:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، مارس 30، 2012

الموناليزا الروسيّة

لأكثر من مائة عام، ما تزال المرأة الظاهرة في هذا البورتريه لغزا. وكثيرا ما يشار إليها، لسبب ما، بالغريبة أو المجهولة. وبسبب هذا الاسم ظهرت الكثير من القصص والأساطير.
رسم ايفان كرامسكوي في البورتريه امرأة بملامح ارستقراطية ولباس باذخ وهي تجلس في عربة فوق جسر انيشكوف في سانت بطرسبيرغ. ومع مرور الزمن، اكتسبت اللوحة هالة من الغموض وأصبحت إحدى أشهر اللوحات في الفنّ الروسي. وقد استُنسخت عددا لا يُحصى من المرّات. كما أنها تتمتّع بشعبية كبيرة خارج روسيا، خاصّة في اليابان وفي الصين وكوريا.
ترى، ما الذي يجذب النظر إلى اللوحة؟ جمال المرأة الأخّاذ؟ زينتها الفارهة؟ أم شيء ما آخر أكثر عمقاً؟
منذ أن رسم كرامسكوي البورتريه والجدل لا يتوقّف عن هويّة هذه المرأة. في البداية قيل إنها آنا كارينينا بطلة رواية تولستوي الشهيرة. وقيل إن اللوحة قد تكون ترجمة لقصيدة "الغريبة" للشاعر الروسي الكسندر بلوك، والتي يتحدّث فيها عن امرأة ترتدي فستانا حريريا وتزيّن يديها بالخواتم الثمينة وتعتمر قبّعة حِداد.
ثم قيل إن المرأة قد تكون ناستازيا فيليبوفنا بطلة رواية الأبله لـ دستويفسكي. وشيئا فشيئا أصبحت بطلة هذه اللوحة تجسّد النموذج الكلاسيكي للمرأة في الأدب الروسي.
ومثل بطلة رواية دستويفسكي التي سَمَت فوق مكانة المرأة الساقطة، تبدو المرأة في اللوحة مثل ملكة ترتفع فوق أفق المدينة البيضاء الباردة والضبابية.
غير أن الجمال والفخامة والمظهر الملوكي واللامبالاة والغموض، وربّما الغطرسة، لا يمكن أن يحجب إحساسا بعدم الأمان. الرسّام قد يكون أراد من خلال اللوحة أن يثير سؤالا عن مصير الجمال في واقع غير مثالي. نظرات الاحتقار المرسومة على وجه المرأة قد تكون ردّ فعلها على أولئك الذين لا يقدّرون جمالها ولا يستحقونه.
بورتريه امرأة مجهولة يمكن أن تراه في كلّ شيء تقريبا، من غلاف رواية آنا كارينينا، إلى علب الشوكولاتة الأنيقة، إلى بطاقات التهنئة بالمناسبات الاجتماعية. ومن الواضح أن اللوحة رُسمت في غرفة، بينما أضيفت إليها الخلفية والشارع لإعطاء انطباع بأنها مرسومة في الهواء الطلق.

