:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات ووترهاوس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ووترهاوس. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، مايو 25، 2016

عن الفنّ والإبداع/2


يبدو أننا عندما نتحدّث عن "رسّامين عظام"، فنحن في الغالب نقصد الرسّامين الذين نحبّهم أو الذين نعتبرهم نحن "عظماء".
وحتى الآن، لا توجد أداة محدّدة لقياس جدارة فنّان من عدمه، لأنه ليست هنالك معايير واضحة لذلك.
لماذا مثلا لا يُعتبر جون ووترهاوس أو لورانس الما تاديما أو جون سارجنت أو ويليام بوغرو أو جان اوغست آنغر من الرسّامين العظماء المعترف بهم، تماما مثل فان غوخ ومونيه وبيكاسو؟
بالمناسبة وعلى سيرة آنغر، بعض النقّاد اليوم يعتبرون لوحاته مصطنعة وباردة. ومن الملاحظ أن لا احد من شخوصه حرّ، فالجميع مكبّلون بقوانين الطبيعة وبالقدَر، وكأنهم لا يستطيعون الهرب. ومع ذلك ففي لوحاته تلك الجاذبية المتجمّدة.
كان آنغر يريد أن يصبح رسّام تاريخ، يرسم مثل تلك اللوحات الفخمة المليئة بالشخوص التي رسمها مثله الأعلى رافائيل. وبسبب كلّ الواقعية والإيهام في فنّه، تبدو لوحاته اصطناعية وتجريدية. ولذا لم يكن مدهشا أن يُعجَب به بيكاسو وديغا ودي كوننغ وغيرهم من الرسّامين الحداثيين. وبالرغم من هذا، لا نسمع باسمه هذه الأيّام إلا بالكاد.
النقّاد أيضا يتّفقون على انه من الأمور التي تؤثّر في كون رسّام ما عظيما هو مدى تأثيره على الفنّانين الذين أتوا بعده وعلى تاريخ الفنّ عموما. ولهذا السبب تضمّن الموضوع السابق إشارة إلى بيكاسو باعتباره رسّاما عظيما لأنه أرسى مدرسة ونهجا وترك أثرا كبيرا على أجيال من الرسّامين الذين جاؤا بعده.
وفي المقابل، بعض الرسّامين فشلوا في أن يكون لهم تأثير، ثمّ لم يكن لهم معجبون كثر بمثل ما كان لمونيه وديغا مثلا. وهذان الاثنان كانا بارعين في الرسم الأكاديمي، لكنهما تعلّما المزيد وشيّدا فوق ما شيّده أسلافهما.
إن جوهر أيّ عمل فنّي هو فكرة وصورة. والعمل الفنّي ليس فقط صورة جذّابة وجميلة، وإلا فإن تلك النساء الجميلات اللاتي تزيّن صورهنّ أغلفة مجلات الأزياء والموضة اليوم سيكنّ بمثل عظمة "فينوس" تيشيان مثلا وربّما أعظم.
ولو قال احد من الناس إن يوهان شتراوس هو موسيقاره المفضّل والعظيم لكان هذا من حقّه الذي لا ينازعه فيه احد. لكن لو قال إن شتراوس أعظم من موزارت، لكان من حقّّ أيّ احد أن يعترض عليه لأن ما يقوله ببساطة غير صحيح.
الظروف التي تحكم الفنّ والموسيقى والأدب تتغيّر مع مرور الزمن وباستمرار. وعندما تتغيّر فإن بعض الفنّانين ترتفع مكانتهم والبعض الآخر تنخفض. خذ مثلا يوهان سيباستيان باخ، هذا الموسيقيّ العبقريّ لم يُشتهر ولم يعرفه الناس إلا خلال المائتي عام الأخيرة، وكان قبل ذلك نسيا منسيّا ولا يكاد يتذكّره احد.
ومع انتشار المدارس الفنّية الحديثة، توارى تاديما و ووترهاوس وسارجنت وغيرهم وقلّت أهمّيتهم. ونفس الشيء يمكن قوله عن الرسّامين ما قبل الرافائيليين الذين لم نعد نرى صورهم سوى في بعض أفلام الفانتازيا والخيال العلمي.
وأخيرا، هناك رأي رائج في أوساط بعض النقّاد ومؤرّخي الفنّ يقول إن أيّ فنّان لا يمكن أن يدخل نادي المشاهير الدائم إلا إذا بقي مائتي سنة، على الأقلّ، في التداول. لكن هذا الرأي لا ينسجم مع الواقع، ومثال باخ المشار إليه آنفا يقدّم الدليل الواضح على عدم صحّته.
للحديث بقيّة ..

Credits
alma-tadema.org
jeanaugustedominiqueingres.org
johnsingersargent.org
bouguereau.org

