:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، مارس 29، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • الشاعر الاسباني رافائيل البيرتي معظم أشعاره مستوحاة من الرسم. وقصائد أحد دواوينه تتضمّن إشارات عديدة إلى الرسّامين الذين كان قد رأى أعمالهم في متحف برادو في مدريد في صباه.
    وبالنسبة له، فإن الأصفر هو أكثر لون محمّل بالرموز. وهو يراه كرمز للسعادة، لكنه أيضا رمز للفقر والمرض والمعاناة والذبول. كما أن الأصفر يقترن عنده دائما بالخريف. وفي سياق حديثه عن هذا اللون، يشير إلى لوحة "المظلّة" لدي غويا كأفضل مثال لاستخدام اللون الأصفر.
    وفي العديد من قصائده، يتحدّث البيرتي عن الحورية الخضراء الصغيرة. ويرجّح انه استلهم هذه الصورة الشعرية من الحوريات اللاتي سبق أن رآهنّ في العديد من لوحات الرسّام الهولندي بيتر بول روبنز في مدريد.
    وفي قصيدة بعنوان "ليوناردو"، يتحدّث البيرتي حصرا عن اللون الأزرق، فيقرنه بدافنشي، لكنه أيضا يذكره مقرونا بآخرين مثل بوسان وفيلاسكيز وغويا. ويشير إلى أن مثله الأعلى في توظيف الأزرق هو بيكاسو.
    في حديثه عن الأزرق، يشير الشاعر إلى لوحة بيكاسو بعنوان "المأساة" باعتبارها النموذج الأكمل لاستخدام الأزرق في الفن. كما يذكر لوحة فرا انجيليكو "البشارة" ولوحة "مولد فينوس" لبوتيتشيللي باعتبارهما مثالين آخرين رائعين لاستخدام الألوان الزرقاء.
    يذكر البيرتي أيضا أن اللون الأرجواني يستثير لديه شعورا بالحزن والمعاناة. وهو يتحدّث عنه مقرونا بلوحات الرسّام الاسباني إل غريكو. أما الزهري الناعم فهو عنده رمز للحسّية، وهو يذكره عند الحديث عن أعمال الرسّام الفرنسي رينوار.

  • عندما قال ويليام فوكنر "الماضي لا يموت، إنه ليس حتى ماضيا"، كان يعبّر عن فكرة مفادها أن أحداث الماضي وتأثيراته تستمرّ في تشكيل الحاضر والمستقبل وتؤثّر عليهما. ويعكس هذا الاقتباس إيمان فوكنر بالأهميّة الدائمة للتاريخ والطرق التي يستمرّ بها صداه في العالم المعاصر.
    فهو يشير إلى أن الماضي ليس مجرّد مجموعة من الأحداث التي انتهت، بل هو قوّة مستمرّة في ممارسة تأثيرها على الحاضر. وهذا يجسّد فهم الكاتب العميق للعلاقة المعقّدة بين التاريخ والحاضر.
    كان فوكنر كاتبا أمريكيا معروفا برواياته وقصصه القصيرة التي تدور أحداثها في منطقة خيالية تدعى يوكناباتاوفا. وأحد مواضيعه المتكرّرة في رواياته هي فكرة أن الماضي ليس شيئا يمكن تجاهله أو نسيانه بسهولة.
    كان يعتقد أن الأحداث التاريخية والموروثات الثقافية والتجارب الشخصية لها تأثير عميق على الأفراد والمجتمعات حتى بعد فترة طويلة من وقوعها. والاقتباس يشير إلى أن الماضي ليس كيانا ثابتا وبعيدا، بل هو قوّة حيّة ودائمة الحضور ومستمرّة في تشكيل الحاضر وربّما المستقبل.
    وكثيرا ما استكشف فوكنر هذا المفهوم في أعماله من خلال الخوض في التواريخ المعقّدة لشخصيّاته وتفاعلاتهم مع القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية في عصرهم. وقد درس مطوّلا الآثار المتبقيّة من زمن العبودية والحرب الأهلية والتحيّزات والانقسامات العميقة الجذور التي استمرّت في الجنوب الأمريكي. وكثيرا ما صوّرت كتاباته الطرق التي أثّر بها ثقل التاريخ على حياة شخصياته وعلى علاقاتهم البينية، ما أدّى في الغالب إلى دورات من العنف وصدامات وصراعات شخصية.
    ويمكن تفسير عبارة "الماضي لا يموت، إنه ليس حتى ماضيا" على أنها تذكير بأن المظالم التاريخية والصراعات التي لم تُحل والقضايا المجتمعية العميقة الغور لا تزال تتردّد أصداؤها في الوقت الحاضر. وفوكنر يرى أنه من أجل فهم ومعالجة التحدّيات المعاصرة، يجب على المرء أن يواجه ويصارع حمولة التاريخ المعقّدة. كما أن الكاتب من خلال هذا الاقتباس يشجّع الأفراد والمجتمعات على التعامل بشكل نقدي مع ماضيهم والاعتراف بتأثيره الدائم، وأن يعملوا من أجل مستقبل أكثر عدالة وإنصافا.


