منذ أواخر القرن العاشر، راج في اليابان نوع من الأدب يُسمّى "أدب الأكواخ القشّية"، أو أدب الانعزال، الذي يشبه أسلوب كتابة اليوميات أو المدوّنات الحديثة في هذه الأيّام. وهو نوع من الكتابة المسترسلة التي تسمح لقلم الكاتب بتدوين الأفكار كما ترد الى ذهنه بعفوية وعشوائية والانتقال من موضوع إلى آخر ومن فكرة لأخرى دون ترتيب مسبق.
وقد أصبح ذلك التقليد حركة أدبية قائمة بذاتها في أواخر فترة حكم هييان وأوائل فترة كاماكورا في أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثالث عشر.
وأصل هذا الأدب أن بعض الأشخاص عندما يتقاعدون من الخدمة العامّة يذهبون الى الجبال ويبنون لهم أكواخا منعزلة ويمارسون هناك العزلة والتواصل مع الطبيعة والتأمّل والكتابة. وأحيانا يأتي قرار العزلة من عدم الرضا عن المعايير المجتمعية كالتعلّق بالبيوت "التي مآلها الزوال"، أو بسبب الضغوط التي تصاحب الفقر. وفي حياة العزلة، يمكن نقل الكوخ بسهولة، ويمكن للمرء أن يتخفّف من الانشغال بحسن المظهر، إذ لن يوجد أحد حوله ليحكم عليه.
وذهاب بعض الأشخاص الى الجبال للعيش في عزلة وممارسة الكتابة المتأمّلة تقليد متجذّر بعمق في "الزِن" الياباني ويرتبط تاريخيّا بممارسات روحية أخرى. وكتابات هؤلاء المنعزلين كثيرا ما تعكس تأثير البوذية على حياتهم اليومية، والتي تؤكّد على أهميّة العزلة وعدم التعلّق بشيء والبقاء قريبا من الطبيعة.
وقد يتضمّن نشاط الكتابة المنعزلة ممارسة فنّ الخط الذي يُنظر إليه باعتباره فعلا تأمّليا، وكذلك كتابة قصائد الشعر "الهايكو غالبا". وهذه الأشكال القصيرة من الكتابة تسمح بالتعبير عن رؤى روحية عميقة بطريقة موجزة. وقد أثّرت الكتابات من هذا النوع بشكل كبير على الفنّ والأدب والجماليات اليابانية وعزّزت قيم البساطة واليقظة وحبّ الطبيعة.
ومن أشهر رموز هذا النوع من الكتابة يوشيدا كينكو الذي كان راهبا ورجل بلاط وخطّاطا وشاعرا وعالم آثار. وبعد تقاعده وابتعاده عن صخب العمل في البلاط الإمبراطوري، قضى كينكو أيّامه وحيداً في كوخ جبلي في كيوتو، وشغل نفسه بتدوين أفكاره على قصاصات من الورق. وبعد وفاته، أُزيلت تلك القصاصات من مكانها وصُنّفت ونُسخت في كتاب بعنوان "كوب من الساكي تحت أشجار الكرز".
وصورة كينكو كما تتجلّى في كتاباته هي صورة راهب وقور يجلس وحيداً في كوخه الصغير، متأمّلا لفائفه وأوراقه وممسكا بريشته بينما يستمع الى تدفّق مياه النهر الذي يجري بالجوار. وعلى الرغم من توقّع الكاتب أن صفحاته سوف تُتلف وغالبا لن يراها أحد، إلا أن تأثيرها على نظرة اليابانيين إلى السلوك والجمال لم يكن بسيطا ولا عابراً على الإطلاق. وفي الحقيقة فإن الكتاب يُعتبر اليوم واحدا من أكثر الأعمال دراسةً في الأدب الياباني، كما أنه يعطينا لمحة عن عالم اليابان في العصور الوسطى.
