:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، يوليو 13، 2025

حكايات المصارعين والأباطرة


الكولوسيوم هو المدرّج الروماني الذي كانت تُقام على أرضه مباريات المصارعة الدامية بين البشر والوحوش "من أجل متعة الشعب والامبراطور!". وأبلغ وصف أدبي قرأته عن هذا المَعلم المشهور كان وصفا لكاتب معاصر زار المكان فجرا وقال انه خُيّل إليه أنه سمع هدير آلاف الرومان المتحمّسين وصرخات آلاف القتلى وتأوّهاتهم أثناء لحظات احتضارهم في ذلك المحشر الضيّق والمروّع.
الغريب أن المصارعين المحكومين بالإعدام، قبل أن يقاتل بعضهم بعضا أو يُلقى بهم الى الحيوانات المفترسة والمجوَّعة، كان يُطلب منهم أن يقفوا أمام المنصّة الإمبراطورية ويردّدوا عبارة: السلام عليك أيها الإمبراطور! نحن الذين على وشك الموت نحيّيك!"
كان الرومان يحبّون تلك المباريات الدامية. وفي حال ما إذا خسر مصارع، فإن من حقّ الجمهور المستمتع بالقتل وسفك الدماء أن يقرّر بقاءه أو موته، وذلك بخفض إبهامه أو رفعه وسط الهتافات والتصفيق.
الكولوسيوم عبارة عن تاريخ مظلم ووحشيّ وغارق في القسوة والعنف. وما بدأ كألعاب رياضية تحوّل إلى وحشية مفرطة ارتُكبت ضدّ ضحايا كثيرين، بينهم أسرى حرب ومواطنون منفيّون ومجرمون ونساء.
وعلى مدى خمسة قرون طويلة، أنفق الأباطرة ببذخ على تلك العروض التي شملت مئات الآلاف من مسابقات المصارعة ومبارزة الحيوانات، والمسرحيات الكلاسيكية، والإعدامات الحيّة والانتحارات. وكان بعض أباطرة روما يشاركون شخصيّا في تلك الفعاليات.
كانت الحيوانات تُحشر عمدا في غرف وأقفاص صغيرة لكي يزداد عنفها ووحشيّتها. وكانت النمور والأسود والفهود والأفيال والتماسيح تُجلب حيّةً من شمال أفريقيا والبحر المتوسّط لاستخدامها في تلك المباريات الوحشية. وقد أدّى صيد الرومان لتلك الحيوانات من أجل المتعة إلى تدمير الحياة البرّية في مواطنها وانقراض الكثير منها.
كان الكولوسيوم فضاءً مجوّفا عملاقا ومليئا بالدماء والجثث. ومن الغريب أن غالبية الرومان القدماء لم يكونوا يشعرون بأيّ أسف أو تأنيب للضمير وهم يتابعون أنشطته اللاإنسانية. بل إن الأباطرة، باستثناء ماركوس أوريليوس، والمثقّفين كانوا حريصين على استمرار عمليات التعذيب تلك، باعتبارها وسيلة سهلة للسيطرة على الجماهير وإلهائها.
عندما تقرأ عن الفظائع التي كانت تحدث آنذاك في حلبات روما، وفي الكولوسيوم خصوصا، لا بدّ أن تتساءل كيف تسنّى للرواقيين من أمثال اوريليوس وسينيكا أن يمتلكوا مثل تلك العقليات المتحضّرة وأن يكتبوا أفكارهم الإنسانية الجميلة، على الرغم من أنهم عاشوا في مثل تلك البيئة المجنونة التي تحتفي بقتل وتعذيب البشر والحيوانات، بالإضافة الى ما شهده سينيكا نفسه من جرائم الدائرة القريبة من نيرون؟!


