:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، سبتمبر 08، 2024

الشعر الأسود


"الشعر الأسود" واحدة من أربع قصص منفصلة يتضمّنها الفيلم الياباني "كايدان" من إخراج ماساكي كوباياشي (1964). وتبدأ القصّة بمشهد لمحارب ساموراي يمرّ بوقت عصيب، إذ يجد نفسه فجأة بلا عمل في كيوتو، العاصمة القديمة لليابان. ونرى زوجته المحبّة والوفيّة وهي تعمل بجدّ في النسج على نول في منزلهما من أجل تحسين معيشتهما.
لكن الساموراي الزوج لديه خطط أخرى، ويريد أن يترك زوجته بحثا عن مراعٍ أكثر خضرة. ويرفض بقسوة توسّلات الزوجة له بأن يبقى الى جوارها. ويبحث الساموراي عن امرأة أخرى ثريّة توفّر له المكانة ووظيفة مرموقة مع الحاكم. وفعلا يجد الزوجة الثريّة التي يبحث عنها. لكن زوجته الجديدة لا تشبه زوجته السابقة. فهي أنانية وقاسية ولامبالية ومتغطرسة.
وتمرّ سنوات، يتذكّر خلالها بحنين زوجته الأولى التي اعتادت العمل باستمرار حتى يتمكّنا من العيش بسعادة. وبعد أن أدرك أنه ما يزال يحبّها وعرف مدى ظلمه لها ونكرانه لجميلها، أصبح يملؤه الأسى والندم وهجَرَته راحة البال. وفي بعض الأحيان كانت زوجته السابقة تظهر له في أحلامه وهي جالسة وحدها في الغرفة الصغيرة من المنزل المتهالك الذي تركه وراءه وهي تخيط الملابس، بينما تكفكف دموعها بأكمامها الممزّقة.
وتغضب الزوجة الثانية عندما تعلم أن زواج الساموراي منها كان من أجل ثروتها وتلاحظ بحنق شوقه المستمرّ لزوجته السابقة. وذات يوم، تشعر بالملل وتجده نائما وتحاول تقبيله، لكنه يبعدها عنه، فتصفعه مستاءة من أنانيّته وتَذكّره المستمرّ لزوجته الأولى.
وتطالبه وصيفات الزوجة الثانية بالتصالح معها، لكنه يرفض ويؤكّد على نيّته العودة الى زوجته القديمة وإصلاح علاقته بها. وتمرّ سنوات أخرى قليلة قبل أن يتمكّن الساموراي من إعفاء نفسه من خدمته للحاكم المحلي.
ثم يقرّر أن عليه الآن أن يسرع للذهاب إلى كيوتو للبحث عن زوجته الأولى. وفي وقت متأخّر من الليل، يصل إلى حيث كان يعيش مع زوجته. كانت المدينة صامتة كالقبور، لكن القمر كان ساطعا ومشرقا، ما سهّل العثور على المنزل الذي بدا متهالكا ومهجورا، لدرجة أن العشب الطويل نبت في كلّ مكان ولم يوفّر حتى سطح البيت. وطرق الساموراي الباب، لكن لم يكن هناك أي ردّ، فدفع الباب لفتحه ودخل.
كانت الرياح الباردة تهبّ بقوّة وضوء القمر يسطع في الغرفة الأمامية من البيت، ولم يكن هناك أيّ علامة على وجود أيّ شخص بالداخل. لكن عندما اقترب الساموراي من الغرفة الخلفية التي كانت زوجته تستخدمها عادةً كغرفة معيشة، رأى ضوءا ينبعث من داخلها. ولمّا فتح الباب، رأى زوجته تجلس هناك وهي تخيط على ضوء شمعة. كانت ما تزال شابّة وجميلة، ولم تتغيّر كثيرا عن اليوم الذي تركها فيه.
ولما رأته، هبّت واقفة ورحبّت به وتصرّفت معه كما كانت تتصرّف في الماضي. وبدت متسامحة وغير مبالية بخيانته لها وهجره إيّاها. كان يعرف أن قلبها كبير كما في الماضي، بدليل أنها تجاهلت اعتذاره ووعدت بإصلاح الأمور. وذكرت له أن كيوتو تغيّرت وأنهما "لن يمضيا معاً سوى لحظة"، لكنها لم تشرح ما قصدته. ثم أكّدت له أنها تتفهّم سبب تركه لها وأنه إنما كان يسعى لجلب دخل إضافي للبيت.
ثم يتحدّثان عن حياتهما ويخبرها الساموراي عن حاله في سنوات غيابه، ويطلب منها المغفرة ويتعهّد لها بأن يعيشا معا طوال ما تبقّى لهما من عمر. ثم يقتربان من بعضهما البعض، وعندما تُريح وجهها على صدره، يداعب شعرها الطويل برفق ويلاحظ أنه نفس الشعر الأسود اللامع وأن رائحته لا تزال كما كانت من قبل.
ثم يرتّبان معا فراشهما في الغرفة التي ناما فيها معا أوّل مرّة بعد الزواج، وتقوم هي بتجهيز السرير وتغطيته بالكيمونو الأحمر. وبعد ذلك تنطفئ الأضواء ويبدو الساموراي وكأنه لا يزال منعّما بحظّه السعيد الحالم المتمثّل في اجتماع شمله مرّة أخرى بزوجته الطيّبة والوفيّة دون أن يضطرّ لبذل الكثير من الجهد.