أفكار كينكو ونصوصه القصيرة المدوّنة في كتابه الصغير هي في معظمها تأمّلات في الحياة وفي لحظات السعادة العابرة وفي الجَمال الموجود في الأشياء البسيطة. وهي تشبه بعض أفكار الفلسفة الغربية ومقولات الحكمة الروحانية القديمة، من قبيل كتابات الرواقيين وغيرهم. وهناك من يشبّهه بباسكال وثورو وايمرسون وسواهم. لكن لكتابه بريقا خاصّا يتمثّل في لغته الرشيقة وأوصافه الشعرية.
ويقال ان كينكو كان شخصا متقلّب المزاج وعاطفيّا وعلى شيء من الزهد. ولم يستطع الفكاك من شوقه الى أسلوب الحياة في الماضي. وفي زمانه لم يكن هناك الكثير من الكتب. وكان يدرك أن الصديق قد يبتعد ويعيش في عالم منفصل، لكن الإنسان الذي يعيش بمفرده مع كتبه ومع أفكاره التي تحلّق متخفّفةً وحرّة يمكنه أن يجد السعادة الحقيقية.
والكاتب يتحدّث عن مشاكل الوجود التي تواجه الإنسان. وهو يفعل ذلك بوعي حديث للغاية. كما أنه مدرك تماما لتلك المشاكل ولعجزه. فهو لا يستطيع حلّها، لذا فهو يكتبها ويضمّنها رؤاه الهادئة والحكيمة.
بعض النقّاد يصفون هذا الكتاب بأنه نسخة مختصرة من رواية "والدن" لثورو، ولكن من منظور ياباني. لكن كينكو كتب خواطره قبل ظهور كتاب ثورو بعدّة مئات من السنين واستوحى مادّته بشكل أساسي من الفلسفة البوذية وليس من فلسفة التسامي. ومع ذلك فكلا الكتابين، أي كتابي كينكو وثورو، يروّجان لأسلوب الحياة المنعزل ويتغنّيان بفضائل الحياة في كوخ ريفي صغير في بيئة طبيعية تتّسم بالبساطة وعيش الكفاف.
السطور التالية تتضمّن بعض كلمات يوشيدا كينكو التي تذكّرنا أنه في خضمّ حالة الاضطراب وعدم اليقين التي تسود هذا العالم، يمكن العثور على الرضا الحقيقي في الحياة البسيطة وفي احتضان اللحظات العابرة وفي البحث عن العزاء في جمال الطبيعة.
وأصل هذا الأدب أن بعض الأشخاص عندما يتقاعدون من الخدمة العامّة يذهبون الى الجبال ويبنون لهم أكواخا منعزلة ويمارسون هناك العزلة والتواصل مع الطبيعة والتأمّل والكتابة. وأحيانا يأتي قرار العزلة من عدم الرضا عن المعايير المجتمعية كالتعلّق بالبيوت "التي مآلها الزوال"، أو بسبب الضغوط التي تصاحب الفقر. وفي حياة العزلة، يمكن نقل الكوخ بسهولة، ويمكن للمرء أن يتخفّف من الانشغال بحسن المظهر، إذ لن يوجد أحد حوله ليحكم عليه.
وذهاب بعض الأشخاص الى الجبال للعيش في عزلة وممارسة الكتابة المتأمّلة تقليد متجذّر بعمق في "الزِن" الياباني ويرتبط تاريخيّا بممارسات روحية أخرى. وكتابات هؤلاء المنعزلين كثيرا ما تعكس تأثير البوذية على حياتهم اليومية، والتي تؤكّد على أهميّة العزلة وعدم التعلّق بشيء والبقاء قريبا من الطبيعة.
وقد يتضمّن نشاط الكتابة المنعزلة ممارسة فنّ الخط الذي يُنظر إليه باعتباره فعلا تأمّليا، وكذلك كتابة قصائد الشعر "الهايكو غالبا". وهذه الأشكال القصيرة من الكتابة تسمح بالتعبير عن رؤى روحية عميقة بطريقة موجزة. وقد أثّرت الكتابات من هذا النوع بشكل كبير على الفنّ والأدب والجماليات اليابانية وعزّزت قيم البساطة واليقظة وحبّ الطبيعة.