في أحد كتبه، يشير سينيكا إلى مناسبة شهيرة، عندما أُجبر أشخاص محكوم عليهم بالإعدام على قتال مجموعة من الأفيال في الساحة. كان عدد الأفيال عشرين، وكان مبارزوها من البشر مسلّحين بالرماح. وقد قاتل أحد هذه الحيوانات ببسالة نادرةً، وعندما شُلّت قوائمه بفعل ضربات الرماح، زحف على جحافل الأعداء وانتزع دروعهم من أيديهم وألقاها في الهواء. وقد أسعدت هذه الحيوانات المتفرّجين بمناوراتها التي لا يتقنها سوى سحرة بارعون.
كما وقعت حادثة عجيبة أخرى، بحسب سينيكا، فقد قُتل فيل بضربة واحدة ووصل الرمح الذي أصابه تحت عينه إلى الأجزاء المهمّة من رأسه. وحاولت مجموعة الأفيال كلّها اختراق السياج الحديدي الذي يحاصرها، ما تسبّب في إحداث اضطراب شديد بين الناس. لكن الأفيال عندما فقدت كلّ أمل في الهروب، حاولت كسب عطف الجمهور من خلال لفتات متوسّلة، وندبت مصيرها بنوع من العويل، ما أثار حزن الناس، فانفجروا في البكاء ونهضوا في هبّة واحدة واستمطروا اللعنات على رؤوس منظّمي تلك المقتلة الرهيبة.
يقول أحد الكتّاب المعاصرين: لقد قطعت البشرية شوطا طويلا منذ أيّام الكولوسيوم. ومع ذلك لا نهاية للأهوال التي يُلحقها البشر ببشر آخرين. والنسخة العالمية الحالية من "الألعاب" الرومانية القديمة هي سلسلة الحروب الغاشمة التي نشهدها اليوم، وآخرها حرب الإبادة في غزّة.
كنت أتوقّع أن يكون امبيرتو ايكو قد كتب وصفا او انطباعا ما بلغته الساخرة والبليغة عن تاريخ الكولوسيوم، لكن لم أجد شيئا باستثناء إشارة عابرة عن المكان وردت في رواية "اسم الوردة"، حيث ذكره باعتباره "أحد رموز الماضي".
لكن فولتير كتب جملة طريفة عن هذا المعلَم يقول فيها: لقد بنى الرومان القدماء أعظم روائعهم المعمارية لتتقاتل فيها الوحوش البرّية". وعندما زار غوته المكان لم يلاحظ فيه سوى ضخامته "لدرجة أن المرء لا يستطيع أن يحفظ صورته في ذاكرته"، كما قال.
المخرج الإنغليزي الشهير ريدلي سكوت أراد تصوير فيلمه Gladiator أو المصارع في داخل الكولوسيوم، لكنه أُبلغ بأن التصوير ممنوع في الداخل. فاضطرّ لبناء نسخة مصغّرة من المبنى في مالطا. كما أنشأ حديقة حيوانات حقيقية جلبَ لها مجموعة من الأسود والنمور والدببة والذئاب والفيلة والفهود، أي الحيوانات التي كان الرومان يزجّون بها لمقاتلة البشر في الكولوسيوم.
أما المخرج السينمائي فيديريكو فيليني فكتب يقول: في فيلم "روما" أردت أن أجسّد فكرة أن روما القديمة تقع تحت روما اليوم. وهذا ما يثير حماسي. تخيّل نفسك في ازدحام مروري في الكولوسيوم!".
الكولوسيوم قديم جدّا، أقدم حتى من سور الصين العظيم. لكن الأكروبوليس وستونهنج وهرم الجيزة أقدم منه بكثير. وهناك جهود حثيثة تبذل الآن وأعمال ترميم مكثفة تجري لإعادته الى الحياة وجعله مكانا لاستضافة الأنشطة الثقافية، من مسرحية وموسيقية، بعيدا عن مباريات الموت وسفك الدماء.

Credits
thecolosseum.org

الجمعة، يوليو 11، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • كثيرا ما أستذكر من وقت لآخر تلك القصّة المشهورة؛ قصّة المعلّم والتلاميذ وكوب الماء، وأعتبر أن الدرس الذي تقدّمه هذه الحكاية، على بساطتها، من أعمق وأبلغ دروس التعامل مع متاعب الحياة.
