يوم في الجنّة
يقال أن كليوباترا كانت تعيش في غيمة من البخور وترى في مناماتها أحلاما أرجوانية. كانت ملكة مصر القديمة تتحمّم بالبخور والمرّ واللوتس وخشب الصندل وماء الورد قبل أن تسافر على ضفّة النيل على متن قارب، كما يقول شكسبير، لدرجة أن الرياح كانت تحبّ عطرها.
وفي اليابان، تُعرف رياح شهر مايو تقليديا بأنها أجمل رياح العام، لأن مايو هو الوقت الذي تهبّ فيه الرياح العطرية.
وأنا أغلق عينيّ بعد ظهيرة احد الأيّام، نقلني صوت الرياح على الفور إلى خارج النافذة. كنت دائما أتساءل عن السبب في أن غالبية الناس يفضّلون برزخ "دانتي" على جنّته التي يسمّيها باراديزو .
ترى هل أنا الوحيد الذي لا يستطيع تصوّر الجحيم تماما، بينما أجد نفسي في كثير من الأحيان ضائعا في أحلام الجنّة؟
الجنّة كانت وما تزال احد أقدس الدوافع والأفكار في تاريخ الإنسان. ودائما وفي كلّ وقت تقريبا، كان هناك من يتوق لنوع من الكمال على الأرض.
كولومبوس، ذلك البحّار الموسوس والفضولي، ظنّ أن أمريكا الجنوبية هي جنّات عدن بسبب طيور الببّغاء التي رآها تتكلّم هناك. كان كولومبوس يعتقد أن جميع الحيوانات والطيور كانت تتكلّم قبل السقوط أو الطرد من الجنّة.
هذا الأمل في وجود جنّة من نوع ما يدفع بالبشرية إلى الأمام ويحفّز على التغيير ويعد بالخلاص. لكنّه أيضا مرتبط بالمعتقدات النهائية مثل ارماغيدون والخطيئة الأصلية والشهادة وكلّ الأفكار التي تؤثّر على الحياة الحديثة، حتى عندما تكون مختفية تحت قشرة من العلمانية.
بالنسبة لي، الجنّة تشبه حديقة فارسية. أتصوّرها عامرة بعبير الورد والياسمين والغاردينيا. وفيها موسيقى ونسائم ربيعية معطّرة ونزهات لا تنتهي.
أتخيّل فيها أدونيس وهو يطلق طائراته الورقية، بينما يهيم الفلاسفة على وجوههم بالجوار وأرسطو يتناقش مع السنيور بورخيس. وبينما هما يتحدّثان، يبحثان عن اسم الله على بتلات الأزهار.
استطيع أيضا أن أتخيّل "سام هاميل" وهو يتلو قصائد من كتابه "الجنّة"، بينما يرسم "توليو" خرائط لعوالم خيالية بالحبر الأسود. ابن رشد وابن سينا هما أيضا هناك.
الفلاسفة في الجنّة يتحدّثون جميع اللغات التي يمكن للمرء أن يسمعها في عالم الدنيا. آنا كارينينا وحبيبها الكونت اليكسي فرونسكي يحتضنان بعضهما وهما يجلسان تحت شجرة لوز كبيرة.
النزهات التي لا تنتهي تتضمّن الشاي الصيني الأسود والشمبانيا المجلوبة من جبال فورموزا والشاي الأخضر الذي يُقدّم في أوان خاصّة مع حلويات لذيذة من متاجر مقاطعة الغيوم البعيدة.
وعلى البعد يلوح بناء ضخم تلامس قمّته السماء الزرقاء المتلألئة. هذه هي مكتبة الجنّة التي تحتوي على كلّ الكتب التي الّفت في جميع العصور. بورخيس يكتب ويؤلّف كتبه هنا في هذا المكان المهيب.
وتحت أشجار اللوز، يمكنك أن ترتاح قليلا وتستمتع بسماع صوت الرياح في الأشجار أو تقرأ شذرات من شعر حافظ أو عمر الخيّام.
الجميع في الجنّة لهم أجنحة مصنوعة من قوس قزح. وهناك أنفاق طويلة مغطّاة بالأزهار البيضاء والزرقاء والأرجوانية تشبه الممرّات المغطّاة في قصر الصيف خارج بيجين. ممرّات طويلة مظلّلة ومفروشة أرضها بالأزهار كانت الإمبراطورة الأرملة في حكم سلالة تشينغ تمشي فيها وهي تقرأ في كلّ مرّة كتابا.