ومن أشهر رموز هذا النوع من الكتابة يوشيدا كينكو الذي كان راهبا ورجل بلاط وخطّاطا وشاعرا وعالم آثار. وبعد تقاعده وابتعاده عن صخب العمل في البلاط الإمبراطوري، قضى كينكو أيّامه وحيداً في كوخ جبلي في كيوتو، وشغل نفسه بتدوين أفكاره على قصاصات من الورق. وبعد وفاته، أُزيلت تلك القصاصات من مكانها وصُنّفت ونُسخت في كتاب بعنوان "كوب من الساكي تحت أشجار الكرز".
وصورة كينكو كما تتجلّى في كتاباته هي صورة راهب وقور يجلس وحيداً في كوخه الصغير، متأمّلا لفائفه وأوراقه وممسكا بريشته بينما يستمع الى تدفّق مياه النهر الذي يجري بالجوار. وعلى الرغم من توقّع الكاتب أن صفحاته سوف تُتلف وغالبا لن يراها أحد، إلا أن تأثيرها على نظرة اليابانيين إلى السلوك والجمال لم يكن بسيطا ولا عابراً على الإطلاق. وفي الحقيقة فإن الكتاب يُعتبر اليوم واحدا من أكثر الأعمال دراسةً في الأدب الياباني، كما أنه يعطينا لمحة عن عالم اليابان في العصور الوسطى.
أفكار كينكو ونصوصه القصيرة المدوّنة في كتابه الصغير هي في معظمها تأمّلات في الحياة وفي لحظات السعادة العابرة وفي الجَمال الموجود في الأشياء البسيطة. وهي تشبه بعض أفكار الفلسفة الغربية ومقولات الحكمة الروحانية القديمة، من قبيل كتابات الرواقيين وغيرهم. وهناك من يشبّهه بباسكال وثورو وايمرسون وسواهم. لكن لكتابه بريقا خاصّا يتمثّل في لغته الرشيقة وأوصافه الشعرية.
ويقال ان كينكو كان شخصا متقلّب المزاج وعاطفيّا وعلى شيء من الزهد. ولم يستطع الفكاك من شوقه الى أسلوب الحياة في الماضي. وفي زمانه لم يكن هناك الكثير من الكتب. وكان يدرك أن الصديق قد يبتعد ويعيش في عالم منفصل، لكن الإنسان الذي يعيش بمفرده مع كتبه ومع أفكاره التي تحلّق متخفّفةً وحرّة يمكنه أن يجد السعادة الحقيقية.
والكاتب يتحدّث عن مشاكل الوجود التي تواجه الإنسان. وهو يفعل ذلك بوعي حديث للغاية. كما أنه مدرك تماما لتلك المشاكل ولعجزه. فهو لا يستطيع حلّها، لذا فهو يكتبها ويضمّنها رؤاه الهادئة والحكيمة.
بعض النقّاد يصفون هذا الكتاب بأنه نسخة مختصرة من رواية "والدن" لثورو، ولكن من منظور ياباني. لكن كينكو كتب خواطره قبل ظهور كتاب ثورو بعدّة مئات من السنين واستوحى مادّته بشكل أساسي من الفلسفة البوذية وليس من فلسفة التسامي. ومع ذلك فكلا الكتابين، أي كتابي كينكو وثورو، يروّجان لأسلوب الحياة المنعزل ويتغنّيان بفضائل الحياة في كوخ ريفي صغير في بيئة طبيعية تتّسم بالبساطة وعيش الكفاف.
السطور التالية تتضمّن بعض كلمات يوشيدا كينكو التي تذكّرنا أنه في خضمّ حالة الاضطراب وعدم اليقين التي تسود هذا العالم، يمكن العثور على الرضا الحقيقي في الحياة البسيطة وفي احتضان اللحظات العابرة وفي البحث عن العزاء في جمال الطبيعة.
❉ ❉ ❉