في مذكّراته وأوراقه التي تركها بعد وفاته، لم يكتب كرامسكوي شيئا عن المرأة أو عن هويّتها. لكن شاعت في ما بعد قصّة تقول إن اللوحة تصوّر فتاة فلاحة تزوّجت من سيّدها النبيل الذي كان قد رآها في سانت بطرسبيرغ فأسره جمالها. لكن بعد الزواج السعيد أحسّت الفتاة بالضيق من حقيقة أن الناس أصبحوا يسيئون فهمها بسبب جمالها المبهر وجاذبيّتها غير العادية. كان اسم الفتاة ماترونا. وكان الرسّام يتردّد على بيت عائلتها من وقت لآخر قبل أن تتزوّج. الجمال بالطبع لا يمكن إلا أن يثير اهتمام فنّان مثله.
لكن في ما بعد، ظهر احتمال أن اللوحة كانت عن امرأة ما خاصّة. في ذلك الوقت، أي في ثمانينات القرن قبل الماضي، كانت قضايا النساء مثارا للكثير من النقاش. سلوك آنا كارينينا بطلة تولستوي، مثلا، كان بنظر معاصريها احتجاجا على القيم الاجتماعية السائدة آنذاك. ومثل تولستوي الذي كان يتحدّث دائما عن الكرامة الإنسانية للنساء، كان كرامسكوي أيضا يحاول أن يحقّق رؤيته عن الجمال باعتباره قيمة أخلاقية وإنسانية عالية.
والواقع أن حياة كرامسكوي كلّها كانت تطويرا روحيا للذات وبحثا عن الأفكار المثالية والسامية في الفنّ وفي الأخلاق.
لباس المرأة يوحي بأنها سيّدة مجتمع من الطراز الرفيع. ومع هذا لم يتردّد بعض النقّاد وقتها في القول إن الفنّان إنما رسم إحدى بنات الهوى بعد أن وجد لها صدى في رواية غادة الكاميليا التي تحكي قصّة إحدى محظيّات البلاط في باريس.
وقيل أيضا إن المرأة ليست مغرورة فحسب بل وتثير شعورا بالمرارة. ورجّح آخرون أن كرامسكوي وضع في هذه اللوحة ملامح جميع النساء اللاتي سبق وأن رسمهن، أي بناته وبنات شقيقاته وحتى بعض بائعات الهوى.
وقد قُدّر لـ كرامسكوي أن يتزوّج من امرأة لها ماض عندما قابل لأوّل مرّة صوفيا نيكولييفنا في منزل احد أصدقائه. كانت المرأة قد عاشت مع ذلك الصديق لفترة طويلة. حبّ الرسّام لهذه المرأة كان عظيما. ثم تحوّل إلى شراكة عائلية سعيدة أثمرت ستّة أطفال. وطوال حياته كان كرامسكوي يكتب رسائل عذبة إلى زوجته. وقد رسم لها أكثر من بورتريه جسّد فيها مفهومه المثالي عن الأنوثة. وهو لم يكن يميل كثيرا إلى شعارات تحرير المرأة. المرأة المثالية عنده ليست المتحرّرة، بل الأمّ المهتمّة ببيتها وأطفالها والوفيّة لزوجها.