السبت، مارس 30، 2013

شكسبير في الرسم

المسرحيات الخالدة لـ وليام شكسبير (1564-1616) وجدت طريقها إلى السينما والموسيقى وألهمت رسّامين كثيرين بشخصيّاتها الحيّة وحبكاتها التي لا تُنسى.
الشخصيّة الرئيسيّة في مسرحية "اوتيللو" محارب مغربيّ تقوده شكوكه إلى الاعتقاد بأن زوجته ديدمونا تخونه. صديقه ومستشاره اياغو يحاول بمكر إقناعه بأن شكوكه في مكانها وأن زوجته غير مخلصة له. هنا تسيطر الغيرة على اوتيللو ويقرّر قتل زوجته فيخنقها بوسادة وهي في سريرها. المأساة الأكبر تحدث عندما يكتشف اوتيللو أن ديدمونا بريئة. وفي نهاية المطاف، وتحت تأثير شعوره بالذنب والندم، يُقدِم على الانتحار.
الليلة المشئومة والأخيرة لـ اوتيللو وزوجته صوّرها رسّامون مثل وليام باول وأدولف وايز. الرسّام الرومانسي الفرنسيّ أوجين ديلاكروا تناول هو أيضا هذه القصّة في لوحة رسمها عام 1847م. ديلاكروا رسم غرفة نوم ديدمونا بلون احمر فاقع، وهو لون العاطفة والغضب. اوتيللو يدخل الغرفة غاضبا وحاملا بيده مصباحا، بينما تنام ديدمونا قريرة العين. رسم ديلاكروا هذه اللوحة بعد أن شاهد اوبرا اوتيللو للمؤلّف الموسيقي الايطالي غيوتشينو روسيني، والمستوحاة من المسرحية الأصلية.
مسرحية شكسبير "روميو وجولييت" منحت العالم حكاية أشهر عاشقين منكوبين في التاريخ وجدا نفسيهما مسجونَين داخل شبكة من العائلات المتناحرة حيث لا مكان سوى للخناجر والسموم.
الفنّان البريطاني فورد مادوكس براون رسم عام 1870 لوحة تصوّر موعدا في الشرفة بين العاشقين روميو وجولييت.
زميله الإنجليزي الكلاسيكي فريدريك ليتون اختار أن يصوّر المشهد الختاميّ للمسرحية، فرسم لوحة بعنوان المصالحة بين عائلتي مونتاغيو وكابيوليت. في اللوحة تظهر الروحان الهامدتان وهما تحتضنان بعضهما البعض إلى الأبد، بينما أسرتاهما اللتان أدركتا بعد فوات الأوان حماقة قتالهما تتفقان أخيرا على هدنة. ليتون يوحّد العاشقين بطريقة جميلة من خلال الخطوط الطويلة والفضفاضة. زعماء العائلتين يتصافحون أمام خلفية غامضة، بينما يخيّم الوجوم على الأقارب الآخرين حزنا على الموت العبثيّ للشابّ والفتاة.
مسرحية "الملك لير" تحكي قصّة حاكم انجليزي قديم وبناته الثلاث. اثنتان منهنّ متآمرتان ومخادعتان، بينما الأخرى صادقة ومُحبّة. ومن خلال بناء شكسبير المثير والمحكم، يتمّ إقناع الملك لير بأن ينفي كورديليا الابنة التي تحبّه حقّاً، ويثق في ابنتيه الشرّيرتين غونيريل وريغن.
الفنّانون كثيرا ما رسموا مشهد إصابة الملك لير بحالة من الجنون ترمز إليها عاصفة. ومن بين هؤلاء جورج رومني وجون رونسيمان. لكن هناك من فضّل أن يرسم كورديليا ولير معا.
فنّان القرن التاسع عشر بول فالكونر رسم صورة مؤرّقة للملك المضطرب يظهر فيها بلحية بيضاء وقد أنهكته الحروب. والرسّام إدوين أوستن آبي رسم الابنتين المنحرفتين غونيرل وريغن جنبا إلى جنب قبل أن تتحوّل علاقتهما في نهاية المطاف، وبشكل غير مستغرب، إلى حالة من العداء. بينما رسم جيمس باري الملك وهو يحتضن بحرقة جسد كورديليا الميّت.
الليدي ماكبث وأوفيليا هما شخصيّتان رئيسيّتان في مسرحية "هاملت". وقد تناولهما الرسم مرارا. أوفيليا، على وجه الخصوص، ببراءتها وقبرها المائيّ، كانت الموضوع المفضّل لفنّانين مثل جون ايفرت ميليه وجون ووترهاوس ودانتي غابرييل روزيتي والكسندر كابانيل وغيرهم.
الرسّام الرمزي الفرنسي أوديلون ريدون رسم أوفيليا مع زهورها البرّية الشهيرة، كما رسمها وقت وفاتها. وكلا اللوحتين تُمسكان بصفاتها الأثيرية وروحها المنكسرة.
ريدون رسم أيضا لوحة أخّاذة لليدي ماكبث باستخدام مجموعة من الألوان الفريدة التي تتناسب مع هذه الشخصية المختلفة جدّا. وبحكم كونها زوجة ماكبث، فإن الليدي تدفع زوجها لارتكاب جريمة قتل كي يصبح ملكا على اسكتلندا. وعلى الرغم من أنها كانت تتمتّع بقدر من السلطة، إلا أن إحساسها بالذنب، في النهاية، يصبح كبيرا بما لا يُحتمل.
لوحة ريدون عن الليدي ماكبث تميّزها بقع متوهّجة من الأحمر والبرتقالي، بينما يظهر وجهها المتجّهم وقد عَلَته آثار الشرود والتوتّر بسبب الهواجس التي تنتابها بأنها ملوّثة بالدم إلى الأبد. "مترجم".

Credits
artuk.org

الأحد، يوليو 22، 2012

ووترهاوس و أوفيليا

أوفيليا هي إحدى الشخصيّات الرئيسية في مسرحية هاملت لـ شكسبير. في بداية المسرحية، تظهر اوفيليا كعذراء بريئة تمشي في الطبيعة وتغنّي للأزهار. لكنّ والدها يقرّر أن يوظّف جمالها للتلاعب بـ هاملت، فتقع في حبّه. ثمّ تعرف في نهاية المطاف أن هاملت قتل والدها بعنف، فتمرّ بمعاناة رهيبة نتيجة تشتّت عواطفها واضطراب أفكارها ما بين حبّها لـ هاملت وهجره إيّاها وحزنها على والدها. ونتيجة لعجزها عن التعامل مع الموقف، تقع أوفيليا ضحيّة حالة جنون حقيقيّ وتقرّر الانتحار غرقا.
شكسبير يكثّف الطبيعة المأساوية لشخصيّة اوفيليا، خاصّة بعد أن حوّلها الصراع بين الرجال إلى ضحيّة، وذلك بجعلها تموت خارج الكواليس. ثم تتلاشى أوفيليا ببساطة، كقطرة في ماء وترحل بعيدا مثل بتلات الزهور.
رسم أوفيليا العديد من الفنّانين واستخدموها بكثرة كرمز لهشاشة النساء وللفرص الضائعة. الرسّامون ما قبل الرافائيليين وجدوا في قصّتها موضوعا لا يقاوم للوحاتهم. المشهد التراجيدي العظيم في شخصيّتها ورمزية العذراء الشابّة الغارقة في الجنون أضافت إلى الصورة مزيدا من القوّة والجاذبية. وحتّى في وقتنا الحاضر، ما تزال صورة أوفيليا تلهم خيال الفنّانين والأدباء والشعراء.
الفنّان جون وليام ووترهاوس رسم ثلاث لوحات لـ أوفيليا، وكلّ واحدة منها تصوّر المرأة في مرحلة مختلفة أثناء الفترة التي سبقت وفاتها.
في لوحة من عام 1889 "الثانية إلى اسفل"، يرسم ووترهاوس اوفيليا وهي مستلقية في مرج وشاردة التفكير، بينما تمسك شعرها بيدٍ وبالأخرى باقة من شقائق النعمان. عيناها تنظران إلى الخارج في انشغال منوّم تقريبا. تمثيل الطبيعة الخلابة في هذه اللوحة تمّ بطريقة حسّاسة ومذهلة. العشب وبتلات الزهور مفصّلة بعناية، وتخلق خلفية خضراء وخصبة. ليس مستغربا هذا الهوس الذي يبديه ووترهاوس في الاهتمام بالتفاصيل. وقد احتفظ بهذه اللوحة في محترفه زمنا، ثمّ عاود العمل عليها مرّات ومرّات على مدى سنوات.

