ذات مساء، منذ ألف عام، التقطت امرأة يابانية فرشاتها وغمستها في الحبر وكتبت: في الربيع يكون الفجر أجمل. وبينما يزحف الضوء فوق التلال، تنصبغ حدوده باللون الأحمر الباهت وتنتشر فوقه خصلات من سحابة أرجوانية".
كانت المرأة، واسمها سي شوناغون، وصيفة لامبراطورة اليابان لمدّة عشر سنوات أثناء حكم سلالة هييان. وفي مرحلة ما، قرّرت أن تصنع كتابا على شكل وسادة، وهو الكتاب الذي ظلّت تحتفظ به بجوار سريرها، وكانت تدوّن فيه القصص والذكريات والانطباعات وأيّ شيء آخر يخطر ببالها. واشتهر هذا الكتاب في ما بعد بـ "كتاب الوسادة".
بالنسبة لهواة التاريخ، يُعتبر الكتاب صورة مفصّلة عن حياة البلاط في اليابان الإمبراطورية. وبالنسبة لذوي الميول الفنّية والشعرية، فإن صور شوناغون وأوصافها جميلة ومثيرة كقولها مثلا: عند عبور نهر في ضوء القمر الساطع، أحبّ رؤية الماء متناثرا في زخّات من البلّلور تحت أقدام الثور".
ومثل قولها: معطف أبيض ملبوس فوق صدرية بنفسجية، بيض بطّ، ثلج مبشور ممزوج بشراب ليانا وموضوع في وعاء فضّي جديد، مسبحة من البلّلور الصخري، ثلوج على أزهار ويستيريا أو برقوق، طفل جميل يأكل الفراولة."
بالنسبة للأشخاص الذين يميلون إلى القيل والقال، هناك الكثير من ثرثرة البلاط التي تقدّمها لنا المؤلّفة. كما تقدّم الكثير من الحكايات المثيرة عن الرجال الذين عرفتهم وعن نساء يابانيات ثريّات يزرن المعابد أو يقلن الشعر أو يكتبن قوائم الواجبات. وهنّ بشكل عام ذكيّات وأنيقات طوال الوقت.
تقول الكاتبة في جزء آخر من الكتاب: يا لجمال ليالي الصيف، ليس فقط عندما يظهر القمر، ولكن أيضا في الليالي المظلمة، حيث تطير اليراعات ذهابا وإيابا، وحتى عندما يهطل المطر!".
ثم تقول: الألواح الأرضية في غرفة الانتظار لامعة بحيث تعكس كل شيء في الجوار. تنساب الستائر بسلاسة لتكشف عن سيّدة المنزل التي ترتدي تحت الرداء الداكن الذي تستخدمه كغطاء لسريرها ثوبا أبيض غير مبطّن وبنطالا قرمزيا".
وتقول: من أحد جوانب القاعة يأتي صوت موسيقى العود الجميلة. ينقر العازف الأوتار بلطف بحيث يسمع المرء بالكاد رنين النغمات. وفي جزء آخر من الغرفة، تتجمع السيّدات معا تحت ستارة مغلقة. وتشتعل النار في أعماق مبخرة، ناشرةً رائحة حزينة غامضة ومليئة بالأناقة الهادئة".
وتقول أيضا: في وقت متأخّر من المساء، هناك صنبور خفيّ في الخارج. تسرع وصيفة تعرف دائما ما يحدث إلى البوّابة وتسمح للزائر بالدخول. ثم بنظرة متعجرفة على وجهها تقوده خلسة إلى شخص ينتظر وصوله".
مضمون الكتاب يوحي بأنه كان يُسمح لسيّدات بلاط سلالة هييان بمزيد من الحرّية مقارنة بمعظم النساء اليابانيات في ذلك الوقت. وعلى الرغم من الستائر التي تحجبهن عن الأنظار، كانت هناك إمكانية لعلاقات شبه سرّية، يسبقها ويتبعها تبادل منمّق للشعر.