في العام 1878، كان القيصر الكسندر الثاني يعيش قصّة حبّ مع امرأة جورجية تُدعى كاثرينا دولغوروكوف. كانت آخر عشيقاته، بينما كان ما يزال متزوّجا من ماريا الكسندروفنا، أمّ أولاده التي كانت وقتها مريضة بالسلّ وبالكاد تستطيع النهوض من سريرها. كان عمر الكسندر حينها يربو على الستّين، بينما كانت كاثرينا تصغره بستّة وعشرين عاما. وقد وعدها بأن تصبح إمبراطورة عندما تموت ماريا.
وعندما حملت منه كاثرينا اتفق معها على الزواج سرّا كي يتجنّب غضب أولاده وزوجته. واستمرّ الزواج كذلك إلى أن رُزقا بثلاثة أطفال. غير أن ماريا، أي الزوجة الأولى، علمت أخيرا بأمر زواجه الثاني. لذا اضطرّ الملك لأن يشهر زواجه ونقل كاثرينا وأطفالهما الثلاثة إلى قصر الشتاء وخصّص لهم جناحا يقع فوق الجناح الذي كانت تشغله ماريا وأبناؤها.
كان الكسندر يحبّ كاثرينا بعمق. ومع ذلك كانت تتعرّض للكثير من الاحتقار والازدراء من قبل رجال ونساء البلاط. ولم يمض وقت طويل حتى اغتيل الكسندر بانفجار في قصره في مارس عام 1880م. وبعد الحادثة تمّ طرد كاثرينا وأطفالها من القصر بناءً على أوامر من الكسندر الثالث شقيق القيصر المغدور ومن ماريا وأبنائها الذين رفضوا الاعتراف بها وبأولادها.
لكن ما علاقة هذه القصّة بلوحة كرامسكوي؟ هناك رواية رائجة تشير إلى أن المرأة المجهولة في اللوحة ليست سوى كاثرينا دولغوروكوف. ملامح كاثرينا في الصور الفوتوغرافية من تلك الفترة تشبه كثيرا ملامح المرأة في البورتريه. ويقال إن كرامسكوي تلقّى تكليفا من الكسندر برسم زوجته الثانية بعد أن أعلن زواجه منها. وكان قد استعان به من قبل ليرسم أبناءه منها. وقيل إنها طلبت أن تُرسم وهي تركب عربة مكشوفة وأن يظهر في الخلفية جزء من قصر الشتاء. وقد عمل الرسّام على البورتريه طويلا.
مضت سنتان وهو يرسمها. وفجأة اُعلن عن اغتيال زوجها القيصر الكسندر. وبعد موته أكمل كرامسكوي رسم اللوحة. ومرّت سنوات قبل أن يقرّر عرضها على الملأ. كان الناس وقتها قد نسوا قصّة الأميرة كاثرينا منذ زمن.
بعد اغتيال زوجها، هاجرت كاثرينا وأبناؤها إلى فرنسا وماتت هناك عام 1922م منسيّة وبعيدة عن وطنها. كان يمكن أن تصبح إمبراطورة على روسيا لولا أن القدر اختار للأحداث مسارا آخر.
عندما أتمّ كرامسكوي رسم اللوحة، ابتاعها منه بافيل تريتيكوف الذي ضمّها إلى مجموعته الخاصّة. كان تريتيكوف قد أسّس متحفه قبل ذلك بخمسين عاما، إلا انه لم يخاطر بعرضها فيه وفضّل أن يحتفظ بها في مستودع، ربّما لأنه كان يعرف الهويّة الحقيقية للمرأة.
سيّدة ارستقراطية؟ امرأة ساقطة؟ أرملة امبراطور قتيل؟ امرأة آتية من عصر آخر مختلف؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين هويّة امرأة كرامسكوي المجهولة.
المهم أن اللوحة تحوّلت بمرور الوقت إلى أيقونة، بينما يصفها البعض بالموناليزا الروسية. وأصبحت بطلتها رمزا لجيل من النساء اللاتي لم يستطعن أن يتكيّفن مع منظومة القيم الاجتماعية القديمة.

الاثنين، مارس 26، 2012

طبيعة بنكهة فيتنامية

ولدت فان ثيو ترانغ في هانوي بـ فيتنام عام 1981م. ومنذ سنوات الطفولة المبكّرة، كانت تبدي شغفا بالرسم والألوان. وقد استطاعت في ما بعد أن تبلور أسلوبها الخاص والمتميّز في رسم الطبيعة، وأصبح جامعو الأعمال الفنّية يتسابقون لاقتناء لوحاتها.
مناظر ترانغ تصوّر جوانب من حياة سكّان الأرياف في شمال فيتنام حيث ولدت. كما أنها تعكس تقدير الرسّامة العميق لجمال الطبيعة وحرصها على استكشاف مواطن ذلك الجمال وإبرازه في لوحاتها التي تتّسم ببساطتها وحيويّتها وبألوانها الثريّة والزاهية التي يغلب عليها البرتقالي والأزرق والأحمر والأصفر.
والملاحظ أن معظم الشخوص في هذه اللوحات هم من النساء اللاتي يظهرن بلباسهنّ التقليدي وقبّعاتهن المخروطية وهنّ إما يمشين في الطرقات أو يتجوّلن في الحدائق أو يقدن الدراجات الهوائية وكأنهنّ في سباق مع الوقت.
التفاصيل في هذه اللوحات مبسّطة كثيرا، وكأن الرسّامة تحاول الكشف عن الجوهر البدائي والعاري للأشياء.
لوحات فان ثيو ترانغ فيها بساطة وعفوية وتلقائية. كما أنها تثير في النفس شعورا بالبهجة والتفاؤل وحبّ الحياة.
وإن كنت ممّن يحبّون المناظر الطبيعية، فإن لوحات هذه الرسّامة، ببساطتها وإشراقها ونضارتها، ستروق لك.