وفي الصباح يستيقظ راضيا مبتسماً، لكنه سرعان ما يشعر بالصدمة والارتباك عندما يجد نفسه مستلقيا على أرضية خشبية مهترئة في خرابة مهجورة وموحشة تغطّيها الأعشاب الضارّة. وفي غمرة إحساسه بالحيرة والذهول، يتّجه نحو زوجته التي ترقد مغطّاة بالكيمونو الأحمر.
وبينما يسحب الكيمونو، يصاب بالصدمة عندما يدرك أنه كان نائما طوال الليل مع جثّة زوجته التي لم يبقَ منها سوى هيكلها العظمي وبقايا شعرها الطويل. كانت مجرّد جثّة امرأة ذات شعر أسود طويل ملفوفة في ثيابها.
وهنا يشعر الساموراي بالهلع ويركض عبر غرف وفناء المنزل المهجور على غير هدى ويحاول الاختباء خلف جدار. وفي هذه الأثناء، ينفصل الشعر الأسود الطويل عن الهيكل العظمي ويطارده للانتقام منه. كان يجري بسرعة بين الأعشاب الضارّة والمتضخّمة وجدران البيت المتشقّقة، يتبعه الشعر الأسود الذي يهاجمه بلا هوادة. ويبحث الرجل يائساً عن منفذ للهروب، لكن الشعر يطارده ويلتفّ عليه ويلقيه أرضا.
وعندما يبلغ الشارع المجاور وهو على تلك الحالة من الخوف والصدمة، ينظر داخل بركة ماء على الطريق ليجد أنه كبُر فجأة وشاب قبل الأوان وأصبحت ملامحه مخيفة. ثم يلتقي رجلا غريبا في الطريق ويسأله إن كان يعرف أحدا من ساكني ذلك البيت. فيجيب: لا يوجد أحد في هذا المنزل. كان في الأصل ملكا لساموراي وقد غادر المدينة قبل سنوات بعد أن طلّق زوجته من أجل أن يتزوّج أخرى. وبعد سفره، عانت زوجته كثيراً ومرضت. ولم يكن لها أقارب في كيوتو ليعتنوا بها. وتوفّيت في خريف ذلك العام الذي رحل فيه زوجها، في العاشر من سبتمبر".

