حياة في الكُتُب
 
بعد وفاة احد زملائنا المشتركين، جاء اتصال من ابنه يلحّ فيه بضرورة الإسراع في توظيب أمتعة والده وأشيائه الشخصية تمهيدا لشحنها إلى بلده. وقد ندبتُ أنا لهذه المهمّة على الرغم من أنني لم أكن اعرف الرجل بما فيه الكفاية بحكم فارق السنّ ونوعية التخصّص. بدأت بالمكتبة. كان الراحل معروفا بشغفه الكبير بالقراءة وحرصه على اقتناء الكتب بانتظام. وبدأتُ في جمع الكتب من فوق الأرفف ورصّها في كراتين. لحظتها خامرني إحساس بالحزن والضيق. كنت وأنا ألمس الكتب التي تركها وراءه كمن يباشر عملية تفريغ عالم صغير يخصّ شخصا آخر. كتب، عناوين وأسماء كثيرة تبدو بلا نهاية: جويس، اورويل، سارتر، ديورانت، لوركا، ديكارت، تولستوي، ووردزوورث، شتاينبك، بورخيس، مارلو، همنغواي، اليوت، طاغور، داروين، كونراد، برونتي، مونتسكيو، وولف، بروست، ارسطو، نيرودا، غوته، كولريدج.. وبينما أنا مستغرق في النظر إلى تلك الأسماء، تذكّرت كلّ الكتب التي سبق لي وأن قرأتها. وتساءلتُ عن جدوى ونفع كل تلك القراءة. روايات، قصائد شعر، مذكّرات، سيَر شخصية، تاريخ، فلسفة.. إلى آخره. الغريب أنني كلما فكّرت في تلك الكتب، كلّما أصبحت اقلّ تذكّرا لمضامينها. كلّ م...