نحن مثل الفراشات التي ترفرف ليوم واحد وتعتقد أنها ستستمر إلى الأبد.
كارل سيغان
كارل سيغان
❉ ❉ ❉
كان "تشوانغ تسي" فيلسوفا معروفا في الصين القديمة. وقد ذهب ذات ليلة لينام وحلُم أنه فراشة تطير من زهرة إلى زهرة. كان متأكّدا تماما أنه فراشة، لدرجة أنه شعر في الحلم بالحرّية وبالنسيم العليل أثناء طيرانه. ولكن عندما استيقظ، تبيّن له أنه ما يزال هو نفسه وأنه كان فقط يحلم. وبعد ذلك طرح "تشوانغ تسي" السؤال التالي على نفسه: هل كنت أنا "تشوانغ تسي" أحلم بأنني فراشة، أم أنني الآن فراشة أحلم بأنني "تشوانغ تسي"؟!
في الحلم، رأى "تشوانغ تسي" العالم من جديد من خلال عيني فراشة، متحرّرا من القيود البشرية. وبدا الحلم وكأنه حقيقة، ما دفعه إلى ذلك التساؤل الإشكالي عند استيقاظه. هذا الحدث الغريب، أي التحوّل بين انسان وفراشة كان تحدّيا لإدراكه للواقع وإحساسه بذاته، لأنه يطمس الخطوط الفاصلة بين الواقع والوهم ويدفع إلى التأمّل بعمق في الوعي والهويّة.
فكرة الفراشة كروح هي فكرة عميقة وقديمة. ويبدو أنها تتكرّر بلا نهاية عبر الحضارات. هذه الحشرات الطائرة الرقيقة والحرّة هي أقرب ما يقدّمه العالم الطبيعي لمفهومنا عن الروح البشرية الطليقة وغير المقيّدة. والإغريق القدماء هم الذين صاغوا استخدام الفراشة في الثقافة، من خلال ربطها صراحةً بالروح البشرية. بل إن الكلمة اليونانية للفراشة، أي Psyche ، هي نفسها التي تعني الروح أو النفس.
ونفهم أن الفراشات التي ترفرف في الأحلام ترمز في العديد من الثقافات وعلى مرّ العصور إلى التحوّل الشخصي العميق. فكّر في التحوّل من اليرقة إلى الجمال المجنّح. هذه الحشرات تمثّل في الأحلام احتضان تغييرات الحياة التي تسمح لذواتنا الحقيقية بالظهور. ورحلتنا عبر الحياة تشبه هذا إلى حدّ كبير. فمع مرورنا بكلّ مرحلة، يصبح الشخص الذي يخرج مختلفا تماما عن الشخص الذي سبقه. وعندما تظهر الفراشات في العقل اللاواعي، يجب النظر إليها كمرشد يشجّعك على نشر أجنحتك.
وفراشة الفيلسوف "تشوانغ تسي" ترمز إلى الطبيعة السائلة والوهمية للحياة. وكما تخضع الفراشة للتحوّل، فإن رحلتها تصوّر الحدود الضبابية بين حالات الوجود وتدعونا إلى التأمّل في الحجاب الشفّاف الذي يفصل الأحلام عن الواقع. إن من المخيف أحيانا أن نخرج من "شرنقتنا" وننتقل من المعروف إلى المجهول. ولكن عندما نفعل ذلك، يحدث التحوّل وينفتح أمامنا عالم جديد تماما وتستمرّ عملية النموّ.
وقصّة "تشوانغ تسي" تتجاوز كونها مجرّد سرد لقصّة، فهي تثير تساؤلات عميقة حول الوعي الذاتي وطبيعة الواقع وتدفعنا للتساؤل عن صلابة تصوّراتنا ويقين معرفتنا. كما أنها تستدعي العقل في مغامرة، وترشدنا عبر متاهة الإدراك لكشف الحقائق المنسوجة في أحلامنا وحياتنا اليقِظة.
في الحلم، رأى "تشوانغ تسي" العالم من جديد من خلال عيني فراشة، متحرّرا من القيود البشرية. وبدا الحلم وكأنه حقيقة، ما دفعه إلى ذلك التساؤل الإشكالي عند استيقاظه. هذا الحدث الغريب، أي التحوّل بين انسان وفراشة كان تحدّيا لإدراكه للواقع وإحساسه بذاته، لأنه يطمس الخطوط الفاصلة بين الواقع والوهم ويدفع إلى التأمّل بعمق في الوعي والهويّة.