❉ ❉ ❉

في قصص الأشباح في الشرق، وخاصّة في اليابان، هناك خصوصية ثقافية للشبح ذي الشعر الأسود، إذ يرمز الى انتشار الظلم الذي تتعرّض له النساء في البيئات الأبوية والمحافظة. وفي الشرق أيضا، يمثّل الشعر الطويل جمال المرأة وشرف كلّ من النساء والرجال، وأحيانا يحمل بعدا آخر هو الانتقام.
وغالبا ما يكون الدافع وراء الأشباح الأنثوية هو الغضب وسعي النساء للانتقام لموتهن غير المستحقّ وغير المبرّر. والمخرج كوباياشي في هذا الفيلم يكرّس تلك الصورة، بتناوله الطبيعة الانتقامية لروح الزوجة التي يتحوّل شعرها الأسود الطويل الذي أحبّه زوجها كثيرا إلى روح شيطانية تطارده وتلتفّ حول وجهه ورقبته وتدفعه إلى الجنون.
المخرج الياباني الآخر أكيرا كوروساوا له فيلم عنوانه "أحلام" من عام 1990، ويتكوّن من قصص لثمانية أحلام. في أحد تلك الأحلام، وعنوانه "النفَق"، يظهر قائد سريّة يابانية وهو يسير على طريق مهجور عند الغسق، في طريقه إلى منزله بعد مشاركته في الحرب العالمية الثانية. ويصل القائد إلى نفق كبير ومظلم ويعبره متبوعا بشبح أحد جنوده الذي توفّي بين ذراعيه متأثّرا بجراحه.
ويبدو الجندي القتيل وكأنه غير مصدّق أنه مات. ثم يشير إلى ضوء منبعث من منزل على سفح جبل قريب على أنه منزل والديه. ويشعر الجنديّ بالحزن الشديد لأنه يعلم أنه لا يستطيع رؤية أهله مرّة أخرى. لكن القائد يقنعه بأن يعود الى النفق ويتقبّل مصيره.
ثم يخرج من النفق مجموعة من الجند التابعين للقائد يقودهم ملازم شابّ. ويتوقّفون وهم يرفعون أسلحتهم لتحيّته بأعين زائغة ووجوه تعلوها زُرقة. ويحاول القائد أن يقنعهم أنهم ماتوا بعد أن قُتلوا جميعا في الحرب، معترفا أنه هو نفسه المسؤول عن إرسالهم إلى معركة عبثية، بينما يقفون هم صامتين. وينهار القائد حزنا وأسى على مصيرهم. ثم يأمرهم بالاستدارة والعودة الى النفق والرضا بقدَرهم، فيفعلون.
وفي الكثير من الأفلام اليابانية، عندما تظهر أشباح لأشخاص قُتلوا ظلما، فإنهم يكونون مليئين بالكراهية وروح الانتقام، لأن إرادتهم في الحياة سُحقت دون وجه حقّ وماتوا دون أن يختاروا ذلك المصير.