أتذكّر تلك الرسومات التي تصوّر طيور الجنّة على جدران بعض الكهوف البوذية. من المعروف أن الطيور في الجنّة البوذية تبدأ في الغناء حتى قبل أن تفقس من بيضها. كما أن أغنياتها جميلة جدّا وتشبه شدو الملائكة.
الحدائق المشذّبة والملائكة، وكذلك الجبال التي تلوح في الأفق، والأنهار التي تتدفّق بالماء العذب، هي أفكار مشتركة عن الجنّة في معظم الثقافات القديمة.
في جنّة "دانتي" ليس هناك مفهوم للتنوير. الروح عند هذا الشاعر الايطالي ليست موردا ينبغي تحسينه أو الانتفاع به، والبشر لا يرومون انفصالا أو كمالا من أيّ نوع. كلّ ما هو مطلوب منهم هو الحبّ والأمل. هذا كلّ شيء. والإيمان والإخلاص ليسا سوى اسمين آخرين لهما.
مثل القبلة، ومثل الحبّ، ومثل كلّ شيء جدير بالاهتمام، فإن الجنّة هي أساسا عن الجمال والمرح. إنها الأرواح التي يقودها بحثها الميتافيزيقيّ عن إله إلى خلق واقع يحدّد نفسه بنفسه.
الجنّة تشبه صورة مثالية، تماما مثلما تصفها الليدي موراساكي بطلة إحدى الروايات اليابانية: مزهرية ملأى بالعطور.
وفي اليابان، تُعرف رياح شهر مايو تقليديا بأنها أجمل رياح العام، لأن مايو هو الوقت الذي تهبّ فيه الرياح العطرية.
وأنا أغلق عينيّ بعد ظهيرة احد الأيّام، نقلني صوت الرياح على الفور إلى خارج النافذة. كنت دائما أتساءل عن السبب في أن غالبية الناس يفضّلون برزخ "دانتي" على جنّته التي يسمّيها باراديزو .
ترى هل أنا الوحيد الذي لا يستطيع تصوّر الجحيم تماما، بينما أجد نفسي في كثير من الأحيان ضائعا في أحلام الجنّة؟
الجنّة كانت وما تزال احد أقدس الدوافع والأفكار في تاريخ الإنسان. ودائما وفي كلّ وقت تقريبا، كان هناك من يتوق لنوع من الكمال على الأرض.
كولومبوس، ذلك البحّار الموسوس والفضولي، ظنّ أن أمريكا الجنوبية هي جنّات عدن بسبب طيور الببّغاء التي رآها تتكلّم هناك. كان كولومبوس يعتقد أن جميع الحيوانات والطيور كانت تتكلّم قبل السقوط أو الطرد من الجنّة.
هذا الأمل في وجود جنّة من نوع ما يدفع بالبشرية إلى الأمام ويحفّز على التغيير ويعد بالخلاص. لكنّه أيضا مرتبط بالمعتقدات النهائية مثل ارماغيدون والخطيئة الأصلية والشهادة وكلّ الأفكار التي تؤثّر على الحياة الحديثة، حتى عندما تكون مختفية تحت قشرة من العلمانية.
بالنسبة لي، الجنّة تشبه حديقة فارسية. أتصوّرها عامرة بعبير الورد والياسمين والغاردينيا. وفيها موسيقى ونسائم ربيعية معطّرة ونزهات لا تنتهي.
أتخيّل فيها أدونيس وهو يطلق طائراته الورقية، بينما يهيم الفلاسفة على وجوههم بالجوار وأرسطو يتناقش مع السنيور بورخيس. وبينما هما يتحدّثان، يبحثان عن اسم الله على بتلات الأزهار.
استطيع أيضا أن أتخيّل "سام هاميل" وهو يتلو قصائد من كتابه "الجنّة"، بينما يرسم "توليو" خرائط لعوالم خيالية بالحبر الأسود. ابن رشد وابن سينا هما أيضا هناك.
الفلاسفة في الجنّة يتحدّثون جميع اللغات التي يمكن للمرء أن يسمعها في عالم الدنيا. آنا كارينينا وحبيبها الكونت اليكسي فرونسكي يحتضنان بعضهما وهما يجلسان تحت شجرة لوز كبيرة.
النزهات التي لا تنتهي تتضمّن الشاي الصيني الأسود والشمبانيا المجلوبة من جبال فورموزا والشاي الأخضر الذي يُقدّم في أوان خاصّة مع حلويات لذيذة من متاجر مقاطعة الغيوم البعيدة.