فكرة الفراشة كروح هي فكرة عميقة وقديمة. ويبدو أنها تتكرّر بلا نهاية عبر الحضارات. هذه الحشرات الطائرة الرقيقة والحرّة هي أقرب ما يقدّمه العالم الطبيعي لمفهومنا عن الروح البشرية الطليقة وغير المقيّدة. والإغريق القدماء هم الذين صاغوا استخدام الفراشة في الثقافة، من خلال ربطها صراحةً بالروح البشرية. بل إن الكلمة اليونانية للفراشة، أي Psyche ، هي نفسها التي تعني الروح أو النفس.
ونفهم أن الفراشات التي ترفرف في الأحلام ترمز في العديد من الثقافات وعلى مرّ العصور إلى التحوّل الشخصي العميق. فكّر في التحوّل من اليرقة إلى الجمال المجنّح. هذه الحشرات تمثّل في الأحلام احتضان تغييرات الحياة التي تسمح لذواتنا الحقيقية بالظهور. ورحلتنا عبر الحياة تشبه هذا إلى حدّ كبير. فمع مرورنا بكلّ مرحلة، يصبح الشخص الذي يخرج مختلفا تماما عن الشخص الذي سبقه. وعندما تظهر الفراشات في العقل اللاواعي، يجب النظر إليها كمرشد يشجّعك على نشر أجنحتك.
وفراشة الفيلسوف "تشوانغ تسي" ترمز إلى الطبيعة السائلة والوهمية للحياة. وكما تخضع الفراشة للتحوّل، فإن رحلتها تصوّر الحدود الضبابية بين حالات الوجود وتدعونا إلى التأمّل في الحجاب الشفّاف الذي يفصل الأحلام عن الواقع. إن من المخيف أحيانا أن نخرج من "شرنقتنا" وننتقل من المعروف إلى المجهول. ولكن عندما نفعل ذلك، يحدث التحوّل وينفتح أمامنا عالم جديد تماما وتستمرّ عملية النموّ.
وقصّة "تشوانغ تسي" تتجاوز كونها مجرّد سرد لقصّة، فهي تثير تساؤلات عميقة حول الوعي الذاتي وطبيعة الواقع وتدفعنا للتساؤل عن صلابة تصوّراتنا ويقين معرفتنا. كما أنها تستدعي العقل في مغامرة، وترشدنا عبر متاهة الإدراك لكشف الحقائق المنسوجة في أحلامنا وحياتنا اليقِظة.
ترى كم مرّة توقّفنا وسألنا أنفسنا ما إذا كان ما نختبره حقيقيّا أم مجرّد إسقاط لأفكارنا؟ حلم الفراشة لـ "تشوانغ تسي" يشجّعنا على التأمّل في أعماق تجاربنا الذاتية وفي الكيفية التي تُشكّل بها حواسّنا وأفكارنا واقعنا، كما يذكّرنا بأن ما يبدو صلباً وحقيقياً قد يكون عابراً مثل حلم.
في الفلسفات الشرقية أصبح يُشار إلى هذا النوع من الحجج باسم "مفارقة تشوانغ تسي"، التي تشير إلى تحوّل عميق يطمس الحدود بين الواقع والوهم ويحثّنا على التأمّل فيما إذا كانت الحياة نفسها مجرّد رؤية عابرة.
بعد "تشوانغ تسي" بمئات السنين، ظهرت وجهة نظر في الفلسفة تُعرف باسم الشكّ المعرفي Epistemic Self-Doubt، ومؤدّاها أننا كبشر لا نستطيع معرفة أيّ شيء على وجه اليقين. وقد نوقشت هذه الفرضية كثيرا وفي أزمنة مختلفة من قبل العديد من الأصوات المتشكّكة. وطرح رينيه ديكارت في كتابه "التأمّلات" فكرة مماثلة قال فيها: إذا كنت أعتقد أن أحلامي حقيقية وأنني أعيشها، فكيف يمكنني أن أعرف أن ما أعيشه الآن حقيقي بالفعل وليس مجرّد حلم؟!"
وقد أراد "تشوانغ تسي" و"ديكارت" من كلامهما أن يوضّحا أن اليقظة والحلم ثنائية زائفة وأنه يصعب التمييز بينهما، فلا يمكن للمرء معرفة ما إذا كان يحلم الآن أم أنه مستيقظ.
كان الفيلسوف الصينيّ ينظر إلى الموت باعتباره عملية تحوّل طبيعية يجب قبولها، حيث يتخلّى الشخص عن شكل من أشكال الوجود ليأخذ شكلا آخر. كما كان يرى أن الموت قد يكون في الواقع أفضل من الحياة. يقول: كيف أعرف أن حبّ الحياة ليس وهما، وكيف أعرف أنني في كرهي للموت لست مثل الرجل الذي ترك منزله في شبابه ثم نسي طريق العودة؟".