Credits
journals.kpu.ca

الخميس، سبتمبر 05، 2024

عالم كريستينا


كان أندرو وايت أحد أبرز فنّاني الواقعية الأمريكية في رسم القرن العشرين. وقد عُرف بمناظره الحالمة التي تصوّر الريف كمهرب، وأهمّها وأشهرها "عالم كريستينا" التي رسمها عام 1948. وهي اليوم من مقتنيات متحف الفنّ الحديث في نيويورك وجزء من مجموعته الدائمة.
المرأة الظاهرة في اللوحة، واسمها كريستينا أولسون، كانت قد أُصيبت باضطراب عضلي سبّب لها ضعفا في القدمين وعضلات أسفل الساق وأعاق تناسق أصابعها ويديها ومعصميها ولسانها. ونتيجة لذلك، أصبحت معاقة من الخصر فأسفل منذ أن كانت في الثلاثين من عمرها. وغالبا ما كانت تتحرّك بين ممتلكات عائلتها إلا زحفاً بعد أن اصرّت على عدم استخدام كرسيّ متحرّك في تنقّلاتها.
كانت أولسون إحدى مُلهمات الرسّام أندرو وايت، وقد ظهرت في العديد من أعماله الفنّية الأخرى. وكان هو صديقا لعائلتها، وقد اُعجب بروحها القويّة وشجاعتها، فرسمها بأكبر قدر ممكن من الأصالة وهي تجرجر ساقيها بيديها الهزيلتين في طريقها الى المزرعة. وقد استخدم الرسّام زوجته كموديل بدلاً من المرأة المريضة نزولا عند رغبة الأخيرة، كما قيل.
الأجواء الريفية التي تعكسها لوحة "عالم كريستينا" تحمل شعورا بالهدوء وبالحنين إلى الماضي. ومثل كلّ اللوحات المشهورة، واجه الفنّان الكثير من النقد. فقد نظر العديد من النقّاد إلى اللوحة بشكّ وازدراء لمضمونها، وزعم بعضهم أن وايت استغلّ كريستينا لأنه كسب أموالا طائلة من لوحته ولم يمنحها أو عائلتها أيّ شيء. وردّ وايت أنه عرض بالفعل بعض المال على والديها لكنّهما رفضا. كما انتُقد لأنه لم يرسم كريستينا على طبيعتها الحقيقية.
كانت المرأة في الخمسين من عمرها عندما رسمها. وقد فضّل أن يرسم جسد زوجته النحيل كنموذج. وذكر أنه أراد تصوير الصراع العقلي والجسدي لكريستينا مع مرضها. ومن ثم، فإن ظهور جسد زوجته الضعيف والهشّ إنما يعكس حال كريستينا نفسها في مرضها.
وفي حين اعتبر العديد من النقّاد اللوحة شكلاً من أشكال الاستغلال، شعرت كريستينا أولسون بالفخر والتأثّر، لأن وايت رسم لوحة عن كفاحها وصبرها وقوّة عزيمتها. بل إنها قالت إنها أحبّت اللوحة رغم خيبة أملها من قرار وايت عدم إظهار وجهها فيها.
وقد فوجئ الرسّام بالشعبية التي حقّقتها اللوحة وقال: من المثير للاهتمام أن تحظى "عالم كريستينا" بمثل هذه الجاذبية الواسعة. ويبدو أن كثيرا من الناس تماهوا معها ورأوا أنفسهم فيها".


اللون الترابي الذي رُسم به الحقل أضفى لمسة جمالية دافئة ومضيافة على المنظر. ومن الواضح أن الرسّام ركّز على المساحة بين المنزل والمكان الذي كانت تزحف المرأة على أرضه. وقد يلاحظ الناظر التفاصيل الدقيقة لأسلوب الرسّام، وكيف رسم كلّ جزء من العشب بدقّة وركّز بشكل كبير على التفاصيل. ولأن وجه المرأة لا يُرى، فإن التركيز بدلاً من ذلك ينصبّ على تفاصيل جسدها: أصابعها الملوّثة بوحل المزرعة وشعرها غير المرتّب وفستانها الوردي وحذاؤها البسيط.
وعلى الرغم من اعتقاد الاطبّاء في البداية أنها كانت مصابة بشلل الأطفال، إلا أنهم الآن يعتقدون أنها كانت تعاني من مرض عصبيّ يسمّى اختصارا (شاركو ماري توث CMT) على اسماء الأطبّاء الثلاثة الذين اكتشفوا المرض عام 1886.
قيل إن وايت وجد في عالم المرأة إلهاما أغراه برسمها بعد أن رآها ذات ظهيرة وهي تسحب جسدها عبر الحقل. وقد أشار ذات مرّة الى أنه إنّما أراد برسمها أن يمجّد انتصارها الاستثنائي على حياة يعتبرها معظم الناس ميؤوسا منها. وكانت زوجته آنذاك في العشرينات من عمرها، أي أصغر سنّاً من أولسون بنحو 30 عاما.
اليوم وبعد مرور أكثر من 70 عاما على رسم "عالم كريستينا"، هناك من يتساءل: هل هي لوحة حديثة أم مبتذلة أم عاديّة؟ كما أن الناس ما زالوا غير متأكّدين من مكان وايت بين فنّاني ما بعد الحرب، وجُلّهم من التعبيريين التجريديين.
بعد فترة وجيزة من شراء متحف الفنّ الحديث للوحة، أصبح وايت رسّاما ناجحا. لكن النقّاد لم يحبّوه، بل نفروا منه غالبا. كانوا معجبين بالملامح السوريالية لبعض أعماله المبكّرة. لكنهم انتقدوا بشدّة "الحنين المبتذل" في لوحاته، بما فيها "عالم كريستينا". كما انتقدوا تجاهله أحداثا تاريخية وجمالية مهمّة مثل الحرب العالمية الثانية وتيّار التعبيرية التجريدية.
لكن بعض النقّاد يرون أنه من الصعب أن تؤثّر هذه الهوامش التاريخية على تقدير المرء لـ "عالم كريستينا"، خاصّة صفاتها الشكلية وإضاءتها الخافتة ومنظورها المتعرّج. لكن من الصعب فهم فنّان كانت مُثُله غامضة وكان استيعابه للعالم المتسارع والمتغيّر ضئيلاً للغاية.
وعلى الرغم من كلّ ما قيل، أصبح وايت فنّانا ثريّا. ورغم أنه عرض على عائلة أولسون بعض الهدايا، إلا أن كريستينا رفضت بشدّة أيّ أموال. واستمرّت الأسرة في العيش من موارد مزرعتهم البسيطة. وقد حافظ وايت وأولسون على علاقة وثيقة طوال حياتهما. وقبل عام واحد من وفاته عام 2009، أخبر إحدى الصحف أنه يريد أن يُدفن إلى جوار قبرها.