    وملخّص القصّة أن أستاذا لعلم النفس كان يتحدّث الى قاعة مليئة بالطلاب، عندما رفع كوب ماء. وتوقّع الجميع أن يطرح عليهم السؤال المشهور عن "نصف الكوب الفارغ ونصف الكوب الممتلئ". وبدلا من ذلك، سأل الأستاذ الطلاب: ما مدى ثقل كوب الماء هذا الذي أحمله؟"
    وتراوحت إجابات الطلاب ما بين بضعة غرامات إلى بضعة أرطال. ثم قال الأستاذ: من وجهة نظري، فإن وزن هذا الكأس لا يهمّ. بل المهم هو المدّة التي أحتفظ به خلالها. فإذا حملته لمدّة دقيقة أو اثنتين، فهو خفيف إلى حدّ ما. أما إذا حملته لساعة، فإن وزنه قد يتسبّب في إيلام ذراعي. أما إذا حملته ليوم متواصل أو أكثر، فمن المحتمل أن تتشنّج ذراعي وأشعر بالخدر والشلل التام، ما قد يجبرني على إسقاط الكأس على الأرض. وفي كلّ حالة، لا يتغيّر وزن الكأس، ولكن كلّما حملته لفترة أطول شعرت بثقله أكثر".
    وبينما كان الطلاب يهزّون رؤوسهم موافقين، تابع أستاذهم كلامه قائلا: إن ضغوطك ومخاوفك في الحياة تشبه إلى حدّ كبير كوب الماء هذا. فعندما تفكّر في تلك الهموم فترة معقولة لا يحدث شيء. فكّر فيها فترة أطول قليلا وستبدأ في الشعور بالألم قليلا. فكّر فيها طوال اليوم، وستشعر بالشلل التام ولن تتمكّن من فعل أيّ شيء آخر حتى تُسقطها وتتجاوزها".
    هذه الحكاية المعبّرة تتضمّن درسا بالغ الأهميّة: ليس الحِمل هو ما ينهكك أو يثقل كاهلك، وإنّما الطريقة التي تحمله بها. وهذا صحيح تماما. فبغضّ النظر عمّا يحدث خلال اليوم، ضع كلّ أعباءك جانبا ولا تحملها معك طوال الليل أو الى اليوم التالي. وإذا كنت لا تزال تشعر بثقل ضغوط الأمس، فهذه علامة قويّة على أن الوقت قد حان "لتضع الكأس جانبا". فالقلق لا يجرّد الغد من أحزانه، بل يحرمنا من بهجة اليوم.
    وربّما تذكّرنا هذه القصّة أيضا بضرورة أخذ قسط من الراحة من متاعب الحياة. هناك أشخاص كثيرون، بعضهم ما يزالون في مستهلّ العمر، يضيّعون أفضلَ سنواتِ حياتهم في العمل المتواصل، رغبة منهم في أن يحقّقوا ثروة ومكانة. وفي حين أنه لا يوجد خطأ في العمل الجادّ والطموح، إلا أنه لا ينبغي التضحية بجودة الحياة وبالصحّة وراحة البال من أجل الحصول على حافز مادّي أو معنوي قد لا يستحقّ الجهد المبذول لبلوغه.
  • ❉ ❉ ❉

  • من خلال المزج بين البورتريه الشخصي والطبيعة الصامتة، يحوّل رسّام العصر الذهبي الهولندي ديفيد بيلي (1584-1657) هذه اللوحة إلى لغز محيّر. والرسّام يظهر فيها الى اليسار وهو يمسك بصورة رجل. عندما رسم بيلي هذه اللوحة عام ١٦٥١، كان عمره ٦٧ عاما وكان في أوج عطائه، ولا بدّ أنه كان يشبه الرجل ذا الشارب واللحية الذي يمسك بصورته. أما في اليد الأخرى فيمسك بعصا خشبية تُستخدم عادةً لدعم اليد أثناء رسم تفاصيل دقيقة في لوحة. أما الصورة الاخرى الى جوار ما يُفترض انها صورته فتمثّل زوجته المتوفّاة في شبابها.