في مقدّمة الكتاب، تكتب سي شوناغون: لقد كتبت كلّ هذه الملاحظات في المنزل، عندما كان لديّ قدر كبير من الوقت لنفسي واعتقدت أن أحداً لن يلاحظ ما كنت أفعله. وقد ضمّنتها كلّ ما رأيته وشعرت به. ولأن الكثير منها قد يبدو خبيثا وحتى ضارّا بالنسبة للآخرين، فقد حرصت على إبقاء كتابي مخفيّا، لكنه أصبح الآن علنيّا، وهو آخر شيء كنت أتوقّعه."
وتضيف: بدأت في ملء دفاتر الملاحظات بحقائق غريبة وقصص من الماضي وكلّ الأشياء الأخرى التي غالبا ما تتضمّن أكثر الموادّ تفاهةً. وبشكل عام، ركّزتُ على الأشياء والأشخاص الذين وجدتهم ساحرين ورائعين. كما ان ملاحظاتي مليئة أيضا بالقصائد والملاحظات عن الأشجار والنباتات والطيور والحشرات. ومهما كان رأي الناس في كتابي، فإنني لا أزال أشعر بالأسف لأنه ظهر إلى النور."
يجب الاعتراف بأن شوناغون ليست إنسانة مثالية. فهي تكره أفراد الطبقات الدنيا، خاصّة إذا كانوا يرتدون ملابس سيّئة أو يصفّفون شعرهم بشكل خاطئ. "الرجال لديهم مشاعر غريبة حقّا ويتصرّفون بطرق أكثر غرابة. وفي بعض الأحيان يترك الرجل امرأة جميلة جدّا ليتزوّج بأخرى قبيحة".
لكن شوناغون تكتب بعد ذلك قصصا قصيرة مثل هذه: امرأة جذّابة ينسدل شعرها بشكل فضفاض فوق جبينها تلقّت رسالة في الظلام. من الواضح أنها غير صبورة كثيرا بحيث لا يمكنها انتظار المصباح، وبدلاً من ذلك تلتقط جذوة نار مشتعلة من الموقد وتقرأ بجهد على ضوئها الشاحب."
وتروي الكاتبة قصصا أخرى عن الإمبراطورة ورجال الحاشية الآخرين، وتحرص على أن نعرف آراءها في كلّ شيء. كما تسرد أسماء الجبال والبحيرات والغابات والمعابد وتعطي آراءها حول الموضات والألوان التي تبدو متناغمة معا.
ومن نماذج العناوين التي اختارتها لبعض مقاطع كتابها: الأشياء التي يصعب قولها"، و"المميّزات التي أحبّها بشكل خاص"، و"الأشياء التي تستحقّ المشاهدة"، و"الأشخاص الذين يبدون سعداء مع أنفسهم"، و"الأشياء القريبة رغم كونها بعيدة"، و"الأشخاص الذين يعانون"، و"الأشياء التي تجعل المرء متوتّرا"، و"الأشياء التي تبدو أفضل في الليل منها في النهار"، و"الأشياء التي تجعل المرء يشعر بالندم".
تمّ تداول "كتاب الوسادة" في البلاط الامبراطوري، وظلّ متوافرا في المخطوطات المكتوبة بخط اليد لعدّة مئات من السنين. وطُبع لأوّل مرّة في القرن السابع عشر، وهو موجود بإصدارات مختلفة، غُيّر في بعضها ترتيب الإدخالات وأضيفت او حُذفت أو حُرّرت تعليقات وفقرات.
والذين كتبوا عن سي شوناغون في ما بعد وصفوها بأنها كانت امرأة مشاكسة، مع ثرثرة متأصّلة ومتعجرفة. وكانت تمضي أيّامها في كسل، تكتب شعرا وتعليقات لاذعة حول الخدم والطبقات الدنيا وتتقرّب من رجال الحاشية. لكنها أيضا كانت سريعة البديهة وحسّاسة ومنتبهة تماما لكل جمال العالم، وعندما تكتب بهذه الطريقة لا يسعك إلا أن تحبّها:
الأشياء التي تجعل قلب الإنسان ينبض بشكل أسرع: العصافير وهي تطعم صغارها، والمرور بمكان يلعب فيه الأطفال، والنوم في غرفة تضوع فيها رائحة بخور فاخر".