Credits
moma.org

الثلاثاء، سبتمبر 03، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • قُدّرت ثروة بابلو بيكاسو عند وفاته عام 1973 بحوالي 250 مليون دولار، وهو ما يعادل حوالي مليار دولار اليوم بعد مراعاة نسب التضخّم. وجاءت هذه الثروة الهائلة في الأساس من مجموعته الشخصية الضخمة التي تضمّ أكثر من 45000 عمل، منها 1885 لوحة، و1228 منحوتة، و7089 رسما، و30000 مطبوعة.
    وعلى الرغم من ثروته تلك، توفّي بيكاسو دون أن يكتب وصيّة، ما أدّى إلى نشوب معركة قانونية ضارية وطويلة حول تقسيم تركته بين ورثته وزوجاته وعشيقاته وأطفاله. وبعد ستّ سنوات من المفاوضات و30 مليون دولار كأتعاب قانونية، سُوّيت التركة أخيرا وحصل أطفاله الأربعة على الجزء الأكبر من الأصول.
    وثروة بيكاسو مستمرّة في النموّ حتى اليوم، حيث تباع أعماله بأسعار قياسية في المزادات. وتتولّى مؤسّسة بيكاسو التي أنشأها ابنه كلود عام 1996 إدارة مصالح الأسرة والإشراف على ترخيص اسم بيكاسو وصورته. كما تعمل المؤسّسة على منع السرقة والاستخدام غير المشروع لفنّه.
    وحتى اليوم ما يزال بيكاسو الفنّان الأكثر مبيعا في مزادات الأعمال الفنّية، حيث بيعت ست من روائعه بأكثر من 100 مليون دولار للواحدة. وأغلى عمل فنّي بيع له على الإطلاق كان "نساء الجزائر"، نسخة 1955، بمبلغ 179 مليون دولار في دار كريستيز للمزادات في عام 2015.
    وفي نوفمبر 2023 بيعت لوحة بيكاسو "امرأة ترتدي ساعة" المرسومة عام 1932 بأكثر من 139 مليون دولار في دار سوثبي للمزادات، مسجّلة رقما قياسيّا جديدا باعتبارها العمل الفنّي الأكثر قيمة الذي بيع في مزاد على مستوى العالم في ذلك العام. وتصوّر اللوحة ملهمة بيكاسو ميري تيريز والتر التي كانت تبلغ من العمر 17 عاما عندما التقيا. وتظهر وهي جالسة على كرسيّ يشبه العرش على خلفية زرقاء بينما ترتدي ساعة يد بيكاسو.
    كان بيكاسو وقتها قد تجاوز الخمسين من عمره وكان يمرّ بنقطة تحوّل في حياته المهنية، حيث سعى إلى ترسيخ إرثه كمعلّم للفنّ الحديث على حساب منافسيه وعلى رأسهم هنري ماتيس.
    أعمال بيكاسو تتّسم في عمومها بتقنياتها المبتكرة، مثل تحدّيها للتمثيل التقليدي للشكل والمنظور البشري، والاستخدام المبتكر للألوان والأشكال والأسلوب المجزّأ للتعبير عن المشاعر المعقّدة، وثنائية المظهر مقابل الواقع، والجمع بين عناصر الكولاج والألوان النابضة بالحياة. كما تعكس أعماله السياقات الاجتماعية والسياسية في عصره، وتتناول المواضيع والمشاعر الإنسانية المختلفة كالألم والمعاناة والمآسي التي تسبّبها الحرب والفقر والعزلة والهويّة والتأمّل الذاتي والوحدة، ما يجعله أحد أكثر الفنّانين تأثيرا في القرن العشرين.

