبة محاولة القائد أو الزعيم تثبيت اسمه في مرحلة ما، سوف ينساه الناس في النهاية.
مثلا، حاول أوزيماندياس أن يصبح أعظم من الله وأعلن نفسه "ملك الملوك". وإذا نظرنا إلى التاريخ، فإن كلّ حاكم طموح فعل نفس الشيء. وفي سعيهم لتحقيق العظمة، نسي الحكّام طبيعتهم نفسها، فكلّ كائن حيّ يجب أن يموت. وعلاوة على ذلك، تستخدم الرباعية أيضا موضوعات المجد الضائع وقوّة الفنّ وأفول القوّة، وما إلى ذلك.


هذا البيت: ساقان حَجريّتان ضخمتان بلا جذع" يثير الخوف والشفقة في قلوب القرّاء. ولا شكّ أن حجم التمثال يجعلنا نتساءل عن عظمة الحاكم وقوّته. ومع ذلك، فالصورة المتدهورة للتمثال تثير الشفقة وتتساءل عن طبيعة الإنجاز البشري.
وفي السطور التالية، تصبح اللهجة أكثر جدّية وإثارة للخوف. ومع تقدّم القصيدة إلى النهاية، يبدو أن النغمة تخفّ قليلاً. فالمتحدّث يتعاطف بطريقة ما مع المجد الباهت للحاكم العظيم أوزيماندياس ويتحدّث بطريقة عاطفية عن حتمية الموت والانحلال.
وعلى الرغم من أن شيلي كان أحد الشعراء الرومانسيين المهمّين، إلا أنه لم يحقّق شهرة أبدا أثناء حياته. ومع ذلك، فقد احتفظ بصداقة بعض الكتّاب الموهوبين للغاية. وكان من بين أصدقائه المقرّبين اللورد بايرون. وبالإضافة إلى ذلك، كان متزوّجا من ميري شيلي مؤلّفة رواية فرانكنشتاين.
وُلِد شيلي في عائلة ثريّة، والتحق بجامعة أكسفورد، حيث بدأ مسيرته في الكتابة لأوّل مرّة. لكنه طُرد عندما رفض الاعتراف بأنه مؤلّف نصّ مجهول عنوانه "ضرورة الإلحاد". ثم التقى بالشابّة ميري غودوين ووقع في حبّها، على الرغم من أنه كان متزوّجا. وقد تخلّى عن عائلته ليكون معها. وتزوّج الاثنان بعد انتحار زوجته الأولى، وغيّرت ميري لقبها إلى شيلي.
قضى شيلي غرقا وبشكل مأساوي عندما تعرّض القارب الذي كان يبحر فيه لعاصفة عاتية. وكان ما يزال شابّا في عمر الـ 29.
هل لهذه القصيدة رسالة؟
ليس من المبالغة القول إن شيلي كان إنسانا ذكيّا. فبينما يمكن للمرء أن يقرأ هذه القصيدة على أنها تتحدّث عن زعيم قديم لمصر، فإنه يمكن أيضا قراءتها كنقد للعالم الذي عاش فيه الشاعر. ربّما يحذر شيلي، الذي كان ناقدا سياسيا دائما، زعماء إنغلترا من أنهم أيضا سيسقطون يوما ما ويشير الى أن طموحهم الزائد عن الحدّ قد يقودهم إلى زوالهم.
ومن خلال "أوزيماندياس"، يصف شيلي كيف أن الرجال الأقوياء وتراثهم محكوم عليهم بالتلاشي في غياهب النسيان. ويحاول الشاعر تقديم رسالة مهمّة مؤدّاها أنه مهما حاول الحكّام، فإن أعمالهم سوف تُنسى بعد موتهم. وبهذه الطريقة يحذّر الشاعر القرّاء من الافتتان بالسلطة لأن القوّة لا تضمن المجد الأبدي، فقط الرفق والتواضع هما ما يضمن ذلك.

Credits
poets.org