لوحة ووترهاوس الثانية لـ اوفيليا ظهرت في العام 1894م. وفيها تبدو المرأة جالسة وسط بركة من أزهار الزنبق في اللحظات الأخيرة قبل وفاتها. ملابسها الفخمة تتباين مع الطبيعة المحيطة. ومرّة أخرى، وضع الرسّام الأزهار على حجرها وفي شعرها في محاولة لربطها بمحيطها الطبيعيّ. اوفيليا تحدّق في المياه المظلمة للبحيرة، بينما يظهر جانب من وجهها الهادئ في نظرة جانبية. في هذه اللوحة، يبدو الموضوع بعيد المنال. وعلى الأرجح، لم ينجح الرسّام في أن يصوّر بدقّة امرأة قرّرت أن تأخذ حياتها وتنتحر.
تصوير ووترهاوس الثالث والأخير لـ أوفيليا "اللوحة الأولى فوق" كان في عام 1910، وهو الأكثر دراماتيكية. وكما في اللوحتين الأخريين، تظهر هنا أيضا مزيّنة بالورود وبشعر طويل ومائل إلى الحمرة. لكن اوفيليا هذه تختلف كلّيا عن سابقتيها. فالرسّام يصوّرها أكثر نضجا وأنوثة. كما أنها ترتدي ثوبا أزرق قرمزيا بدلا من الثوب الأبيض العذري. اوفيليا تقف في مقدّمة اللوحة وتحتلّ معظم الصورة بينما تحدّق في الناظر. نظراتها الحادّة وخدّاها المشوبان بحمرة يعبّران عن حالة اليأس التي تتملّكها. يدها تستريح على الشجرة لكي توازن نفسها قبل أن تخطو في الماء. وهناك شخصان يظهران في الخلفية. إنهما ينظران، لكن لا يبدو أنهما يدركان أن المرأة ماضية إلى مصيرها.
جون وليام ووترهاوس كان احد الفنّانين النادرين الذين أصبحوا يتمتّعون بالشعبية والثراء أثناء حياتهم. وكان لأسلوبه تأثير كبير على العديد من الرسّامين ما قبل الرافائيليين مثل فرانك ديكسي وجيمس دريبر. وبشكل عام، لا يُعرف سوى القليل جدّا عن حياته الخاصّة. لكن يقال انه كان شخصا خجولا ومتحفّظا نوعا ما. وقد نجح الرسّام في تطوير أسلوبه الخاصّ في الرسم والذي كان مزيجا من الكلاسيكية والرومانسية.
كان ووترهاوس مشهورا، ليس فقط بتوليفاته ومهاراته الفنّية العالية، وإنّما أيضا بموهبته في التقاط الكثافة الدرامية لموضوعاته. كان يحبّ أن يرسم شخصيات نسائية منكوبة، وكان غالبا يستخدم زوجته كموديل. "مترجم".

الجمعة، مايو 04، 2012

خطوط وألوان

بانكسي، راشق الزهور، 2003

رسّام الغرافيتي البريطاني بانكسي يلعنه البعض ويمجّده آخرون. ولأنه مطارَد باستمرار من الشرطة بتهمة تخريب الممتلكات العامّة، فإنه يحرص على إخفاء هويّته الحقيقية. ولا احد حتى الآن يعرف اسمه أو ملامحه ولا مكان إقامته على وجه التحديد.
وثمّة إجماع بين النقّاد على أن بانكسي هو اليوم أشهر رسّام شوارع في العالم. وهناك المئات من رسّامي الغرافيتي في أنحاء شتّى من العالم يقلّدون رسوماته ويتبنّون أسلوبه.
وأعماله المشهورة مرسومة على الحيطان والشوارع والجسور، ومن السهل التعرّف عليها بسبب أسلوبه الفريد والخاصّ. وهو يستخدم أسلوب السخرية كي يوصل آراءه السياسية المرتبطة بالحداثة والمعادية للحرب والرأسمالية.
وعمله الأكثر شهرة عنوانه "راشق الزهور"، وفيه يصوّر متظاهرا في احد الشوارع وهو يهمّ بإلقاء، ليس قنبلة مولوتوف كما جرت العادة، وإنما باقة من الزهور.
ورغم غموض بانكسي وتخفّيه الدائم، إلا أن نسخة أصلية من هذا العمل بيعت مؤخّرا بأكثر من مائة ألف جنيه إسترليني في احد المزادات.
بانكسي يعتقد أن فنّه ينتمي إلى الشوارع وليس إلى المتاحف. ولهذا السبب سمح لزوّار موقعه الاليكتروني بتنزيل رسوماته وتداولها واستخدامها لشتّى الأغراض بالمجان.
الغموض الذي يكتنف شخصية بانكسي والرسائل القويّة التي تحملها رسوماته الجدارية أسهما في رواج أعماله وازدياد الطلب عليها من قبل هواة جمع الأعمال الفنّية والشخصيات المشهورة.