ثم يقول: إن من يحلم بشرب الخمر قد يبكي عندما يأتي الصباح. ومن يحلم بالبكاء قد يذهب للصيد صباحا. وبينما هو يحلم فإنه لا يعرف أنه حلم، بل قد يحاول في حلمه تفسير الحلم! ولن يعرف إلا بعد أن يستيقظ أنه كان حلما. ويوما ما ستكون هناك صحوة عظيمة عندما نعرف أن كلّ هذا حلم. ومع ذلك فإن الأغبياء يعتقدون أنهم مستيقظون ويفترضون بحماس أنهم يفهمون الأشياء. عندما أقول إنك تحلم، فأنا أحلم أيضا. ستوصف كلماتي بالاحتيال الخادع. لكن بعد عشرة آلاف جيل، قد يظهر حكيم يعرف معناها".
لقد استيقظ "تشوانغ تسي" من عالم الأحلام، حيث تحوّلَ إلى فراشة رقيقة تحلّق بحريّة عبر سماء الليل. ثم قال لنا إن عالم الأحلام والواقع مترابطان وكلّ منهما يعكس الآخر إلى ما لا نهاية. فهل نحن مثله مجرّد حالمين في سراب كونيّ عظيم؟!
في الفلسفات الشرقية أصبح يُشار إلى هذا النوع من الحجج باسم "مفارقة تشوانغ تسي"، التي تشير إلى تحوّل عميق يطمس الحدود بين الواقع والوهم ويحثّنا على التأمّل فيما إذا كانت الحياة نفسها مجرّد رؤية عابرة.
بعد "تشوانغ تسي" بمئات السنين، ظهرت وجهة نظر في الفلسفة تُعرف باسم الشكّ المعرفي Epistemic Self-Doubt، ومؤدّاها أننا كبشر لا نستطيع معرفة أيّ شيء على وجه اليقين. وقد نوقشت هذه الفرضية كثيرا وفي أزمنة مختلفة من قبل العديد من الأصوات المتشكّكة. وطرح رينيه ديكارت في كتابه "التأمّلات" فكرة مماثلة قال فيها: إذا كنت أعتقد أن أحلامي حقيقية وأنني أعيشها، فكيف يمكنني أن أعرف أن ما أعيشه الآن حقيقي بالفعل وليس مجرّد حلم؟!"
وقد أراد "تشوانغ تسي" و"ديكارت" من كلامهما أن يوضّحا أن اليقظة والحلم ثنائية زائفة وأنه يصعب التمييز بينهما، فلا يمكن للمرء معرفة ما إذا كان يحلم الآن أم أنه مستيقظ.
كان الفيلسوف الصينيّ ينظر إلى الموت باعتباره عملية تحوّل طبيعية يجب قبولها، حيث يتخلّى الشخص عن شكل من أشكال الوجود ليأخذ شكلا آخر. كما كان يرى أن الموت قد يكون في الواقع أفضل من الحياة. يقول: كيف أعرف أن حبّ الحياة ليس وهما، وكيف أعرف أنني في كرهي للموت لست مثل الرجل الذي ترك منزله في شبابه ثم نسي طريق العودة؟".
ثم يقول: إن من يحلم بشرب الخمر قد يبكي عندما يأتي الصباح. ومن يحلم بالبكاء قد يذهب للصيد صباحا. وبينما هو يحلم فإنه لا يعرف أنه حلم، بل قد يحاول في حلمه تفسير الحلم! ولن يعرف إلا بعد أن يستيقظ أنه كان حلما. ويوما ما ستكون هناك صحوة عظيمة عندما نعرف أن كلّ هذا حلم. ومع ذلك فإن الأغبياء يعتقدون أنهم مستيقظون ويفترضون بحماس أنهم يفهمون الأشياء. عندما أقول إنك تحلم، فأنا أحلم أيضا. ستوصف كلماتي بالاحتيال الخادع. لكن بعد عشرة آلاف جيل، قد يظهر حكيم يعرف معناها".
لقد استيقظ "تشوانغ تسي" من عالم الأحلام، حيث تحوّلَ إلى فراشة رقيقة تحلّق بحريّة عبر سماء الليل. ثم قال لنا إن عالم الأحلام والواقع مترابطان وكلّ منهما يعكس الآخر إلى ما لا نهاية. فهل نحن مثله مجرّد حالمين في سراب كونيّ عظيم؟!
Credits
philosophynow.org
philosophynow.org