    ❉ ❉ ❉

  • صانع المطر (rainmaker) مصطلح يرمز الى الشخص الذي يجلب العملاء والأعمال والأموال والاستثمارات إلى شركة أو مؤسّسة ما. ويمكن أيضا ان ينطبق الوصف على السياسي المخضرم الذي لكلامه وزن ولديه قدرة على جمع أموال لحملة أو مشروع ما. والآن، أصبح المصطلح يشمل أيّ رجل أعمال غزير الإنتاج أو أيّ فرد يحقّق مستوى عاليا من النجاح، وخاصّة فيما يتعلّق بالإيرادات والمبيعات.
    ويمكن لصانع المطر أيضا لفت الانتباه لشركة ما بفضل وظائفه أو اتصالاته السابقة، ما يجعل منه فردا ذا قيمة عالية للمنشأة ونموذجا للعمل المنجز والناجح.
    وغالبا ما يكون العمل الجديد أو الإيرادات التي يجلبها صانع المطر آتية من مصدر غير معروف أو متجاهَل، الأمر الذي يخلق انطباعا بأن الأصول أنشئت من خلال وسائل غامضة. ويعتمد نجاح صانع المطر عادةً على كونه موظّفا منفتحا وحيويّا ولديه شبكة اجتماعية واسعة من الاتصالات والصداقات. كما أنه بارع بنفس القدر في إدارة العلاقات والعملاء الحاليين وفي إنشاء علاقات وعملاء جدد.
    وأصل مصطلح "صانع المطر" يعود الى ثقافة سكّان أمريكا الأصليين الذين يعتقدون بفكرة أن الإنسان يمكنه جلب المطر من خلال بعض الطقوس الشامانية أو الدينية.

    ❉ ❉ ❉

  • ❉ ❉ ❉

  • ولد الرسّام زيغمونت أندريتشيوفيتز عام 1904 في بولندا ودرس الفنّ في كراكوف. كان معروفا بأسلوبه الواقعي في الرسم، وغالبا ما كان يصوّر مشاهد من الحياة اليومية. وقد تأثّر أسلوبه بأعمال عصر النهضة الإيطالية والمعلّمين الفلمنكيين.
    أشهر أعمال أندريتشيوفيتز هي لوحة "الفنّان المحتضر"، وفيها يصوّر رسّاما مستلقيا على سرير في غرفة مضاءة بشكل خافت، تحيط به مستلزماته الفنّية ولوحاته غير المكتملة. وهو يظهر في لحظات حياته الأخيرة وعيناه مغمضتان وجسده بلا حراك.
    اللوحة تتسم بألوانها الصامتة والكئيبة. والمنظر يثير شعوراً بالحزن وبالتأمّل.
    كلّ شيء في الصورة يبدو عاديّا باستثناء الشخص الذي يرمز للموت والجالس في منتصف الغرفة وهو يعزف على الكمان. وقد فعل الفنّان شيئا غريبا بجعله الموت الذي يرتدي ثوبا أسود داكنا يبدو لطيفا وحتى هادئا. كما جرّده من منجله المشهور. وهناك أيضا الغرفة التي تبدو في حال من الفوضى بسبب الأوراق والكتب الملقاة على أرضيتها.
    ربّما أراد أندريتشيوفيتز من اللوحة أن تكون تأمّلا في موته هو وفي الإرث الذي سيتركه وراءه. وقد يرمز المنظر إلى الطبيعة الخالدة للفن وقدرته على الصمود إلى ما بعد حياة صانعه، وإلى إمكانية أن يخلق الانسان وأن يبدع حتى وهو في مواجهة الموت.