  • لعب مفهوم الروح دورا مهمّا في تشكيل الأفكار اليونانية القديمة حول الحياة الآخرة والغرض من الحياة والسلوك الأخلاقي. وكانت لديهم مجموعة متنوّعة من المعتقدات فيما يتعلّق بمفهوم النفس وخلودها. وقدّمت المدارس الفلسفية والدينية المختلفة داخل الثقافة اليونانية وجهات نظر متباينة حول طبيعة الروح ووجودها بعد الموت.
    يرى هوميروس في الإلياذة والأوديسّا، مثلا، أن الروح قوّة حياة أو مبدأ متحرّك يترك الجسد عند الموت وينحدر إلى عالم الجحيم. والروح عنده ليست خالدة بنفس معنى الآلهة.
    ووفقا للمعتقدات الأورفية المرتبط بالشخصية الأسطورية "أورفيوس" فإن الروح إلهية وخالدة بطبيعتها وتخضع لدورة التناسخ.
    ورأى فيثاغورس وأتباعه أن النفس خالدة وتخضع لسلسلة من التناسخات. وكان ينظر إلى الروح على أنها كيان متميّز ويمكن أن يوجد بشكل منفصل عن الجسد ويحتفظ بذكريات الحياة الماضية.
    أما أفلاطون فكان يؤمن برؤية ثنائية للروح ويرى بأنها خالدة وموجودة قبل الولادة في عالم من الأشكال الأبدية. والجسد برأيه يعتبر وعاءً مؤقّتا للروح، بينما الموت تحرير للنفس وعودة إلى طبيعتها الحقيقية.
    أما الرواقيون، مثل إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وغيرهما، فقد نظروا إلى الروح كقوّة حيوية مرتبطة بالإله. لكنهم لم يؤكّدوا بالضرورة على خلودها. وكانوا يؤمنون بالعيش الفاضل وبضرورة قبول الموت كجزء طبيعي من الوجود.

  • Credits
    wordswithoutborders.org

    الثلاثاء، مارس 26، 2024

    الضيف الغريب


    بعد سنوات قليلة من ولادتي، التقى والدي شخصا غريبا وصل مؤخّرا إلى بلدتنا الصغيرة. ومنذ البداية، انبهر الوالد بتلك الشخصية الساحرة، ثم دعاه للعيش معنا في بيتنا. وقبل الغريب الدعوة، ومنذ ذلك الحين وهو يعيش معنا.
    وعندما كبرت قليلا، لم أسأل قطّ عن مكانه في عائلتنا. لكن بعقلي الصغير أدركت أن له مكانة خاصّة جدّا. كان والداي مربيّين فاضلين: أمّي علّمتني ما هو الخير وما هو الشرّ، وعلّمني والدي الطاعة. لكن الشخص الغريب كان راوياً بارعا للقصص. كان يُبقينا لساعات منبهرين بقصص المغامرات والألغاز والطرائف التي كان يسردها علينا.
    وكانت لديه دائما إجابات على كلّ شيء نريد معرفته في التاريخ أو العلوم أو السياسة وغيرها. وكان يعرف كلّ شيء من الماضي والحاضر ويمكنه حتى التنبّؤ بالمستقبل! وقد اصطحب عائلتنا الى أوّل مباراة كرة قدم نحضرها. وكان يجعلنا نضحك ثم لا يلبث أن يُبكينا.
    ولم يتوقّف الغريب عن الحديث وعرض الصور، لكن والديّ لم يكونا مهتمّين. في بعض الأحيان، كانت والدتي تستيقظ مبكّرا وبهدوء. وبينما كنّا نستمع إلى ما يقوله، كانت لوحدها تذهب إلى المطبخ لتنعم بالسلام والهدوء.
    كان والدي يدير منزلنا بقناعات أخلاقية معيّنة، لكن ذلك الضيف الغريب لم يشعر قطّ بأنه ملزم باحترامها. الشتائم والكلمات النابية، على سبيل المثال، لم يكن مسموحاً بدخولهما الى منزلنا لا من جانبنا ولا من أصدقائنا أو أيّ شخص يزورنا.
    ومع ذلك، فإن زائرنا الذي طالت مدّة اقامته في بيتنا كان أحيانا يستخدم وبسلاسة لغة غير لائقة. وكانت بعض ألفاظه تخدش أذني أحيانا وتجعل والدي يرتبك ويحمرّ وجه والدتي خجلا.
    لم يأذن لنا والدي أبدا بشرب الكحول. لكن الغريب كان يشجّعنا على تجربته وتناوله. وقد جعل السغائر والسيغار والغليون تبدو في أعيننا طيّبة وغير ضارّة. وكان يتحدّث بحرّية وربّما أكثر من اللازم عن الأمور الحميمة. وكانت تعليقاته في بعض الأحيان صارخة، وأحيانا موحية، وفي كثير من الأحيان مخزية!
    أعلم الآن أن مفاهيمي عن العلاقات الاجتماعية وعن العالم أيضا تأثّرت بشدّة خلال طفولتي ومراهقتي بسبب صحبتي لذلك الغريب. وقد تعرّض للانتقاد مرارا، لكنّه لم يهتم أبدا بقيم والدي وقناعاته، ورغم ذلك بقي في منزلنا.
    ومرّ أكثر من خمسين عاما منذ قدوم ذلك الغريب إلى عائلتنا. ومنذ ذلك الحين تغيّر كثيرا. لكنّه لم يعد رائعا كما كان في البداية. ولو دخلت اليوم إلى عرين والدي لوجدته، أي والدي، جالسا في زاويته ينتظر من يحدّثه أو يستمع إلى أحاديثه أو يخصّص بعضا من وقته لمرافقته وإخراجه من وحدته.
    والان ربّما تتساءل عن اسم ذلك الضيف الغريب. إنه التلفزيون! والآن صار له زوجة اسمها الحاسوب وابن اسمه لعبة الفيديو وآخر اسمه الجوّال وابنة اسمها انترنت. وكلّهم اخترقوا منزلنا وأكملوا تفكيك عائلتنا، وأصبح الجوّال في جيوبنا، ونحمل معه الإنترنت. وبسبب كلّ ذلك، أنا اليوم غريب وتائه ومشتّت الذهن بسبب الأهوال التي رأيتها.

    Credits
    rosarygraphics.com