❉ ❉ ❉

إيفان ارغونوف، بورتريه امرأة مجهولة باللباس الروسي، 1784

الشخصية الناعمة والوجه الهادئ والصافي والابتسامة الخفيفة هي من الملامح التي تميّز الأسلوب الكلاسيكي في تمثيل صورة الأنثى النبيلة والمملوءة إحساسا بالتناغم والعاطفة والفضيلة. كان هذا الأسلوب منتشرا على نطاق واسع في الرسم الروسي في القرن الثامن عشر وكما تجسّده هذه اللوحة.
الرسّام ايفان ارغونوف رسم هنا امرأة ريفية بملابس روسية تقليدية تتألّف من غطاء الرأس المسمّى الكوكوشنيك ومن السارافان وهو فستان ذو أكمام طويلة يُلبس عادة فوق قميص.
يقال إن الموديل كانت ممثّلة تدعى آنّا كانت تعمل خادمة في قصر أسرة شيرميتيف. ارغونوف نفسه ينحدر من عائلة من الخدم الذين كانوا يعملون لدى عائلة هذا الأمير. وقد أنجبت أسرة ارغونوف العديد من المهندسين والرسّامين والمعماريين. وفي ما بعد أصبح ارغونوف مديرا لقصر سيّده ومشرفا على ضيعه وأملاكه.
تفاصيل البورتريه مدهشة. وقد برع الفنّان خاصّة في رسم تفاصيل اللباس واستطاع بدقّة كبيرة أن يصوّر الخيوط الذهبية المستخدمة في تزيين غطاء الرأس والفستان مضيفا إليها خاصيّة لمس. وفعل نفس الشيء أيضا في رسم النسيج الرقيق للأكمام والزرّ الأحمر المتألّق والوحيد الذي يتوسّط ياقة الفستان. كما انه لم يهمل المظهر الجسدي للمرأة التي تبدو بخدّين متورّدين وبحاجبين مشذّبين. وقد أضاف إلى زينتها قرطا كبيرا وقلادة من المرجان.
في زمن الرسّام، كان رسم البورتريه يحظى بشعبية كبيرة بين طبقات المجتمع الرفيعة. وكان من عادة الإقطاعيين أن يحرصوا على تعليم خدمهم المهن والمهارات الفنّية وفي طليعتها الرسم.
في البورتريه لمحة من أسلوب الروكوكو الذي يعود إلى منتصف القرن الثامن عشر ويتسم بملامحه الزخرفية وإيلائه اهتماما خاصّا بتفاصيل الديكور والملابس والأثاث.
من أشهر لوحات إيفان ارغونوف الأخرى موت كليوباترا، وبورتريه الإمبراطورة كاترين الثانية التي رسمها وفقا لتقاليد الرسم الاحتفالي.

❉ ❉ ❉

إدوارد مونك، حُزن، 1901

الفنّان النرويجي إدفارد مونك كان يرسم المشاعر والانفعالات الإنسانية. ولوحاته ليست صورا جميلة للطبيعة وإنما تأمّلات عميقة عن الحياة والحبّ والموت والحزن.
كان مونك يحيط شخوصه بنوعية من الظلال والألوان التي تثير في ذهن الناظر مشاعر وأحاسيس متباينة ومختلفة.
في هذه اللوحة يرسم الفنّان صديقه الكاتب النرويجي ياب نيلسن وهو يجلس على شاطئ، منعزل ومقفر بينما هو مستغرق في تفكير عميق. كتفاه محنيّان وتعابيره قاتمة. الألوان الأسود والأصفر والرمادي تمنح إحساسا عن طبيعة هي نفسها مظلمة. نيلسن كان في ذلك الوقت يعاني من أزمة عاطفية مستحكمة. ومونك يُظهر لنا في اللوحة قلق صديقه الذي هو جزء من حالة الإنسان في العالم المعاصر.
المنظر يمكن أيضا أن يكون تجسيدا لمعنى الحياة نفسها. شخص وحيد يجلس على شاطئ مجهول بينما يراقب الحياة وهي تمضي. وكلّ لحظة تمضي سرعان ما تصبح ماضيا. البشر يأتون ويذهبون. وكلّ لحظة تمضي هي خصم من حياة الإنسان. كلّ شيء يتغيّر باستمرار سواءً للأحسن أو للأسوأ.
والقليلون هم من يملكون الحساسية والذكاء ليشعروا بأحزان الآخرين. ومونك كان، ولا شكّ، احد هؤلاء. هذه اللوحة يمكن اعتبارها من الأعمال الفنّية العظيمة بما تثيره في نفس المتلقّي من تفكير وتأمّل عميق. ومثل هذه المشاعر عن الحزن والكآبة لا يمكن أن ينقلها في صورة واحدة وقويّة ومؤثّرة سوى فنّان عظيم.

❉ ❉ ❉

جون وليام ووترهاوس، ديوجين، 1882

عاش الفيلسوف الإغريقي ديوجين في القرن الرابع قبل الميلاد. وتُروى عنه بعض الحكايات التي تختصر فلسفته عن الحياة والناس. كان مثلا يؤمن بأن السعادة يمكن تحقيقها من خلال إشباع الاحتياجات الطبيعة للإنسان، وأن ما هو طبيعي لا يمكن أن يكون مخزيا أو غير لائق.
كان ديوجين يعيش حياته ببساطة شديدة. ولم يكن ملتزما بأفكار وقناعات المجتمع لدرجة انه لُقّب بالكلب، وهو الاسم الذي اشتقّت منه فلسفة التهكّم والسخرية أو ما أصبح يُعرف بالكلبية. كما كان يعبّر عن احتقاره وسخطه على المجتمع وعدم اكتراثه بالعادات والتقاليد والقوانين. لذا اعتزل الناس وفضّل أن يسكن في برميل خشبيّ كان يطلق عليه المنزل المتنقّل لأنه يتحدّى تقلّبات الفصول.
في ذلك البرميل، الذي أصبح مشهورا وموضوعا للفلاسفة، كان ديوجين يُخضع نفسه لحالات متطرّفة من برودة وحرارة الطقس ويأكل طعاما بسيطا مما يجود به عليه الناس. وقد درج على أن يحمل بيده مصباحا في وضح النهار. وعندما كان يُسأل عن السبب كان يقول: إنني ابحث عن إنسان صادق".
وتروي بعض المصادر حادثة زيارة الاسكندر المقدوني لـ ديوجين. فقد كان الأخير يتشمّس بالقرب من "بيته" ذات صباح عندما جاءه الاسكندر عارضا عليه مساعدته. فردّ ديوجين: فقط ابتعد قليلا لأنك تحجب ضوء الشمس عنّي".
الفنّان جون ووترهاوس رسم ديوجين اعتمادا على الفكرة الشائعة عنه. وقد رسمه داخل برميل وإلى جواره مصباحه المشهور وبعض ثمار البصل، في إشارة إلى بساطته وزهده. ووترهاوس وضع ديوجين إلى جانب الدرج، وفي هذا محاكاة للوحة رافائيل "مدرسة أثينا" التي يظهر فيها ديوجين جالسا على درج. أما المرأة في اللوحة فقد حلّت محلّ الاسكندر بوقوفها بين ديوجين التعيس وأشعّة الشمس.
كان الكلبيون يرفضون الحكومة والزواج والدين والامتلاك. ولم يكونوا يهتمّون بأمور اللباس والمسكن وغيرهما ممّا يعتبره الناس عادة من ضرورات الحياة. ولهذا لم يكن ديوجين يتردّد في سرقة ما يحتاجه، زاعما أن جميع الأشياء في هذا العالم هي ملك للإنسان الحكيم.