    الورقة الملتفّة بأناقة في أسفل يمين اللوحة مكتوب عليها "الحياة متاع الغرور وكلّ شيء باطل"، وهو ما يحوّل الصورة إلى لوحة طبيعة ساكنة عن غرور الحياة. الجمجمة والشمعة المنطفئة والزجاجة المقلوبة وفقاعات الصابون العائمة في جوّ الغرفة والساعة ذات العدسة المكبّرة على شكل غطاء، كلّها عناصر تشير إلى مرور الحياة وزوال الوجود. وفي النهاية، تصبح الأشياء الثمينة الظاهرة في اللوحة، كاللؤلؤ والعملات المعدنية، عديمة القيمة.
    وخلف كأس النبيذ الطويل في منتصف الصورة تقريبا، يمكن رؤية رسم غامض لوجه ينبثق من الظلام كظلّ. ربّما يشير الوجه إلى أصل الرسم الذي نشأ، بحسب المؤرّخ بليني الأكبر، من خلال رسم ظلّ عاشق مغادر على جدار.
    وكما هو واضح، هذه اللوحة مليئة بالوجوه وبالرموز التي تعكس انشغال الفنّانين الهولنديين بالزمن والموت منذ أكثر من ٤٠٠ عام. وكما يقال: الفنّ خالد والحياة قصيرة، والزمن ينتهي لكن الفنّ يبقى.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • يحظى كتاب "التأمّلات" لماركوس أوريليوس بتقدير كبير من القرّاء والنقّاد. لكنه بنفس الوقت عرضة لبعض المآخذ والانتقادات. فهناك مثلا من يأخذ على اوريليوس أن أفكاره تركّز على الواجب، ولا مكان فيها للجمال أو الحبّ. وكان من الأنسب لفلسفته الرواقية لو أضافت بعض الدعابة والاستمتاع بالحياة إلى الفاعلية وضبط النفس.
    وبحسب بعض الكتّاب، هناك نبرة كآبة تتسم بها نظرة اوريليوس الى العالم بتركيزه على مدى تفاهة وغرور وانعدام قيمة الانشغالات الدنيوية في نهاية المطاف. وهو يكرّر مرارا أن لا شيء يدوم في هذه الحياة "وهذا صحيح"، وأن لا شيء يفعله البشر يعني شيئا في النهاية "وهذا صحيح في معظمه أيضا"، لكنه يضيف تفسيرا متشائما نوعا ما لطبيعة الوجود الزائلة "والتي لا يمكن إنكارها أيضا".
    غريغوري هايز، مترجم كتاب "التأمّلات" لأوريليوس يتوصّل إلى النتيجة نفسها بقوله: حتى من يحبّون الكتاب لا ينكرون وجود شيء ناقص في رؤية الكاتب للحياة البشرية. وهناك من يعبّرون عن احترام ومودّة عميقين لشخص ماركوس، لكنهم يشيرون الى أن العيب الجوهري في فلسفته يكمن في فشلها في مراعاة الفرح، وهذا نقد منصف. فهو لا يقدّم لنا وسيلة لتحقيق السعادة، بل لمقاومة الألم فحسب. وفلسفته الرواقية في "التأمّلات" هي في جوهرها فلسفة دفاعية. ومن اللافت في كتابه تكرار الصور العسكرية، بدءا من إشارته إلى الروح على أنها "متمركزة" إلى صورته الشهيرة للعقل "كحصن منيع".
    وعدم قدرة اوريليوس على إيجاد هذا التوازن بين ضبط النفس وأهميّة الاستمتاع بالحياة كان له كما سنرى عواقب وخيمة على ابنه كومودوس، وعلى الإمبراطورية نفسها. وهذا هو ثاني انتقاد رئيسي يوجَّه له.
    وهناك أيضاً من يعيب على الكتاب تكرار المواضيع نفسها، وغلبة الطابع الشخصي مقابل غياب العمق الفلسفي، وإفراط الكاتب في التفاؤل والتبسيط في مواجهة المشاعر الإنسانية التي تتّسم بالتشابك والتعقيد، وصعوبة فهم السياق التاريخي والثقافي للإمبراطورية الرومانية، الأمر الذي قد يجعل بعض أفكار الكتاب تبدو قديمة أو أقلّ قابليةً للتطبيق.