    ❉ ❉ ❉

  • هذا لحن ليلة يدوم أكثر من ألف عام. موسيقى الثلج هذه من المفترض أن تدوم ألف عام! حزينة مثل صلوات دير منعزل، ترتفع من جوقة من مائة صوت. وبينما تدوّي النغمات بعمق، أشارك معاناة الحزن السلافي. ينجرف ذهني بعيدا عن هذه المدينة وهذا العصر، إلى التسجيلات القديمة لجميل بيك الطنبوري. الآن أشعر فجأة بسعادة غامرة، عندما أسمع مرّة أخرى بأذنَي قلبي أنقى أصوات إسطنبول. تغادرني أفكار الثلج والظلام، أبقيها بعيدة طوال الليل في أحلامي!
    *يحيى بياتلي (1927)
    (بياتلي شاعر تركي كان يقيم في بولندا في بدايات القرن الماضي. وجميل بيك الطنبوري كان موسيقيّا تركيّا.)

    ❉ ❉ ❉

  • يقول العالِم الراحل كارل سيغان عن الكتب:
    الكتاب مصنوع من شجرة. وهو عبارة عن مجموعة من الأجزاء المسطّحة المرنة، والتي لا تزال تسمّى أوراقا، مطبوعة بخطوط داكنة اللون. وبمجرّد إلقاء نظرة واحدة على الكتاب، تسمع صوت شخص آخر ربّما يكون قد مات منذ آلاف السنين.
    ومن وراء آلاف السنين هذه، يتحدّث المؤلّف بوضوح وصمت داخل رأسك، إليك مباشرة. إن الكتابة قد تكون أعظم اختراعات الإنسان، فهي تربط بين البشر اليوم وأمم العصور البعيدة، الذين لم يعرفوا بعضهم البعض قط. الكتب تحطّم قيود الزمن، وهي دليل على أن البشر قادرون على فعل السحر.

    ❉ ❉ ❉

  • (مهداة إلى إلينا كريموفا التي ولدت بساقين مشوّهتين وخمس أصابع ناقصة. تحبّ إلينا رسم حوريّات البحر وتعتقد أن أصابعها ستنمو في النهاية).
    على الرغم من أنني في الرابعة عشرة من عمري فقط، إلا أنهم يقولون إن لديّ روحا قديمة. لا بدّ أنني ولدت منذ زمن بعيد، بعيد جدّا. هنا، حيث تتوهّج الجبال المخيفة في الليل، في جبال الأورال، لعن رجل مجنون هذه المنحدرات. والآن، ونحن محصورون في الليل، تملؤنا الأصوات القويّة بالرعب. ومع ذلك تأمل أمّي أن أتمكّن قريبا من المشي بساقيّ الجديدتين.
    لا أفتقد الساقين بقدر ما أفتقد الأصابع. أرسم حوريات البحر تحت الحوافّ. يراقبني أبي ويقبّلني في فرحه المبعثر ويبكي. وهناك صبيّ يهمس باسمي. إذن لست عرجاء، لأنني أقفز وأتبعه. يأتي رجل حكيم، يقول إن ضعفنا هو ضعفنا وليس ضعف الله، وأن طفلا جميلا سيعود يوما ما من النجوم، وعندها ستنمو أصابعي الجديدة إذا وثقت به فقط. لذا فأنا أستعدّ لمقابلته إن كان يرغب في استقبالي.
    *مايكل بيرش

  • Credits
    pablopicasso.org
    poetryfoundation.org