Credits
joyofmuseums.com

الخميس، يناير 07، 2010

محطّات



حوالي منتصف القرن الخامس عشر، كان يعيش في نابولي فنّان شابّ ولامع. كان عمره لا يتجاوز الخامسة عشرة وكان اسمه انتونيللو دي ميسينا. وإلى هذا الشابّ يعود الفضل في إدخال تقنية الرسم بالألوان الزيتية إلى ايطاليا والتي أخذها عن الرسّام الهولندي يان فان ايك. لوحة انتونيللو بشارة العذراء كانت الدليل الأقوى على إجادته وإتقانه لتلك الحرفة.
وقد ولد انتونيللو في ميسينا بـ صقلية وأصبح اسم مدينته ملحقا باسمه فصار انتونيللو دي ميسينا. وأهمّية الرسّام ليست فقط في اختراع وسيط جديد وإنما في ابتكار أسلوب جديد في الرسم.
في ذلك الوقت كانت الجداريات هي الوسيلة المهيمنة في رسم المناظر والبورتريهات الدينية. كان رسم جدارية يتطلّب ملء الجدار بالجبس المبلّل والأصباغ التي تجفّ بسرعة مع ما ينطوي عليه ذلك من جهد وصبر.
لكن اللوحات الزيتية لم تكن تتطلّب شيئا من ذلك. إذ كانت تُحمل بسهولة وتستغرق وقتا أطول حتى تجفّ ويلزمها مهارة اقلّ. وفي الحقيقة كان وقت جفافها الطويل نسبيا بمثابة رصيد ثمين بالنسبة للرسّام. فقد كانت تسمح بمزج الألوان إلى ما لا نهاية وجعلها تبدو مشعّة. كما كانت الألوان الزيتية أكثر تسامحا مع الأخطاء من الوسائط اللونية القديمة.
انتونيللو اثبت إلى درجة لا تصدّق تنوّع استخدام الألوان الزيتية والتأثيرات البصرية الهائلة التي يمكن أن يحقّقها الرسّام من خلال استخدامها.
وقد كلفه بعض أهالي فينيسيا برسم لوحات وبورتريهات دينية في الكنائس سرعان ما أصبحت تفتن الناس ببريقها الأخّاذ ومرونة شخوصها.
وهرع إليه رسّامون مثل بيلليني ومانتينا كي يتعلّموا منه الرسم بطريقة أفضل وأكثر سطوعا.
وفي ما بعد عزا كلّ من جورجيوني وتيشيان الكثير من نجاحهما إلى انتونيللو وتأثيره.
وانتشرت أعماله بعد ذلك إلى ميلانو حيث تأثّر به الشابّ ليوناردو الذي كان ما يزال وقتها يتلمّس طريقه في الرسم.
ومن المفارقات الغريبة أن هذا الفنان باكتشافه الألوان الزيتية كان احد العوامل الأساسية في تأجيج تلك العبقرية المدهشة التي اتسم بها الرسم الايطالي خلال ما أصبح يُعرف في العصور التالية بعصر النهضة الشمالية.


هذه قصّة كلاسيكية، لكنّها معروفة. السؤال: هل يمكن أن يموت الإنسان من كثرة الجنس؟ هذا ما حدث للفنّان الايطالي الموهوب رافائيل، طبقا لكاتب سيرته في القرن السادس عشر جورجيو فاساري.
يروي فاساري في كتابه "حياة الفنّانين" أن رافائيل، الذي مات في سنّ السابعة والثلاثين وهو في أوج مجده، أسقطته عاطفته المشبوبة. هذا الرأي نجد له صدى في القرون الوسطى التي شاعت فيها فكرة تقول إن صحّة الإنسان تعتمد إلى حدّ كبير على خلق توازن دقيق بين مزاج الإنسان وعواطفه.
ويقال إن رافائيل جنت عليه كثرة الحركة في السرير. طبعا هذه مجرّد نظرية. لكنّ فاساري يورد تفاصيل عن الحياة العاطفية لـ رافائيل. فالرسّام الشاب والموهوب والوسيم كان شغوفا كثيرا بمحبوبته لدرجة انه أصرّ على أن يُسمح لها بالعيش معه في الفيللا التي كان يسكنها في روما عندما كان مكلّفا برسم بعض جدارياته.
لا جنس، إذن لا جداريات! هذا كان شرطه. والواقع أن قصّة علاقة رافائيل مع لا فورنارينا كانت مصدر فتنة للفنّانين على مرّ العصور.
في إحدى لوحاته، يصوّر جوزيف تيرنر رافائيل وهو يكشف عن لوحاته الأخيرة بينما تتبعثر حُليّ "لا فورنارينا" على الأرض. وفي الخلفية تبدو بعض معالم الفاتيكان.
كان رافائيل الرسّام المفضّل عند الباباوات. والحقيقة أن فكرة أن يمارس رسّام الكنائس الرائع الحبّ مع عشيقته في الفاتيكان كانت كفيلة بإلهاب مخيّلة تيرنر كما فتنت بيكاسو بدرجة اكبر.
وقبل وفاته بفترة قصيرة، رسم بيكاسو عدّة لوحات يصوّر فيها رافائيل وحبيبته وهما يلهوان بينما يختبئ مايكل انجيلو تحت سريرهما.
ويبدو أن أسطورة رافائيل الشهواني دوّخت الفنانين. لكن هل يمكن أن تكون القصّة حقيقية؟
احد الخيارات هو أن نرفض القصّة من أساسها على اعتبار أنها مجرّد حكاية إباحية مثيرة. لكن يتعيّن علينا أن ننظر إلى بورتريه رافائيل بعنوان امرأة متكشفة. ترى، هل هي لا فورنارينا؟
في قصر باربيريني في روما تقف المرأة مستعرضة جمالها بطريقة كلاسيكية وحميمة في الوقت نفسه. وهي ترتدي ربطة ذراع تعلن من خلالها أنها له. انه إعلان لا ينقصه الغموض عن الرغبة. فهي ليست متجردة مثالية أو بعيدة المنال. لكنها عشيقة الفنّان نفسه.
الأمر المؤكّد هو أن الجنس لم يقتل رافائيل. بل قد يكون العامل الذي حافظ على بقاء فنّه حيّاً.


