المعجبون بـ كينكيد يسمّونه "رسّام الضوء". والذين يبتاعون لوحاته يقولون إنها تقدّم لهم الجمال في عالم قبيح. وهم يجدون فيها ما لا يجدونه في الفنّ الحديث الذي يركّز على بؤس الحياة وقبحها وعدميّتها. والذين لا يحبّون لوحاته يقولون إنها ساذجة وتعكس نظرة هروبية بإغراقها في الخيال وبابتعادها عن الواقع وعن مشاكل الناس.
وبعض منتقديه يقولون انه يستخدم الدين ويستغلّ قناعات الآخرين لتحريضهم على شراء لوحاته التي "لا يمكن أن يعلّقها في بيته سوى الأشخاص الذين يهوون الديكور القديم والفنّ الأثري".
لوحات كينكيد تصوّر قمم جبال مكلّلة بالثلوج وسماوات ذهبية وحمراء ومنارات مضيئة وغابات وأنهارا حالمة وبيوتا وأكواخا مغمورة بالضوء. وهذه اللوحات ليست من ذلك النوع الذي يتطلّب منك النظر إليها طويلا كي تفهمها. كما لا يلزمك شهادة في الفنّ كي تقرّر إن كانت جيّدة أو رديئة. بعضهم يسمّيه دافنشي أو مونيه الجديد. لكن لا احد من الرسّامين الذين سبقوه استطاع أن يكسب نصف المال الذي يجنيه هذا الفنّان من بيع لوحاته.
يقال إن لوحات توماس كينكيد تُعلّق في واحد من كلّ عشرين بيت أمريكي. كما أن دخل لوحاته السنوي يُقدّر بأكثر من مائة وخمسين مليون دولار.
وقد أسّس الرسّام مشروعا إسكانيا عبارة عن قرية متكاملة الخدمات تعتمد في تصميمها وتفاصيلها المعمارية على الفانتازيا المثالية التي تصوّرها لوحاته. وخصّص القرية للمعجبين بفنّه أو الذين يريدون أن يعيشوا في عالم شبيه بالعالم الخيالي والحالم الذي يظهر في لوحاته. يقول احد الذين انتقلوا للعيش في أوّل بيوت القرية: المكان هادئ جدّا. وبإمكانك أن ترى فيه الغزلان والأرانب من النافذة. كما أن له جدرانا بيضاء ويمتلئ بالشرفات وأزهار البيتونيا".
كينكيد أوجد من خلال فنّه علاقة لامست أحاسيس الملايين من مواطنيه، وهي العيش في عالم أكثر جمالا ومثالية. غير أن بعض نقّاد الفنّ يسخرون منه ويصفون فنّه بالبدائي.
يعتقد كينكيد أن الله أعطاه موهبة كي يساعد على تغيير حياة الناس. وهو كان يدرك منذ البداية أن لديه موهبة خاصّة ستمكّنه من أن يعتاش من الرسم. "لقد وجدت الله في وقت مبكّر. كنت غاضبا ومحبطا من العالم حولي". الضوء الغريب الذي يظهر في لوحاته والذي اكسبه لقبه ينسبه الرسّام إلى الله. ومن الواضح أن معظم زبائنه هم من المتديّنين.
وكينكيد رجل عائلة متميّز. وقد اقترن بزوجته نانيت منذ 27 عاما. ودرج على إخفاء الحرف الأوّل من اسمها في مكان ما من كلّ لوحة من لوحاته. كما أن له أربع بنات تربّوا جميعا في بيت ريفي ليس فيه تلفزيون.
وبالنسبة له، فإن عمليه تجارة وبيع الفنّ هي بنفس أهمّية خلق الفنّ. وهناك مجموعة كاملة من المنتجات التي تظهر عليها صوره، مثل السيراميك وأضواء الإنارة والصحون والأواني والكؤوس والساعات والحقائب والمجوهرات.
ويقال إن كينكيد وقّع منذ فترة اتفاقا مع إحدى شركات الإنشاءات لتصميم منتجع يضمّ خمسة منازل تتخلّلها بحيرات، بحيث تبدو شبيهة بتفاصيل الطبيعة التي تصوّرها لوحته المشهورة "خلف بوابة الخريف". كما انه يملك شركة إعلانية تضمّ أكثر من 400 موظف يعملون في استنساخ لوحاته وبيعها، لأنه لا يبيع أعماله الأصلية.