  • ❉ ❉ ❉

  • بعض الاقتباسات..
    ○ اجتمع هنا أشخاص من جميع الأمم: الليغوريون واللوزيتانيون والبلياريون والزنوج واللاجئون الرومان. وإلى جانب اللهجة الدورية الثقيلة، كانت الأصوات الكلتية تهتزّ كعربات، وتضاربت نهايات الكلمات الأيونية مع الحروف الساكنة في لغة الصحراء التي بدت حادّة كعواء بنات آوى. كان اليونانيّ معروفا بجذعه النحيل، والكانتابري بساقيه العضليتين. لوّح الكاريّون بريش خوذاتهم بفخر، ورسمت على أجساد رماة الكبادوك زهور كبيرة، وتناول بعض الليديين طعامهم بملابس نسائية مع نعال وأقراط، وتزيّن آخرون باللون القرمزي وبدوا كتماثيل من مرجان.
    ومن كلّ ما حدث، يمكنك أن ترى بوضوح المخاطر التي يجب على أولئك الذين يستخدمون المرتزقة الاستعداد لها، وكذلك الفرق الكبير بين عصابة من البرابرة الفوضويين والأشخاص الذين نشأوا في مجتمع متعلّم ومتحضّر وملتزم بالقانون. ونظرا لأنهم لم يكونوا جميعا من نفس الجنسية ولا يتحدّثون نفس اللغة، فقد امتلأ المعسكر بالفوضى والشغب. في الواقع، عندما يثار غضب هؤلاء الرجال مرّة واحدة ضدّ أيّ شخص، أو عندما ينتشر الافتراء بينهم، فإنهم لا يكتفون بالحقد البشري المحض، بل ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا مثل الوحوش البرّية أو المجانين. في إس نيبول

    ○ إقرأوا لأنفسكم، اقرأوا من أجل إلهامكم، من أجل الاضطراب الجميل في رؤوسكم. واقرأوا أيضا ضدّ أنفسكم، اقرأوا من أجل التساؤل والاقرار بالعجز، من أجل اليأس وطلب المعرفة، اقرأوا الملاحظات الساخرة والجافّة للكتّاب العدميين مثل سيوران أو حتى كارل شميت. اقرأوا أعداءكم، اقرأوا حتى لأولئك الذين لا تستطيعون فهم ظلامهم أو حقدهم أو جنونهم، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستجلب لكم النموّ وتجعلكم تتجاوزون أنفسكم وتصبحون ما تتمنّون أن تكونوا عليه. مجهول

    ○ قبل أن يصل إخواننا الأوربّيون البيض ليجعلونا بشرا متحضّرين، لم يكن لدينا أيّ نوع من السجون. ولهذا السبب، لم يكن لدينا مجرمون. وبدون سجون، لا يمكن أن يكون هناك مجرمون. ولم تكن لدينا أقفال ولا مفاتيح، وبالتالي لم يكن بيننا لصوص. وعندما يكون شخص منّا فقيرا لدرجة أنه لا يستطيع تحمّل تكلفة حصان أو خيمة أو بطانية، كان يتلقّى كلّ تلك الأشياء كهديّة. كنّا غير متحضرّين لدرجة أننا لم نُعطِ أهميّة كبيرة للملكية الخاصّة. ولم نكن نعرف أيّ نوع من المال، وبالتالي فإن قيمة الإنسان لم تكن تتحدّد بثروته.