الهدوء الذي يحيط بـ نابولي والاضطرابات "التكتونية" تحتها هي تعبير مثالي عن حقيقة انه لا يمكن الاعتماد على ما تراه أعيننا ظاهريا.
نظرت ذات يوم إلى لوحة جوزيف رايت اوف ديربي المذهلة بعنوان بركان فيزوف في حالة ثوران. كنت قد تعجّبت قبل ذلك من وابل الأضواء الذهبية والنيران الوردية المنبثقة من ظلمة الغيم والدخان في اللوحة. الفارق بين المنظر الذي رأيته بعينيّ في نابولي وبين صورة البركان في اللوحة كان مبعث حيرة بالنسبة لي.
فيزوف هو بالتأكيد أشهر بركان في العالم. بيليني الأكبر، عالم الطبيعة القديم، لقي حتفه وهو يراقب ثوران البركان في العام 79 قبل الميلاد والذي تسبّب في تدمير مدينة بومبي بالكامل. وقد وصف ابن أخيه اندفاع البركان في رسالة ما تزال إلى اليوم مرجعا مهمّا لعلماء البراكين.
بركان فيزوف هو بركان نشط، وما يزال قادرا على نفث الدخان والأبخرة. وقد فعل هذا آخر مرّة في أربعينات القرن الماضي. ويقال إن ثوران البركان تأخّر كثيرا. ليس هذا فقط، بل إن المشهد بأكمله حول نابولي مليء بالحفر والموادّ المنصهرة. فالمدينة تقع على خطّ الصدوع بين إفريقيا وأوربّا، وكانت وما تزال في قلب اهتمامات علماء الجيولوجيا.
يقول ريتشارد فورتي في كتابه "الأرض" إن منطقة شمال نابولي هي أكثر قابلية للانفجار من فيزوف نفسه. وما يزعج حقّا هو هذا السؤال: إذا كانت هذه التضاريس خطرة جدّا، لماذا لا نستطيع رؤية الأخطار عيانا؟
أو بتعبير أدقّ: لماذا يصعب علينا أن نتخيّل رؤية فيزوف وهو ينفجر عندما ننظر إليه اليوم؟
النظر عبر خليج نابولي يحيلنا إلى منظر جميل وهادئ. وهناك جبل مؤطّر وحسن الشكل في مواجهة سماء زرقاء. لا يمكن رؤية دخان أو نار. وسيحتاج الأمر لمعجزة كي تكتشف كم أن سكون المكان مخيف وصمته شرّير.
اعتقد أن هذا يقول لنا شيئا مهمّا عن وظيفة النظر. فنحن عادة نصدّق ما نراه ونميل إلى أن نعتقد في الوقت نفسه أن النظر بجدّية واهتمام يمكن أن يوفّر لنا اكتشاف الحقيقة.
غير أن كثيرا من الحقائق هي ببساطة غير مرئية. وهناك مظاهر عديدة خادعة ولا تعبّر عن حقيقة الأشياء.
وفيزوف، الذي يخفي عنفه تحت مظهره الهادئ، هو كناية واضحة عن أن ما نراه بأعيننا أحيانا لا يمكن الركون إليه لأن الواقع قد يكون غير ذلك.


رسم تيشيان نساءً عاريات في لوحاته المبكّرة. ثم رسم المزيد من تلك اللوحات في شيخوخته المتأخّرة. لذا يمكن القول إن فنّ هذا الرسّام الايطالي هو في حقيقة الأمر مزيج من شغب الحبّ وسعار الشهوة.
لوحة ديانا و اكتيان، هذا المهرجان الباذخ من الأضواء والأجساد، هي احد أعظم الأعمال الفنّية الأوربية. كما أنها جوهرة في تاج لوحات هذا الرسّام العظيم والنادر.
لكن لماذا كرّس الفنّان الفينيسي الكثير من عبقريته للجنس؟
رسم تيشيان الكثير من اللوحات الدينية والعديد من البورتريهات التي قلّدها الرسّامون الذين جاءوا بعده عبر قرون. لكنّك لا تستطيع تجنّب إغراء تيشيان عندما تنظر إلى مجموعة أعماله الكاملة.
في إحدى لوحاته المبكّرة يرسم تيشيان شابّين في نزهة مع امرأتين. الرجلان يرتديان ملابس جميلة بينما المرأتان لا ترتديان شيئا. وضعية المرأتين رُسمت بطريقة ذكيّة بحيث تخفي صدرهما.
لكن قبل أن تستنتج أن تيشيان رجل خجول عليك أن تكمل القراءة. لوحة فلورا توضح أن الإخفاء والكشف بالنسبة للرسّام هما تكتيكان بارعان ضمن لعبة فنّية وحسّية. فلورا ترتدي لباسا ابيض ينحسر عن احد كتفيها ليكشف عن جزء من ثديها. إن ما نراه هنا هو عبارة عن فعل غواية واضح ضمن حركة تصويرية مذهلة.
في لوحة حبّ مقدس وحبّ دنيوي، يقارن تيشيان بين امرأة جميلة ترتدي ملابس نفيسة وقرينتها التي تكشف عن جسدها بالكامل تقريبا.
في فينوس اوربينو يرسم الفنّان امرأة مجهولة تضطجع على سريرها كاشفة عن جسدها الذي يبدو في تمام سحره وكماله. صورة حميمية أخرى تأخذك إلى الوراء وقد تثير شجونك. هنا أيضا، كما في كلّ لوحات تيشيان الحسّية، ثمّة حبّ ممزوج برهبة.
ديانا و اكتيان التي رسمها بعد حوالي عشرين عاما من رسْمه فينوس اوربينو ربّما تكشف عن حنين الرسّام في سنّه المتأخّرة لأجساد النساء. وفي لوحاته المكشوفة التي رسمها قبل ذلك، يبدو تيشيان وكأنه يتعمّد منح الناظر الجسد بكامل امتلائه وجرأته.
فلورا وفينوس اوربينو صلبتان وحقيقيّتان. جسد الإلهة المستحمّة وأجساد رفيقاتها الأخريات في دايان و اكيتان تبدو أكثر مراوغة وغموضا. انه الجسد بحدّ ذاته وليست النساء اللاتي يظهرن في هذه اللوحة.
لوحات تيشيان المتكشفة والمثيرة ربّما تعبّر عن تهويمات الفنان وتخيّلاته الفانتازية بعد أن انطفأت عاطفته ودخل خريف العمر.