يقول كينكيد: هناك نقّاد ينتقصون من شأن أعمالي على اعتبار أنها عاطفية أو وجدانية أكثر من اللازم، مع أنني لست سوى امتداد لفنّانين أتوا قبلي وكانوا يرسمون الحياة كما يحلمون بها". وهو يحبّ نورمان روكويل وآندي وارهول. كما يعتقد أن بيكاسو كان يملك الموهبة، لكنه لم يكن يستخدمها بالطريقة الصحيحة.
وجانب من جاذبية مناظره يتمثل في أنها تصوّر عالما حالما، بعيدا عن البنايات العالية ومشاكل مجتمع المدينة. وهذا هو بالضبط ما يتوق إليه اليوم أمريكيون كثر، خاصّة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
الأكواخ التي شيّدها كينكيد في قريته الاستثمارية تجلب الهدوء والسلام وتعيد إلى البال ذكريات عن أزمنة أكثر عفوية وبساطة. والبيوت، التي يتجاوز عددها المائة، موزّعة إلى أربع مجموعات كلّ منها تحمل اسم إحدى بناته. وفي يوم الافتتاح أدّى كينكيد صلاة شكر دعا الله فيها أن تكون القرية مكانا لكلّ الأديان والخلفيات. "لقد كنت أؤمن لسنوات طوال بأن الارتباط الذي يشعر به الناس تجاه مناظري يمكن أن يتجسّد في مكان حقيقي".
التكنولوجيا الحديثة دخلت على قرية كينكيد. فهي مطوّقة ببوّابة كهربائية وذلك لأسباب أمنية. وقد بيع البيت الواحد بحوالي نصف مليون دولار. غير أن هناك قواعد صارمة حول ما يمكن للمالك أن يقوم به في بيته، وذلك من اجل المحافظة على فكرة القرية وعدم المساس بطبيعتها الهادئة والمسالمة.
في السنوات الأخيرة، عبرت في سماء "رسّام الضوء" بعض السحب الداكنة. فأوّلا، لا يبدو أن كلّ شخص مستعدّ لتصديق الحلم الذي بشّر به. الفنّان جوس سانشيز قرّر أن يضفي بعض المرح على أسلوب كينكيد، فأعاد إنتاج خمس لوحات من طبيعته الحالمة. وأضاف إلى بعضها دبّابة تسير فوق جسر وقناصّين مختبئين بين الأشجار المتشابكة. وعندما عرض هذه اللوحات على الجمهور تعرّض للنقد الشديد على تهجّمه وطالب الكثيرون بإغلاق معرضه. فقال معلقا: لوحات كينكيد جميلة، لكنها تنمّ عن تفكير هروبي وتزييف للواقع. كما أنها تتضمّن مستوى من الإنكار الذي يدّعي بأن كلّ شيء على ما يرام وأن الحياة وردية وليس هناك من يعاني".
ومنذ أشهر، ظهرت بعض المقالات التي تتحدّث عن جوانب مظلمة في حياة "رسّام الضوء". فقد نعته بعض الكتّاب بأنه رجل أعمال قاس "يخاف الله ويحبّ المال" عندما دفع شركاءه إلى حافّة الإفلاس المالي، في الوقت الذي كان يُتخم فيه حساباته البنكية ويسوّر عُشّه بعشرات الملايين من الدولارات.
كما تحدّث آخرون عن إدمان كينكيد على الكحول، وعن قيامه بتحسّس ثدي امرأة في حفل غنائي، وتعمّده إهانة تمثال يصوّر إحدى شخصيّات ديزني بالتبوّل على رأس التمثال في ساعة متأخّرة من إحدى الليالي بحجّة انه صنم.
وفي الفترة الأخيرة هبّت رياح الركود الباردة على أكواخ توماس كينكيد. فأغلقت بعض الغاليريهات التي تعرض أعماله أبوابها. كما انخفضت قيمة أسهم شركته في البورصة. ونتيجة لذلك، صرف الرسّام النظر عن خطط كان قد أعلن عنها من قبل تتعلّق بتكرار تجربة القرية.
حضور كينكيد تقلّص كثيرا في الأشهر الأخيرة، لدرجة انه لم يعد يملك الوقت الكافي للحديث إلى الزبائن. وأصبح يكتفي بوضع رسالة مسجّلة على الهاتف تقول: شكرا لك على تقاسم الضوء معنا"!
وليس معروفا بعد كيف سيتعامل "رسّام الضوء" مع قوى الظلام المتمثّلة في مظاهر التباطؤ الاقتصادي وتبعاته الكثيرة.