    لم يكن لدينا قوانين مكتوبة ولا محامون ولا سياسيون، وبالتالي لم نكن قادرين على الغشّ والاحتيال أو خداع بعضنا البعض. لقد كنّا في حالة سيّئة حقّا قبل وصول البيض، ولا أعرف كيف أشرح كيف تمكنّا من تدبير أمورنا بدون هذه الأشياء الأساسية التي يقولون لنا أنها ضرورية للغاية للمجتمع المتحضّر. الزعيم لام دير

    ○ الموسيقى التي تسمعها عادةً في المنزل أو في السيّارة أو حتى أثناء نزهاتك لم تكن تبدو دائما نقيّة كما يرغب في ذلك عازفو البيانو. كانت في بعض الأحيان مختلطة بأصوات مليئة بالخوف والألم واليأس، كانت أكثر من مجرّد موسيقى. مجهول
  • الأربعاء، يوليو 09، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • يركّز الرسم الصيني من منظور الكونفوشية على تمجيد فضائل الإحسان والصلاح واللياقة، والتي تجسّد القيم الأخلاقية والمثل الاجتماعية. والطاوية، بدعوتها إلى التوحّد مع الطبيعة والسعي إلى التوازن، تنبع بعمق من المناظر والعناصر الطبيعية داخل بيئة الرسم الصيني. فالجبال والأنهار وأشجار الخيزران، التي يُنظر إليها كرموز للنزاهة والمرونة والتواضع، لا تصوَّر فقط لجاذبيّتها الجمالية، بل باعتبارها تجسيدا للتعايش المتناغم بين الين واليانغ ورمزا للبحث الطاويّ عن التوازن والهدوء.
    والبوذية، بتأمّلاتها في المعاناة وعدم الثبات والتنوير، تنعكس في الرسم لتوضّح عوالم الوجود البشري والمسارات المؤدّية إلى اليقظة الروحية. وتشكّل زهرة اللوتس، التي تخرج نقيّة من الوحل، زخارف متكرّرة ترمز إلى النقاء والتنوير في خضمّ معاناة العالم.
    إن التيّارات الفلسفية المتعدّدة والكامنة في الرسم الصيني تنتج سردا يتجاوز مجرّد المتعة الجمالية، ليتحوّل الرسم إلى تساؤلات وجودية وأخلاقية وكونية. لذا فإن النظر إلى لوحة صينية يعني الدخول في حوار مع حكماء العصور القديمة والتأمّل في التشابك بين الطبيعة والروح والإبحار عبر المسارات الهادئة والحيوية للفكر الفلسفي الصيني.
    ومع كلّ ضربة فرشاة تلامس القماش، لا يُلتقط فحسب جوهر الجبال والمياه والنباتات والحيوانات فحسب، بل يتمّ الاحتفال بها والتأمّل فيها وتجسيد الاعتبارات الميتافيزيقية والجمالية العميقة. وعندما نتأمّل الجبال الضبابية والمياه المتدفّقة والزهور المتفتّحة والأشجار الوارفة في الرسم الصيني، فإننا في الأساس ننظر الى مشهد يتشابك فيه المادّي مع الميتافيزيقي، والواقع الملموس مع التأمّل الفلسفي.
    وكثيرا ما يرمز الجبل، وهو موضوع متكرّر ومهيمن في الرسم الصيني، إلى الجسر الذي يربط بين الأرض والسماء ويجسّد السعي البشري نحو السموّ الروحي والارتقاء الأخلاقي.
    أما الماء، سواء كان متدفّقا على جرف صخري أو متعرّجا عبر وادٍ هادئ، فإنه يمثّل التدفّق الأبدي للحياة والزمن ويعكس التأمّلات الفلسفية حول الوجود والتغيير وعدم الثبات. كما أنه يعكس أيديولوجية الطاوية القائمة على التسليم والمرونة، حيث يمتلك الماء، على الرغم من ليونته وقدرته على التكيّف، القوّة اللازمة لتشكيل حتى أصعب الصخور.
    وفي بتلات الأزهار المتفتّحة والأنهار المتموّجة والقمم الشاهقة في الرسم الصيني، لا يكتشف المرء وليمة بصرية فحسب، بل رحلة روحانية عبر طرق الفلسفات الصينية، وتكريما لعوالم الطبيعة الساحرة التي أشعلت بلا انقطاع خيال وروحانية الفنّانين عبر آلاف السنين.