إن كنت من محبّي الشعر والسفر عبر الزمن، فستستمتع بهذه الرحلة إلى اليابان في القرن العاشر الميلادي، حيث ستشاهد عالما جديدا ومختلفا من خلال عيني امرأة.
كانت المرأة، واسمها سي شوناغون، وصيفة لامبراطورة اليابان لمدّة عشر سنوات أثناء حكم سلالة هييان. وفي مرحلة ما، قرّرت أن تصنع كتابا على شكل وسادة، وهو الكتاب الذي ظلّت تحتفظ به بجوار سريرها، وكانت تدوّن فيه القصص والذكريات والانطباعات وأيّ شيء آخر يخطر ببالها. واشتهر هذا الكتاب في ما بعد بـ "كتاب الوسادة".
بالنسبة لهواة التاريخ، يُعتبر الكتاب صورة مفصّلة عن حياة البلاط في اليابان الإمبراطورية. وبالنسبة لذوي الميول الفنّية والشعرية، فإن صور شوناغون وأوصافها جميلة ومثيرة كقولها مثلا: عند عبور نهر في ضوء القمر الساطع، أحبّ رؤية الماء متناثرا في زخّات من البلّلور تحت أقدام الثور".
ومثل قولها: معطف أبيض ملبوس فوق صدرية بنفسجية، بيض بطّ، ثلج مبشور ممزوج بشراب ليانا وموضوع في وعاء فضّي جديد، مسبحة من البلّلور الصخري، ثلوج على أزهار ويستيريا أو برقوق، طفل جميل يأكل الفراولة."
بالنسبة للأشخاص الذين يميلون إلى القيل والقال، هناك الكثير من ثرثرة البلاط التي تقدّمها لنا المؤلّفة. كما تقدّم الكثير من الحكايات المثيرة عن الرجال الذين عرفتهم وعن نساء يابانيات ثريّات يزرن المعابد أو يقلن الشعر أو يكتبن قوائم الواجبات. وهنّ بشكل عام ذكيّات وأنيقات طوال الوقت.
تقول الكاتبة في جزء آخر من الكتاب: يا لجمال ليالي الصيف، ليس فقط عندما يظهر القمر، ولكن أيضا في الليالي المظلمة، حيث تطير اليراعات ذهابا وإيابا، وحتى عندما يهطل المطر!".
ثم تقول: الألواح الأرضية في غرفة الانتظار لامعة بحيث تعكس كل شيء في الجوار. تنساب الستائر بسلاسة لتكشف عن سيّدة المنزل التي ترتدي تحت الرداء الداكن الذي تستخدمه كغطاء لسريرها ثوبا أبيض غير مبطّن وبنطالا قرمزيا".
وتقول: من أحد جوانب القاعة يأتي صوت موسيقى العود الجميلة. ينقر العازف الأوتار بلطف بحيث يسمع المرء بالكاد رنين النغمات. وفي جزء آخر من الغرفة، تتجمع السيّدات معا تحت ستارة مغلقة. وتشتعل النار في أعماق مبخرة، ناشرةً رائحة حزينة غامضة ومليئة بالأناقة الهادئة".
وتقول أيضا: في وقت متأخّر من المساء، هناك صنبور خفيّ في الخارج. تسرع وصيفة تعرف دائما ما يحدث إلى البوّابة وتسمح للزائر بالدخول. ثم بنظرة متعجرفة على وجهها تقوده خلسة إلى شخص ينتظر وصوله".
مضمون الكتاب يوحي بأنه كان يُسمح لسيّدات بلاط سلالة هييان بمزيد من الحرّية مقارنة بمعظم النساء اليابانيات في ذلك الوقت. وعلى الرغم من الستائر التي تحجبهن عن الأنظار، كانت هناك إمكانية لعلاقات شبه سرّية، يسبقها ويتبعها تبادل منمّق للشعر.
في مقدّمة الكتاب، تكتب سي شوناغون: لقد كتبت كلّ هذه الملاحظات في المنزل، عندما كان لديّ قدر كبير من الوقت لنفسي واعتقدت أن أحداً لن يلاحظ ما كنت أفعله. وقد ضمّنتها كلّ ما رأيته وشعرت به. ولأن الكثير منها قد يبدو خبيثا وحتى ضارّا بالنسبة للآخرين، فقد حرصت على إبقاء كتابي مخفيّا، لكنه أصبح الآن علنيّا، وهو آخر شيء كنت أتوقّعه."