نرسيس، أكثر أبطال الأساطير الإغريقية مأساوية، لم يمت كسير القلب كما يقال، بل انهار في بركة من الدماء بعد أن أقدم على الانتحار، بحسب ما يقوله مخطوط قديم عُثر عليه مؤخرا.
المخطوط يتضمّن قصيدة قديمة تقول شيئا مختلفا عن ما أورده الشاعر الروماني اوفيد في كتابه التحوّلات.
والآن يعتقد العلماء أن اوفيد قام بتعديل الأسطورة كي يوسّع جاذبيّتها.
كان نرسيس شابّا رائع الجمال، لدرجة انه حتى الرجال كانوا يقعون في حبّه. لكنّه كان يحتقر الجنس. كما أن إعجابه المفرط بنفسه جنى عليه في النهاية ولم يورّثه سوى الأسى والخيبة.
وحسب اوفيد، فإن نرسيس حُكم عليه بأن يحدّق إلى الأبد في صورته المنعكسة في غدير ماء. ثم هام على وجهه إلى أن مات. وبعد أن مات تحوّل إلى أوّل زهرة نرجس نبتت على الأرض.
ويُعتقد أن الأسطورة ظهرت في المجتمع اليوناني القديم المعروف بتحرّره الجنسي. كان الغرض من اختراع الحكاية التحذير ممّا يمكن أن يحدث للشباب الذين يتميّزون بالجمال وحسن الخلقة إن هم رفضوا تودّد أقرانهم الأكبر سنّاً!
تقول القصّة إن الكثير من النساء وقعن في حبّ نرسيس، لكنه رفضهن جميعا. إحدى هؤلاء واسمها ايكو "أو الصدى" أصابها كرب شديد نتيجة تمنّعه عنها وانسحبت إلى بقعة مهجورة. وهناك تلاشت تدريجيا إلى أن لم يبق منها سوى همسة حزينة.
وقد سمعت الإلهة صلوات النساء اللاتي رفضهن ودعواتهن للانتقام منه، فحكمت على نرسيس أن يقع في حبّ صورته المنعكسة في الماء.
وبالرغم من كون نرسيس شخصية أسطورية في الأساس، إلا انه كان لهذه الأسطورة تأثير هائل على الثقافة الإنسانية وعلى الفنّ والأدب وعلم النفس بشكل خاصّ.

السبت، أكتوبر 24، 2009

مواضيع في الفن

ارتبط القمر منذ الأزل بالكثير من الأساطير والقصص والمعتقدات الشعبية في العديد من ثقافات العالم. اليابانيون، مثلا، كانوا يعتقدون أن القمر تسكنه أعداد كبيرة من الأرانب الصغيرة. والصينيون يعتقدون أن إلهة الحبّ والزواج التي تيّسر لرجال ونساء الأرض الاقتران ببعضهم تعيش في القمر.
وبعض قبائل الهنود تعتقد أن امرأة تسكن القمر وتحتفظ هناك بالكثير من دلاء الماء وأنها السبب في نزول المطر على ساكني الأرض.
وسواءً كان ضوء القمر فضيّا أو ذهبيا، غامضا أو حزينا، ساطعا أو باهتا، فإنه يمكن أن يكون منارة في الظلام أو نذير شؤم وخراب، بحسب ما تؤمن به هذه الثقافة أو تلك.
لكنْ أيّا ما كانت دلالات القمر أو تفسيراته، فإنه ظلّ على الدوام مصدر إلهام ليلي للفنانين أيضا، الذين صوّروه في أطواره المختلفة وبأساليب تعبيرية متنوّعة.

عُرف الرسّام الانجليزي جون غريمشو بمناظره الشاعرية التي تصوّر غروب الشمس أو ضوء القمر ليلا.
وكان معاصروه من الرسّامين مفتونين بلوحاته. وكثيرا ما كان بعضهم يقلّدها وينسج على منوالها.
ويقال إن رسوماته لقريته "ويتبي" والتي يظهر فيها ضوء القمر دائما هي التي ألهمت الروائي برام ستوكر وصفه الجميل لتلك القرية في روايته المشهورة "دراكيولا".
في هذه اللوحة بعنوان "تحت ضوء القمر"، يرسم غريمشو منظرا ليليا لقريته وقت هطول المطر.
الجوّ الغامض للأفق وفانتازيا امتزاج المطر بالضباب وضوء القمر والجوّ المغسول بالألوان الزرقاء والبرتقالية، كلّها عناصر تصلح لأن تكون المعادل البصري لإحدى روايات تشارلز ديكنز.
في اللوحة أيضا هناك حضور لامرأة وحيدة تمشي في الشارع تحت المطر. وكلّ لوحات الرسّام - خاصّة مناظره الساحلية الحالمة - يبدو الأشخاص فيها صغارا مقابل الكتلة الضخمة للأرض والسماء، ما يرمز – ربّما - لمرور الزمن والحضور الإنساني العابر.


ولد وليام ريمر عام 1816 في انجلترا. وقد وصل إلى الولايات المتحدة وهو طفل. وعمل في ما بعد رسّاما ونحّاتا. وقد تتلمذ على يديه في مرحلة تالية الرسّام الانطباعي الأمريكي المعروف تشايلد هاسام.
كان ريمر خبيرا في التشريح الفنّي وكان مفتونا بالشكل البشري. وقد قاده ذلك إلى دراسة قبائل الهنود الحمر الأمريكيين.
في لوحته "هنود يراقبون خسوف القمر" التي رسمها عام 1848، يمزج ريمر دراسته لسكّان أمريكا الأصليين بالقوّة والخوف. إذ تُظهر اللوحة أفراد القبيلة وهم يراقبون بتقديس واحترام هذه الظاهرة الطبيعية.

الرسّام الأمريكي وينسلو هومر استخدم ضوء القمر الشاحب كخلفية لعدد من لوحاته المثيرة. كان هومر بارعا كثيرا في رسم التأثيرات الجوّية، مثل أشكال الغيوم وحركات المدّ والجزر والطول المناسب للظلال في أوقات مختلفة من ساعات النهار. واستطاع أيضا أن يجمع بين براعته الفنية ورؤيته الفريدة للطبيعة الإنسانية.
في بعض لوحاته مثل "ليلة صيف"، يبدو المشهد الليلي للقمر وكأنه يخفّف من قيود النهار ليغري امرأتين بالرقص على الشاطئ.
وفي لوحة "ضوء القمر"، يجلس رجل وامرأة على الشاطئ وهما يحدّقان في المحيط.
الرجل يبدو وكأنه يميل باتجاه المرأة، غير أنها منشغلة عنه في تأمّل المشهد أمامهما.

الرسّام الفرنسي فيليكس فالوتون تخلى عن تدريبه الكلاسيكي والأكاديمي ليصبح احد الرسّامين ما بعد الانطباعيين. وكانت تحدوه، هو وزملاءه الآخرين، رغبة في رسم مَشاهد ذات تكثيف رمزي وروحي كبير.
في لوحته "ضوء القمر" التي رسمها عام 1895، يصوّر فالوتون القمر المتواري خلف الغيوم الكثيفة وكأنه يطفو مثل حلم.