    والخيزران أيضا له حضوره الدائم في الرسم الصيني. ولأنه ينمو بسرعة غير عاديّة ويظلّ أخضر في ثلوج الشتاء ويعيش لفترات طويلة جدّا من الزمن، فقد أصبح رمزا للحيوية والخصوبة والقدرة على التحمّل. والطريقة التي ينحني بها الخيزران تحت ضغط الرياح، من غير أن ينكسر، جعلته أيضا رمزا كونفوشيا للمسؤولين الذين يتمتّعون بالفضيلة والمرونة في أداء واجباتهم رغم ضغوط الأشخاص المتنفّذين والجماهير، ومع ذلك لا يبتعدون عن مبادئهم الأساسية المتعلّقة بالصواب والخطأ.
    وفي الرسم الصيني لا تعتبر التنانين مجرّد مخلوقات خيالية، وإنما رموز للقوّة الهائلة والخير والبركة. وعلى النقيض من التصوير الغربي لها باعتبارها كائنات مدمّرة وشرّيرة، يجسّد التنّين الصيني عادةً السلطة الإمبراطورية والحماية السماوية. لذا يخلّد الفنّانون هذه المخلوقات الأسطورية أثناء سيرها عبر الجبال والأنهار والكواكب، حاملةً سرديات القوّة والحظّ والشرعية الإمبراطورية.
    وكثيرا ما يظهر طائر الفينيق الأسطوري في لوحات الرسم الصيني كرمز للفضيلة والنعمة والرخاء. كما أن شكله الأنيق الذي يُرسم غالبا بضربات فرشاة دقيقة وألوان نابضة بالحياة، يرمز إلى جوهر الحاكم الخيري. وغالبا ما يوضع الفينيق جنبا إلى جنب مع التنّين ليشكّلا رمزية ثنائية متناغمة عن الحكم المتوازن والمزدهر.
    وفي كلّ تعبير داخل الرسم الصيني، تتداخل الأساطير والفلسفة بحيث يصبح المشهد استكشافا للكون اللامحدود وللرموز والتأمّلات الثقافية في التراث الصيني. ومن خلال الرسم أيضا، يرى المرء التقاء نابضا بالحياة بين الماضي والحاضر والمستقبل، حيث تتشابك الحكمة القديمة مع التأمّلات المعاصرة والتطلّعات المستقبلية.
    من العناصر المفضّلة الأخرى في الرسم الطاوي "خوخ الخلود" الذي يُفترض أنه مزروع من قبل إلهة قويّة في بستان غامض مخفيّ في الجبال إلى الغرب من الصين التاريخية، كرمز للخلود. وتقول القصّة أن تناول ثمرة واحدة منه يحوّل الشخص إلى حكيم طاوي يتمتّع بحياة أبدية، أو على الأقل يعيش عدّة قرون مثل أحد "الثمانية الخالدين" المشهورين في الأساطير.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • استوحى ريمسكي كورساكوف سيمفونيّته المسمّاة عنترة من حكاية عربية لسينكوفسكي. وتقول القصّة ان عنترة، عدوّ البشر المنعزل في الصحراء، أنقذ يوما غزالة من براثن طائر ضخم. وبسبب تعبه من قتال الطائر، نام منهكا. وأثناء نومه حلم أنه في قصر ملكة تدمر. ثم تبيّن له أن الملكة هي نفسها الغزالة التي أنقذها من الطائر. وكمكافأة، سمحت لعنترة أن ينال ثلاثا من أعظم قدرات الحياة: الانتقام والقوّة والحب. وقبلَ هذه الهدايا بامتنان، ثم طلب من الملكة شيئا لنفسه وسألها أن تخلّصه من حياته متى أصبحت هذه القدرات مملّة. ثم لم يلبث أن وقع في حبّ الملكة نفسها. لكنه بعد فترة شعر بالملل من حبّه لها. وهنا تحتضنه الملكة بين ذراعيها وتقبّله الى أن تتلاشى حياته تماما.