وعلى البعد يلوح بناء ضخم تلامس قمّته السماء الزرقاء المتلألئة. هذه هي مكتبة الجنّة التي تحتوي على كلّ الكتب التي الّفت في جميع العصور. بورخيس يكتب ويؤلّف كتبه هنا في هذا المكان المهيب.
وتحت أشجار اللوز، يمكنك أن ترتاح قليلا وتستمتع بسماع صوت الرياح في الأشجار أو تقرأ شذرات من شعر حافظ أو عمر الخيّام.
الجميع في الجنّة لهم أجنحة مصنوعة من قوس قزح. وهناك أنفاق طويلة مغطّاة بالأزهار البيضاء والزرقاء والأرجوانية تشبه الممرّات المغطّاة في قصر الصيف خارج بيجين. ممرّات طويلة مظلّلة ومفروشة أرضها بالأزهار كانت الإمبراطورة الأرملة في حكم سلالة تشينغ تمشي فيها وهي تقرأ في كلّ مرّة كتابا.
أتذكّر تلك الرسومات التي تصوّر طيور الجنّة على جدران بعض الكهوف البوذية. من المعروف أن الطيور في الجنّة البوذية تبدأ في الغناء حتى قبل أن تفقس من بيضها. كما أن أغنياتها جميلة جدّا وتشبه شدو الملائكة.
الحدائق المشذّبة والملائكة، وكذلك الجبال التي تلوح في الأفق، والأنهار التي تتدفّق بالماء العذب، هي أفكار مشتركة عن الجنّة في معظم الثقافات القديمة.
في جنّة "دانتي" ليس هناك مفهوم للتنوير. الروح عند هذا الشاعر الايطالي ليست موردا ينبغي تحسينه أو الانتفاع به، والبشر لا يرومون انفصالا أو كمالا من أيّ نوع. كلّ ما هو مطلوب منهم هو الحبّ والأمل. هذا كلّ شيء. والإيمان والإخلاص ليسا سوى اسمين آخرين لهما.
مثل القبلة، ومثل الحبّ، ومثل كلّ شيء جدير بالاهتمام، فإن الجنّة هي أساسا عن الجمال والمرح. إنها الأرواح التي يقودها بحثها الميتافيزيقيّ عن إله إلى خلق واقع يحدّد نفسه بنفسه.
الجنّة تشبه صورة مثالية، تماما مثلما تصفها الليدي موراساكي بطلة إحدى الروايات اليابانية: مزهرية ملأى بالعطور.
❉ ❉ ❉
ليل تضيئه الشموع
الرسّام الهولندي بيتروس فان سكيندل كان متخصّصا في رسم المناظر الليلية التي تضيئها الشموع. ولم يكن احد من معاصريه ينافسه في هذا النوع من الرسم.
رسم مناظر الليل المضاءة بالشموع كان منتشرا في هولندا القرن السابع عشر. وأوّل من بدأه كان الرسّام الهولندي جيرارد دو.
في فرنسا كانوا يلقّبون فان سكيندل بـ "مسيو شانديل" أو "السيّد الشمعة" لكثرة ما تظهر الشموع في مناظره. كان بارعا خاصّة في تصوير مناظر الأسواق ليلا.
في بعض لوحاته يمكن أن ترى عدّة مصادر ضوء في وقت واحد، مثل ضوء القمر ووهج شمعة أو مصباح، وأحيانا مصادر ضوء أخرى لا تُرى.
كلّ التفاصيل في اللوحة إلى فوق تؤشّر إلى براعة فان سكيندل ومقدرته في التعامل، ليس مع الضوء فحسب، وإنما مع التوليف العام للوحة ومع التفاصيل ككلّ.
رسم مناظر الليل المضاءة بالشموع كان منتشرا في هولندا القرن السابع عشر. وأوّل من بدأه كان الرسّام الهولندي جيرارد دو.
في فرنسا كانوا يلقّبون فان سكيندل بـ "مسيو شانديل" أو "السيّد الشمعة" لكثرة ما تظهر الشموع في مناظره. كان بارعا خاصّة في تصوير مناظر الأسواق ليلا.
في بعض لوحاته يمكن أن ترى عدّة مصادر ضوء في وقت واحد، مثل ضوء القمر ووهج شمعة أو مصباح، وأحيانا مصادر ضوء أخرى لا تُرى.
كلّ التفاصيل في اللوحة إلى فوق تؤشّر إلى براعة فان سكيندل ومقدرته في التعامل، ليس مع الضوء فحسب، وإنما مع التوليف العام للوحة ومع التفاصيل ككلّ.