كان آرثر دوف رسّاما تجريديا أمريكيا. وقد رسم لوحتين للقمر. في لوحته "أنا والقمر"، يرسم القمر بأشكال وألوان جريئة بينما تظهر السماء والأرض تحته.
كان دوف يفضّل العيش في الريف على حياة الصراع في المدينة. ولوحته هذه تعكس ارتباطه الفنّي والشعوري بالبياض الغامر للقمر المكتمل في ليلة من ليالي الصيف.

تعتقد بعض الثقافات أن القمر تحكمه آلهة كثيرة. لكن في الأساطير الإغريقية، فإن إلهة القمر الرئيسية هي آرتميس. وآرتميس كانت الشقيقة التوأم لـ ابولو إله الشمس. ومثل نظيرتها الرومانية "ديانا"، كانت آرتميس صيّادة بارعة.
الرسّامة الفرنسية ماري لورنسان رسمت بورتريها لـ آرتميس ركّزت فيه على عنصري الأنوثة والخصوبة عند الإلهة، من خلال المنحنيات والخطوط الناعمة والنباتات المزهرة. الألوان حسّاسة وذات طبيعة أرضية، وآرتميس نفسها تظهر شبه عارية.
ولدت لورنسان عام 1883 وعاشت شبابا بوهيميا في باريس. كما كانت صديقة لـ بيكاسو وجورج بارك ثم عشيقة للشاعر غيوم ابولينير.
وقد رسمت لورنسان هذا البورتريه عام 1908، أي أثناء علاقتها بـ ابولينير. ويشار إليها غالبا باعتبارها ملهمة ابولينير رغم أنها كانت، هي نفسها، فنانة.
وجه الشبه بين اسمي ابولو وابولينير قد يكون له أثر في اختيار لورنسان رسم آرتميس. وهناك احتمال بأنها كانت تشير إلى أنها لم تكن أقلّ قوّة وبراعة في الصيد من المرأة التي رسمتها.
اشتهر بعض الرسّامين ببراعتهم في رسم الطبيعة أو البورتريه أو الحياة الساكنة أو المناظر الانطباعية المملوءة بالضوء.
لكن هناك فنانين آخرين فضّلوا أن يرسموا المواضيع الخارقة والغريبة، كالوحوش ومصّاصي الدماء والأرواح الشرّيرة والسحر.. إلى آخره.

الرسّام الأمريكي جون كيدور عُرف بغرابة أطواره ونفوره من رسم المناظر الرعوية، على العكس من معظم معاصريه. وكانت صداقته مع الكاتب المشهور واشنطن ايرفنغ قد ألهمته رسم عدّة لوحات استمدّ مواضيعها من كتابات ايرفنغ. لوحة "الفارس المقطوع الرأس" مستوحاة، هي الأخرى، من إحدى روايات ايرفنغ التي تتحدّث عن معلّم مدرسة يأخذ طريقه إلى إحدى القرى ليجد نفسه في النهاية مطاردا من قبل شبح غاضب.
ويقال إن الفارس كان شبحا لجندي حقيقي شارك في حرب الثوّار وفقد رأسه بعد أن نسفته قذيفة مدفع. وعندما يرى الرجل شبح الفارس المقطوع الرأس وهو يقترب منه يفرّ هاربا من شدّة الخوف قبل أن يختفي. كيدور يمسك في اللوحة بالرجل المرعوب وبما يُفترض انه الرجل الذي يتعقّبه بالإضافة إلى الجوادين والغابة الكثيفة الأشجار في الخلفية.

كان جون ووترهاوس معروفا، شأنه شأن زملائه ما قبل الرافائيليين، بميله إلى رسم البطلات الأسطوريات أو النساء الجميلات اللاتي يحدّقن في كرات بلّورية.
ولم يكن مستغربا أن يرسم ووترهاوس في العام 1886 هذه اللوحة بعنوان "دائرة السحر".
في اللوحة نرى امرأة شابّة ذات ملامح غجرية وهي تقف أمام مرجل في ارض تبدو قديمة ونائية. المرأة ترسم حول نفسها دائرة في التراب لكي تعطي سحرها قوّة وتأثيرا بينما تتجمّع الغربان حولها. مما يلفت الانتباه أيضا أن المرأة حافية القدمين، ما يشير إلى ارتباطها بالأرض مثلما يوفّر لها المرجل أداة ارتباط بعنصر النار.

كن لوسيان دورمير رسّاما جزائريا قضى معظم حياته في فرنسا.
أسلوبه كان خاصّا ومميّزا. في لوحته "الساحرة" نرى امرأة شاحبة الوجه ترتدي قفازين أسودين وتحمل قنينة طويلة أمامها.
وعلى ضوء القمر في الخلفية تظهر خفافيش وطيور ليل، بينما تنزلق قريبا من ملابس المرأة أفعى زرقاء ويربض فوق كتفها قطّ اسود.

الرسّام النرويجي إدفارد مونك اشتهر بلوحته "الصرخة" التي صوّر فيها جحيم الإنسان المعاصر. ومنذ بداياته، كان مونك يعاني من اعتلال الصحّة والانفعالات الحادّة والاكتئاب والميل للانتحار، رغم انه خضع للعلاج في النهاية فأقلع عن الشراب وعاش حتى شهد الاحتفال بعيد ميلاده الثمانين.
في لوحته "مصّاص الدماء"، أو "الحبّ والألم" كما تُسمّى أحيانا، يركّز مونك على مفهوم الأنثى كمخلوق مصّاص للدماء.
في اللوحة امرأة تميل بجسدها فوق رجل يبدو عاجزا أو مسلوب الإرادة، بينما تقوم بعضّه في مؤخّرة رقبته. شعر المرأة الأحمر طويل وفضفاض يُخيّل لمن ينظر إليه انه يفيض ويقطر دما على كليهما. وهذا هو اللون الحيوي الوحيد في هذا المشهد الخانق والمظلم.
ورغم عدم وجود أنياب ظاهرة أو أيّ اثر تقليدي لمصّاصي الدماء في هذه اللوحة، فإن مونك - الذي كان آنذاك إنسانا متعبا ومعذّبا - أراد أن يعطي الانطباع بأن الحبّ يمكن أن يتحوّل في بعض الأحيان إلى عرض للرعب واللامعقول.


Credits
rmg.co.uk