    كورساكوف دمج هذه الأسطورة في الحركة الافتتاحية، بينما خصّص الحركات الثلاث الأخرى للتعبير عن كلّ من القوى الثلاث. ويقال إن الرسّام الروسي إيليا ريبين استلهم فكرة لوحته المشهورة "إيفان الرهيب يقتل ابنه" من الإيقاعات المتغيّرة والأمزجة المفاجئة في هذه الموسيقى. هذا التسجيل للسيمفونية تعزفه أوركسترا غوتنبيرغ السيمفونية بقيادة نيمي جارفي الذي يُعتبر أحد قادة الأوركسترا المعاصرين القلائل الذين يفهمون عالم ريمسكي كورساكوف الصوتي. وجارفي يضفي حيويةً وبهجةً على جميع تسجيلاته لكورساكوف، وخاصّةً أعماله الأقلّ شهرةً.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ◦ كان بابلو نيرودا عاشقا للحياة ومولعا بكلّ شيء: بالرسم والفنّ عموما والكتب والطبعات النادرة والطعام والشراب. وكان الأكل والشرب بالنسبة له تجربة روحية وباطنية تقريبا. كان رجلا محبوبا ومفعما بالحيوية، هذا إن أغفلنا قصائده في مدح ستالين بالطبع. عاش نيرودا في عالم شبه إقطاعي، حيث كان كلّ شيء يؤدّي إلى ابتهاجه وحماسه المفرط بالحياة. وقد حالفني الحظّ مرّة بقضاء عطلة نهاية أسبوع في عزبته. كان حوله حشود من الناس يطبخون ويعملون، ودائما كان هناك عدد كبير من الضيوف.
    ذات مرّة أريته مقالا لأحدهم أزعجني وأثار حفيظتي لأنه أهانني وكذب عليّ. فقال لي: أنت ستصبح مشهورا. أريدك أن تعرف أنه كلّما ازدادت شهرتك، ازداد الهجوم عليك. مقابل كلّ مديح، سيكون هناك إهانتان أو ثلاث. أنا شخصيا عانيت من شتّى الإهانات والصفات السيّئة والعار الذي لا يمكن أن يتحمّله إنسان. لم أنجُ من واحدة من الصفات السيّئة". وكان نيرودا على حقّ، فقد تحقّقت توقّعاته تماما كما قال. ليس لديّ صندوق فحسب، بل حقائب عدّة مليئة بمقالات تحتوي على كلّ إهانة يمكن أن يتخيّلها إنسان. فارغاس يوسا

    ◦ بدأتُ أحلم بالإسبانية، وهو أمر لم يحدث من قبل. أستيقظ وأشعر كأن شيئا ما في داخلي يتغيّر؛ شيئا كيميائيّا لا رجعة عنه. هناك سحر يسري في عروقي. وهناك أيضا شيء ما في النباتات أستجيب له غريزيّا: زهور الجهنّمية الخلّابة والنباتات المزخرفة والجاكاراندا وأزهار الأوركيد التي تنمو على جذوع أشجار السيبا الغامضة.
    وأنا أحبّ هافانا بصخبها وتحلّلها وجمالها الأخّاذ. يمكنني الجلوس بسعادة على إحدى تلك الشرفات المزركشة لأيّام أو أن أؤانس جدّتي في شرفتها المطلّة على البحر. أخشى أن أفقد كلّ هذا وأن أفقد جدّتي مرّة أخرى. لكن عاجلا أم آجلا، سأضطرّ للعودة إلى نيويورك. أعرف الآن أنها المكان الذي أنتمي إليه، ليس بديلا عن هنا، بل أكثر من هنا. كيف لي أن أخبر جدّتي بهذا؟! كريستينا غارسيا

    ◦ إقلق قليلا كلّ يوم، وستخسر من حياتك بضع سنوات. إذا كان هناك خطب ما، فأصلحه إن استطعت. لكن درّب نفسك على عدم القلق، لأن القلق لا يُصلح شيئا أبدا. إذا لم تخصّص وقتا للعمل على خلق الحياة التي تريدها، فلسوف تضطر في النهاية إلى قضاء الكثير من الوقت في التعامل مع حياة لا تريدها. إرنست همنغواي

  • Credits
    chinese-temple.com
    theosophy.wiki/en