كثرت في الآونة الأخيرة حوادث اعتداء الطلبة على المعلمين.
وقد قرأت في اليومين الأخيرين نداءات استغاثة وجّهها معلمون إلى السلطات المعنية لتوفّر لهم حماية اكبر بعد تعرّض بعضهم إلى هجمات وعنف جسدي من قبل بعض الطلاب.
جريدة عرب نيوز نشرت تقريرا مزعجا منذ يومين أشارت فيه إلى أن معلما تعرّض للضرب المبرح لدرجة أن أغمي عليه وكاد يفقد حياته بعد أن رفض زيادة درجات احد الطلبة.
وقد قام الطالب المعتدي ورفاقه بتصوير واقعة الضرب بالبلوتوث وقاموا بتوزيعها على نطاق واسع إمعانا في إذلال المدرّس الضحية.
كما ذكر التقرير أن طالبا آخر وجّه مسدّسا إلى صدغ معلمه وقام بإضرام النار في سيارته بعد أن ابلغ المعلم الجهات المختصة بقيام الطالب "بالتفحيط" بسيارته وإزعاج راحة الأهالي.
والحقيقة أن تزايد حوادث الاعتداء على المدرّسين ينبئ عن أزمة أخلاقية وتربوية خطيرة.
فمهنة المعلم لم يعد لها تلك الهيبة والمكانة التي كانت تقترب من القداسة ذات زمن.
ومن الواضح أن ضعف تربية الآباء لأبنائهم، أو انعدامها أحيانا، أدّت إلى ما نراه في مدارسنا اليوم من فوضى وتسيّب وانفلات.
كما أن قرار منع الضرب في المدارس بحجج وذرائع خيرية وحضارية أدّى هو الآخر إلى تضعضع منزلة المدرّس وبالتالي هوانه وذهاب هيبته.
اليوم كنت اقرأ بالصدفة فصلا من سيرة حياة الروائي اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكيس. وفي ذلك الجزء من مذكّراته يروي الكاتب جانبا من تجربته أيام الدراسة وكيف أن العصا التي بيد المدرّس كانت هي الأداة التي تصنع الرجال.
يقول: كنا جميعا ننتظر اليوم الذي ستحوّلنا فيه هذه الضربات إلى رجال. وبعد أن كبرت وراحت النظريات الخيّرة تضلل عقلي، بدأت اصنّف هذا الأسلوب على انه همجي. لكن بعد أن عرفت الطبيعة البشرية بشكل أفضل رحت أبارك وما زلت عصا المدرّس المقدّسة التي كانت تعيننا على الصعود من مرتبة الحيوان إلى الإنسان".
في الأيام الخوالي يوم كانت هناك تربية حقيقية ومربّون عظام، كان الطالب المخطئ يعلّق في نافذة الفصل بعد أن يكتّف ويشدّ وثاقه في القضبان. وهناك يبقى ساعات طوالا على تلك الحال متعرّضا لسخرية زملائه واستهجانهم إلى أن يحضر والده الذي كان كثيرا ما يبارك تصرّف المدرّس ويثني على حزمه مكرّرا على مسامع المعلم وأمام التلاميذ تلك العبارة المأثورة التي سبق وأن ردّدها يوم أن صحب ابنه إلى المدرسة في اليوم الأول: لكم اللحم ولنا العظم!
وختاما أقول لو أن هذه الشرذمة الفاسدة من الطلاب تربّوا على وقع ضربات العصي وهي تلسع جنوبهم وتلهب مؤخّراتهم عندما يخطئون أو ينحرفون لما استهانوا بأساتذتهم ولما استهتروا بنظام أو قانون، بل ولما تحوّلوا إلى زعران وميليشيات مسلحة تمارس استهتارها وبلطجتها داخل المدارس وخارجها دون أن تجد من يوقفها ويلجم سعارها.
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .
السبت، أبريل 21، 2007
كاد المعلم أن يكون قتيلا
الخميس، أبريل 19، 2007
على أجنحة الغيم
ألقيت نظرة عجلى على عناوين الجريدة التي جلبتها المضيفة للتوّ. معظم الأخبار إما سيء أو محزن كالعادة.
وضعت الجريدة جانبا وعدّلت من وضع المقعد قليلا كي يوفّر زاوية أفضل للنظر عبر الشبّاك. كانت السماء تحتنا زرقاء ناعمة تسبح في افقها الممتد قطع من الغيم التي بدت كسفن بيضاء تمخر عباب بحر بلا ضفاف.
وتحت الغيم ظهرت جبال وأودية وخضرة ومياه تحيطها هالات من ضباب خفيف تداخل فيه الأبيض بالفيروزي.
منظر الغيم يثير في النفس شعورا بالجلال والفخامة والغموض. وهذه التشكيلات الغريبة من الغيم التي تخيّم على المشهد تحتنا يمكن للناظر إليها أن يتخيّل صورا وأخيلة لمخلوقات بأجنحة وبملامح وهيئات قد لا تخطر على البال لأول وهلة.