وتضيف: بدأت في ملء دفاتر الملاحظات بحقائق غريبة وقصص من الماضي وكلّ الأشياء الأخرى التي غالبا ما تتضمّن أكثر الموادّ تفاهةً. وبشكل عام، ركّزتُ على الأشياء والأشخاص الذين وجدتهم ساحرين ورائعين. كما ان ملاحظاتي مليئة أيضا بالقصائد والملاحظات عن الأشجار والنباتات والطيور والحشرات. ومهما كان رأي الناس في كتابي، فإنني لا أزال أشعر بالأسف لأنه ظهر إلى النور."
يجب الاعتراف بأن شوناغون ليست إنسانة مثالية. فهي تكره أفراد الطبقات الدنيا، خاصّة إذا كانوا يرتدون ملابس سيّئة أو يصفّفون شعرهم بشكل خاطئ. "الرجال لديهم مشاعر غريبة حقّا ويتصرّفون بطرق أكثر غرابة. وفي بعض الأحيان يترك الرجل امرأة جميلة جدّا ليتزوّج بأخرى قبيحة".
لكن شوناغون تكتب بعد ذلك قصصا قصيرة مثل هذه: امرأة جذّابة ينسدل شعرها بشكل فضفاض فوق جبينها تلقّت رسالة في الظلام. من الواضح أنها غير صبورة كثيرا بحيث لا يمكنها انتظار المصباح، وبدلاً من ذلك تلتقط جذوة نار مشتعلة من الموقد وتقرأ بجهد على ضوئها الشاحب."
وتروي الكاتبة قصصا أخرى عن الإمبراطورة ورجال الحاشية الآخرين، وتحرص على أن نعرف آراءها في كلّ شيء. كما تسرد أسماء الجبال والبحيرات والغابات والمعابد وتعطي آراءها حول الموضات والألوان التي تبدو متناغمة معا.
ومن نماذج العناوين التي اختارتها لبعض مقاطع كتابها: الأشياء التي يصعب قولها"، و"المميّزات التي أحبّها بشكل خاص"، و"الأشياء التي تستحقّ المشاهدة"، و"الأشخاص الذين يبدون سعداء مع أنفسهم"، و"الأشياء القريبة رغم كونها بعيدة"، و"الأشخاص الذين يعانون"، و"الأشياء التي تجعل المرء متوتّرا"، و"الأشياء التي تبدو أفضل في الليل منها في النهار"، و"الأشياء التي تجعل المرء يشعر بالندم".
تمّ تداول "كتاب الوسادة" في البلاط الامبراطوري، وظلّ متوافرا في المخطوطات المكتوبة بخط اليد لعدّة مئات من السنين. وطُبع لأوّل مرّة في القرن السابع عشر، وهو موجود بإصدارات مختلفة، غُيّر في بعضها ترتيب الإدخالات وأضيفت او حُذفت أو حُرّرت تعليقات وفقرات.
والذين كتبوا عن سي شوناغون في ما بعد وصفوها بأنها كانت امرأة مشاكسة، مع ثرثرة متأصّلة ومتعجرفة. وكانت تمضي أيّامها في كسل، تكتب شعرا وتعليقات لاذعة حول الخدم والطبقات الدنيا وتتقرّب من رجال الحاشية. لكنها أيضا كانت سريعة البديهة وحسّاسة ومنتبهة تماما لكل جمال العالم، وعندما تكتب بهذه الطريقة لا يسعك إلا أن تحبّها:
الأشياء التي تجعل قلب الإنسان ينبض بشكل أسرع: العصافير وهي تطعم صغارها، والمرور بمكان يلعب فيه الأطفال، والنوم في غرفة تضوع فيها رائحة بخور فاخر".
إن كنت من محبّي الشعر والسفر عبر الزمن، فستستمتع بهذه الرحلة إلى اليابان في القرن العاشر الميلادي، حيث ستشاهد عالما جديدا ومختلفا من خلال عيني امرأة.
Credits
kyotojournal.org
kyotojournal.org