في بعض القصص القديمة يقترن ذكر الغيم بالكائنات الأسطورية مثل التنّين والجياد المجنّحة التي تهبط من الغيم ليلا لتستحمّ في مياه الغابات الفضيّة قبل أن تأخذ طريقها عبر الجبال والسهول إلى حيث القرى النائمة على تهويدات الليل وأحلام العذارى وقصص الجدّات التي لا تنتهي.
خطر ببالي وأنا أتملّى ذلك المشهد الجليل على ارتفاع أربعين ألف قدم كم هو جبّار ومبدع عقل هذا الإنسان الذي استطاع أن يخترع هذا الصندوق المعدني العجيب الذي رفع البشر لأول مرة من سجن الأرض إلى رحابة السماء ومكنّهم من التجوال عبر الأفق ووسط الغيوم مع ما يصاحب ذلك من متعة الإحساس بالتحليق في اللانهائية والتحرّر من إسار الأرض وما تحفل به من قيود ومكبّلات كثيرة.
قلت في نفسي: ربّما كانت هذه النقطة من السماء هي آخر ما يمكن للإنسان العاديّ بلوغه، وهو على كلّ حال إنجاز مبهر ما كان بمقدور أسلافنا أن يتصوّروا حدوثه حتى في الخيال.
وبينما أنا مستغرق في التفكير والتأمّل، خطر لي أن الإنسان – هذا الكائن الذي يختزن، رغم ضآلته، الكثير من أسرار هذا الكون العظيم والغامض – معذور إن شعر أحيانا بهشاشته وضعفه وقابليته السريعة للفناء. فرحلته في هذه الحياة قصيرة جدّا، وسيموت الكثير منّا وهم ما يزالون مسكونين بهاجس رغبتهم الأزلية في أن يطوفوا في أرجاء هذا الكون الفسيح وأن يروا بأنفسهم ما تخبّئه الكواكب والمجرّات المجاورة لكوكبهم من أسرار ومفاجآت.
في هذا الكون المليء بالغرائب والألغاز نقرأ عن كواكب بعيدة تتشكّل في سماواتها غيوم لا تنهمر إلا مطرا حامضيا بلون السخام، وعن كواكب أخرى لا وجود فيها سوى لبراكين هائلة تهدر وتزمجر نافثة حممها ونيرانها آناء الليل وأطراف النهار. وعن نوع ثالث من الكواكب لا يوجد فيه سوى العدم والظلام الدامس والصمت المطبق الذي يحطّم أعصاب اشدّ البشر بأسا وأقواهم تحمّلا.
إننا كثيرا ما نغبط روّاد الفضاء الذين تمكّنوا من النفاذ إلى أعماق الفضاء ورأوا بأمّ أعينهم من أسرار الكون ومعجزاته ودقائقه ما سيظلّ بالنسبة لغيرهم فكرة خيالية أو حلما بعيد المنال.
لكنّ صورة الفضاء ليست وردية دائما. فهناك من هؤلاء من رأى كواكب عملاقة لكن أسطحها ملئى بالصدوع والأخاديد والأودية الشديدة الانحدار التي لا يسمع فيها سوى عواء الريح التي تصل سرعتها في بعض الأحيان إلى ثلاثمائة كيلومتر في الساعة.
في تلك العوالم النائية حيث الصمت المطبق والظلمة القاتلة، لا يسمع الإنسان سوى نبض قلبه وحفيف أفكاره وخوفه الممضّ من احتمال أن يفقد الأرض نهائيا وتنعدم وسيلته في العودة إليها مجدّدا.
وقد قرأت ذات مرّة أن بعض روّاد الفضاء عادوا من رحلاتهم وهم أكثر حبّا للحياة وأكثر عاطفة وحنوّا وأشدّ التصاقا بالأرض. بينما انهمك آخرون في التفكير في مغزى الوجود على الأرض وغير ذلك من الأسئلة والتساؤلات الكبرى.
لكن هل يعقل أن تكون الأرض هي الكوكب البارد الوحيد في هذا الكون وما عداه عوالم لا نهائية من الصمت والظلام والعدم؟ يقول العلماء إن المنطق ينفي هذه الفرضية، ولا بدّ وان هناك كواكب أخرى باردة غير كوكبنا "هناك في الواقع ملايين المجرّات وبلايين النجوم"، والإنسان برغم ما حققّه حتى الآن من اختراقات واكتشافات على صعيد ارتياد الفضاء لم يزل يجهل الكثير من مسالك ودروب هذا الكون الواسع الذي لا يحيط بأسراره وحقائقه سوى من خلقه وأوجده على هذه السويّة من الدقة المتناهية والإحكام المعجز.
وصدق الله العظيم إذ يقول: "تسبّح له السمواتُ السبعُ والأرضُ ومن فيهنْ، وإنْ منْ شيء إلا يسبّح بحمده".